الكاتب العام يصدر
قرارات باطلة والخزينة العامة للمملكة بدون رقابة على حسن
تطبيق القانون وسلامة الإجراءات الإدارية ؟؟؟
محمد جمال بن عياد
أقدمت وزارة التربية الوطنية على خطوة غير
مسبوقة بعدم موافاة مجموعة من رؤساء الأقسام ورؤساء المصالح بالأكاديميات الجهوية
للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية التابعة لها بما يفيد إعفاءهم أو إنهاء
مهامهم من المسؤولية طبقا للمادتين 11 و 12 من المرسوم رقم 681-11-2 الصادر بتاريخ
25 نونبر 2011 في شأن كيفيات تعيين رؤساء الأقسام ورؤساء المصالح بالإدارات
العمومية، مما خلف استياء عميق في صفوف عدد كبير منهم، وقد لجأ بعضهم إلى القضاء
للطعن في إعلان شغور مناصبهم من طرف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والتي يشغلونها
بناء على القرارات الوزارية القاضية بتعيينهم في مهام رؤساء أقسام ورؤساء مصالح.
و في متم شهر شتنبر 2017 يفاجأون بانتهاء
الاستفادة من التعويض عن المهام الذي يتمتعون به، مما جعل البعض منهم مرة أخرى وفي
حينه ( بداية شهر أكتوبر 2017) يراسلون مؤسسة الوسيط ملتمسين إثبات أساس الاقتطاع
من الراتب الشهري.
وقد استغرب هؤلاء لدى توصلهم بأجوبة مؤسسة
الوسيط بتاريخ 15 مايو 2018، مفادها أنه تم إعفاؤهم من مهامهم مصحوبة بقرارات عن
الوزير وبتفويض منه للكاتب العام لقطاع التربية الوطنية( توقيع القرارات دون اسم
ولقب الكاتب العام كصادر لها).
وبلمح البصر تتضح بالعين المجردة أن قرارات
الكاتب العام للوزارة الذي قد يكون لا يملك سلطة لإصدار هذه القرارات، فيها
اختلالات كثيرة وسببها وهمي وغير متفق مع الصالح العام، وأنها لم تكن مكتملة
الأركان وكلها عيوب، ولم تفصح الوزارة عن إرادتها المنفردة والملزمة بقصد إعفاء من
المهام كما ينصص على ذلك المرسوم السالف الذكر.
وما يلاحظ من قراءة هذه القرارات : أولا، أنها بنيت على مجموعة من النصوص
التشريعية والتنظيمية، والتي لم يتم التقيد بمقتضياتها، حيث منها على سبيل المثال:
بناء على المرسوم رقم 2.11.681
الصادر في 25 نونبر 2011
تنص المادة 12 من هذا المرسوم على: "في
حالة ارتكاب رئيس قسم أو رئيس مصلحة لخطأ جسيم، أو في حالة إخلاله بالتزاماته
الوظيفية، يمكن لرئيس الإدارة أن يقوم بإعفائه فورا من مهامه بقرار معلل".
والواقع أن هذه القرارات غير معللة، بالإضافة
أن بعد صدور القانون 03.01 الذي كرس لمبدأ إلزامية تعليل القرارات الإدارية تعليلا
مكتوبا في صلبها، وإلا اعتبرت فاقدة لأهم شروطها، فمن حق رؤساء الأقسام ورؤساء
المصالح المعنيين معرفة الأسباب القانونية والواقعية التي تم الاستناد إليها في
إعفائهم من مهامهم، إذ حمل هذا القانون في
طياته عدة فصول تؤسس لمبدأ الشفافية والوضوح.
بناء على المقرر رقم 259/16 بتاريخ
11 ابريل 2016 القاضي بإحداث لجنة مركزية مكلفة بدراسة اقتراحات إعادة تعيين رؤساء
الأقسام والمصالح.
إن المقرر يأتي بعد القرار وليس قبله في
الدرجة والقوة، إذ أن القرار ينشىء أو يعدم مركز قانوني، والمقرر يعدل بإضافة أو
نقصان في ذلك المركز القانوني ولا يغيره، عكس المقرر السالف الذكر، والمقرر يصدر
في قضايا بسيطة الأقل أهمية من التي يصدر فيها القرار، بالإضافة أن موضوع تكليف
اللجنة المركزية المذكورة يتنافى مع المرسوم المشار إليه سابقا.
