الدولة والأستاذ... "نضربك ومنخلي لي
يضربك"
مع حدث الضجة الواسعة والتفاعل المتزايد في المواقع
الإلكترونية والجرائد والصفحات الاجتماعية، هذه الأيام، حول أشرطة فيديو، توثق
لتعنيف تلميذ أستاذه داخل حجرة التعلم وفي مشهد غريب! ما أدى الى استياء كافة
أطياف المجتمع. وعلى إثر ذلك تساءل الكثير من المثقفين والنخب.. حول المستوى الذي
وصل إليه مستوى التربية والتعليم ببلادنا والمكانة التي أصبح فيها رجل التعليم بين
المجتمع عموما، وبين تلاميذه بالخصوص بعدما كاد في السنين الماضية يكون رسولا!
وإذا تتبعنا آراء المجتمع وكتابات المثقفين والغيورين
على التربية والتعليم، سنجد كل واحد كيف يحلل الوضع، وحيث يعزو أسباب هذه الظاهرة؛
لكن في نفس الوقت، الذي يتفق عليه الصغير والكبير والعالم والمتعلم هو إدانة هذا
السلوك واعتباره سلوكا لا أخلاقيا ومسيئا للمجتمع وحضارته بشكل عام، ولا تمت إلى
تاريخ الأمة بصلة، وليس هذا فحسب، بل حتى الدولة بقطاعاتها المختلفة تحركت وتفاعلت
بشكل غير مسبوق؛ بتصريحات واجتماعات طارئة وبإصدار مذكرات...ولكن في حقيقة الأمر
تغافلنا جميعنا تهور الدولة الذي كان بالأمر القريب، وقد تتبع جميعنا
"فرشخة" الأساتذة المتدربين بتلك الصورة البشعة، حتى تلطخت واختلطت "وزراتهم"
البيضاء بالدماء، نساء ورجالا، والشعب المغربي بأسره كان يتابع الأحداث، حتى ترسخت
في أذهانا وأذهان أبنائنا تلكم الصور الفظيعة لأساتذة يجلدون جماعيا وينكلون على
وجوههم من طرف بعض عناصر الأمن تطبيقا لأوامر "الدولة" بمفهومiا المعقد؛ إذ لا زلنا نتذكر التناقضات التي
كانت في تدخل رئيس الحكومة بالبرلمان ووزير الداخلية حصاد آنذاك، بالإضافة إلى
التدخلات العنيفة التي تطرأ كل مرة ضد الأساتذة المطالبين بالترقية بناء على
شواهدهم الجامعية، وضد ضحايا الحركات الانتقالية وغيرهم. كما لا ننسى في نفس الوقت
أن التلميذ المغربي هو عنصر من هذا المجتمع، وجزء لا ينفصل عنه، بل قد أصبح اليوم
في ظل تفشي وانتشار الوسائل التكنلوجية الحديثة، وفي ظل تزايد للمنابر الإعلامية المسؤولة
والا مسؤولة... أكثر عنصر قابل للتأثر بما يتلقاه من رسائل سلبية متراكمة، تحدث في
نفسه تحولا على مستوى الوجدان الذي ينتقل فيما بعد إلى السلوك.
حينما ندرك عن وعي هذه الفلسفة في التأثير والتأثر،
سنقترب ولو نسبيا من فهم المؤثرات الحقيقية التي طرأت على أبنائنا، وساهمت في تحول
المجتمع قيما وأخلاقيا.. ذلك أن مجتمع الأمس الذي كان ينظر إلى المعلم مُربيا،
وأبا روحيا، ينير شمعة العلم ويضيء الطريق، ويغرس في النشأ الأخلاق الإنسانية
الحميدة... ليس هو مجتمع اليوم الذي ينظر إلى الأستاذ نظرة احتقار وتصغير. وإلا كيف
سيقدر المجتمع المعلم وهو يتتبع كل يوم أخبارا، وصدور مذكرات وقرارات... تهين
وتقمع رجل التعليم وتكبل يديه من كل الجوانب؟! أو كيف سيحترم المجتمع المعلم وهو الذي جعلت منه
الدولة في كل مرة مضربا من أجل فتات خبز أو حق من الحقوق البسيطة التي لا يرضى أي
موظف أن يطالب بها في القرن الواحد والعشرين؛ كحق الترقية بالشهادة مثلا وحق
الرخصة عن المرض دون تشهير، وحق المساواة في الانتقال وتكافؤ الفرص وغيرها...؟!
كيف سيحترم التلميذ أستاذه وهو يشاهد على هاتفه أشرطة فيديو لعناصر من الأمن (السيمي)
الذين كانوا تلاميذ بالأمي القريب، وهم يشبعون الأستاذ والأستاذة ضربا وينكلون
بجثته في الشارع العام؟ وتلطيخ وجه أستاذة متدربة بالدماء كأنها مجرمة صدر في حقها
الحكم بالرجم والعقاب؟!
وفي ظل هذا كله، تتزيا الدولة اليوم بعد شلل من
الإضرابات والاحتجاجات، بزي المحامي الذي يرافع من أجل الأستاذ بعبارات التنديد
والوعيد، ضد من يهدد أمن وسلامة الأستاذ! لعل لسان حالها يردد المثل المغربي
المشهور: "أنا نضربك وما نخلي الي يضربك"
ذ.لقمان موناش
أستاذ،
وباحث في الفقه الاجتماعي
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.