الثانية باكالوريا ملخصات دروس الفلسفة : درس الدولة
محاور الدرس
تقديم :
تعتبر الدولة أهم مؤسسة تسهر على تسيير المجتمع و تدبير شؤونه ؛وهي بذلك أشمل تنظيم
يعكس مجموعة أفراد المجتمع.ويتجلى هذا التنظيم في عدد من المؤسسات الإدارية و القانونية والسياسية و الإقتصادية التي تتطابق مع متطلبات المجتمع. إن وجود الدولة نابع من قصور المجتمع عن تسيير شؤونه في غياب هذه المؤسسة التي تحفظ وجوده و تضمن
استمراريته.
لكن بالرغم من هذه الأهمية التي تشغلها مسألة الدولة ؛يبقى سؤال ماهي الدولة غامضا. وهذا الغموض نابع من الأدوار المعقدة التي تلعبها الدولة والتناقضات الواضحة التي ترافقها .وإذا كانت الغاية من وجود الدولة هي تنظيم أمور المجتمع فهل يقف دورها عند مسألة التنظيم؟ هل يمكن الحديث عن حياد الدولة؟ ثم كيف يكون وجود الدولة مشروعا.؟
يمكن معالجة هذه الاشكالات من خلال المحاور التالية :
لقد جعلت الطبيعة الناس أحرارا و متساويين ؛ غير أن هذا التساوي لا يتحقق مع حالة الطبيعة التي تقوم على اساس الحرب الدائمة والفوضى و الخوف ،وهذا ما يؤدي إلى فناء الجنس البشري .ولذلك كان من الضروري ان يبحث الإنسان عما يساعده على تحقيق الأمن والإستقرار والسلام .لقد اعتبر هوبز حالة الطبيعة حالة حروب و نزاعات بين الأفراد وهي ما سماها بحرب الكل ضد الكل ، لذلك كان لزاما وقف استشراء العنف والإنتقال بالتجمع البشري الى مجتمع الدولة المنظمة . والوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الإنتقال هو التعاقد الإجتماعي الذي يضمن السلم والأمن بوجود حاكم يكون خارج هذا العقد حيث يتنازل الأفراد برضاهم عن بعض حقوقهم الطبيعية لفائدة الحاكم قصد تحقيق المنفعة العامة . وهذا التوافق بين الشعب و الحاكم ادى الى نشوء الدولة . والحاكم في نظر هوبز لا يمكن ان ياتي بتصرف يخالف المصلحة العامة لانه بعيد عن الوقوع في الخطأ و بالتالي يفرض تصور هوبز الخضوع التام لهذا الحاكم .
يشير اسبينوزا في هذا النص الى أن الغاية التي انشئت من أجلها الدولة هي حماية حرية الأفراد و سلامتهم وفسح المجال أمام طاقاتهم و قدراتهم البدنية و العقلية والروحية .إن تحقيق هذه الأهداف (الأمن،الحرية ...) يقتضي تنازل الفرد عن حقه في أن يسلك كما يشاء .ومقابل هذا التنازل يتمتع الأفراد بحرية كاملة في التعبير عن آرائهم و أفكارهم مع بقائهم متمتعين بهذا الحق مادام تفكيرهم قائما على مبادىء العقل واحترام الأخرين و ايضا ما دام الفرد لم يقم باي فعل من شانه الحاق الضرر بالدولة.
ينطلق هيجل من محاولة إبراز قصور التقليد الفلسفي السياسي التعاقدي بجعل غاية الدولة تقف في حدود تحقيق الأمن والحرية والملكية الخاصة .إن الدولة غاية في حد ذاتها , باعتبارها نظاما أخلاقيا يكون في احترامه احتراما للعقل باعتبار الدولة تجسدا للعقل، لذلك كان من الواجب الإنخراط في الدولة؛ فلا وجود لحرية الأفراد في غياب حرية الدولة فمنها يستقي الأفراد حريتهم .
إن اقتصار دور الدولة على تحقيق غايات خارجية (السلم ،الملكية الخاصة،الحرية....) يجعل الإنتماء الى الدولة مسالة اختيارية والحال أن علاقة الفرد بالدولة أوثق واوطد.فمصير الفرد ان يعيش في حياة جماعية كلية . هكذا تختفي النزعة الفردية في التصور الهيجيلي للدولة والذي يجعل لها سلطة مطلقة تسحق الفرد تحتها كما أنها ذات سيادة وروح كليتين.
يستعرض ماكس فيبر في بداية الفصل الثاني من كتابه"العالم والسياسي"لنظرية في خصائص مشروعية السلطة في المجتمعات ؛ حيث اعتبر ان الدولة هي المعبر الفعلي عن علاقات الهيمنة وذلك وفق نموذج سياسي معين ؛ إذ تتنوع أشكال الممارسة السياسية بتنوع البعد التاريخي للمجتمعات .وفي هذا الصدد يمكن النظر مع فيبر الى تاريخ الدول /السلط /المشروعيات بماهي تعبير عن السلطة كمؤسسة حاكمة وقائمة في التاريخ . واولى هذه السلط ؛ تلك التي يمثلها"الأمس الأزلي" من خلال الاحتكام إلى العادات و التقاليد .وهذا ما يبرر ذلك الاحترام و التقديس الذي يحف تلك الأعراف السائدة في هذا التحمع القبلي أو الاجتماعي ؛ حيث تبرز هذه السلطة التقليدية في شخص الأب الأكبر او السيد . أما ثاني هذه السلط؛ فتلك المبنية على المزايا الشخصية لفرد ما لكونه يتمتع بكارزمية تجيد لفت الإنتباه إليه مادام يتمتع بقدرات خارقة تجعله ملهما وبطلا في أعين من يحيطون به ؛ مما يكسبه هالة من الوقار والاحترام والثقة تجعل منه زعيما لهذا التجمع البشري ..وهذا النوع من السلط هو الذي مارسه الانبياء ؛ أو قائد الحزب أو الديماغوجي الكبير .واخيرا تلك السلطة التي تفرض نفسها في إطار فضيلة المشروعية ؛ بمعنى تلك السلطة التي تؤمن بصلاحية النظام السياسي القائم من خلال الايمان بمشروعه وكفاءته واحتكامه لقواعد عقلانية ؛ او لانها سلطة قائمة على مبدأ الخضوع والا متثال للواجبات و الإلزامات المطابقة لقوانين النظام القائم ؛ وهذه السلطة هي التي يمثلها "خادم الدولة الحديثة".
