1.
التربية على القيم: قيمنا مرآة تميزنا
ذ
خالد فتاح
مفتش
في التوجيه التربوي ومهتم بقضايا التربية والتكوين
مكناس
من بين الغايات
الكبرى للنظام التربوي المحددة في الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015-2030 هي
بناء مواطن ذو تكوين متكامل ومتجانس بين تحصيل وبناء المعارف، وامتلاك الكفايات
والمهارات، وفن الحياة والعيش المشترك وتعلم واكتساب الخبرة. وهو ما يمكن أن يفسر استناد بناء المنهاج الدراسي
المغربي، على ثلاث مداخل متكاملة ومنسجمة من أجل تحقيق هذه الغاية: مدخل الكفايات،
و مدخل القيم، ومدخل التربية على الاختيار.
يتضح جليا، من خلال هذه الغاية إلى طبيعة التمفصلات والتداخل والتكامل بين المداخل
الثلاث لبناء المنهاج الدراسي المغربي: فإكساب
المتعلم كفايات ومهارات وتشبعه بقيم سيسهم في مساعدته على اتخاذ قرارات واعية وواقعية في أي
مرحلة من مراحل حياته الدراسية والمهنية والشخصية. وبالمقابل، فتربية الفرد على الاختيار، عبر تسليحه بآليات اتخاذ
القرارات الواعية وتحمل مسؤولية قراراته واختياراته، سيسهم في تشبعه بالعديد من
القيم ستجعله أكثر شغفا في اكتساب
كفايات وتطوير أخرى. وأكيد أن غرس القيم وترجمتها إلى سلوكات معاشة، تجعل
المتعلم أكثر استعدادا لاكتساب كفايات وأكثر قدرة على اتخاذ قرارات موسومة
بالموضوعية والواقعية في كل مرحلة من مراحل حياته، دراسية كانت، أو تكوينية أو مهنية
أو شخصية.
انسجاما مع هذا التوجه، فالتربية على
القيم لايمكن اختزالها في منظور تبسيطي يحيل فقط على البحث عن السبل الكفيلة بإكساب
المتعلم القيم التي تم تحديدها أو الاتفاق عليها في المنهاج الدراسي دينية كانت،
أو وطنية أو إنسانية إما عن طرق أنشطة صفية أو مندجمة؛ بل يجب أن يتعداه إلى رؤية
أكثر شمولية تفضي إلى ضرورة تشبع المتعلم وكذا المحيطين به بالعديد من القيم التي
يمكنها الإسهام بفعالية في تحقيق غايات النظام التربوي برمته.
و في هذا الإطار، قد حدد العديد من منظري
التربية عدة نماذج لقيم الجودة الشاملة للأنظمة التربوية، والتي اختلفت وتنوعت حسب
كل نظام تربوي وخصوصياته، وبشكل عام يمكن الحديث عن أهم هذه القيم والتي يمكن
إجمالها في : قيمة القيادة و قيمة المسؤولية و قيمة التحسين المستمر وقيمة المشاركة الشاملة وقيمة
الاستجابة السريعة.
تشير قيمة القيادة، إلى أن على جميع المتدخلين
في النظام التربوي، كيفما كان موقعهم، أن يضعوا لأنفسهم وبأنفسهم معايير جودة لأدائهم
التربوي أو الإداري أو هما معا. فلا يكفي أن تكون إداريا أو مدرسا عاديا ولكن يجب
أن يسطر عليك فكرة كيف أكون إداريا أو مدرسا متميزا. قيمة التميز هاته، تنتقل
بالعدوى الايجابية للمتعلمين ويصبحون بدورهم أكثر بحثا عن التميز والإبداع في
تعلماتهم. ومن تم في حياتهم الدراسية والشخصية.
أما قيمة المسؤولية، وهي قيمة ومفهوم
استراتيجي يقوم على أن التربية تتحسن كلما تحمل المتعلمون والمحيطين بهم مسؤولياتهم
في التعلم. فتشبع المتعلم بهذه القيمة تجعله أكثر وعيا بأدواره في سيرورة تعلمه وتكسبه
القدرة على التفاعل بإيجابية مع كل
ما يتلقاه داخل المدرسة وخارجها، خاصة إذا
استشعر أن جل المحيطين بهم يتحملون
مسؤولياتهم كاملة في تحقيق أهدافه ويعملون على مساعدته في تحقيقها.
قيمة التحسين المستمر، وهي
قيمة يجب أن تكون موجها عاما للإدارة والأفراد داخل النظام التربوي. فكل فاعل
تربوي ، من خلال تفعيل هذه القيمة، يدرك أن هو نفسه و المحيطين به قابلين للتحسين
المستمر. فتشبع المدرس بهذه القيمة مثلا، تجعله لا يعترف أن هناك متعلما فاشلا بل
هناك متعلما لم يصل بعد للمستوى المطلوب من التعلم. و تجعله أيضا يعتبر أن
التعلمات البسيطة التي يحققها المتعلم هي منطلقات أساسية لنجاحات أكبر . فأي مكتسب
لدى المتعلم، رغم بساطته، يعد نجاحا كبيرا
بالنسبة إليه لأنه يشكل نقطة انطلاق لتخطيط بسيط يمكنه أن يؤدي به لنجاحات جديدة وكبيرة.
أما قيمة
المشاركة الشاملة، والتي تحيل على الاقتناع التام أن تحقيق الجودة الشاملة
للنظام التربوي يجب أن يتم في كل جزء من أجزاء التنظيم وهي مسؤولية شاملة تقع على
كل فرد بما فيهم المتعلمين أنفسهم. فتبني هذه القيمة تجعل كل فاعل في النظام التربوي
يتجاوز منطق تحميل المسؤولية للآخرين ويستشعر دوره في تحقيق الجودة داخل هذا
النظام.
قيمة الاستجابة
السريعة، والمقصود بها قيم الاستجابة السريعة لمتطلبات سوق العمل والمستجدات
التربوية والمعرفية التي يعرفها المجال والذي يؤدي إلى تحسين متزامن مع الجودة.
هذه القيمة تجعل كل فاعل داخل النظام التربوي له قدرة على التكيف مع جل مستجدات
العالم الذي يعيش فيه ويغير من طرائق تدبيره وطرائق تدريسه وفق حاجات
الأفراد والمجتمع. وبذلك ننقل للمتعلم بدوره التشبع بقيمة التغير والاختلاف والبحث
عن الجديد وعدم الارتكان لكل ما هو موجود فقط.
أكيد
أن تحقيق أهداف النظام التربوي وتميزه لا يمكن اختزاله فقط في توفير كل وسائل
العمل وليس فقط التعرف على المقاربات التربوية وأساليب التدريس والتدبير ولكن كل
هذا يجب أن يستند على منظومة قيمية هامة يجب الفطن إليها والتركيز عليها في خلق
أفراد قادرين على قيادة وصنع التغيير في النظام التربوي ، من خلال تركيز الاهتمام
أكثر لضرورة البحث عن الآليات الكفيلة بإكساب الأفراد قيم الجودة الشاملة والتي
ستنتقل للمتعلمين وبالتالي ضمان جودة شاملة للنظام التربوي ومنه للمجتمع برمته.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.