تعليم اللغة –أي لغة– وتعلمها يختلف عن غيره من المواد الأخرى، فاللغة أداة للحياة ووسيلة لطلب العلوم، لذلك يحرص كل من المعلم والمتعلم على أن يتقن اللغة ويتمكن من فروعها المختلفة، وذلك الحرص لا يؤتي ثماره إلا إذا صُب الاهتمام على علمية الاكتساب وليس التعرف والتحصيل والحفظ والإظهار. فاللغة مهارات تمثل درجة الإتقان والوعي باللغة والتمكن منها: استقبالا وإرسالا في ضوء عدد من الضوابط الممثَّلة في قواعدها: صرفية كانت أم نحوية أم بلاغية.
وعندما نتحدث عن تعليم اللغة وتعلمها، فأول ما يجب أن يجول بخواطرنا وينصبّ عليه اهتمامنا هو مهارات (الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة) التي تعني: الدقة والسرعة والإتقان في الأداء، ولا يكون ذلك إلا إذا تحولت عملية التدريس إلى عملية تعليم، والأخيرة يُقصد بها في المجمل حصول التعلم عن طريق التدريب، والمحاولة، والنشاط، وتصحيح الخبرات.
ومعلم اللغة –العربية– خاصة من يعلمها لغير الناطقين بها، يحتاج أن يدعم درسه بالأنشطة والوسائل والألعاب التي تسهل عليه وعلى المتعلمين عملية التعلم، وتتيح الفرص للتطبيق والممارسة، مما يساعد على تكوين عادات لغوية سليمة، وبناء المهارات المتنوعة وتنميتها، واكتساب اللغة بشكل تطبيقي وتفاعلي.
تلك الأنشطة والوسائل تعتبر جزءا رئيسا من المنهج، ولا تقل أهمية عن بقية عناصره من الأهداف والمحتوى وطرائق التدريس وأساليب التقويم… إلخ. وهي متنوعة بحسب الهدف منها وطرق القيام بها والأهداف التعليمية المقصودة من ورائها. فهناك نشاط للاستماع، وآخر للتحدث، وغيره للقراءة، ومثلها للكتابة. هناك أيضا نشاط يُضم إلى الدرس بجانب المحتوى الذي يقوم المعلم بتدريسه، فهذا النشاط إما أن يكون صفيا أو غير صفي، فرديا أو جماعيا. فالمتعلم عندما يتعلم الكتابة مثلا: المطلوب منه أن يكتب في الصف أمام المعلم وفي البيت، وكذلك بالنسبة للقراءة فهو يقرأ في الصف وفي البيت … ثم يستمع في الصف وفي البيت، ويتحدث في الصف وخارجه.
النشاط الصفي يمارسه المتعملون مع حضور المعلم، مقدما التعليمات، وموجها للأداءات، ومصوبا للأخطاء، متابعا ومقيما لعملية التعلم، مقوما لأدائه وأداء المتعلمين والطرق والاستراتيجيات والوسائل التي استخدمها. أما النشاط غير الصفي فيقوم به المتعلمون منفردين، وقد يكونون مجتمعين، بعيدا عن الصف، وفي غياب المعلم، مع تقديم التعليمات والتوجيهات مسبقا، فهي بمثابة تكليف يقوم به المتعلمون بعد انتهاء الدرس تطبيقا لما تعلموه من أجل زيادة الخبرة وتأكيدها.
الأنشطة سواء أكانت صفية أم غير صفية لها أهمية كبرى في نجاح عملية التعليم والتعلم، ولها أدوار محفزة وداعمة للأداء، تحفز المتعلمين وتثير تفاعلهم، وتصحح الأداء وتقومه، وتثير الشعور بالمتعة، وتزيد الدافعية، وتساعد على التغلب على الفروق الفردية وعوامل المكان والزمان، وتنمي لدى المتعلمين الاعتماد على النفس، وتمنحهم الثقة بالنفس، وتنمي العمل الجماعي، وتكسر الشعور بالخوف أو الخجل، فهي تهيئ غالبا مواقف تعليمية شبيهة بمواقف الحياة إن لم تكن مماثلة.