إن دوافع احتكام الناس إلى السلطة منبعه خوف الناس من الممسكين بزمام السلطة؛ أو ذلك الأمل الذي يحيا في كل فرد بالجزاء الذي قد يحصل عليه سواء دنيويا أو في العالم الأخر . ويمكن القول أن تبرير مثل هذه التمثلات يكتسي اهمية كبرى بالنسبة لبنية السيطرة ؛ بل ومن الأكيد أن مصادفة مثل هذه النماذج في الواقع يعد أمرا نادرا جدا ؛ومع ذلك لم يعد اليوم ممكنا الحديث باستعراض كل تفاصيل هذه النماذج إلا بدمجها في إطار النظرية العامة للدولة.
تعتبر السلطة السياسية شكلا من أشكال التنظيمات التي تنظم حياتنا الاجتماعية والسياسية وذلك بوسائل وطرق مختلفة وطبائع متعددة، فلا يمكن تصور حياة اجتماعية منظمة دون وجود سلطة سياسية وراءها.و يعد مكيافلي من الأوائل الذين فكروا في إشكالية السلطة وطبيعتها داخل الدولة بعد أن تم استقلال الدولة الأوربية عن سلطة الكنيسة؛ وهو ما يصطلح عليه بنموذج الدولة الحديثة التي أصبحت ترتبط بشخص الأمير وقدراته في استخدام كل الوسائل الممكنة المشروعة وغير المشروعة ، القانونية والغير القانونية ،بتحقيق الوحدة و إرساء القوانين.
فما يذهب إليه مكيافلي في كتابه الأمير،كيف للأمير أن يحكم ؟ وأن يحفظ حياته وحياة الناس معه داخل الدولة ؟ فالدولة حسب مكيافلي غير منفصلة عن الأمير الذي يحكمها، فهما شيء واحد.
لهذا نجد مكيافلي يقدم مجموعة من النصائح للأمير من أجل توطيد سلطته السياسية وذلك عبر استغلال الفضائل الحميدة والرذائل وتوظيف الوسائل المتاحة و لكن شريطة ألا يفقد الأمير حب شعبه له لأنه قد يحتاج هذا الحب في وقت الشدائد،وهذا ما يجعل الأمير يتعامل وسط الناس بحيطة و حذر حيث يرى مكيافلي أنه على الأمير أن يكون ثعلبا وأسدا في نفس الوقت فكيف للحاكم ان يكون مثل ذلك؟
إن هذا الاعتبار يعني أن هناك طريقتين في ضبط الحكم ، الطريقة الأولى و كما يشير إليها مكيافلي هي الطريقة القانونية والتي تعتمد أو تستند إلى ماهو قانوني. أما الطريقة الثانية فهي طريقة القوة و التي من خلالها يستطيع الأمير إرهاب وتخويف الأعداء، لهذا على الأمير ان يعرف كيف يحكم ، وكيف يتصرف انطلاقا من هاتين الطريقتين؟ فأن يكون ثعلبا معناه ان يعرف كيف يحمي نفسه من الوقوع في الفخاخ و أن يكون أسدا معناه أن يكون شديد القوة و الجهامة حتى يخيف الآخرين.
فممارسة السياسة حسب هذا الطرح تكون بحب الطبائع البشرية، فالأمير يحكم بوفاء وإخلاص مع وجود الناس الأخيار، وطبعا ليس كل الناس مثل ذلك، فمنهم الأشرار وهؤلاء يستوجب معهم نوعا من السلطة التي تحول دون هذا الشر، فمن أراد أن يكون ثعلبا من اجل أن يخدع الناس قد يجابه بخداع اكبر منه ويسقط في فخ قد يكون وهو الذي نصبه بنفسه.
فإلى أي حد يمكن القول معه أن السياسة هي نتاج الصراع والقوة؟
2-السياسة بما هي اعتدال(نص ابن خلدون)
إن ما ينطلق منه ابن خلدون في تصوره لطبيعة السلطة السياسية قد يختلف تماما عن ما ذهب إليه مكيافلي في تصوره السالف الذكر، فما مضمون تصور ابن خلدون للسلطة؟
في تحليل ابن خلدون لمفهوم الدولة وكيف ينبغي للدولة ان تكون وما يجب ان تقوم عليه العلاقة بين السلطان والرعايا،يذهب إلى انه لا يمكن للرعية ان تستغني عن السلطان ولا للسلطان أن يستغني عن الرعية، فالعلاقة جدلية بينهما فالسلطان هو من له رعية، والرعية هي من لها سلطان. وهذه العلاقة هي نموذج السياسة المثلى التي تقوم على الاعتدال،وإذا كانت هذه الملكة( الاعتدال) تقوم على الرفق والحكمة حصل المقصود بين السلطان ورعيته .أما إذا كان السلطان على بطش وعقاب فسدت هذه الملكة وحل الذل والمكر محل هذا الرفق، فحسن الملكة بين السلطان ورعيته هو التوسط و الاعتدال، بمعنى لا إفراط في الشجاعة والكرم حتى التهور وبالتالي الانحلال ، ولا إفراط في الجبن و البلادة حتى الجمود. فهذا يتنافى و الصفات الإنسانية حسب ابن خلدون؛ فالحاكم والسلطان هو من يحكم رعاياه باعتدال و توسط وليس الدخول معه في صراع وتحايل ومكر وخداع .
يذهب مونتسكيو في كتابه" روح القوانين
" الى التمييز بين ثلاث وظائف أساسية للدولة وهي : السلطة التشريعية- السلطة التنفيذية- السلطة القضائية.فالأولى متمثلة في البرلمان وهي التي تشرع القوانين داخل الحياة في الدولة.أما الثانية تتمثل في الحكومة والتي تكون بتنفيذ تلك القوانين , كما تعمل أيضا على توفير شروط الأمن للمواطنين.أما النوع الثالث فيتجلى دوره في تطبيق تلك القوانين وممارستها و هذا النوع الأخير كما يقولمونتسكيو هو الكفيل بضمان الأمن و الحرية. لهذا يذهب مونتسكيو الى الفصل بين هذه السلط الذي من أجله يتأتى جو الأمن والحرية والمساواة و أن تداخل هذه السلط حسب مونتسكيو قد يؤدي إلى الجور والظلم وإهدار حقوق المواطنين وسلب حرياتهم. ولذلك وجب استقلال كل من السلطة التشريعية والسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية بحيث لا يجوز لهذه الأخيرة أن تصدر أحكاما كما لا يجوز لها أن تعرقل الأحكام التي أصدرها القضاء أو الحكومة.
