حوار مع القاص والباحث في التاريخ د محمد حماس: ما المطلوب ليعود الأستاذ إلى واجهة المجتمع؟ وأسئلة أخرى..
حاوره سعيد الشقروني
الدكتور محمد حماس، من مواليد مدينة تاوريرت، يوليوز 1961، مقيم حاليا بوجدة، اشتغل بقطاع التعليم بمختف أسلاكه، ابتدائي وثانوي وعالي، وشغل منصب متصرف بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الشرق قبل أن يستفيد من التقاعد النسبي بداية شتنبر 2017..يشغله هَمُ الكتابة والإبداع في مجال تخصصه، في التاريخ، وكذا اهتمامه بمجال الأدب واللغة العربية، ومجال السوسيولوجيا.
صدر له:
- أضغاث أحلام، مجموعة قصصية، 2014 (مطبعة مايلي وجدة)
- امرأة تمارس طقوسها، مجموعة قصصية، 2014 (مطبعة مايلي وجدة)
- أضغاث أحلام، الطبعة الثانية، مجموعة قصصية (بدعم من وزارة الثقافة المغربية، مطبعة Rabatnet، الرباط، 2016)
- ست مجموعات قصصية للأطفال، تضم 18 أقصوصة (بدعم من وزارة الثقافة المغربية، مطبعة Rabatnet، الرباط، 2016)
- "أثير الفراشات" (ومضات)، مطبعة Rabatnet، الرباط، 2016
- مقالات ونصوص قصصية بعدد من الجرائد والمجلات وطنية وعربية
- نشر عددا من القصص للأطفال بعدد من الملاحق والمجلات وحوارات...وضيف على عدد من المنابر الإعلامية والإذاعية؛ قدم لعدد من الإصدارات، وساهم في عدد من الكتب الجماعية، له مقالات أكاديمية في مجالات التاريخ والأدب والسوسيولوجيا، ومشاركات في عدد من الندوات بالمغرب في مناسبات مختلفة.
- وكتب أخرى تحت الطبع..
سعيد بالحوار مع الزميل والصديق الدكتور محمد حماس الأستاذ والباحث والقاص.. لكن ربما قبلها العاشق للحكاية، وللتاريخ وما يحمله من عِبَر ومعاني..
جواب: العفو صديقي، أشكرك بدوري كثيرا على هذه الدعوة التي من خلالها أجدد اللقاء بالأصدقاء والباحثين والمهتمين..
سؤال: في مراحل معينة من حياة الإنسان يكون المرء مضطرا إلى اتخاذ قرارات حاسمة..في زمن اختار محمد حماس أن يكون أستاذا لمادة الاجتماعيات..وفي زمن آخر اختار التقاعد..لماذا هذا الاختيار..؟
جواب: بدوري أعتقد أن التقاعد من مهنة زاولتها مدة 36 سنة، وهو تقاعد نسبي، جاء بسبب غياب شروط العمل وظروفه السيئة، فبقدر اعتزازي بانتمائي لمهنة التدريس وسلك التعليم، قضيت 36 سنة أنتظر الإصلاح الذي يأتي ولا يأتي، فمر بي العمر أراكم الإحباطات لأفهم أن معضلة إصلاح قطاع حيوي وأساس في حياة كل المجتمعات، هي أنه في بلد كالمغرب ليست هناك أصلا إرادة لإصلاحه، لأن من يدبر شأن البلد وبيدهم السلطة والمال والقوة، يفضلون مجتمعا تنخره الأمية، ونساء من ربات الحجال، فأضحى نصف المجتمع معطلا والنصف الباقي أعرج، ولكم أن تتصوروا حال البلد بعد أزيد من نصف قرن من الزمن، أي بعد أن غادرت دول الاستعمار المغرب...اخترت التقاعد بسبب الهزال الذي تفاقم بقطاع التعليم وإدخاله نفق التعاقد والإجهاز على حقوق الشغلية التعليمية التي تراوح 400 ألف....تقاعدي حكمه أيضا التعب من المهنة وكذا الجانب المالي، إذ لابد من البحث عن عمل إضافي يساهم في دعم الأسرة ومصاريف المعاش اليومي .. فالراتب الشهري، كما تعلمون مثقل بالديون وتجد الواحد منا قضى عمرا يعيل أسرته الأولى وتنضاف إليه أسرته الثانية، أي الأولاد، فلا أعتقد أن راتب موظف بسيط سيَفي بمتطلبات الحياة الأساس ..هذا من باب التوضيح دون كتمان سر.. لأن بلدا كالمغرب، يعمل على نهج الضغط على الموظف، ليعيش الحاجة، فتغرقه بالديون أو تضطره لذلك، وتدخله دوامة التفكير في توفير الحد الأدنى من العيش.. الذي لا يمكن للدولة أن تتحكم فيه، ولو أني أتحفظ على مفهوم دولة، هو الفكر لأن فئة عريضة من شغيلة التعليم تعي سياسة الدولة في هذا الاتجاه ..
