منهجية تدريس الرياضيات بالتعليم الابتدائي مقتطفات من مصوغة تكوينية
تقديم:
اعتبارا للتكامل الواجب تحقيقه بين مختلف الأسلاك والمراحل التعليمية، لابد من الانطلاق من مبدأ هام يتمثل في كون مادة الرياضيات، بمختلف مكوناتها، عملية تربوية أساسية تستهدف تكوينا للتلميذ، يتكامل فيه الجانب المعرفي والجانب الوجداني، والجانب السلوكي، إضافة إلى أن مثل هذا التكامل في أبعاده الفكرية والنفسية والاجتماعية كفيل بتمكين المتعلم من :
- القدرة على التفاعل مع العالم الخارجي،
- الاستقلال المعنوي، والثقة بالنفس، والاعتماد على الذات،
- تنمية روح الإبداع والمبادرة والتنافس الشريف،
- القدرة على تحقيق ذاته، وإنماء شخصيته، وثقته بمؤهلاته الشخصية، وعلى التواصل، والاستعداد للعمل الجماعي.
كما يهدف تدريس الرياضيات إلى تمكين المتعلمين من :
- بناء واكتساب المفاهيم والمعارف والمهارات والتقنيات،
- تنمية استعداداتهم، وإغناء قدراتهم في مجالات البحث والملاحظة والتجريد والاستدلال والدقة في التعبير،
- اكتساب المفاهيم الرياضية اللازمة لفهم واستيعاب محتويات باقي المواد، وخاصة منها العلمية والتكنولوجية، فضلا عن جعل المتعلم يتخذ مواقف إيجابية من مادة الرياضيات،
وتتم مقاربة المفاهيم الرياضية انطلاقا من حل مسائل متنوعة مستقاة من الحياة اليومية، اعتمادا على العمل الفردي والجماعي الذي يمكن التلميذ من تطوير قدراته على البحث والتجريد والاستدلال والتفسير.
وتجدر الإشارة إلى أن حل المسائل لا ينحصر في إعطاء حلول جاهزة بل يتطلب استغلال الأجوبة وخاصة الأجوبة الشخصية للتلميذ، ليستخرج منها ما هو إيجابي ونافع ليطرح للمناقشة ويتم تنظيمه، والخروج بنتيجة يتفق عليها الجميع، ومحاولة فهم سبب العلة في ما هو سلبي.
زيادة على ما يكتسب في السلك الأول، في السلك المتوسط، يعزز التلميذ ويطور مكتسباته المتعلقة بالأعداد الطبيعية ويتعمق في تقنيات عمليات الجمع والضرب والطرح، ويتعرف مفهوم القسمة ويمارس أنشطة في القياس والهندسة من خلال حل المسائل، ويتعود تدريجيا على الاستدلال بشكل دقيق.
وبجانب الكفايات الممتدة التي تسعى المواد الأخرى إلى تطويرها، يركز تدريس الرياضيات زيادة على الجانب المعرفي على :
- ترييض وضعيات حقيقية وصياغة وعرض المراحل المتبعة في حل مسألة؛
- تقديم التبريرات الكافية لإثبات صحة جواب أو التأكد من صحة أجوبة؛
- تحليل وتركيب المعطيات والمعلومات وتقدير التوقعات؛
- اكتساب منهجية لتنظيم العمل؛
- الاستئناس بالتقنيات الحديثة واستعمالها في البحث عن المعلومات.
وتجدر الإشارة إلى أن ما يكتسبه التلميذ في الرياضيات يساهم في إغناء رصيده اللغوي وإكسابه قدرة أكبر على التواصل، باستعمال الأرقام والأشكال.
الوضعية الديداكتيكية:
إن المعرفة في التصور العام للتدريس هي التحام بين الأسئلة الجيدة والأجوبة الجيدة،"الأستاذ يضع مسألة، وعلى التلميذ أن يجيب عنها".
إذا أجاب التلميذ فهو يبرهن بذلك عن اكتساب المعرفة، إذا تعذر عليه الجواب، يتبين أنه يحتاج إلى مساعدة، أي إلى تدَخّل الأستاذ.
