وزارة التربية الوطنية وهيئة التفتيش تأزيم المأزم

الإدارة سبتمبر 12, 2018 سبتمبر 12, 2018
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

وزارة التربية الوطنية وهيئة التفتيشتأزيم المأزم


عبد العزيز قريش  باحث في علوم التربية

عبد العزيز قريش
باحث في علوم التربية
                الناظر في بيان نقابة مفتشي التعليم ليومه 02 شتنبر 2018 ليجد أزمة استفحلت بين هيئة التفتيش بالتعليم والوزارة الوصية التي ركنت ملف هذه الهيئة المطلبي وراء ذاكراتها، واتجهت نحو الإقصاء والإلغاء والتبخيس رغما عن نتائج انتخاب اللجان متساوية الأعضاء، التي اكتسحت ـ رغم المضايقات والاستفزازات النقابوية التي مارستها بعض المؤسسات، ورغم مركزة هذه اللجان من طرف أحد الوزراء السابقين بناء على بعض فتاوي أهل الحل والعقد في الشأن التربوي وعدم فتحها على الجهة كما كان سابقا وإخراجها من الجهة بصفة نهائية، وذلك لغرض في نفوس " يعقوبات " المنظومة التربوية!ـ النقابة فيها تمثيل المفتشين بحكم أنها نقابة مستقلة ولا تمثل درعا لأية مؤسسة حزبية قابلة للتوظيف متى شاءت في المعارك الاجتماعية والسياسوية ... فيكفي الناظر قول النقابة في بيانها المذكور: (