سؤال: كيف هو درس الاجتماعيات الآن، بالتعليم الثانوي؟
جواب: لا يحتاج الأمر لطرح سؤال من هذا القبيل، إذ يكفي النظر لحال المجتمع، فهل أفراده على علاقة بتاريخ البلد أو حتى بلدان أخرى؟ هناك كم من المعلومات في حاجة للتمحيص العلمي من طرف ذوي الاختصاص، لأن درس التاريخ ذو أهمية بالغة، فقد عانت الأجيال السابقة من تشويه التاريخ وتزييفه وزرع الأحقاد عبره ومن خلاله...فالأمة التي لا تتصالح مع تاريخها لن تعرف إلى النجاح سبيلا...دعني أضرب مثلا بدولتين استعماريتين، فرنسا وإسبانيا، والمناسبة تحضير بحث الدكتوراه عن جزء من تاريخ المغرب بجهة معينة في الحقبتين الحديثة والمعاصرة، بحيث أن المعلومات والمعطيات متوفرة ورهن إشارة الباحثين، سواء من الأرشيف العسكري بالخزانة الوطنية الفرنسية أو الإسباني، كل شيء، حتى الكوارث التي تسبب فيها المستعمر للمغاربة...أما عندنا فالتاريخ له وجه واحد لا باب فيه للجدل والمثابرة والبحث، بل إن، الدرس الحالي لم يتطور رغم التحول الذي عرفه المجتمع المغربي والمناخ الدولي ..
سؤال: ما الغاية من تدريس درس التاريخ؟
جواب: أعتقد أن درس التاريخ يربط الماضي بالحاضر، فمن لا ماضي له لا يمكن أن يستشرف المستقبل، هكذا نبني الحضارة ونجعل الجيل يحمل المشعل عن الجيل السابق، فبالاطلاع على التاريخ الصحيح ترتقي الأمم، فكيف يمكن للجيل الحالي أن يعي دوره الحضاري دون أن يعرف شيئا عن تاريخه وماضيه، فالتاريخ ليس سنوات وأسماء ملوك وسلاطين وأبطال، بل التاريخ يروي قصص الشعوب وما حققته من انتصارات وما خلفته من تراث معرفي وفكري وثقافي مادي ولامادي.. ندرس التاريخ لنستخلص العبر ونستفيد من التجارب ونقف عند الخيبات ونفتخر بالانتصارات ونطلع على تاريخ الشعوب التي تعمر معنا الأرض...هذه هي القيم التي يجب تمريرها للناشئةفي درس التاريخ...فمن التاريخ نستمد القوة والثقة بالنفس..
