الوجهة إلى أين؟

الإدارة فبراير 19, 2018 فبراير 19, 2018
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A
الوجهة إلى أين؟   
عبدالناصر عاوة


   دائما كعادتي عندما ينتابني شعور جميل، فينشد من داخلنا الأمل، تراودني فكرة الكتابة بقلمي الأسود، وفي لحظة خمول ذهني أعود بمخيلتي إلى إحدى اللحظات الجميلة التي دونها التاريخ، وترسخت جذورها بين ذاكرتي وقلبي، في إحدى الليالي وأنا جالس من داخل تلك الغرفة اللعينة رقم (25) رفقة أجمل وأروع الأصدقاء،
وأنا على مشارف الموت، أقصد لم يبق من مصروفي سوى خمسون درهما، وكعادتي عندما يتبقى في حوزتي هذا المبلغ، دائما ما أفكر أن أبحث عن مصروف آخر حتى لا أسقط في الفخ.. وأنا في شرود ذهني.. من أين سأوفر مبلغ ضمان استمراريتي هنا، فإذا بأحد الأشخاص يتصل بي وقال لي يا عزيزي إني ذاهب للبحث عن عمل، من أجل ضمان الاستمرارية فتهت ضحكا، وقلت له لقد وجدتني أفكر إلى أين ستكون وجهتي أنا أيضا، وبعد يوم بالضبط التقيت ذلك الشاب وقررنا أننا سنذهب إلى مدينة مجهولة من أجل البحث عن عمل.. نظرا لأن رصيدنا سيفرغ، قرننا أنه لا نأجل عمل اليوم لغدا، وعند اليوم الثاني صباحا، قرننا أننا سنذهب.. وهكذا بدون تردد قمنا بجمع كل ما نحتاج إليه من لباس وغير ذلك فكانت الوجهة محطة الحافلات ب بجلوذ، وكانت الانطلاقة من هناك بعد الواحدة ظهرا، الوجهة إلى أين؟؟ إلى بركان.. التي دائما ما كانت تراودني فكرة الذهاب إليها، وانطلقت الحافلة من فاس مرورا بتازة وكرسيف وتاوريرت... كانت لحظات جميلة مرت بسرعة البرق داخل تلك الحافلة، لكن لم نكن نعلم، ان ما يخفيه الليل المظلم في تلك المدينة الغريبة، هكذا عند وصولنا إلى بركان في ظلمة سوداء مع العاشرة ليلا، لا طائر يطير ولا إنسان يجوب الشارع...
لكن هنا نفتح قوسا لإحدى الشخصيات الرائعة التي يخلدها التاريخ، ولي الشرف بمعرفة فتيات من داخل الشبكة العنكبوتية مثلها، التي لا طالما كانت تساندني مند مدة طويلة عند معرفتنا على بعضها.. وأنا بدوري كنت أساندها في كل سراء وضراء، وها هي أصبحت الحياة قصيرة، ولم أكن أعلم أن الأيام ستجمعنا يوما، وبمحض الصدفة اتصلت بها، وقلت لها.. كما قلت لك أني سأزور مدينتك ها أنا متوجه نحو مدينتك، ولا تفصلني الا ساعات قليلة عن وصولي... هكذا بدأت تساندني مند تلك اللحظة، وكانت تتصل بي على رأس كل ساعة، وتهتم لشأني وكأنها تعرفني مند وقت طويل...
لكن المفاجئة الكبرى هي عند وصولنا إلى تلك المدينة، التي كنا نسمع عنها مسبقا مدينة الخير والكرم ومدينة التين، فاذا بنا نكتشف أنها مدينة بدون محطة.. سألتني تلك الفتاة أين سيكون مبيتك هذه الليلة، قلت لها مبيتنا سيكون بدون عنوان، عند سماعها  هذا الكلام أصرت على قدومنا الى منزلها بأمر من والديها، دائما ما تحدثهم عني، رغم أنها كانت لا تعرف عني الا إسمي...
وعندها توجهنا الى محطة الطاكسيات، في ذلك الليل البارد المظلم، حيث يظهر علينا أننا قادمون من مكان بعيد، فإذا بنا نكتشف ممارسات مشبوهة من أصحاب الطاكسيات بالمحطة، الممثلة في غلاء تسعيرة نحو منزل تلك الفتاة، لكنهم لم يعلموا أننا نقبل بالتحديات، وأننا رجال وأبناء الفلاحين، هكذا قررنا أنا وصديقي العزيز محمد أن المبيت سيكون في حديقة عمومية، بعد ذلك اتصلت بتلك الفتاة وشرحت لها هذا الموقف الذي لا يعبر على الانسانية في هذه المدينة، رغم اصرارها علينا ان نؤدي هذا الثمن الباهض ونذهب الى منزلها، الا اننا امتنعنا وقبلنا بالتحدي الليلي...
وفي لحظة كانت تشير الساعة الحادية عشر ليلا، فإذا بشخص مجهول جلس بقربنا، وأنا أتحدث  مع صديقي.. أقول له بأن المبيت هنا سيكون باردا جدا وما علينا الا بالصبر، وإذ بذلك الشخص الغريب يتحدث الينا، الذي كان يبدو من خلال مظهره أنه رجل أحمق، ذو لحية بيضاء طويلة، ولباس غريب.. يقرأ السلام علينا، ومن مبادئنا أيضا أقرأناه السلام، لكن أنا بطبعي لا أثق بأحد، أعطيت له مسافة الأمان، وإذا به يقرأ ما يروج في أذهاننا، فقال لنا أنه يظهر أنكم من مدينة غريبة، هل تبحثون عن مبيت ليلي؟ فقلنا له نعم نبحث عن مقهى ليلي إن وجد، فإذا به يقول لنا هيا معي لأرشدكم إلى مقهى قريب، فتوكلنا على الحي الرزاق، واتجهنا معه إلى مقهى قريب من المحطة، فطلبت منه الجلوس معنا لاحتساء قهوة، فوافق على طلبي، لكن تيقنت بأنه ليس رجل احمق خلال حديثي البسيط معه...