ونفس الأمر بالنسبة للسلطة القضائية بألا تتدخل في اختصاصات السلطة التنفيذية وأيضا نفس الأمر بالنسبة للسلطة القضائية مع السلطة التشريعية بمعنى ألا يكون المشرع قاضيا،فهذا قد يؤدي حسب مونتسكيو إلى تعذر قيام العدالة والمساواة والتي قد تضيع معها كل القوانين والمراسيم من جهة ، ثم الأحكام –التي هي من اختصاص القضاء –من جهة ثانية. بهذا وجب أن يستقل القضاء عن السلطة التشريعية حتى نتجنب الظلم و الطغيان كما يوضح مونتسكيو.وهذا لا يعني الانفصال المطلق والتام بين هذه السلط كما يدعو مونتسكيو، بل إن هناك في الحقيقة تعاون وتعاضد فيما بينها.فكل واحدة من هذه السلط تكمل الأخرى فالسلطة التشريعية أو البرلمان هي الرافد الأساسي الذي يستند إليه القضاء في إصدار الأحكام ،وهذه الأحكام بالضرورة تحتاج إلى تنفيذ والذي يتولى هذه المهمة هو الحكومة أو السلطة التنفيذية.
من هنا يمكن القول على أن التكامل بين السلط طبيعي ومقبول وإن كنا قد أكدنا مع مونتسكيو على ضرورة الفصل والاستقلال وعدم تداخل إحدى هذه السلط في مجال الأخرى الذي قد يؤدي الى ضياع الحقوق . بالإضافة إلى كل هذا يجب على الدولة ان توفر لمواطنيها حقا آخر يرتبط في الواقع ارتباطا وثيقا بحق الحرية، ألا وهو حق الأمن والرعاية ضد الأخطار الخارجية.
طرح تجديد الفكر الماركسي إشكالا نظريا فيم يخص مسألتين : الأولى تتعلق بأن كل محاولات التجديد التي لحقت الماركسية اتهمت بالمراجعة ؛ أو اتهمت بتحريف أصول الماركسية.والثانية تتعلق بأن مسألة طرح الماركسية من جديد في المجتمع بعيد عن لحظة ماركس بعشرات السنين؛ معناه إعادة النظر أو على الأقل تكييف الفكر الماركسي مع معطيات العصر. وفي هذا الصدد يحضر لوي ألتوسير كأهم منظر للنظرية الماركسية .وفي هذا النص يكشفألتوسير عن الأبعاد الأيديولوجية الأجهزة الدولة مستثمرا في ذلك العدة المفاهيمية لماركس من خلال استحضار مفهوم الصراع والهيمنة والتحكم والمراقبة والقمع والعنف. ومن هذا المنظور يميزالتوسير بين نوعين من الأجهزة التي تحكم بها الدولة ؛ النوع الأول يرتبط بجهاز عياني يتمثل في الجيش والشرطة والسجون ؛ حيث يمثل جهازا عنيفا تتم بواسطته قمع كل أشكال الانحراف والتظاهر ؛ أي أن الدور المنوط بهذا الجهاز هو شل حركة المجتمع نحو الثورة .أما النوع الثاني فيرتبط بجهاز اخر أكثر تكتما تسرب من خلاله الدولة إيديولوجيتها الخاصة وفق الشروط والظروف التي تسمح لها بذلك ؛وفي هذا الإطار يمكن إدراج كل مؤسسات الدولة : مؤسسة دينية ، مدرسية، قانونية، إعلامية...
إن كل هذه المؤسسات تمارس الدور المكمل لما تقوم به أجهزة الدولة القامعة،التي و إن كانت تمارس العنف المادي، فإن هذه المؤسسات الأخيرة تمارس نوعا من التعمية و التعنيف الايديولوجي من خلال ما تمارسه من إكراه فكري؛ بل وأن هذه السلطة التي تمتلكها تبقى في كل المجتمعات متخفية لكونها إما تخاطب الجانب الوجداني أو الإلزامي(الدين، القانون) في الإنسان؛ ومن تم، فهذه الأشكال الإيديولوجية لابد وأن تتكامل فيما بينها لتنتج شكلا قمعيا للدولة.
يمكن القول على سبيل افتراضي أن التصور الفوكوي لطبيعة السلطة السياسية يختلف عدة ونتائج عن التصور الألتوسيري لأشكال أجهزة الدولة وممارستها لفعل القمع .وهنا يجب أن نشير إلى ان فوكو ينطلق من فرضية تقول أن الإستراتيجيات و علاقات القوى المتعددة التي تتداخل فيما بينها هي التي تخلق سلطة الدولة ومؤسساتها .ومن هذا المنطلق ، فإن السلطة عند فوكو لا تعبر عن شكل متعال عن مجال اشتغالها ، بل عن شكل محايث يطلق على وضعية استراتيجية معقدة في مجتمع معين .