سؤال: كيف يمكن لأستاذ مادة الاجتماعيات "الجديد" أن يكون ناجحا في مادته؟
جواب: لا أعتقد أن نجاح أي أستاذ لأي مادة تعليمية كيفما كانت، سوف يكفيه رصيده المعرفي وتكوينه الأكاديمي لتدبير عملية التدريس وتوصيل المعلومة للطلاب، لأن الأمر يحتاج لتكوين داخل مراكز مُعَدة لذلك، تجمع بين النظري والتطبيقي والممارسة الميدانية، يتزود خلالها الأستاذ الطالب برصيد معرفي يهم البيداغوجيا والديداكتيك والتشريع والتواصل وغيرها من المهارات التي سيخوض بها ومن خلالها مضمار الحياة المهنية التي هي جديدة بالنسبة إليه، وقد ظل الأستاذ يخضع لتكوين مدته سنتين ليتقلص لبضعة أشهر ثم ينقرض، فأصبحنا أمام مشهد مريب وخطر يداهم المؤسسة العمومية، فالكثير من هؤلاء حملوهم من ساحات الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بالشغل نحو القسم وجماعته لتقع العديد من الاصطدامات والتعثرات وتدني مستوى الطلاب، ثم حاولت الوزارة الوصية، في إطار سياسة مُمَنْهَجة، القضاء على الوظيفة العمومية، فألغت أي تكوين لتتجه نحو التعاقد، لتدق آخر مسمار في نعش المؤسسة العمومية، لأن من هؤلاء من غادر مجال الدراسة والقراءة، أي أضحى في عداد الأميين، ومنهن من تقدمت في السن وأضحى لها أحفاد وصارت لا تعرف من الحياة سوى الحياة الزوجية، ولكم أن تتصورا إسناد القسم لهذه الشريحة من المجتمع...؟ من هنا، فلا يمكن استثناء أستاذ مادة الاجتماعيات من هذا الوضع العام الذي آل إليه قطاع التعليم الذي يحتاج إلى إرادة سياسية للنهوض به...
سؤال: محمد حماس، كيف تنظرون إلى تعاطي أستاذ اليوم، أو نساء ورجال التعليم،مع قضايا المجتمع؟
جواب: أَسَفِي كبير على ما آل إليه الوضع، أقصد الحال التي آلت إليها شغيلة التعليم (لاحظوا معي أني أتحاشى استعمال لفظ تربية، لأنه لا أثر لهذا العمق بالمؤسسات التعليمية)، فبعد أن ظل المجتمع، لعقود، تؤطره هذه الفئة التي منها المبدع والفنان والسياسي والنقابي و... ليتراجع دورها والمكانة التي ظلت تحظى بها داخل المجتمع، فتحول رجل التعليم لموضوع نكتة وتهريج، لأن السياسة القائمة عمدت لتبخيس دوره، لأنه ظل يشكل مصدر خطر على مصالح الفئة السائدة التي تتحكم في دواليب الدولة، هكذا تعرضت الشغيلة التعليمية للتحقير وضرب وحدتها واختراقها وأدلجتها وإغراقها في الديون والقروض الصغيرة وتحميلها ما يفوق قدراتها المالية ودخلها العام، وبالتالي السعي وراء إلغاء دورها كفئة اجتماعية تصنف في الطبقة الوسطى، وقد استمر هذا المسلسلمنذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، وهو مسلسل ساهمت فيه الشغيلة التعليمية، عن وعي أو دون وعي منها، في الإساءة لوضع رجال ونساء التعليم، من خلال التخاذل والابتعاد عن الحياة السياسة والانخراط في امتصاص عرق الآباء بدروس الدعم التي كانت تقدم مجانا ومزاولة عدد من الحرف إضافية متطفلين بذلك على أهل تلك الحرف والعبث بالأهواء وتكريس الوضع المتردي والانخراط في هيئات طالما سببت المآسي للمجتمع واستعلاء الباطل...حتى أضحى قطاع التعليم خرابا من رجاله ونسائه...طبعا لست عدميا، ولا أبغي التقليل من شأن هيأة التدريس، فأنا واحد من هذه الهيئة وأعتز أيما اعتزاز بالانتماء إليها، لكن أتحدث هنا عن ظاهرة وليس حالات، فالجيل الحالي لا يعلم شيئا عن ماضيه وعن النضالات التي خاضتها وقادتها الشغيلة التعليمية لينعم الأستاذ بما هو عليه الآن مقارنة مع الأجيال السابقة، والتي عانت بسب ظروف المهنة وظلت منخرطة في الحياة اليومية، مهتمة بقضايا المجتمع...