بناء على محضر أشغال اللجنة
المركزية (ماي 2016)
ما بني على باطل فهو باطل، حيث أن اللجنة
المركزية لا يحق لها بالبتة أن تغير قرارات تعيين رؤساء الأقسام ورؤساء المصالح إلى
قرارات إعفائهم من مهامهم، والبعض من أعضاءها مطعون فيه، لعدم حياديته ( مديرو أكاديميات
– مدير ذكر في جرائد ورقية والكترونية وطنية وفي قبة البرلمان -، مسؤولون مركزيون – مسؤول أشير إليه كذلك في وسائل الإعلام الوطنية وفي مجلس المستشارين- ) فلا
يحق أن يكون من بينهم حكما وخصما في نفس الوقت، كما أن محضر أشغالها ملزم بسرد
تفاصيل هذه الإعفاءات كما وقعت، و هي ملزمة بأقصى قدر من الموضوعية والتمحيص،
وعليها كذلك تحري أكبر درجة من الدقة في هذه الإعفاءات، وتنقل حيثيات كل إعفاء أحد
رؤساء الأقسام ورؤساء المصالح بأمانة وعدل ونزاهة و بتوخي كامل الموضوعية.
ثانيا : الفصل الأول
من القرار الوزاري، ينص على نقل رئيس قسم أو رئيس مصلحة من أكاديمية
التقسيم القديم إلى أكاديمية التقسيم الجديد ابتداء من 08 فبراير 2016 وهو نفس
تاريخ إصدار قرار وزير التربية الوطنية رقم 09-16 بشأن تحديد اختصاصات وتنظيم
مصالح أكاديمية التقسيم الجديد المشار إليه في هذه القرارات، الشيء الذي يتنافى مع
المادة 11 مكررة من القانون رقم 71.15 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 07.00
القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمشار إليه كذلك في
هذه القرارات، حيث يتضمن " ينقل
الموظفون بناء على طلب يعبرون فيه عن رغبتهم يقدمونه داخل أجل أقصاه ثلاثة (3)
أشهر إلى إدارة الأكاديميات المحدثة، غير أنه في حالة عدم تقديمهم لطلبهم، يتم
نقلهم تلقائيا"، فصادر القرارات لم يمنح هؤلاء حقهم المنصوص عليه في هذه المادة ولم يحترم في نفس الوقت الآجال المحدد
لتقديم طلب يعبرون فيه عن رغبتهم.
من جهة ثانية، بتاريخ 02 مارس 2016 تقوم
الأكاديميات الجهوية المعنية بتكليف هؤلاء الرؤساء بتسيير الأقسام والمصالح
المنقولين إليها بنفس الصفة من طرف الوزارة بتاريخ 08 فبراير 2016، وهنا يطرح
السؤال حول نقل الوزارة المعنيين بصفتهم رؤساء أقسام ورؤساء مصالح إلى أكاديميات
التقسيم الجديد، وتكليفهم من طرف نفس الأكاديميات بمهمة التسيير للأقسام والمصالح،
قرارين (تعيين في مهمة / تكليف بمهمة) متناقضين لجهتين لنفس القطاع الحكومي(وزارة التربية
الوطنية والتكوين المهني).
الفصل الثاني من القرار الوزاري، ينص على إعفاء المعنيين بالأمر من مهام
رؤساء أقسام ورؤساء مصالح ابتداء من 29 يوليوز 2016. لكن الأكاديميات تنهي تكليفهم
بتسيير هذه الأقسام والمصالح بعد هذا التاريخ، بل أكثر من هذا فهناك أكاديمية
جهوية أنهت تكليف بمهمة تسيير مصلحة بتاريخ 02 يناير 2017 بعد الطعن أمام القضاء (شهر دجنبر 2016 ) في إعلانها
عن شغور مناصب رؤساء الأقسام ورؤساء المصالح .
ثالثا: مبدأ عدم
رجعية القرارات الإدارية، هذا المبدأ من المبادئ العامة التي استقر الفقه
والقضاء على الأخذ بها، والقرارات المعنية حررت بالرباط في 14 يونيو 2017، بيد أن
الإعفاءات ابتداء من 29 يوليوز 2016، يعني الرجوع بعشرة (10) أشهر وستة عشر(16)
يوما، بمعنى آخر أن تاريخ تحرير هذه القرارات غير مستقيم ومنطق ابتداء تاريخ
الإعفاءات المضمن بها، بل ومتناقض مع باقي تواريخ الإجراءات الإدارية الأخرى الخاصة
بأكاديميات التقسيم الجديد.
