نعم لافتحاص المؤسسات التعليمية، ولكن...
ـ نورالدين الطويليع
يبدو أن القرار الذي اتخذته وزارة التربية الوطنية،
القاضي بمباشرة افتحاص المؤسسات التعليمية الحاصلة على نسبة نجاح تقل عن عتبة 40% في امتحانات
البكالوريا، يبدو أن هذا الخيار يفتقد إلى النجاعة، وتشوبه عيوب كثيرة، لأن معيار
النقطة النهائية الذي ارتكز عليه لا يعتبر مقياسا يُعْتَدُّ به ويُعَوَّلُ عليه في
تقييم مستويات التحصيل الدراسي الفعلية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يجسد
مردودية مدرسية أو جودة تعليمية مهما نما وتضخم، حيث إن محددات كثيرة وعوامل
متعددة تساهم في ارتفاعها أو تدنيها، وهي عوامل لا علاقة لكثير منها بالتفوق
الدراسي وسؤال الحصيلة، وعليه كان أجدر بالوزارة أن تباشر هذه العملية منذ انطلاق
الموسم الدراسي من خلال لجان إقليمية وجهوية ووطنية، تلعب دور المصاحب والمعين والمواكب،
وتسهر بداية على تتبع الدخول المدرسي ورصد معيقاته ومشاكله، لأخذ تصور واضح ورؤية
شاملة تكون نبراسا ومعينا على وضع استراتيجية محكمة تساعد على دخول مدرسي ناجح في
الأعوام المقبلة، مع التنصيص على ضرورة ألا يكون عمل اللجنة موسميا ولحظيا
ومُنَاسَبِيّاً، يقتصر على البداية أو النهاية، أو يأتي كرد فعل على حدث معين، بل
يجب أن يكون مؤسسيا مستمرا، وأن يكون أعضاؤها في وضع اشتغال دائم، وفي تواصل تام
مع مختلف المعنيين والمتدخلين في العملية التربوية من أجل القيام بمجموعة من العمليات
التي تحتاجها المنظومة التعليمية، وتعاني الآن بسبب عدم وجودها أو عدم انتظامها،
ونخص من هذا على سبيل المثال لا الحصر:
1ـ الوقوف الدائم وبشكل مباشر على المشاكل التربوية وغير
التربوية التي تعيق السير العادي للدراسة بالفصول والمؤسسات، وتَقَاسُمُ هَمِّ
البحث عن حلول ناجعة وآنية لها، بعيدا عن منطق "اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ها
هنا قاعدون" السائد الآن، الذي تتملص فيه مختلف الأطراف من مسؤوليتها، بدءا
من المدرسين الذين استقال الكثير منهم من وظيفتهم
البيداغوجية، وصار دورهم يقتصر على محاولة احتواء وحراسة متعلميهم حتى
تنتهي الحصة بدون مشاكل، ومرورا بالحراس العامين الذين يطلقون صفارات الإنذار منذ
البداية، ملتمسين من زملائهم المجندين في
الفصول الكف عن إزعاجهم بوابل الشكايات والتقارير، وانتهاء بالمدراء بمختلف
مراتبهم الذين يوصي صاحب اليد العليا منهم من يليه بحل مشاكله بنفسه وتجنب تصديرها
إليه، الشيء الذي نَمَّى في نفوس الجميع خيار "كم حاجة قضيناها بتركها"،
وجعل كل معني بالعملية التعليمية من هؤلاء يفضل إلقاء جمرة التربية المشتعلة في
بحر اللا مبالاة، وتدبيج تقارير مُطَمْئِنَة إلى هذه الجهة أو تلك، أو فيما بينهم،
تنطق بعكس الصورة تماما، حرصا منهم على عدم إزعاج أحد أو إثارة نعرة غضبه، والظفر
من ثمة بغضبة مضرية، وبِسُبَّةِ الفشل والعجز عن تدبير أموره التربوية بنفسه، أسوة
بزملاء له يُقَوَّمون تقويما جيدا كل عام، لأنهم لا يشتكون ولا يتضجرون، ولا
يكتبون شكايات طلب النجدة والاستغاثة.
