البقرة والكلاب ـ نورالدين الطويليع

Smart أبريل 12, 2018 أبريل 13, 2018
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

البقرة والكلاب ـ نورالدين الطويليع


التأمت الكلاب في المكان المسمى "العريب"، بعدما تداعى إلى سمعها أن جيفة بقرة سمينة رميت هناك، تقدم الزعماء للظفر بالقلب والكبد والطحال، حجزت الجراء وأشباه الكلاب مكانها في الصف الثاني، تنتظر انتهاء الأسياد من أداء مراسيمها الافتراسية، صاح كبيرها البالغ من الكبر عتيا، طالبا من الجميع التأخر بعشرات الأمتار ريثما يقضي حاجته ويلتهم القلب الذي نصحه به الأطباء للعلاج من داء عضال عَمَّرَ جسده، ولم يبرحه منذ زمن، نبح نبحة طويلة رأت فيها قبيلة الكلاب دعوة صارمة للامتثال للأمر دون مراجعة، فسارعت إلى التراجع، وجعلت تحرك أذيالها وتغمغم بشبه نباح، فهم منه دعوات له ليتمكن من الإتيان على القلب كله، حتى يعود إليها معافى، ويمكنها من عظام الجِيَفِ التي لا تخلو من بعض اللحم.
أكل سيد الكلاب ما شاءت له بطنه أن يأكل، ثم استدار إلى الجمع الذي كان ينتظر ويترقب تلقي إشارة القدوم، فدعاه إلى إخلاء المكان، وأمر مقربيه بأن يطبقوا أنيابهم في لحم كل من سولت له نفسه عصيان الأوامر الكلبية المبجلة.
سأله مساعده: لم تفعل هذا، واللحم وافر، يكفيك ويكفي العشيرة كلها لعدة أيام؟
فرد عليه بلهجة ساخرة: إن شبع هؤلاء وارتووا "ستتفاقم" رغباتهم، وفي الفرصة الموالية سيطلبون مني التنحي عن الجثة، وربما طردوني أو قتلوني ليخلو لهم وجهها، لابد أن يبقى الكلب جائعا ليبقى ولاؤه حاصلا، حسبك منه أن تتعهده بين فينة وأخرى بعظام رميم تقيم صلبه، دون أن تشبعه، لأن شبعه خط أحمر دونه نهايتي.
ــ لا تنس أنك عاهدتهم من قبل ألا تفرط في أحد منهم، وأن تقتسم بينهم الجثث، دون أن تصيب أحدا منهم بحيف أو ظلم.
ــ وأقسمتُ على ذلك بأغلظ الإيمان، وأديتُ شعائر الصلاة الباكية، ولبستُ الجُبَّةَ، وخطبتُ فيهم خطابة الأصفياء المؤمنين الورعين الأتقياء، كانت تلك سبيلي للعبور إلى قلوبهم، ولم لم أفعل لما كنت في هذه المنزلة.
ــ إذن كنت تخادعهم وأنت تخاطبهم بعكس ما تضمر، ألا ترى أنت أتيت شعبة كبيرة من شعب النفاق؟
ــ متى يا حبيبي غادرت النفاق، ومتى غادرني حتى آتيه؟، حياتي كله نفاق ومكر وخديعة، ولو لم يكونوا أغبياء لما صدقوني، قضيت سنوات عمري كلها أراوغ وأذهب بالكلام غير مذهبه، فكيف لي أن أستقيم بين عشية وضحاها، وفي خريف العمر؟

ــ شممت رائحة كريهة تنبعث من الجثة، هل ستتركها تتعفن دون أن تستفيد منها القبيلة؟
ــ  ادع كل الكلاب، وأمرها أبحفر خندق ودفنِ البقرة فيه، ولا تترك كلبا منها يأخذ ولو تمريرة لسان على فروها.
ــ هل يمكنني أن أعرف سبب هذا القرار الغريب؟
ــ إنها بيداغوجيا الحرمان يا حبيبي، لو أطلقتهم على الجثة لانتهوا منها وبدؤوا بي، انظر إليها وتأمل جيدا، وتحسس من كلامها، ستجدها  مصفقة لي ومثنية على قراري الحكيم، ممنية النفس بذلك بحظوة ما في الفرصة القادمة، وسأعرف بدوري كيف أدحرج آمالها لربح مزيد من الوقت إلى أن أغادر هذه الحياة التي لم يعد يفصلني عن إغلاق بابها الكثير، وحينها سأقول لها، وأنا أغرغر: بُعْدًا للقوم المغفلين.

وبينما كبير الكلاب ومساعده يتبادلان أطراف الحديث، جاء جرو يزف إليهما خبر تنفيذ القرار، ويحمل في ذيله رسالة شكر وامتنان لشخصه على قراره الحكيم بإقبار البقرة وإخفاء جثتها عن الغربان وديدان ما فوق الأرض، فانفجرا ضاحكين، قبل أن يعود كبير الكلاب لأخذ الكلمة قائلا: كانت بقرة صفراء فاقعة اللون، سآتي على كل البقر، قبل أن أرحل، يجب أن أُرَحّْلَ الحياةَ معي، وأن أنهي كل شيء قبل أن أنتهي، ألم يقل الشاعر:

.........................................///////// إذا مت ظمآنا فلا نزل القَطْرُ.
البقرة والكلاب ـ نورالدين الطويليع


كل منشورات الأستاذ نور الدين الطويلييع

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/