رابعا: القرارات موقعة من طرف الكاتب العام
لقطاع التربية الوطنية (دون اسم ولقب الكاتب العام) عن الوزير وبتفويض منه،
والوزير هو السيد حصاد، والإعفاءات في
عهد السيد بلمختار، ليبقى السؤال كالتالي :هل الوزير حصاد فوض للكاتب العام
التوقيع عن هذه القرارات في فترة كان فيها وزيرا لوزارة الداخلية، وكان بلمختار
وزيرا لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني؟ أم أن بلمختار فوض إليه توقيع
قرارات الإعفاء، وحررها الكاتب العام في فترة ولاية حصاد، والمنصوص عليه أن تفويض
التوقيع ينتهي بتغيير المفوض أو المفوض إليه.
نفهم مما فضحه المصدر أن القرارات المعنية
خرجت على قواعد قانونية موجودة في دولتنا بما فيها القواعد الدستورية، وهناك
مجموعة من القواعد والإجراءات الشكلية التي كان يتعين على الوزارة إتباعها حين
إصدارها لهذه القرارات وقد خالفتها، كما أنها جاءت مخالفة للقانون، حيث خرج صاحب القرارات المعنية بطريقة
عمدية على حكم المادتين 11 و12 من المرسوم السالف الذكر وحكم المادة 11 مكررة من
القانون 71-15 وهما أسمى من هذه القرارات، وجاءت كذلك مجانبة المصلحة العامة، لتحقيق
أغراض تجافي المصلحة العامة، وهو أمر خطير ينم على سوء النية.
لكن ثمة سؤال جدير بالطرح هنا: كيف للخزينة
العامة للمملكة أن تنفذ قرارات مثل هذه دون أن تدقق في مضامينها من مرجعيات
قانونية وفصول وتواريخ ..الخ ..؟ وهي المشاع عليها الفحص والتحقق من كل كبيرة
وصغيرة تخص الوثائق والمستندات المالية.
لقد أشار ملك البلاد في خطب عديدة إلى فساد
الإدارة وفساد بعض المسؤولين، ولا أحد يكترث للنصوص التشريعية والتنظيمية أو لما
تعيشه بعض المصالح المركزية للوزارة من عبث وفوضى، وهذا نموذج آخر
"يتعبقر" في إصدار قرارات باطلة، تتضمن أشياء متناقضة.
وما فتئ عاهل البلاد يؤكد على تفعيل آلية
المحاسبة في كل المناسبات باعتبارها السبيل الأنجع لتدعيم الحكامة الإدارية، وليس
فتوى رئيس الحكومة السابق بنكيران "عفا الله عما سلف" معناها " عفا
الله عمن أفسد، وخرق القانون، وتلاعب بالمصلحة العامة، و.... " و التي ينطبق
عليها قول الشاعر " لو كنت آخر زمانه لآت بما لم يأت به الأولون"، أما
رئيس الحكومة الحالي وبمناسبة عقد المجلس الحكومي يوم الخميس 21 يونيو 2018 فقد
قال : " وضع حد لأي شكل من أشكال التسيب والفساد والرشوة أو المجاملة في
التعيينات أو أي شكل من أشكال عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة".
وما إقرار مجلس عزيمان بفشل التعليم العمومي
من خلال التقرير" الأسود " الأخير إلا إقرار بوجود أزمة تدبيرية
وتسييرية لقطاع وزارة التربية الوطنية.
وهل البرلمان له مبادرة تشكيل لجنة للبحث
والتقصي حول إصدار ما يقارب تسعون (90) قرار إعفاء من مهام المسؤولية بقطاع وزارة
التربية الوطنية وخلفياتها، وخروقات أخرى يقول المصدر أنها طالت هذه العملية؟
وكخاتمة لهذا الفضيحة، يجدر القول أن قوة
الدولة المغربية وصلابتها لا تكمن في مدى قوة ونجاعة ترسانتها التشريعية والتنظيمية
فحسب بل في قوة إدارتها العامة (وزارة التربية الوطنية والخزينة العامة للمملكة) وحسن
تنظيمها، والقرار الإداري هو وسيلة إيجابية في يد السلطة الإدارية في مواجهة الغير
وهذا دون الحصول على موافقتهم، لكن كل هذا يجب أن يتم دون الخروج عن نمط يحدده القانون
وعدم استعمال هذه الامتيازات (امتيازات السلطة العامة) من أجل تحقيق أهداف غير
مشروعة وحتى لا يكون القرار نقمة على الأفراد وأداة تعسفية في يد الإدارة لمواجهة
الغير بها.
وحين يصدر الذين من
المفروض أن يكونوا حريصين على محاربة
الفساد وتبذير ونهب المال العام قرارات باطلة، بهدف التغطية على مسؤوليتهم
ومراوغة محاسبتهم ... ملايير البرنامج ألاستعجالي نموذجا، فلا أمل في إصلاح منظومة
التعليم !!!
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.