طار الأستاذ أحمد إلى مقر سكنى تلميذات له بمجرد ما علم أنهن انفصلن عن الدراسة بعد حصولهن على الشهادة الابتدائية, بذل الرجل مجهودات جبارة لإقناع أوليائهن لإرجاعهن إلى مقاعد الدراسة, مغريا إياهم بأن مستقبلا جميلا ينتظرهن لما يتمتعن به من مهارات وقدرات تعلمية لمسها فيهن أثناء تدريسهن بمستوى السادس ابتدائي.., بعد لأي أثمرت مساعي الأستاذ أحمد موافقة على احتشام انقض عليها انقضاضا, وسارع إلى الاتصال بإدارة الثانوية الإعدادية ابن البناء لتسجيل من اعتبرهن فلذات أكباد, قبل أن يندم الآباء ويغيروا رأيهم, وحرص على التكفل بمصاريف تسجيل شديدات العوز منهن.., ولأن القسم الداخلي مغلق, وسيارات النقل المدرسي ليس لها إلا رحلتا الصباح والمساء, اضطرت العائدات إلى الالتحاق بزملائهن وزميلاتهن الذين يرابضون ببطون فارغة ساعات طوالا قد تصل إلى ست ساعات أمام باب المؤسسة, في انتظار حصة المساء, وقدوم سيارة النقل, التي تأتي صباحا, ثم تنصرف إلى حال سبيلها, ولا تظهر إلا عند الساعة السادسة مساء, مما عرضهن في يوم قائض لهجوم وحوش آدمية لم تر في معاناتهن إلا فرصة ناذرة لمحاولة الاعتداء عليهن, فأطلقن سيقانهن للريح, ليجدن الخلاص عند صاحب دكان
لجأن إليه طالبات حمايته, ليجدن عنده الأمن والأمن, ولتعجل الحادثة بعودتهن من حيث أتين بقرار قال أولياؤهن إنه لا رجعة فيه, لأنه ما كل مرة تسلم الجرة..., أما صديقنا أحمد فقد عض على يديه من الغيظ بذهاب جهوده سدى, وبضياع الفرصة الأخيرة في انتشال تلميذاته من مخالب الهدر المدرسي.
هذه القصة الواقعية تلخص معاناة تلاميذ إعدادية ابن البناء الذين قدر عليهم أن يعانوا الأمرين جراء إغلاق القسم الداخلي في وجوههم من قبل مقاول لم يتلق مستحقاته من الوزارة, فقرر, كورقة ضغط منه, ألا يسلم لإدارة المؤسسة مفاتيح الداخلية التي بقيت تحت الحجز منذ السنة الدراسية الفارطة, ليبقى تلاميذ يبعد الكثير منهم عن المؤسسة بما يزيد عن عشرة كيلومترات, عرضة للجوع, تحت رحمة الظروف الطبيعية, وهم ينتظرون الحصص المسائية, ما يضطرهم إلى إلقاء أجسادهم الجافة والنحيلة فوق أرض جرداء لا تقيهم حر الهجير, ولا قر الزمهرير.
حتى سيارات النقل المدرسي اختاروا لها أن تأتي في الصباح, لترابض في المكان, دون أن تغادره إلا على وقع جرس السادسة مساء, ما يجعل تلميذا أنهى حصته على الساعة العاشرة صباحا ينتظر ست ساعات السيارة العجيبة لتعيده إلى مسكنه, وما يضطر تلميذا يفترض ألا يأتي إلى المؤسسة إلا عند الرابعة بعد الزوال, يأتي على الساعة الثامنة صباحا, ليخوض اعتصام
الذل والإهانة طوال هذه المدة, دون أن تثير حالته الرئيس القائم على تدبير الجماعة, ليتدخل من أجل إنشاء دار طالبة, أو مركز ثقافي لاحتضان المشردين, عفوا التلاميذ, وتخليصهم من العذاب المهين, ودون أن يثير الأمر شغاف قلوب بعيدة عنهم قلبا وقالبا, أغلقت عليها مكاتبها المكيفة بإحكام, حتى لا يتسرب إلى آذانها صياحهم وأنينهم, وحتى لا يروا منظر البؤس الذي قد يفسد عليها "حلاوة العيش", أو يأخذ من وقتها في السعي لتصفية مشكل المقاول وتسديد مستحقاته.
0 Comments
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.