الساعات الإضافية: السوس الذي ينخر التعليم ببلادنا!
|
المصطفى سالمي
إنها أكبر وباء، بل الآفة أو الطامة الكبرى، حديثنا عن الساعات الإضافية، ذلك الشبح المخيف الذي يرعب أولياء أمور التلاميذ، هكذا أصبح التعليم سلعة في المزاد، تجارة مربحة تتحكم فيها "مافيا" أخطبوطية، تذر على أصحابها مداخيل لا يستهان بها، وتقف الوزارات المتعاقبة مكتوفة الأيدي أمام هذا الشره الجنوني، ففي بدايات كل موسم دراسي تبدأ حملة تنظيم المجموعات، وتتكثف الاتصالات عبر الهواتف وعبر تقنيات المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي، وتوضع الترتيبات الخاصة بالأسماء والأثمنة والزمان والمكان، والتركيز غالبا على المواد العلمية واللغات الحية، بل يتم التوسل لهذا الأستاذ أو ذاك حتى يُقبل التلميذ ضمن المجموعة "صاحبة الحظوة"، وكأنه سينال حظا من حكمة سليمان، وهذا يؤكد ـ للأسف ـ الطلب والإقبال على هذه الدروس الإضافية، وخاصة في المدن الكبرى، بل والتهافت عليها، فكثير من الآباء أصبحوا يتوهمون بأن هذه الساعات المؤدى عنها هي قدر لا مفر منه، وأن المعدلات الكبرى لا تتحقق إلا بها، وعبثا تحاول إقناع أحدهم بأن النجاح وتحقيق نقط عالية يمكن أن يتم بالتكوين الذاتي وبتقنيات: "نماذج وحلول"، وأن أجيال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ما كانت تعرف هذا التهافت المريب على الساعات الإضافية.
إن الأمر لم يعد يقتصر على طلبة وتلاميذ التعليم العمومي، بل إن تلاميذ التعليم الخصوصي أنفسهم يتعاطون هم أيضا لهذه الساعات الإضافية، فتجد الابن يقضي ساعات المساء متنقلا بين منزل هذا الأستاذ حيث مادة الرياضيات ثم يستقبل في بيته أستاذ العلوم أو اللغة الأجنبية ..وهكذا، مما يستنزف وقت الأبناء وجيب الآباء الذين يتكلفون ما لا يطاق، فهل هي "موضة" هذه الساعات اللعينة، وهل التلميذ لا يستطيع حقا تحقيق أي نجاح يذكر أو تفوق إلا بها؟ وما دور المدرسة إذا كان التلميذ سيعتمد على ساعات أخرى مؤدى عنها؟ أو بعبارة أصح: هل أفلست الساعات الحقيقية تحت سقف المدرسة العمومية إفلاسا تاما حتى يعمد التلميذ إلى تعويض ذلك بساعات أخرى؟ وهل اللغات الحية تحتاج فعلا إلى ساعات إضافية؟ ألم تكن الأجيال السابقة تكتسب اللغات بممارسة القراءة الحرة للقصص والروايات مما يكسب الأسلوب ويصقل الملكة اللغوية؟! ثم أين دور العمل الجماعي للتلاميذ والجمعيات التطوعية في محاربة هذا الأخطبوط الجهنمي؟ إن المسؤولين في بلادنا يمارسون أسلوب النعامة في التعامل مع هذه الظاهرة التي تغوّلت واشتد عودها، فكثير من المدرسين يفرضون على تلاميذهم في السنوات الإشهادية هذه الساعات الإضافية تحت ضغط النقط، وهذا الابتزاز يمكن تفاديه بأن يحرم المدراء هؤلاء المدرسين من تدريس السنوات الإشهادية أثناء توزيع استعمالات الزمن في بدايات الموسم الدراسي، لكن هذه العملية بدورها تخضع للمحسوبية والتلاعبات ولغة الكواليس الخفية، إنه الفساد الإداري اللعين الذي ينخر جسم المنظومة التربوية، حيث جبر الخواطر وإرضاء بعض الأطراف ومحاولة تجنب سخطها، والضحية هم التلاميذ وأولياء أمورهم الحائرون، هل يسايرون الركب ويدفعون المقابل الباهظ مثل غيرهم، أم يشكلون الاستثناء في زمن أصبح فيه الاعتراض والاحتجاج عملة نادرة، ليبقى الوضع على ما هو عليه، وعلى المتضرر أن يرفع أكف الضراعة للخالق حتى يرفع الغمة، وهكذا يبقى المشهد متكررا وباستمرار: تجمعات مسائية هنا وهناك، وقد لا يخلو الأمر من مزالق ومطبات، خصوصا في ظل ضعف التتبع والمراقبة للأبناء، في حين تتراكم الأرصدة المشبوهة في الناحية الأخرى، وتكتفي الوزارة بمذكرات عقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع، بينما يحكي أحد الظرفاء والعهدة على هذا الراوي أن القسم الأول ابتدائي هو أيضا يعرف ساعات إضافية، إذا صح الخبر ـ ونحن لا نستغرب الأمر ـ فصلوا صلاة الجنازة على تعليمنا، فهو في ذمة الله!
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.