إن التصور الكلاسيكي للسلطة ظل محصورا في مجموع الأجهزة و المؤسسات التي تمكن من إخضاع المواطنين داخل دولة معينة سواء عن طريق العنف أو عن طريق القانون. لكن فوكو سوف يرفض هذا التصور بدعوى أن الانطلاق من فرضية سيادة الدولة في إطار الشرعية و الهيمنة معناه الوصول إلى الشكل النهائي للسلطة، وعليه، فإن الذي يهم ،حسب فوكو، هو البحث عن أشكال تغلغل وتواجد وتصارع مجموعة من القوى داخل مجتمع ما لتفرز شكلا مهيمنا ما. يقول :"يبدو لي أن السلطة تعني بادئ ذي بدء علاقات القوى المتعددة التي تكون محايثة الذي تعمل فيه(....) إنها الحركة التي تحول تلك القوى و تزيد من حدتها وتقلب موازينها بفعل الصراعات التي لا تنقطع". ولا يخفى ان القول بحتمية الصراع معناه التوسل بخطط واستراتيجيات تضمن دوام المنافسة و الصراع مع الخصم من أجل الهيمنة. فإذن ما السلطة؟يجيب فوكو بقوله "يجب تحليل السلطة كشيء متحرك ، وبالأحرى كشيء لا يمكنه الاشتغال إلا عن طريق التسلسل ، فهي ليست محلية وليست بيد أحد ، بل تشتغل في إطار شبكة ، ومن تم( تضمن) حركة الأفراد بجعلهم مستعدين للخضوع أو ممارسة السلطة ." والقول بشبكية السلطة معناه الإقرار بعدم جدوى البحث عن السلطة في النقط المركزية للدولة كما تمثلها المؤسسات ، بل من الضروري الالتجاء إلى أكثر النقط الهامشية لأنها أكثر فاعلية .ومن هذا المنظور ، يلح فوكو على اعتبار السلطة نوعا من المعرفة الإستراتيجية الموجًهة والموجَهة ، فمن جهة لا تشتغل السلطة إلا على نحو معرفة ، والمعرفة هي التي تضمن سيادة السلطة .ولهذا يمكن القول أن السلطة متواجدة في كل مكان وزمان نظرا لقدرتها على التولد في كل لحظة ؛ إذ بمجرد ما تنبع معرفة ما (علمية أو غير علمية) لابد وأن تتمظهر في شكل سلطة معينة بالغة التعقيد لدرجة يصعب تتبع أصول نشوئها .
-1 مشروعية العنف( ماكس فيبر)
يعبر كتاب "العالم والسياسي" لماكس فيبر عن إشكالية جدلية يحياها المجتمع المعاصر ؛ بين تدخل العلم في شؤون المجتمع ومحاولات تغييره نحو الأحسن وبين رؤية السياسي الذي يمارس نوعا من الهيمنة في إطار من المشروعية.
إذن كيف يمكن تحديد مظاهر تسييس كل مناحي الحياة الاجتماعية وجعلها خاضعة لهذا النموذج السياسي أو ذاك ؟
إن السياسة عند فيبر وإن كانت تحيل في دلالاتها على تمظهرات كثيرة ترتبط بوسائل التدبير والتحكم , فإنها تحيل بشكل أساسي على مفهوم الدولة كقيادة سياسية لتجمع بشري في جغرافية معينة.لكن كيف يمكن للدولة أن تسوس أمور الشعب ووفق أي أدوات ؟
يقول فيبر على لسان تروتسكي أن وسيلة الدولة المثلى هي العنف كضامن وحيد لهيمنة الدولة.غير أن هذا العنف وإن كان ليس وسيلة الدولة الوحيدة ، إلا أنه أكثر أسلحتها نجاعة في قيادة المجتمع ولممارسة السلطة ، مادام أن تاريخ البشرية كشف عن محاولات التعنيف لضمان السلم الاجتماعي . من هذا المنطلق يرى فيبر أن السياسي يتوق إلى السلطة ، إما لأنها وسيلة لتحقيق غايات مثالية أو أنانية و إما لذاتها من أجل إشباع الشعور بالفخر الذاتي والرغبة في الوصول إلى السلطة وامتلاكها، بل وإن الاحتفاظ بها يعني بالضرورة أن الدولة /السلطة تعتمد على علاقة أساسية تربط بها هيمنة الإنسان على الإنسان من خلال العنف المشروع، ومن تم يقول فيبر"لا يمكن أن توجد الدولة إلا بشرط خضوع الناس المهيمن عليهم إلى السلطة"
يمكن القول إذن أن الدولة من هذا المنظور هي المالكة الوحيدة لحق ممارسة العنف داخل تجمع سياسي معين كونها تمتلك وسائل متعددة لممارسة السلطة.
لا يمكن النظر إلى الفكر الماركسي إلا من داخل علاقاته المتشنجة مع فلسفة هيغل . والواقع أن ماركس أخد عن هيغل في كثير من أطروحاته دون أن يمنعه ذلك من إعادة النظر في التصور الهيغيلي للتاريخ والدولة. إذ إذا كان هيغل قد أقر بأن التاريخ أو الروح المطلق قد انتهى مع الدولة البروسية معبرا عن انصهار العقل في الواقع والواقع في العقل، فإن مثل هذا التصور لا يخفي عن نفسه البعد التبريري والاختزالي للتاريخ ، وربما هذا ما يبرر قلب ماركس للجدل الهيغلي بجعله يسير على قدميه بعد أن كان يسير على رأسه.فإذن كيف يحضر مفهوم الدولة عند كل من ماركس وانجلز؟ وما علاقة تطور التاريخ بالدولة؟
إن الدولة في نظر إنجلز ليست هي الصورة المطلقة لظهور العقل في التاريخ وفي الدولة , بل إنها نتيجة تصارع قوى عديدة داخل هذا المجتمع أو ذاك في مراحل تطوره.وهذا يعني تماشيا مع التصور الماركسي ، أن التناقض والصراع هو المحدد الأول والأخير في تمفصل طبقات المجتمع تبعا للمصالح الاقتصادية لكل طبقة، ومن هنا يمكن فهم أساس قيام الدولة كطرف للمصالحة بين الأطراف المتنازعة ، ومن تم تنصب نفسها فوق المجتمع.
ولهذا السبب يمكن فهم حاجة كل المجتمعات إلى الدولة ، إذ إن كل إفرازات المجتمع الإيديولوجية والدموية بين الأفراد والطبقات تحتاج كلها إلى جهاز سلطة لكبح تعارضاتها وجعلها في مستوى مقبول.لكن لا ينبغي ان نفهم من هنا ان الدولة طرف محايد في معادلة الصراع، بل هي دوما تتشكل من الطبقة الأقوى في المجتمع أي تلك الطبقة التي تسود وتهيمن اقتصاديا ، مما يضمن لها أن تسود سياسيا .وهذا يعني ، حسب انجلز، لم توجد في يوم من الأيام إلا عندما تطور الميدان الاقتصادي وفرض تنظيم المجتمع وفقا لوسائل الإنتاج والاستغلال .
- مشروعية الدولة و غاياتها.
- طبيعة السلطة السياسية.
- الدولة بين الحق و العنف.
تقديم :
تعتبر الدولة أهم مؤسسة تسهر على تسيير المجتمع و تدبير شؤونه ؛وهي بذلك أشمل تنظيم
يعكس مجموعة أفراد المجتمع.ويتجلى هذا التنظيم في عدد من المؤسسات الإدارية و القانونية والسياسية و الإقتصادية التي تتطابق مع متطلبات المجتمع. إن وجود الدولة نابع من قصور المجتمع عن تسيير شؤونه في غياب هذه المؤسسة التي تحفظ وجوده و تضمن
استمراريته.
