الشيخ في أرض سويس
حملت بقية أيامي فوق أكتاف زوجتي ثم ودعت ساكنة قشلة سويس، وقلت اللهم إني أسألك استجابة لما تطمح إليه الذات،،، هذه الذات التي رفضت العالم،، رفضت الأصدقاء،، رفضت الرب، رفضت الأنبياء وقتئذ...
اليوم، أجلس قرب سريري أرتجف دون أمان لا أنام، أحدق في النجوم ترقص حول قمرها في السماء، والملوك في الأرض تتمايل كؤوسها على إيقاعات الموسيقى الهادئة، تنطق باسم الرب راجية أن تبعث فيها الروح من جديد، رغم قطع الثلج التي تكمم أفواه أصحابها.
هل يدين الإنسان لشيوخ العلم بأجزاء من أجسادهم حتى يصبح العالم قابلا للمحاورة والضيافة والتجاوز، أم أنه تنصل عن قيمه وجعلها متمهزلة، تقاس على ألسن مثقفين آخرين لا يعرفون شيئا على هذه الأرض القاحلة،،،.
ذات صباح، خرج مصطفى السكماني من باب القرية بعدما ودع أهلها قاصدا الأماكن التي يتصدق أصحابها بقطع من اللحم الجاف. نال رضا الأب بوشعيب والأم المعاشية اللذين تقدما في السن، وما تزال أطماعهما في الذهاب إلى مكة المكرمة معلقة في وظيفة الإبن السكماني.
يتمسك الصغار بحلمهم الضائع، وأبناء الجيران يرفعون أيديهم الكريمة إلى السماء، متوسلة إلى النجوم لقضاء حاجات الإبن في مكانه الجديد.
سلاما أيتها البيضاء،،، سلاما على من أنتجت رجالات تغنى بهم التاريخ، أهدي سلامي أنا السارد إلى من زمر لهم التاريخ بفعل مكرهم وتسلطهم وتكشير أنيابهم على هذا الزمن اللئيم،،،سلاما على من حملوا أقراح الأخرين وشربوها في كؤوس البيرا،،، تحية هذه المرة لمن وصلوا إلى الأستذة وأصبحوا يتبصقون على تلامذتهم الذين حملوا معهم الألف والباء إلى مؤخرات سياراتهم الفارهة.
كان لابد للسكماني أن يجد مكانا يمكث فيه ريثما يجد جحرا يأوي إليه ،،، تعرف على سيدة اسمها فاطنة، يقال لها "زريمق"، تتاجر في جسدها لضمان قوتها اليومي،، هو أيضا يهوى المومس، في يوم من الأيام ضبطه بوشعيب يقبل عاهرة أمام باب المدرسة دون حياء، تفضلت به إلى بيتها الذي تكتريه، قدمت له كأسا متآخيا من الروج، وأطلقت صوت موسيقى المسناوة: "خليك في عيني كبير ومازال نزيدو لقدام...". ذرف دموعا كانت بمثابة قطيعة مع الأحزان التي أتى بها معه، وأصبح كلما دخل إلى البيت ثانية، يحرك رأسه الثقيلة في إشارة إلى فاطنة لخلع ملابسها والكشف على موطن قبر آلام القبيلة،،، تنسمت منه رائحة الجلد المشوي، فأعادت له الروح التي سلبها منه طاغوت سويس.
يا إلهي،،!!!. ما الذي وقع في بيت زريمق،،، شمعة أخذت الروح المعول عليها الى نهر غانغا. من سيأخذ الأبوين إلى زيارة قبر الرسول، ليحدثاه عما يقع لأحفاد سويس الذي رحل ساخطا عن وضع القرية.
لم يعد يفهم ما كان يراد به ساعتها، والحال أن الموضوع حساس للغاية، وقابل لجميع التأويلات، بما فيها تحريض مصطفى على مغادرة قريته وأهله. وهدم براكته،،، كيف كان يستنشق عواصف السيليسيون، ويحضن رعشات جسده الميت، هل فكر يوما النظر الى وجهه في مرآة السماء، أو ربما أخذه الطمع في أن يفكر بأنه الرب الذي يسير العالم، لا ملك قبله ولا بعده، ألا يمكن أن يتنازل على حكم هؤلاء الرعية فقط، الذين سماهم في حياته بالسراح.
دندن الشارع بحروف العجزة، حين رفعت أصواتهم الى السماء والحناجر مرددة وراء الجثة: "لا إله إلا الله". وجيش وراءهم يرد: "محمد رسول الله".
وصلت المعاشية إلى البقع الفوقية، وانطلقت لترى ما إذا كانت ستتعرف على وجه ابنها بين وجوه الملائكة المتراصة فوق الكراسي المبثوثة،،، الوجوه متشابهة تلك اللحظة، صبت في القلب نفسه، واستفسرت لما اقترب منها واحد من الفقهاء: من سيكلمني ثانية ؟. هذا حلم ملعون، يجعلني لن أرزق ولدا مجددا، لكن، كيف ؟. وقد أصبح جسدي ملبدا. وعلا صلبي أكثر فوق رأسي الثقيلة. اليوم، القرية أقفرت، غادرها كل من عليها، بقي الشيوخ غارقين في زوابع ينتظرون الموت، حيث تزمع عظامهم لتخلد إلى الراحة....
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.