حينما يكون الوزير محرضا..قراءة في أسباب تنامي العنف ومشاعر الكراهية تجاه رجال المنظومة التعليمية ونسائها
نورالدين الطويليع
تنامت حوادث الاعتداء على رجال التعليم ونسائه بشكل مثير للانتباه,
خصوصا تلك المرتبطة منها بالضرب والسحل, كما حدث مؤخرا لما صار يعرف ب "حادثة
أستاذ ورزازات" التي اهتز لها الرأي العام, وأثارت مشاعر الحزن والقلق في
النفوس, أمام تحول المدرس إلى مادة للكم والسحل والسخرية بشكل يبعث على التساؤل
العريض عن سر هذا الحقد الدفين, وهذا الغل الذي ينم عن كراهية ضد الأستاذ ثابتة
الأصل راسخة الجذور, وكأن المعتدي ومن معه, ظفروا بمجند في الجيش الإسرائيلي,
وليسوا أمام مواطن يقاسمهم كل شيء, بما في ذلك كسرة الخبز
الحافي.
هذا المشهد, وثمة مشاهد غيره كثيرة,
ليس ابن سفاح, وليس بدعا نبت من فراغ, فقد حظيت تربة التربية والتعليم بمن تعهدها
بسقي مستمر و منقطع النظير بماء الكراهية, ومنهم وزراء حملوا مشعل سحل رجل التعليم
ورميه بأقدح الأوصاف, فما إن يلج أحدهم بناية باب الرواح, ويقضي فيها أياما
معدودات, ويصدم لحجم الملفات الشائكة التي تقف في وجهه, ويعرف أن مهمته مستحيلة,
وأن نجاحه فيها من سابع المستحيلات, حتى يقرر دفن الرأس في التراب, والاستعاضة عن
العمل لتعرية فساد المنظومة، بالضرب بالذيل, ولسع الحلقة الأضعف التي لا بواكي لها
بأسطول من كلمات التبخيس التي تصل حد الإهانة البليغة, دون أن تنزل عن سقف السب
والقذف والقدح, ولسان حالهم الذي يوصي به السابق اللاحق منهم "إذا ادلهمت
عليك الأمور, فأشعل الحرب على الأساتذة, وتأكد أن الشعب كله سيكون معك"[1],
وحسبنا أن نعدد بعضا من خرجات مجانية لآخر وزيرين تقلدا حقيبة التربية الوطنية,
فالأول, ويتعلق الأمر هنا ببلمختار تعامل مع رجال التعليم, كما لو كانوا جيشا
مجندا ضد نجاح المنظومة التعليمية, وصورهم في صورة من يقفون ضد الإصلاح, أو أنهم
ناقض من نواقضه التي تهدم بنيانه كلما أوشك على الاكتمال, دون أن يمل أو يكل من
تكرار عبارات ممجوجة من قبيل اتهام الأساتذة بضعف التكوين, هذا، ولا يمكن أن ننسى مذكرته الفلكلورية 867/14الصادرة بتاريخ
17أكتوبر 2014في شأن القرارات التأديبية المتخذة من لدن مجالس
الأقسام، والتي ألغت عقوبة التوقيف عن الدراسة، وهي مذكرة لا تعدو أن تكون رد فعل نفسي يروم صب زيت الحكرة على
الأستاذ, وإحراقه بأعواد ثقاب الإفلات من العقاب, ومنح ضوء أخضر دائم الاشتعال لكل
من تحدثه نفسه بالاعتداء عليه ليمارس عليه صنوف السحل, ويظهر فيه أمام زملائه
قدرته الفائقة على تصويب اللكمات والمقاربة بالركلات, في انتظار أن يحظى بجائزة
القيام بنزهة في حديقة المؤسسة, ويتشرف بتطوع إدارتها لجلب فسيلة, ليكون له شرف
غرسها, ولتنمو وتترعرع, وتبقى كتمثال يؤرخ لخرجته "البطولية".