لكن بالرغم من هذه الأهمية التي تشغلها مسألة الدولة ؛يبقى سؤال ماهي الدولة غامضا. وهذا الغموض نابع من الأدوار المعقدة التي تلعبها الدولة والتناقضات الواضحة التي ترافقها .وإذا كانت الغاية من وجود الدولة هي تنظيم أمور المجتمع فهل يقف دورها عند مسألة التنظيم؟ هل يمكن الحديث عن حياد الدولة؟ ثم كيف يكون وجود الدولة مشروعا.؟
يمكن معالجة هذه الاشكالات من خلال المحاور التالية :
|- المحور الأول : مشروعية الدولة وغاياتها
1- غاية الدولة تحقيق السلم .( نص هوبز)
لقد جعلت الطبيعة الناس أحرارا و متساويين ؛ غير أن هذا التساوي لا يتحقق مع حالة الطبيعة التي تقوم على اساس الحرب الدائمة والفوضى و الخوف ،وهذا ما يؤدي إلى فناء الجنس البشري .ولذلك كان من الضروري ان يبحث الإنسان عما يساعده على تحقيق الأمن والإستقرار والسلام .لقد اعتبر هوبز حالة الطبيعة حالة حروب و نزاعات بين الأفراد وهي ما سماها بحرب الكل ضد الكل ، لذلك كان لزاما وقف استشراء العنف والإنتقال بالتجمع البشري الى مجتمع الدولة المنظمة . والوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الإنتقال هو التعاقد الإجتماعي الذي يضمن السلم والأمن بوجود حاكم يكون خارج هذا العقد حيث يتنازل الأفراد برضاهم عن بعض حقوقهم الطبيعية لفائدة الحاكم قصد تحقيق المنفعة العامة . وهذا التوافق بين الشعب و الحاكم ادى الى نشوء الدولة . والحاكم في نظر هوبز لا يمكن ان ياتي بتصرف يخالف المصلحة العامة لانه بعيد عن الوقوع في الخطأ و بالتالي يفرض تصور هوبز الخضوع التام لهذا الحاكم .
2- غاية الدولة هي الحرية.( نص اسبينوزا)
يشير اسبينوزا في هذا النص الى أن الغاية التي انشئت من أجلها الدولة هي حماية حرية الأفراد و سلامتهم وفسح المجال أمام طاقاتهم و قدراتهم البدنية و العقلية والروحية .إن تحقيق هذه الأهداف (الأمن،الحرية ...) يقتضي تنازل الفرد عن حقه في أن يسلك كما يشاء .ومقابل هذا التنازل يتمتع الأفراد بحرية كاملة في التعبير عن آرائهم و أفكارهم مع بقائهم متمتعين بهذا الحق مادام تفكيرهم قائما على مبادىء العقل واحترام الأخرين و ايضا ما دام الفرد لم يقم باي فعل من شانه الحاق الضرر بالدولة.
3- الدولة تجسيد للعقل.(هيغل).
ينطلق هيجل من محاولة إبراز قصور التقليد الفلسفي السياسي التعاقدي بجعل غاية الدولة تقف في حدود تحقيق الأمن والحرية والملكية الخاصة .إن الدولة غاية في حد ذاتها , باعتبارها نظاما أخلاقيا يكون في احترامه احتراما للعقل باعتبار الدولة تجسدا للعقل، لذلك كان من الواجب الإنخراط في الدولة؛ فلا وجود لحرية الأفراد في غياب حرية الدولة فمنها يستقي الأفراد حريتهم .
إن اقتصار دور الدولة على تحقيق غايات خارجية (السلم ،الملكية الخاصة،الحرية....) يجعل الإنتماء الى الدولة مسالة اختيارية والحال أن علاقة الفرد بالدولة أوثق واوطد.فمصير الفرد ان يعيش في حياة جماعية كلية . هكذا تختفي النزعة الفردية في التصور الهيجيلي للدولة والذي يجعل لها سلطة مطلقة تسحق الفرد تحتها كما أنها ذات سيادة وروح كليتين.
ملحق: مشروعية سلطة الدولة(نص ماكس فيبر)
يستعرض ماكس فيبر في بداية الفصل الثاني من كتابه"العالم والسياسي"لنظرية في خصائص مشروعية السلطة في المجتمعات ؛ حيث اعتبر ان الدولة هي المعبر الفعلي عن علاقات الهيمنة وذلك وفق نموذج سياسي معين ؛ إذ تتنوع أشكال الممارسة السياسية بتنوع البعد التاريخي للمجتمعات .وفي هذا الصدد يمكن النظر مع فيبر الى تاريخ الدول /السلط /المشروعيات بماهي تعبير عن السلطة كمؤسسة حاكمة وقائمة في التاريخ . واولى هذه السلط ؛ تلك التي يمثلها"الأمس الأزلي" من خلال الاحتكام إلى العادات و التقاليد .وهذا ما يبرر ذلك الاحترام و التقديس الذي يحف تلك الأعراف السائدة في هذا التحمع القبلي أو الاجتماعي ؛ حيث تبرز هذه السلطة التقليدية في شخص الأب الأكبر او السيد . أما ثاني هذه السلط؛ فتلك المبنية على المزايا الشخصية لفرد ما لكونه يتمتع بكارزمية تجيد لفت الإنتباه إليه مادام يتمتع بقدرات خارقة تجعله ملهما وبطلا في أعين من يحيطون به ؛ مما يكسبه هالة من الوقار والاحترام والثقة تجعل منه زعيما لهذا التجمع البشري ..وهذا النوع من السلط هو الذي مارسه الانبياء ؛ أو قائد الحزب أو الديماغوجي الكبير .واخيرا تلك السلطة التي تفرض نفسها في إطار فضيلة المشروعية ؛ بمعنى تلك السلطة التي تؤمن بصلاحية النظام السياسي القائم من خلال الايمان بمشروعه وكفاءته واحتكامه لقواعد عقلانية ؛ او لانها سلطة قائمة على مبدأ الخضوع والا متثال للواجبات و الإلزامات المطابقة لقوانين النظام القائم ؛ وهذه السلطة هي التي يمثلها "خادم الدولة الحديثة".