2ـ تنظيم دورات تكوينية تهم الأطر المرجعية لفروض
المراقبة المستمرة، حرصا على إضفاء الطابع العلمي عليها، حتى لا تبقى خاضعة
للأهواء الشخصية، ولمنطق المكافأة أو العقاب والانتقام، لأن لوحظ أن الكثير منها
يعتمد على أحد معيارين: إما اختيار أسئلة بسيطة وسهلة لمكافأة المتعلمين على
انضباطهم أو انخراطهم في أداء شعيرة الساعات الإضافية المؤدى عنها، أو استجابة
لطلب الرؤساء المباشرين، وإما البحث عن أسئلة صعبة عقابا للتلاميذ على عدم
انضباطهم أو تخلفهم عن أداء واجب الساعات الإضافية، وكثيرا ما يُعْمَلُ بالخيار
الأول بسبب تدخل الإدارة التربوية في العملية من خلال توجيه الأساتذة للعمل بسلوك
"الريع التربوي" والتفضل ب "نفخ النقط" لإعطاء "صورة
مشرفة" عن المؤسسة، تجلب لها رضا المسؤولين التربويين، وتصرف عنها وعنهم في
الوقت نفسه نحس لفت الانتباه إلى ما يَعْتَوِرُهَا من اختلالات وقتامة، لتتحول
النقطة إلى واجهة براقة ولامعة تخفي خلفها ردم يأجوج ومأجوج، وتداري قذارته
بدثارها، وتحرص كل مؤسسة على تصدير هذا اللغم أو هذا الردم إلى المؤسسة الأخرى في
نهاية السلك وفق منطق "غامالا" لينفجر هذا اللغم في نهاية المطاف في
ساحة المجتمع، مع ما يعني ذلك من تعزيز القوات المرابطة في زوايا الأزقة والشوارع،
المدججة بمختلف عوامل الانحراف والتعاطي للجريمة، وتغذيتها المستمرة في نهاية كل
سنة دراسية بأفواج جديدة، وهو ما يكرس المزيد من إرهاق المجتمع واستنزافه والدفع
به نحو هاوية الفوضى والمجهول.
3ـ العمل بشكل مشترك مع الأطر الإدارية على استثمار
نتائج الفروض في مختلف المواد، لتحديد مواطن الخلل ومعرفة المهارات والكفايات غير
المتوفرة لدى كل تلميذ على حدة، والانطلاق من النتائج المحصل عليها من خلال هذا
العمل لوضع خطة دعم علمية يُفَيَّأُ فيها المتعلمون إلى مجموعات اعتمادا على
القواسم المشتركة في المهارات التي كشف الاستثمار عن افتقادهم إليها أو ضعفهم
فيها، مع اتباع نفس الخطوات في تتبع نتائج الفرض الموالي، للتأكد من مدى إتيان خطة
الدعم أُكْلَهاَ.
4ـ العمل على المقارنة بين نتائج المراقبة المستمرة
والامتحانين الجهوي والوطني، وفتح تحقيق صارم للوقوف على أسباب البون الشاسع والهوة
الكبيرة بين نقط المراقبة المستمرة والامتحان التي تعرفها كثير من المؤسسات،
واتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد لهذه الظاهرة، لأنه لا يعقل أن يحصل تلميذ في
المراقبة المستمرة على نقطة 16/20، وفي الامتحان على 04/20، ثم تمر هذه المفارقة
وكأن لا عين رأت، ولا أذن سمعت.
أعتقد جازما أنه، وفي ظل اشتغال الوزارة، بهذا الأسلوب
سيحرص الجميع على تأهيل المتعلمين لاجتياز الامتحانات بتفوق، وسيعملون على ضمان
شفافيتها ونزاهتها، وسينخرطون بقوة في محاربة الغش، بعكس الإجراء الوزاري الحالي الذي
سيدفع "أهالي" المؤسسات التعليمية إلى نهج أساليب متعددة، بما فيها غض
الطرف عن الغش في الامتحان و"نفخ النقط" للحصول على نسبة نجاح مرتفعة
تَقِيهم حر لجان الافتحاص، وتكفيهم أمرها، وتمر بهم عبر صراطها بسلام، ولا يهم بعد
ذلك سؤال النجاعة والمردودية التعليميين.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.