هذا العنف الكلامي من قبل وزير لم يكن مسؤولا ولا حكيما, بل كان في
منتهى البشاعة, ساهم لا محالة في تثبيت عرى الكراهية داخل أركان المجتمع, لأنه وجد
من روج له على نطاق واسع, حتى تحولت مضامينه إلى ما يشبه المسلمات, وتناقلتها
الألسن بكثير من التزيد والتحامل, لتستقر في أذهان تلاميذ, كان المفروض أن يربوا
على فضيلة احترام مدرسيهم, وأن تسعى الجهات الرسمية عن طريق وسائل إعلامها إلى خلق
علاقة مبنية على أواصر تقدير قوية بينهم
وبين أساتذتهم, ليس لسواد عيون الأساتذة, ولكن لوجه المنظومة التعليمية, لأن تقدير
ممرر المعرفة وممهر التعلمات شرط أساسي لا محيد عنه لنجاح عملية التلقي التربوية,
فلا يمكن لتلميذ يحمل صورة سلبية عن أستاذه أن ينشد أو ينجذب إلى درسه, وبالمقابل,
سيكون هذا المدرس ضيفا ثقيلا خلال الحصة, لأن من يجلس أمامه لا يرى فيه إلا ما
سمعه عن الوزير وأبواقه الإعلامية وزبانيته في المواقع الاجتماعية, لتتولد عن ذلك
علاقة اقتناصية بعيدة كل البعد عن أعراف التربية, علاقة يرى فيها كل طرف الطرف
الآخر في صورة خصم, إن لم نقل عدو, وفي هذا منتهى المأساة التي تبعث على الأسى
والأسف, وتحفر أخاديد عميقة في جسد تربية واهن, يريدون له أن ينتهي, لأنه لا يعدو
أن يكون أردة تأتي على ميزانية الدولة وتلتهم منها نسبة يرونها ثقيلة. وعلى المنوال
نفسه سار محمد حصاد الذي نسي نفسه في لحظة تماهٍ غريبة مع ضحكات إعلامية وقسمات
وجهها الشامتة في رجال التعليم, حينما سألته: "آش غادي الدير ليهب؟",
وكأنها تسأله عن صراصير حاصرها في ركن قصي في زاوية بيت خرب, ليجيبها الفارس
المغوار, وقد تقمص شخصية عنترة بأنه سيغربلهم (والغربلة في معنى من معانيها تعني
القتل), مدمجا في ذلك بين الابتسامة الغريبة لصاحبة السؤال, واللغة الحربية تجاه من
سئل عنهم, ولولا أن لغة السيد حصاد ضعيفة, ولا تسعفه في نظم الشعر, لركب بكلماته
المتقطعة أبياتا شعرية في فن الافتنان (الجمع بين الغزل والحماسة), ولو أن له
محفوظا من الشعر العربي, لردد على سائلته بيت عنترة بن شداد العبسي:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
لكن الرجل أجاب بمعجمه البسيط وكلماته المتقطعة
التي تحولت, مع الأسف الشديد, إلى عبارة مسكوكة يرددها القاصي والداني: "غادي
يطحنهم - غادي يغربلهم", وهي إشارة سلبية زادت المستنقع تلوثا, وزرعت فيه
مزيدا من نبت الكراهية والتحقير لرجل التعليم, هذا دون أن ننسى خطوته غير الموفقة
في ما سمي بنشر لوائح المتغيبين, دون أن يسمي الأسماء بمسمياتها, ويقول بأنهم في
وضعية الاستفادة من رخص قانونية, وهنا كذلك استُغل الموضوع بمكر, وراحت الألسن
تلوك حكاية الأساتذة الذين يتغيبون عن حصصهم, ويتركون التلاميذ عرضة للضياع, ليصل
الصدى إلى الأسرة بكبيرها وصغيرها, وتتأسس عليها كراهية جديدة, أو ليتم رتق
الكراهية القديمة بما جد من جديد حصاد. لا غرابة إذن أن نسمع عن اعتداء آباء
وتلاميذ على رجال التعليم ونسائه, فرب البيت باللسان ضارب, وما هؤلاء إلا ضحايا
لتصرفات مسؤولين حرضوهم عليهم, وزرعوا فيهم بذور الكراهية تجاههم, وهنا أفتح قوسا,
وأطالب من الجهات المعنية متابعة هذين المسؤولين على ما بذر منهما تجاه الشغيلة
التعليمية, لأن كلامهما المتكرر بهذا الصدد أنبت عنفا تمدد ونما بشكل غريب, حتى
صار يهدد السلم التربوي, وينذر بما لا تحمد عقباه.
[1] ـ أصل
هذه العبارة قولة مشهورة وردت في إحدى مسرحيات شكسبير، على لسان ملك أوصى ابنه
قائلا:"إذا ادلهمت عليك الأمور فأشعل الحرب على أقرب دولة إليك، وتأكد أن
الشعب كله سيكون معك"
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.