إن دوافع احتكام الناس إلى السلطة منبعه خوف الناس من الممسكين بزمام السلطة؛ أو ذلك الأمل الذي يحيا في كل فرد بالجزاء الذي قد يحصل عليه سواء دنيويا أو في العالم الأخر . ويمكن القول أن تبرير مثل هذه التمثلات يكتسي اهمية كبرى بالنسبة لبنية السيطرة ؛ بل ومن الأكيد أن مصادفة مثل هذه النماذج في الواقع يعد أمرا نادرا جدا ؛ومع ذلك لم يعد اليوم ممكنا الحديث باستعراض كل تفاصيل هذه النماذج إلا بدمجها في إطار النظرية العامة للدولة.
||-المحور الثاني: طبيعة السلطة السياسية.
1-السياسة بما هي صراع(نص مكيافيللي)
تعتبر السلطة السياسية شكلا من أشكال التنظيمات التي تنظم حياتنا الاجتماعية والسياسية وذلك بوسائل وطرق مختلفة وطبائع متعددة، فلا يمكن تصور حياة اجتماعية منظمة دون وجود سلطة سياسية وراءها.و يعد مكيافلي من الأوائل الذين فكروا في إشكالية السلطة وطبيعتها داخل الدولة بعد أن تم استقلال الدولة الأوربية عن سلطة الكنيسة؛ وهو ما يصطلح عليه بنموذج الدولة الحديثة التي أصبحت ترتبط بشخص الأمير وقدراته في استخدام كل الوسائل الممكنة المشروعة وغير المشروعة ، القانونية والغير القانونية ،بتحقيق الوحدة و إرساء القوانين.
فما يذهب إليه مكيافلي في كتابه الأمير،كيف للأمير أن يحكم ؟ وأن يحفظ حياته وحياة الناس معه داخل الدولة ؟ فالدولة حسب مكيافلي غير منفصلة عن الأمير الذي يحكمها، فهما شيء واحد.
لهذا نجد مكيافلي يقدم مجموعة من النصائح للأمير من أجل توطيد سلطته السياسية وذلك عبر استغلال الفضائل الحميدة والرذائل وتوظيف الوسائل المتاحة و لكن شريطة ألا يفقد الأمير حب شعبه له لأنه قد يحتاج هذا الحب في وقت الشدائد،وهذا ما يجعل الأمير يتعامل وسط الناس بحيطة و حذر حيث يرى مكيافلي أنه على الأمير أن يكون ثعلبا وأسدا في نفس الوقت فكيف للحاكم ان يكون مثل ذلك؟
إن هذا الاعتبار يعني أن هناك طريقتين في ضبط الحكم ، الطريقة الأولى و كما يشير إليها مكيافلي هي الطريقة القانونية والتي تعتمد أو تستند إلى ماهو قانوني. أما الطريقة الثانية فهي طريقة القوة و التي من خلالها يستطيع الأمير إرهاب وتخويف الأعداء، لهذا على الأمير ان يعرف كيف يحكم ، وكيف يتصرف انطلاقا من هاتين الطريقتين؟ فأن يكون ثعلبا معناه ان يعرف كيف يحمي نفسه من الوقوع في الفخاخ و أن يكون أسدا معناه أن يكون شديد القوة و الجهامة حتى يخيف الآخرين.
فممارسة السياسة حسب هذا الطرح تكون بحب الطبائع البشرية، فالأمير يحكم بوفاء وإخلاص مع وجود الناس الأخيار، وطبعا ليس كل الناس مثل ذلك، فمنهم الأشرار وهؤلاء يستوجب معهم نوعا من السلطة التي تحول دون هذا الشر، فمن أراد أن يكون ثعلبا من اجل أن يخدع الناس قد يجابه بخداع اكبر منه ويسقط في فخ قد يكون وهو الذي نصبه بنفسه.
فإلى أي حد يمكن القول معه أن السياسة هي نتاج الصراع والقوة؟
2-السياسة بما هي اعتدال(نص ابن خلدون)
إن ما ينطلق منه ابن خلدون في تصوره لطبيعة السلطة السياسية قد يختلف تماما عن ما ذهب إليه مكيافلي في تصوره السالف الذكر، فما مضمون تصور ابن خلدون للسلطة؟
في تحليل ابن خلدون لمفهوم الدولة وكيف ينبغي للدولة ان تكون وما يجب ان تقوم عليه العلاقة بين السلطان والرعايا،يذهب إلى انه لا يمكن للرعية ان تستغني عن السلطان ولا للسلطان أن يستغني عن الرعية، فالعلاقة جدلية بينهما فالسلطان هو من له رعية، والرعية هي من لها سلطان. وهذه العلاقة هي نموذج السياسة المثلى التي تقوم على الاعتدال،وإذا كانت هذه الملكة( الاعتدال) تقوم على الرفق والحكمة حصل المقصود بين السلطان ورعيته .أما إذا كان السلطان على بطش وعقاب فسدت هذه الملكة وحل الذل والمكر محل هذا الرفق، فحسن الملكة بين السلطان ورعيته هو التوسط و الاعتدال، بمعنى لا إفراط في الشجاعة والكرم حتى التهور وبالتالي الانحلال ، ولا إفراط في الجبن و البلادة حتى الجمود. فهذا يتنافى و الصفات الإنسانية حسب ابن خلدون؛ فالحاكم والسلطان هو من يحكم رعاياه باعتدال و توسط وليس الدخول معه في صراع وتحايل ومكر وخداع .
3-فصل السلط و استقلالها(نص مونتيسكيو)
يذهب مونتسكيو في كتابه" روح القوانين
" الى التمييز بين ثلاث وظائف أساسية للدولة وهي : السلطة التشريعية- السلطة التنفيذية- السلطة القضائية.فالأولى متمثلة في البرلمان وهي التي تشرع القوانين داخل الحياة في الدولة.أما الثانية تتمثل في الحكومة والتي تكون بتنفيذ تلك القوانين , كما تعمل أيضا على توفير شروط الأمن للمواطنين.أما النوع الثالث فيتجلى دوره في تطبيق تلك القوانين وممارستها و هذا النوع الأخير كما يقولمونتسكيو هو الكفيل بضمان الأمن و الحرية. لهذا يذهب مونتسكيو الى الفصل بين هذه السلط الذي من أجله يتأتى جو الأمن والحرية والمساواة و أن تداخل هذه السلط حسب مونتسكيو قد يؤدي إلى الجور والظلم وإهدار حقوق المواطنين وسلب حرياتهم. ولذلك وجب استقلال كل من السلطة التشريعية والسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية بحيث لا يجوز لهذه الأخيرة أن تصدر أحكاما كما لا يجوز لها أن تعرقل الأحكام التي أصدرها القضاء أو الحكومة.
