سلوك الطفل بين ثقل المناهج التعليمية و الفراغ النفسي
(وجهة
نظر)
رانيا أقلعي
جريدة الأستاذ profpress.net
لاشك أن معظم الآباء والأمهات في عصرنا الحالي يلاحظون
مجموعة من الانفعالات السلبية في سلوكيات أطفالهم في السنوات الأولى من ولادتهم، فأطفال
هذا العصر يتميزون بالعصبية والمزاجية في تصرفاتهم ونوعا من الثقة النفسية التي تجعلهم
في تحدي مع الكبار في بعض المواقف فرضا للنفس وإثباتا للوجود.
تعود أسباب
هذه المشاكل إلى عوامل خطيرة تؤذي في الغالب إلى فقدان الوالدين السيطرة على التحكم
في زمام الأمور وبالتالي يعلنون استسلامهم بترك الراحة لأولادهم وهنا يزداد الأمر تعقيدا،
من أبرز هذه الأسباب التطور التكنولوجي الذي
نعيشه، من استخدام لوسائل التواصل الاجتماعي في سن مبكرة لدى الأطفال وتعرفهم على مجموعة
من المظاهر الاجتماعية المؤثرة على نفسيتهم، والتي قد تبصم النمط السلوكي لديهم مدى
الحياة، فاليوم أصبح من الممكن لطفل ذو تسع سنوات إنشاء حساب في أي موقع اجتماعي باسم
مستعار وسن مزيف إلى غير ذلك من المعلومات التي تجعله يتقمص شخصية أكبر من عمره وخوضه
في محادثات قد تقوده نحو الانحراف، وكذلك إدمانه على مجموعة من الألعاب والبرامج والرسوم
المتحركة الهادفة إلى استيلاب دماغ الطفل نحو ما هو سلبي، والتأثير على سلوكه وعقله
الباطن برسم صورة راسخة عنيفة تترجم في تصرفاته العدوانية ضد عائلته و أقرانه، موازاة
مع غياب الوالدين بسبب الانشغالات الكثيرة، وإحساسه بالوحدة وانحباس طاقاته الكثيرة
فلا يجد سوى التلفاز أو الكمبيوتر أو اللوحة الرقمية كمتنفس سرطاني يفرغ فيه شحنته،
ومن الملاحظ أيضا أن الحدائق ومتنزهات الألعاب لم تعد تثير الطفل كما في الماضي، فهو
يعتقد انه شيء تقليدي يسبب له الملل، ومنهج التعليم الذي يدرس به يشكل لديه اكبر هاجس بسبب كثرة الفروض المنزلية وخلو الحصص الدراسية
من الترفيه الفعلي الذي يتناسب مع التطور الذي يعيش فيه، فبدل مادة التربية التشكيلية
التي تدرس في الأسبوع مرة لما لا تكون لثلاث مرات في الأسبوع وبطريقة حديثة معلوماتية، ويتخلل الأسبوع خرجات
بيئية لاكتشاف أسرار الطبيعة بشكل ملاحظاتي واستكشافي باعتبار الطفل يعشق الفضول والاكتشاف،
ومطالبته بكتابة تقرير عما اكتشفه، وهنا تربى موهبة الكتابة وأدبياتها، مع ترسيخ المعلومات
العلمية، كما يجب على الفضاء التعليمي المؤسساتي أن يعمل على إدراج حصص الفن بشتى أنواعه
لصقل المواهب المختلفة للتلاميذ بشتى فروعها كل حسب ميوله، -هنا نتكلم عن الرابط
الجوهري لوظائف المدرسة و سيكولوجية النمو عند الطفل-، مع إمكانية إشراك الوالدين في
أحد من هذه الأنشطة كمساهم ومدعم لابنهما ومشاركا في تنمية قدراته الفنية والعلمية،
بهذه الآليات التربوية التعليمية يمكن أن يتمتع الطفل بشكل تربوي من أشكال مختلف من الترفيه على نحو تعليمي، محاطا
بأسرته و مؤسسته، منشغلا بالاشتغال على إبراز ذاته عن طريق الاجتهاد في دراسته واكتشافاته،
وبالأداء الفني الذي ينميه في ذاته، فنحن نرى أن المنهاج الصحيح في التعليم حاليا يتجاوز
نطاق شرح المدرس للمتعلم المعارف إلى اكتشاف المتعلم بنفسه هذه المعارف و يبقى دور
المعلم التوجيه و التأطير.
0 Comments
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.