وفي الحالة الأخيرة، يبحث الأستاذ على تفويض (dévolution) للوضعية يُحدث لدى التلميذ تفاعلا مستقلا وخصبا، ولكي يحدث ذلك فإن الأستاذ يتدخل أو لا يتدخل (حسب الحالات) لإعطاء معلومات إضافية أو لطرح أسئلة،.. وبذلك يكون مشاركا في نظمة تفاعلات التلميذ مع المسائل التي يطرحها، وهو ما يسمى بالوضعية الديداكتيكية1.
ويعتبر بروسو في كتابه "نظرية الوضعيات الديداكتيكية"، أن حل المسائل هو المحرك الاساسي في تعلم الرياضيات في ظروف محددة ثم يصفها كالتالي :
*وضعيات الفعل :Les situations d'action
يظهر التلميذ خلالها معارف على شكل أخذ القرار.
وضعيات الصياغة : Les situations de formulation
يعبر التلاميذ أثناءها بأسلوبهم الخاص عن تصورهم للخاصيات المتعرف عليها والإجراءات التي يقومون بها.
*وضعيات المصادقة : Les situations de validation
يعلل التلاميذ أثناءها تصريحاتهم ويضعون سياقا للبرهان.
*وضعيات المأسسة : Les situations d'institutionnalisation
يؤسس التلاميذ الخاصيات المعلنة سابقا ويجردونها من سياق النص ويضعونها في إطار المعرفة الرياضية المجردة.
التعاقد الديداكتيكي :
التعاقد الديداكتيكي هو قانون استراتيجية الوضعية الديداكتيكية. فالأستاذ من جهته ينقل للتلميذ المعرفة من خلال وضعيات يختارها مناسبة، ويجب على التلميذ أن يبحث ويحل الوضعيات المقترحة لأجل اكتساب المعرفة. فهما معا يكونان أمام ضرورة العمل لإنجاز ما هو منتظر منهما. والركيزة الأساس في التعاقد الديداكتيكي تتمثل عند التلميذ في اكتسابه للمعرفة، لذلك فإن كل مرحلة يسلكها التلميذ تكون محطة لتجديد غير معلن لهذا التعاقد.
والتعاقد الديداكتيكي لا يظهر إلا عند ما يخترق أحد الطرفين (الأستاذ (ة) والتلميذ) العلاقة الديداكتيكية ويتخلى عن تحقيق ما هو مطلوب منه. ويمكن أن نرد جزءا كبيرا من الصعوبات التي تواجه التلميذ إلى تعاقد موضوع بكيفية غير جيدة، أو أنه غير مفهوم، ويقول بروسو "G.Brousseau" بأن التفاوض الدائم للتعاقد الديداكتيكي يرمي إلى مراجعة أهداف التعلم على ضوء الجهد المطلوب من التلاميذ والذي قد يتجاوز قدراتهم في الانخراط والإنجاز.
إن رغبة الأستاذ(ة) هي تفوق التلاميذ في إنجاز "مهمة". فيحدث لديه ميول لمساعدتهم، وكلما كانوا عاجزين عن الإنجاز، يقدم لهم شروح كثيرة (وهو سلوك يمكن أن يحول دون تعرف التلميذ لما هو مطلوب منه) أو يتبع خطوات بسيطة في حل المشكلات...
وفي بحث الأستاذ عن مخرج يؤدي بالتلميذ إلى إعطاء الجواب المنتظر، يحدث تأثيرا سلبيا على التعاقد الديداكتيكي. وقد صنف بروسو هذا السلوك في علاقته بالاتصال المباشر (سير الدرس) إلى مجموعة من التأثيرات نذكر منها :
"تأثير طوباز : Effet Topaze "
عندما يصادف التلميذ صعوبة، يتدخل "تأثير طوباز" بكيفية أو بأخرى لمساعدته على تخطيها.