وأُجمل عدة ضوابط من اللازم أن تتوفر في النشاط الذي يمارسه المتعلم صفيا أو بشكل غير صفي، منها:
- الإثارة: لابد أن يكون النشاط مثيرا ومشوقا كي يتفاعل المتعلمون معه ويستمعتون بأدائه، كأن يكون لعبة تعليمية أو وسيلة جذابة.
- التدرج: بحيث تبدأ بالجزئيات وتنتهي بالكليات، من الخاص إلى العام، من التدريب على التعرف ثم التذكر ثم التحليل فالتطبيق والتركيب… إلى أن يصل إلى إعادة التركيب والبناء.
- هادفة مكملة: لابد أن تكون الأنشطة هادفة إلى تحقق الأهداف التعليمية المطلوبة، تعمل على تنميتها وتتكامل فيما بينها للوصول بالمتعلم إلى درجة الإتقان.
- متنوعة متكاملة: بحيث يكون لكل هدف تعليمي نشاط مصاحب، وكل نشاط يتكامل مع غيره من النشاطات الأخرى مما يعزز ويؤكد الخبرات التعليمية لدى المتعلمين.
- الاعتماد على الذات، والاستقلالية: فالمتعلم وقته محدد، وتواجده مع المعلم ليس أبديا؛ ومن غير المنطقي أن يتعلم اللغة في يومٍ وليلة أو حتى في سنة أو بضع سنوات. فيوما ما سيستقل المتعلم عن معلمه ويعتمد على ذاته.
- التطبيق: الأنشطة ما هي إلا تطبيق للخبرة التعليمية التي قدمها له المعلم في الصف، فلا يكون النشاط بعيدا عن موضوع الدرس أو مفرداته وأهدافه، فعندما تعلمه في الصف درسا لابد أن تجعل الأنشطة مرتبطة بهذا الموضوع.
- الملاءمة: وأعني بها أن يتناسب النشاط مع مستوى المتعلمين اللغوي وخصائصهم وأعمارهم وقدراتهم… فهناك من الأنشطة ما يناسب الذكور دون الإناث، والصغار دون الكبار، ومن هو في المبتدئ دون المتوسط أو المتقدم… والعكس في كل ما سبق.
- التعزيز: وهو من أشد الضروريات لزيادة الدافعية والشعور بالتقدم والرغبة في زيادة التعلم، التعزيز يجعل المتعلم أكثر حرصا ويشارك بكل طاقته دون خوف أو خجل.
وأقترح مجموعة من الأنشطة التي يمكن لمعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها أن يقدمها للمتعلمين في الصف، منها:
استخدام الوسائل التعليمية المتاحة (الصور، الفيديوهات، الرسوم، اللوحات، المجسمات … إلخ)، أوراق العمل المصاحبة للدرس، التدريبات الإثرائية، الألعاب التعليمية، التطبيقات المنتظمة، الحوار والمناقشة، لعب الأدوار، المسابقات …
ومن الأنشطة غير الصفية: الجولات، الرحلات، الزيارات، اللقاءات، حضور الندوات والمحاضرات العامة، مشاهدة ومتابعة الأحداث، الاستماع إلى الأخبار والنشرات، حضور خطب الجمعة والمناسبات، التوجه إلى أحد الأشخاص والحديث معه باللغة العربية، كتابة التقارير، الرسائل، البرقيات، قراءة المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، ومتابعتها والتعليق عليها، البحث في المصادر المتنوعة (المكتبات والإنترنت …).
أما بالنسبة للإجراءات التي يحتاج إليها المعلم لتجهيز النشاط وتفعيله فأذكرها في تسع نقاط:
- قراءة المحتوى (الدرس) بعناية وتدقيق وتحليل.
- اقتراح عدد من الأنشطة المناسبة للمحتوى.
- اختيار نشاطات أكثر فاعلية ومتعة وإيجابية.
- تحديد الهدف من النشاط.