ونفس الأمر بالنسبة للسلطة القضائية بألا تتدخل في اختصاصات السلطة التنفيذية وأيضا نفس الأمر بالنسبة للسلطة القضائية مع السلطة التشريعية بمعنى ألا يكون المشرع قاضيا،فهذا قد يؤدي حسب مونتسكيو إلى تعذر قيام العدالة والمساواة والتي قد تضيع معها كل القوانين والمراسيم من جهة ، ثم الأحكام –التي هي من اختصاص القضاء –من جهة ثانية. بهذا وجب أن يستقل القضاء عن السلطة التشريعية حتى نتجنب الظلم و الطغيان كما يوضح مونتسكيو.وهذا لا يعني الانفصال المطلق والتام بين هذه السلط كما يدعو مونتسكيو، بل إن هناك في الحقيقة تعاون وتعاضد فيما بينها.فكل واحدة من هذه السلط تكمل الأخرى فالسلطة التشريعية أو البرلمان هي الرافد الأساسي الذي يستند إليه القضاء في إصدار الأحكام ،وهذه الأحكام بالضرورة تحتاج إلى تنفيذ والذي يتولى هذه المهمة هو الحكومة أو السلطة التنفيذية.
من هنا يمكن القول على أن التكامل بين السلط طبيعي ومقبول وإن كنا قد أكدنا مع مونتسكيو على ضرورة الفصل والاستقلال وعدم تداخل إحدى هذه السلط في مجال الأخرى الذي قد يؤدي الى ضياع الحقوق . بالإضافة إلى كل هذا يجب على الدولة ان توفر لمواطنيها حقا آخر يرتبط في الواقع ارتباطا وثيقا بحق الحرية، ألا وهو حق الأمن والرعاية ضد الأخطار الخارجية.
ملحق: الدولة مجموعة من الأجهزة( نص ألتوسير)
طرح تجديد الفكر الماركسي إشكالا نظريا فيم يخص مسألتين : الأولى تتعلق بأن كل محاولات التجديد التي لحقت الماركسية اتهمت بالمراجعة ؛ أو اتهمت بتحريف أصول الماركسية.والثانية تتعلق بأن مسألة طرح الماركسية من جديد في المجتمع بعيد عن لحظة ماركس بعشرات السنين؛ معناه إعادة النظر أو على الأقل تكييف الفكر الماركسي مع معطيات العصر. وفي هذا الصدد يحضر لوي ألتوسير كأهم منظر للنظرية الماركسية .وفي هذا النص يكشفألتوسير عن الأبعاد الأيديولوجية الأجهزة الدولة مستثمرا في ذلك العدة المفاهيمية لماركس من خلال استحضار مفهوم الصراع والهيمنة والتحكم والمراقبة والقمع والعنف. ومن هذا المنظور يميزالتوسير بين نوعين من الأجهزة التي تحكم بها الدولة ؛ النوع الأول يرتبط بجهاز عياني يتمثل في الجيش والشرطة والسجون ؛ حيث يمثل جهازا عنيفا تتم بواسطته قمع كل أشكال الانحراف والتظاهر ؛ أي أن الدور المنوط بهذا الجهاز هو شل حركة المجتمع نحو الثورة .أما النوع الثاني فيرتبط بجهاز اخر أكثر تكتما تسرب من خلاله الدولة إيديولوجيتها الخاصة وفق الشروط والظروف التي تسمح لها بذلك ؛وفي هذا الإطار يمكن إدراج كل مؤسسات الدولة : مؤسسة دينية ، مدرسية، قانونية، إعلامية...
إن كل هذه المؤسسات تمارس الدور المكمل لما تقوم به أجهزة الدولة القامعة،التي و إن كانت تمارس العنف المادي، فإن هذه المؤسسات الأخيرة تمارس نوعا من التعمية و التعنيف الايديولوجي من خلال ما تمارسه من إكراه فكري؛ بل وأن هذه السلطة التي تمتلكها تبقى في كل المجتمعات متخفية لكونها إما تخاطب الجانب الوجداني أو الإلزامي(الدين، القانون) في الإنسان؛ ومن تم، فهذه الأشكال الإيديولوجية لابد وأن تتكامل فيما بينها لتنتج شكلا قمعيا للدولة.
ملحق: السلطة ليست مجموعة أجهزة ( نص ميشيل فوكو)
يمكن القول على سبيل افتراضي أن التصور الفوكوي لطبيعة السلطة السياسية يختلف عدة ونتائج عن التصور الألتوسيري لأشكال أجهزة الدولة وممارستها لفعل القمع .وهنا يجب أن نشير إلى ان فوكو ينطلق من فرضية تقول أن الإستراتيجيات و علاقات القوى المتعددة التي تتداخل فيما بينها هي التي تخلق سلطة الدولة ومؤسساتها .ومن هذا المنطلق ، فإن السلطة عند فوكو لا تعبر عن شكل متعال عن مجال اشتغالها ، بل عن شكل محايث يطلق على وضعية استراتيجية معقدة في مجتمع معين .