يعني أن المساعدة هنا تكون قاطعة، ولا يقوم التلميذ بالجهد اللازم لاكتساب المعرفة المنشودة وبالتالي لا يحقق الهدف الأصلي.
*ظاهرة التوقعات " Phénomène des attentes".
يحل التعاقد الديداكتيكي أيضا ما يسمى بتأثير بيكماليون "Effet Pygmalion" أو ما يسميه علماء النفس والتربية بظاهرة التوقعات. فكلما كانت توقعات الأستاذ عن إنجازات التلاميذ بأنها ستكون جيدة أو متوسطة أو ضعيفة يتم التفاعل مع الوضعيات بكيفية جيدة أو متوسطة أو ضعيفة، يعني أنه كلما توقف الأستاذ(ة) عند الفكرة التي كونها عن مستوى التلاميذ، يعقبها رد فعل على قدر المستوى المتوقع.
النقل الديداكتيكي (Transposition didactique)
يعرف شوفلار (Yves CHEVALLARD) النقل الديداكتيكي بأنه العمل الذي يجعل موضوع معرفة ما موضوعا للتعليم . وذلك بالانتقال من المعرفة الصرفة إلى معرفة قابلة للتدريس، وعليه فالنقل الديداكتيكي هو مجموع التحولات التي تخضع لها معرفة معينة لتصبح قابلة للتدريس.
ولإبراز التحولات التي تخضع لها المعرفة نورد مختصرا لما توصل إليه بروسو في تحليله حول عمل كل من الباحث والمدرس والمتعلم.
عمل الباحث:
لتبليغ ما توصل إليه الباحث إلى الآ خرين، يخضعه لتعديل يتمثل في :
حذف الأفكار الغير مجدية والمسالك الطويلة .
حذف الترددات التي لاقاها في البحث
البحث عن سياق عام تبقى فيه النتائج صالحة.
عمل المدرس:
يعتبر عمل المدرس معاكسا نوعا ما لعمل الباحث، إذ عليه أن يعيد ربط المعرفة بسياقها وأن يعيد لها طابعها الشخصي، حتى تصبح معرفة خاصة بالتلميذ، أي جوابا خاصا عن ظروف خاصة تنشأ نتيجة تكيف مع وضعية خاصة.
عمل المتعلم:
معرفة الرياضيات ليست فقط تعلم التعاريف والمبرهنات، ولكنها تقتضي حل الوضعيات واستخلاص النتائج.
مراحل درس الرياضيات :
تقدم أنشطة البناء والترييض بطريقة مندمجة في المرحلة الأولى. وذلك لأن مرحلة الترييض تتزامن مع مرحلة البناء وقد تؤسس لها. فعندما تقدم وضعية للتلميذ تثير اهتمامه وتشد انتباهه، يعمل على ترييضها لكي يفهمها فهما دقيقا، ويفهم تنظيمها. فمرحلة الترييض، تدخل في عمق عمليات بناء وتعلم المفاهيم الرياضية، انطلاقا من وضعيات متنوعة وفي ما يلي نقترح الآليات الديداكتيكية لسير درس الرياضيات وفق مراحله الثلاث.
1- مرحلة البناء وترييض الوضعيات:
تتميز هذه المرحلة بعمل التلميذ في شراكة مع التلاميذ الآخرين بصيغة جماعية أو بالمجموعات على وضعيات تسمح باستثمار الكفايات المكتسبة في بناء وترييض مفهوم رياضي سابق أو تقنية أو مهارة من أجل اكتساب القدرات والمهارات المرتبطة بموضوع الدرس.
وبالإضافة إلى اكتساب المعرفة، تعتبر هذه المرحلة مجالا خصبا لتنمية القدرة على التواصل والعمل الجماعي لدى التلميذ.
2- مرحلةالتقويم :
هي مرحلة يستثمر أثناءها التلميذ، بصيغة فردية، مكتسباته من الحصة الأولى لإنجاز أنشطة الكراسة المخصصة للتقويم. ويعتمد الأستاذ درجة التفوق في الإنجاز مؤشرا على مدى نجاعة تخطيطه للسيرورة الديداكتيكية الواردة في الحصة الأولى من جهة، وسندا لوضع تخطيط للحصة الداعمة من جهة ثانية.