- تحديد الإجراءات التي سيتبعها المعلم عند تقديم النشاط وما سيقوم به المتعلمون.
- تحديد وقت تقديم النشاط ونوعه (فردي أم ثنائي أم جماعي).
- تصميم النشاط.
- استخدام النشاط.
- تقويم النشاط وتعديله (وهذا الإجراء يصاحب كل المراحل والإجراءات السابقة بدءا من التحليل إلى ما بعد التطبيق).
مثال تطبيقي:
في درس (السوق) مثلا: هناك الكثير من الأنشطة التي يمكن تقديمها والقيام بها مع المتعلمين في الصف أو خارجه، منها: إعداد قوائم بأسماء الخضراوات والفواكه، تصنيف الخضراوات والفواكه بحسب نوعها أو المكان الذي تُشترى منه، مسابقة في التعرف على الصورة والمسمى الخاص بها، تمثيل دور البائع والمشتري، الذهاب إلى السوق وشراء بعض من الخضراوات والفواكه واستخدام اللغة العربية في التعامل مع البائعين، شرح مكونات أحد الأطباق والمأكولات… ولنأخذ منها نموذجاً تطبيقيا داخل الصف، ليكن مثلا إعداد قوائم بأسماء الخضراوات والفواكه:
- يعد المعلم ورقة تعليمية في شكل قائمة.
- يقسم المعلم الطلاب إلى مجموعات.
- يقدم التعليمات والتوجيهات (المجموعة الأولى سوف تبحث في الدرس عن أسماء الخضراوات وتكتبها في جدول، والمجموعة الثانية سوف تبحث عن أسماء الفواكه وتكتبها في جدول).
- الإثارة والتحفيز أهم شيء (فلتجعل النشاط مسابقة بين المجموعتين).
- تشجيع الطلاب على ممارسة النشاط من خلال التعزيز.
- تحديد الزمن المطلوب للنشاط.
- تقويم أداء المتعلمين أثناء وبعد النشاط.
- تقديم التعزيزات مصحوبة بتصحيح الاستجابات والتوجيهات.
أما بالنسبة للأنشطة المقترحة خارج الصف، فلنأخذ منها على سبيل المثال: الذهاب إلى السوق وشراء المستلزمات، يكلف المعلم الطلاب فرادى أو جماعات بالذهاب إلى السوق ويقومون بالآتي:
- الاستئذان من البائع وشرح الموقف (التعليمي).
- إجراء حوار مع البائع للسؤال عن أنواع الخضراوات والفواكه.
- سؤال البائع عن الثمن والمساومة فيه.
- جمع المشتريات، وحساب القيمة، ودفع الثمن.
- يتم تسجيل الحوار أو تصويره.
- عرض النشاط في اليوم التالي داخل الصف.
- مناقشة الأداء اللغوي وتصويب الأخطاء.
- التعزيز.
وفي الختام لكم مني خالص التحية، وأرجو أن أكون قد وفقت في العرض، وأنا على ثقة بأنكم –معلمي اللغة العربية– أكثر إبداعا ونشاطا ولديكم من الأفكار والمقترحات ما يثري العملية التعليمية ويعزز تعليم الطلاب ويساعدهم على التمكن من اللغة.
المراجع:
- الأنشطة المصاحبة في العملية التربوية، أ.د. ماجد الجلاد
- أهمية تكامل الأنشطة اللاصفية مع النشاطات الصفية، د. فهمي توفيق محمد مقبل.
- الأنشطة اللاصفية، د. إبراهيم بن عبدالله بن عبد الرحمن.
- أثر الأنشطة اللاصفية في مستوى التحصيل، سناء فاروق.
- مهارات التدريس، محمد أبو شقير، داود درويش.
- استراتيجيات التعلم النشط، مجمع الملك فهمي التعليمي بالقاهرة.
- مدخل إلى التعلم النشط، سهى عسيلان.
- المرجع في صعوبات التعلم، سليمان عبد الواحد.
- مهارات إدارة الصف، أكاديمية التدريب والتعليم عن بعد.
- الجودة في البيئة الصفية، ناصر الحناكي.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.