إن التصور الكلاسيكي للسلطة ظل محصورا في مجموع الأجهزة و المؤسسات التي تمكن من إخضاع المواطنين داخل دولة معينة سواء عن طريق العنف أو عن طريق القانون. لكن فوكو سوف يرفض هذا التصور بدعوى أن الانطلاق من فرضية سيادة الدولة في إطار الشرعية و الهيمنة معناه الوصول إلى الشكل النهائي للسلطة، وعليه، فإن الذي يهم ،حسب فوكو، هو البحث عن أشكال تغلغل وتواجد وتصارع مجموعة من القوى داخل مجتمع ما لتفرز شكلا مهيمنا ما. يقول :"يبدو لي أن السلطة تعني بادئ ذي بدء علاقات القوى المتعددة التي تكون محايثة الذي تعمل فيه(....) إنها الحركة التي تحول تلك القوى و تزيد من حدتها وتقلب موازينها بفعل الصراعات التي لا تنقطع". ولا يخفى ان القول بحتمية الصراع معناه التوسل بخطط واستراتيجيات تضمن دوام المنافسة و الصراع مع الخصم من أجل الهيمنة. فإذن ما السلطة؟يجيب فوكو بقوله "يجب تحليل السلطة كشيء متحرك ، وبالأحرى كشيء لا يمكنه الاشتغال إلا عن طريق التسلسل ، فهي ليست محلية وليست بيد أحد ، بل تشتغل في إطار شبكة ، ومن تم( تضمن) حركة الأفراد بجعلهم مستعدين للخضوع أو ممارسة السلطة ." والقول بشبكية السلطة معناه الإقرار بعدم جدوى البحث عن السلطة في النقط المركزية للدولة كما تمثلها المؤسسات ، بل من الضروري الالتجاء إلى أكثر النقط الهامشية لأنها أكثر فاعلية .ومن هذا المنظور ، يلح فوكو على اعتبار السلطة نوعا من المعرفة الإستراتيجية الموجًهة والموجَهة ، فمن جهة لا تشتغل السلطة إلا على نحو معرفة ، والمعرفة هي التي تضمن سيادة السلطة .ولهذا يمكن القول أن السلطة متواجدة في كل مكان وزمان نظرا لقدرتها على التولد في كل لحظة ؛ إذ بمجرد ما تنبع معرفة ما (علمية أو غير علمية) لابد وأن تتمظهر في شكل سلطة معينة بالغة التعقيد لدرجة يصعب تتبع أصول نشوئها .
|||- المحور الثالث : الدولة بين الحق والعنف:
-1 مشروعية العنف( ماكس فيبر)
يعبر كتاب "العالم والسياسي" لماكس فيبر عن إشكالية جدلية يحياها المجتمع المعاصر ؛ بين تدخل العلم في شؤون المجتمع ومحاولات تغييره نحو الأحسن وبين رؤية السياسي الذي يمارس نوعا من الهيمنة في إطار من المشروعية.
إذن كيف يمكن تحديد مظاهر تسييس كل مناحي الحياة الاجتماعية وجعلها خاضعة لهذا النموذج السياسي أو ذاك ؟
إن السياسة عند فيبر وإن كانت تحيل في دلالاتها على تمظهرات كثيرة ترتبط بوسائل التدبير والتحكم , فإنها تحيل بشكل أساسي على مفهوم الدولة كقيادة سياسية لتجمع بشري في جغرافية معينة.لكن كيف يمكن للدولة أن تسوس أمور الشعب ووفق أي أدوات ؟
يقول فيبر على لسان تروتسكي أن وسيلة الدولة المثلى هي العنف كضامن وحيد لهيمنة الدولة.غير أن هذا العنف وإن كان ليس وسيلة الدولة الوحيدة ، إلا أنه أكثر أسلحتها نجاعة في قيادة المجتمع ولممارسة السلطة ، مادام أن تاريخ البشرية كشف عن محاولات التعنيف لضمان السلم الاجتماعي . من هذا المنطلق يرى فيبر أن السياسي يتوق إلى السلطة ، إما لأنها وسيلة لتحقيق غايات مثالية أو أنانية و إما لذاتها من أجل إشباع الشعور بالفخر الذاتي والرغبة في الوصول إلى السلطة وامتلاكها، بل وإن الاحتفاظ بها يعني بالضرورة أن الدولة /السلطة تعتمد على علاقة أساسية تربط بها هيمنة الإنسان على الإنسان من خلال العنف المشروع، ومن تم يقول فيبر"لا يمكن أن توجد الدولة إلا بشرط خضوع الناس المهيمن عليهم إلى السلطة"
يمكن القول إذن أن الدولة من هذا المنظور هي المالكة الوحيدة لحق ممارسة العنف داخل تجمع سياسي معين كونها تمتلك وسائل متعددة لممارسة السلطة.
2- الدولة هي نتاج الصراع بين الطبقات ( فريدريك إنجلز )
لا يمكن النظر إلى الفكر الماركسي إلا من داخل علاقاته المتشنجة مع فلسفة هيغل . والواقع أن ماركس أخد عن هيغل في كثير من أطروحاته دون أن يمنعه ذلك من إعادة النظر في التصور الهيغيلي للتاريخ والدولة. إذ إذا كان هيغل قد أقر بأن التاريخ أو الروح المطلق قد انتهى مع الدولة البروسية معبرا عن انصهار العقل في الواقع والواقع في العقل، فإن مثل هذا التصور لا يخفي عن نفسه البعد التبريري والاختزالي للتاريخ ، وربما هذا ما يبرر قلب ماركس للجدل الهيغلي بجعله يسير على قدميه بعد أن كان يسير على رأسه.فإذن كيف يحضر مفهوم الدولة عند كل من ماركس وانجلز؟ وما علاقة تطور التاريخ بالدولة؟
إن الدولة في نظر إنجلز ليست هي الصورة المطلقة لظهور العقل في التاريخ وفي الدولة , بل إنها نتيجة تصارع قوى عديدة داخل هذا المجتمع أو ذاك في مراحل تطوره.وهذا يعني تماشيا مع التصور الماركسي ، أن التناقض والصراع هو المحدد الأول والأخير في تمفصل طبقات المجتمع تبعا للمصالح الاقتصادية لكل طبقة، ومن هنا يمكن فهم أساس قيام الدولة كطرف للمصالحة بين الأطراف المتنازعة ، ومن تم تنصب نفسها فوق المجتمع.
ولهذا السبب يمكن فهم حاجة كل المجتمعات إلى الدولة ، إذ إن كل إفرازات المجتمع الإيديولوجية والدموية بين الأفراد والطبقات تحتاج كلها إلى جهاز سلطة لكبح تعارضاتها وجعلها في مستوى مقبول.لكن لا ينبغي ان نفهم من هنا ان الدولة طرف محايد في معادلة الصراع، بل هي دوما تتشكل من الطبقة الأقوى في المجتمع أي تلك الطبقة التي تسود وتهيمن اقتصاديا ، مما يضمن لها أن تسود سياسيا .وهذا يعني ، حسب انجلز، لم توجد في يوم من الأيام إلا عندما تطور الميدان الاقتصادي وفرض تنظيم المجتمع وفقا لوسائل الإنتاج والاستغلال .
* شاهد فيديو ملخص الدرس
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.