3-مرحلة الدعم:
هي مرحلة يتم خلالها دعم مكتسبات التلاميذ من الحصص السابقة. وتتم برمجة أنشطتها بعد رصد التعثرات ومواطن الضعف لدى التلاميذ بواسطة نتائج تحليل الأخطاء المرتكبة وتصنيفها وتعرف أسبابها. وهي أيضا مرحلة يعمل التلميذ أثناءها بصيغة فردية لإنجاز الأنشطة المقترحة وإغناء مكتسباته.
بطاقة تخطيط لمقطع تعلمي في الرياضيات
موضوع الدرس: ........................................
الكفايات المستهدفة: ...................................................................
الوسائل المكتسبات السابقة القدرات والمهارات المستهدفة الامتدادات المرتقبة
الحصة الأولى :
تمهيد: (تمهيد أو تذكير أو حساب ذهني أو سريع)...............................
الوضعية: ............................................................
المهام: .......................................................
الإنجاز: .......................................................
الخلاصة
الحصة : ІІ
1. تمهيد: (تمهيد أو تذكير أو حساب ذهني أو سريع)...........................
2.
أنشطة المتعلم الإنجاز
الحصة: ІІІ
1.تمهيد: (تمهيد أو تذكير أو حساب ذهني أو سريع)...........................
2.أنشطة المتعلم الإنجاز
- مستويات الكفايات المستهدفة:
تم اعتماد مدخل الكفايات في برامج الرياضيات للسلكين في التعليم الابتدائي، وتنظيم البرامج بمنطق حل المشكلات وإنجاز المهمات وتنظيم تدرج المحتويات حول كفايات محددة ينظر إليها على أنها إجابات عن وضعيات- مشاكل تتألف منها دروس المادة .
مستويات الكفايات المستهدفة في السلكين
1.التعليم الأولي:السنتان الأولى والثانية من السلك الأساسي
- الاستئناس بالأعداد وبعض الأشكال الهندسية والمجسمات
- ممارسة أنشطة حول الفضاء الذي يعيش فيه
- الاستئناس بالكتابة والتنظيم والعد والقياس
- التعرف على الأشكال في المستوى والفضاء والتموقع
- التموقع في المكان والزمان من خلال ممارسة ألعاب وأنشطة تناسب نمو الطفل
2.السنة الثالثة والرابعة من السلك الأساسي (السنة الأولى والثانية من التعليم الابتدائي)
- تعرف الأعداد الصحيحة الطبيعية قراءة وكتابة حرفية ورقمية
- التمكن من عمليتي الجمع والطرح حول الأعداد الصحيحة الطبيعية
- ممارسة الحساب الذهني والسريع
- الاستئناس بعملية الضرب
- التعامل مع الأشكال الأساسية وبعض الإنشاءات الهندسية البسيطة
- تعرف بعض وحدات القياس واستعمالها
3.السلك المتوسط (السنوات الأربع الأخيرة من التعليم الابتدائي )
- تعزيز وتطوير المكتسبات المتعلقة بالأعداد الصحيحة الطبيعية
- اكتشاف الأعداد العشرية والكسرية
- تعميق تقنيات عمليات الجمع والضرب والطرح
- تعرف القسمة
- تلمس الدوال العددية في إطار التناسبية
- ممارسة أنشطة في القياس و الهندسة من خلال حل مسائل
- اعتياد تدريجي على الاستدلال بشكل دقيق
وتجدر الإشارة إلى أن مقاربة المفاهيم تتم انطلاقا من وضعيات تعلم/مسائل، مستقاة من الحياة اليومية للتلميذ. الشيء الذي يسمح ضمنيا بمرونة التعامل مع الكتاب المدرسي، وتكييف الأنشطة حسب محيط التلميذ وحاجاته، ومراعاة تحقيق المضامين وتنمية الكفايات المستهدفة .
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.