سؤال: ما المطلوب ليعود الأستاذ إلى واجهة المجتمع؟
جواب: لا أعتقد أني وحدي أمتلك الجواب على كذا سؤال، لأن الأمر أعمق والجرح اتسع درجة التعفن، فأصعب أمر أن تفقد ثقة الآخرين ولا تحاول استعادتها. لقد حدثت الكثير من التحولات في المجتمع المغربي خلال العقدين الأخيرين، وصار الأستاذ الحلقة الأضعف داخل المجتمع بسبب ابتعاده عن قضايا هذا المجتمع، بل إن الأستاذ توانى حتى عن الدفاع عن حقوقه ومكتسباته، تلك المكتسبات التي تحققت بفضل تضحيات الأجيال السابقة، خلال سنوات الرصاص والجمر والتغييب والمعتقلات، لأن هناك من يعتقد أن المغرب بلغ وضعه الحالي هكذا دون تضحيات من أجل إقرار النزر القليل من الحرية والممارسة الديمقراطية، ولو أنه لم تحصل قطيعة نهائية مع الوضع السابق، لأن مؤسسة المخزن لا تزال قائمة تتحكم في كل شيء وتحسب أنفاس أفراد المجتمع .. لنلق نظرة على الشارع وما يعيشه من فوضى...أعتقد أنه نتاج سنوات من غياب التنشئة الاجتماعية الصحيحة... فالأستاذ يعيش وسط هذه الفوضى ويستقبل طلابه من هذه البنية المجتمعية ويتعامل مع وزارة وصية لا إرادة لها لأنها تخضع لنظام عام وهكذا... المجتمع كثرت علله وأعطابه تسببت فيها السياسات المتعاقبة، لهذا لا غرابة أن تكون النتيجة على هذا النحو وتفرز جيلا من الأساتذة سلبيي الاهتمام والثقافة...أتحدث هنا، دائما، عن الظاهرة وليس الحالات المعزولة..لقد تم إخضاع المجتمع برمته، وكل صوت يصدح فهو يحلق خارج السرب...
سؤال: ما هي مشاريعكم المستقبلية؟
جواب: مشروعي واحد منذ البداية، هو مشروع ثقافي إطاره معرفي، يحكمه نَفَس فكري مُشبع بحتمية التغيير والإيمان بالمستقبل الأفضل، والرهان على دور المثقف داخل المجتمع لملامسة جميع قضاياه والتفاعل الإيجابي معها، والعمل على بث قيم الجمال والخلاق والحب... أكتب وأكتب بشكل مستمر، سواء في مجال الإبداع الأدبي، باعتبار هَوَسِي بالسرد أو الومضات الشعرية، وبالموازاة مع هذه الواجهة التي أحقق من خلالها ذاتي ووجودي، أكتب المقالة في مجال تخصصي، البحث في مجال التاريخ والتراث مقرونين بالكاتبة في مجال السوسيولوجيا، واشتغل أيضا بمجال الترجمة، نصوص تاريخية إلى اللغة العربية ... أما هوسي الكبير فهو بقصص الأطفال..أكتب للأطفال من خلال الطفل الممتد بداخلي.. هكذا أنا..أشتغل منذ مدة على ترجمة كتاب "تسع سنوات في خدمة المغرب" لصاحبه Karow Leonard ، ثم كتاب من الحجم المتوسط يضم ومضات، ثم مجموعة قصصية، قصة قصيرة، جاهز، إضافة لنصوص تخص الأطفال والمقالات الأسبوعية في مجال التخصص...وقد أنهيت تنقيح بحث الدكتوراه ليصدر على شكل كتاب في 2ج، ...... والمشروع مستمر ...
سؤال: أصغيت إلى أجوبتك باهتمام..وراقني أسلوبك في الكلام..هذا ما يجنيه عشق الفكر الراقي والمعرفة البانية بالإنسان..وبك صديقي حماس وما جَنَيْتَ على أحد..دامت لك متعة البحث وعشق الحرف والمعنى..وإلى لقاء قريب..
جواب: ودمت عزيزا صديقي الباحث الجميل سي سعيد على فرصة اللقاء .. نحن نتقاسم هذا الهم. أملي أن يمتد مثل هذا النبش في المسكوت عنه لاستشراف المستقبل عبر الأجيال القادمة .. ولكم مني خالص المحبة.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.