وعودة إلى تلك الصديقة الرائعة التي يعجز اللسان والقلب عن وصف شعوري الأخوي تجاهها، فإذا بها تتصل بي لترى ما أخباري عند منتصف  الليل، فقلت لها لا عليك، فنحن في أمان الله ورعايته، ولا تنزعجي من أجلي، اذهبي الى النوم سوف نتواصل في الصباح..
صديقي ذهب داخل المقهى لينام قليلا على كرسي حديدي، أما أنا  فجلست مع ذلك الشخص الغريب، الذي قلت عنه أحمق في البداية، لكن حقيقة لا يجب أن نحكم على أي شخص من خلال مظهره لأن المظاهر خداعة، بل يجب أن نحكم على الأشخاص من خلال أفعالهم وأقوالهم وسلوكياتهم ومعاشرتهم، وبدأنا التعارف والحديث عن تجارب الحياة، هكذا كانت بداية تلك الليلة الجميلة التي يستحيل على العقل والقلب والزمان والمكان نسيانها مدى الحياة، ليلة كانت من أفضل التجارب التي خضتها في الحياة، والتي عجز القلب عن وصف حديثها بدقة وبتفصيل، لأن عندما أتذكر تلك اللحظات والدقائق التي مرت بسرعة البرق ينتابني شعور البكاء..
بعد حديث فاق ثلاثة ساعات، وبالضبط حوالي 3:46 دقيقة صباحا عند اقتراب الفجر، اكتشفت أن ذلك الانسان ليس بشخص عادي، وانما رجل وهب حياته للوطن، تاركا وراءه كل صغيرة وكبيرة، وفي تلك اللحظة أحسست أنه لحد الآن التقيت بأحسن رجل في العالم عاش حياته متنقلا من كل أبوابها، بين كل المدن في سبيل خدمة الوطن، لطالما ذلك الحلم لازال يراودني أنا أيضا بين كل فينة وأخرى مذ كنت صغيرا إلى الآن لخدمة الوطن والمواطنين، لكن رياحي لازلت لم تعصف بعد للوصول إلى المبتغى، وفي لحظة غياب للعقل أغمي علي من شدة النوم لمدة عشرونأدهاننا دقيقة، وإذا بي أستيقظ فزعا، فإذا بي أتفاجئ به لازال جالسا بقربي لا يحرك ساكنا، وبعد بضع دقائق عاد صديقي وتبادل معنا أطراف الحديث واستمرت دقائق الساعة بمرور البرق..
هكذا كانت نهاية تلك الليلة التي يعجز اللسان عن وصفها، هل هي سوداوية أم ليلة دونها التاريخ بكل حوافره؟ وعند 4:32 دقيقة صباحا كانت لحظة وداع مع ذلك الرجل الغريب، الذي جمعتنا به ساعات قليلة، وكأنه جمعتنا به سنوات، صورته لا زالت راسخة في اذهاننا، زودته برقم هاتفي، وذهب في طريقه بلا عودة، لا زلت أنتظر يوم اتصاله، أو تجمعنا به رحلة عابرة في وجهة أخرى..
وعند السابعة صباحا اتصلت بصديقتي رباب التي لم أراها يوما، فوجدتها تنتظر اتصالي، فبدأت مباشرة تشرح لي كل صغيرة وكبيرة حتى اصل الى مركز سكناها، هكذا وبعد مرور وقت وجيز وصلت إلى تلك المنطقة من المدينة، وتوجهت إلى منزلها  بعد شرح وتفصيل لأهم الممرات، فوجدتها تنتظرني هي ووالدتها، واستقبلتنا بكل بحفاوة وفرح.. في البداية لم أستطيع إقناع نفسي أني كنت اعرف هذه الفتاة فقط من داخل الفيسبوك، وها هي حاليا بعد سنة من المعرفة واقفة أمامي، إنه شعور لا يصدق..
بعد ذلك أدخلتنا الى منزلها برفقة أمها، التي أعتبرها حاليا مثل أمي، فطلبت منها شيء واحدا فقط وهو أن أنام، لأنه ولمدة أربعة وعشرون ساعة لم أنم الا عشرون دقيقة،  لكنها رفضت ولم تقبل حتى أحضرت لنا الفطور.. وبعد ذلك خلدنا الى النوم أنا وصديقي، وعند استيقاظنا اتجهنا إلى البحث عن الهدف الرئيسي، الذي خضنا من اجله معارك طويلة للوصول إليه..
هكذا كانت نهاية  تلك القصة التي حملت في طياتها عبر كثيرة، التي أتمنى من القارئ أن يستنتجها بنفسه، وأن يتعلم من هذه التجربة التي تبقى من التجارب التي خضتها في حياتي، برفقة صديقي الغالي....                       


  بقلمي الأسود: عبدالناصر عاوة     

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?m=0