  • إقصاء النقابة التام من الحوار حول الملفات الكبرى للمنظومة التربوية المرتبطة بعمل هيئة التفتيش ومنها  النظام الأساسي؛ 
  • تجاهل كل مقترحات النقابة بخصوص الملفات التربوية والإدارية التي تهم المنظومة وهيئة التفتيش : التعاقد – الحركة الانتقالية – المعادلة – التكوين...
  • استمرار الوزارة في سياسة الإجهاز على مكتسبات واختصاصات هيئة التفتيش، وتبخيس مجهوداتها وتضحياتها؛
  • التوقيف المقصود للوزارة لمضامين الاتفاق مع السيد الوزير السابق بخصوص تفعيل مهام واختصاصات هيئة التفتيش المجمدة  قسرا وعنوة؛
  • إغراق هيئة التفتيش في مهام كثيرة ومتعددة، بعيدا عن مهامها الأصلية كما يحددها النظام الأساسي، ومحاسبتها  فقط على أدائها في مجال التأطير التربوي تمهيدا لإظهارها بمظهر المتقاعس المتهاون؛
  • الإقصاء المتعمد لهيئة التفتيش من التباري على مناصب المسؤولية من خلال إقحام شروط إدارية لا تتوفر في المفتش باعتباره  إطارا  تربويا و ليس إداريا؛
  • إصرار الوزارة على إجراء حركة انتقالية لهيئة التفتيش سماتها المزاجية والارتجال والبعد عن معايير الموضوعية والنزاهة ، والإصرار على عدم  إنصاف الطاعنين  والمتظلمين من  نتائجها؛
  • تهرب الوزارة من تحديد معدل التأطير التربوي حسب مجالات التفتيش وحسب التخصصات، في أفق بناء خريطة للتفتيش واضحة وشفافة ، تكون مرجعا لتغطية مناطق التفتيش والمناطق التربوية بكل المديريات الإقليمية، انطلاقا من اتفاق مسبق بين النقابة و الوزارة بخصوص معدل التأطير، يراعي مقتضيات "الإصلاح" المنشود؛
  • قفز الوزارة على نتائج مباراة مركز تكوين المفتشين لسنة 2017، ومحدودية المناصب المخصصة لبعض المجالات والتخصصات برسم الموسم الحالي، والتي لا ترقى لتغطية الخصاص المهول الذي تعاني منه هيئة التفتيش، ناهيك عن الخصاص المتفاقم سنويا بسبب الإحالة على المعاش والتقاعد النسبي والوفيات؛
  • عدم إنصاف الوزارة لخريجات وخريجي مركز تكوين المفتشين عند تعيينهم بإعلان المناصب الشاغرة والتباري عليها وفق معايير شفافة وواضحة؛ وتمسكها بتجاهل صوت الطالبات والطلبة المفتشين في تحديد معايير التعيين؛
  • إصرار الوزارة على إغلاق مسلك التفتيش بمركز التوجيه و التخطيط التربوي رغم الخصاص الحاد الذي تعاني منه هاتان الفئتان في الميدان؛ وتمسكها بعدم فتح  مركز تكوين المفتشين أمام السلك الإعدادي؛
  • تمسك الوزارة بعدم إنصاف مفتشي التوجيه والتخطيط والمصالح المالية والمادية غير الممارسين، بتمكينهم من ممارسة مهامهم القانونية كمفتشين في المناطق التربوية بدون قيد أو شرط ؛
  • توقيف أداء مستحقات التدريب عند خريجي فوج 1981 منذ حوالي 04 سنوات، مما يعني عمليا توقيف تسوية التعويض لباقي الأفواج؛
  • عدم إنصاف الهيئة من الحيف الذي لحق بها في مرسومي 1985 و 2003، وعدم تفعيل اتفاق 26 أبريل 2011 بخصوص إحداث الدرجة الجديدة؛
  • عدم تمكين أغلب المفتشين من وسائل التنقل بأغلب المديريات الإقليمية، وعدم تمكين المفتشين الجدد من وسائل العمل من حواسيب وطابعات وأدوات اتصال؛
  • تهرب الوزارة من تثمين دبلوم مفتش بمعادلته بشهادات جامعية عليا تمكن المفتشين من متابعة دراساتهم العليا فسي سلك الدكتوراه رغم تكرار النقابة لهذا المطلب منذ تأسيسها؛
  • عدم إنصاف المفتشين الذين طالتهم الإعفاءات التعسفية في تجاهل للمساطر والقوانين ذات الصلة؛
  • إغلاق السيد الوزير لباب الحوار مع النقابة منذ تعيينه على رأسها وعدم تفاعله مع الطلبات المتكررة  للمقابلة )؛
ليؤشر على حدة الأزمة بين نقابة مفتشي التعليم الأكثر تمثيلية لفئة التفتيش في الوزارة وبين هذه الأخيرة التي أغلقت باب الحوار  في وجه الأولى التي طلبته تكرارا ومرارا حسب بيانها. وهو ما يفيد أن زمن الإدارة التقليدية مازال يعيش بين ظهراننا ينتعش من تراثه وأدبياته التقليدية وبياديقه المتناسلة على طاولة الشطرنج، والتي بنت الأسوار والجدران بين الرئيس والمرؤوسين، بين المتحاورين، بين المؤسسة وموظفيها، ... هذه الأسوار والجدران تنم عن عقول متحجرة وكلسية ومستحاثات مطمورة في الماضي، تجاوزها عصر الحوار والانفتاح والرأي والرأي الآخر ... عصر احتضان الرئيس لمرؤوسيه وتشجيعهم على العطاء والإبداع وتطوير المؤسسة ... عقول لم تطلع بعد على التنمية الإدارية وتطوير العنصر البشري والتنمية البشرية، ومواصفات القيادة الفاعلة والناجعة والناجحة، عقول مازالت في الغرف السوداء تدبر ما يقع خارجها بكيديتها ... عقول تستحوذ على القيادة وتتسابق لوضعها في كيسها الأسود؛ فقد تربح كليا أو تخسر كليا إن صادفت قيادة حكيمة في التدبير والتسيير والتنمية البشرية والمرفقية، وفطنة للمؤامرات التي تنهك المؤسسة من الداخل ... ومازال أمام هذه العقول الكثير حتى تفهم موقعها من التخلف الإداري والتدبيري، وتعي ما تلحق بالمنظومة التربوية والتكوينية من أضرار جسيمة أدخلت أطرا كثيرة في دوامة البحث عن الحلول للمشاكل التي خلقتها هذه الحفريات في تعاطيها مع الشأن التربوي انطلاقا من مواقعها المسؤولة التي احتلتها. فمثلا إقصاء النقابة من المشاركة التامة من الحوار حول الملفات الكبرى للمنظومة التربوية المرتبطة بعمل هيئة التفتيش ومنها النظام الأساسي، يعرب عن إقصاء مجموعة من أطروحات النقابة في شأن تطوير جهاز التفتيش نظريا وعمليا، التي قد تسهم في نجاعة أداء الهيئة وتطوير أداء المنظومة التربوية والتكوينية، وناتجه عند المتعلم فضلا عن تطوير أداء هيئة التدريس وأطر الوزارة إزاء تطوير البرامج والمناهج خاصة أن المسألة تهم هذه الهيئة. والسؤال الجوهري الذي يطرح هنا: ما القيمة المضافة التي ينتجها الإقصاء على المنظومة التربوية والتكوينية؟ وما القيمة المادية التي ينتجها الإقصاء لصالح هذه المنظومة؟ وما عائده على تدبير المنظومة؟ في المقابل؛ تطرح أسئلة موازية لتلك الأسئلة السابقة من قبيل: ما سحنة هيئة التفتيش التي شكلتها هذه العقول في ذاكرتها ووعيها عن التفتيش ووظيفته وأدواره في التعليم بناء على نظريات التأطير والإشراف التي تغطي المنظومات التربوية والتكوينية التي تعتمد نظام التفتيش في بنيتها الداخلية التي تدبر بها نفسها؟ فلو واجهت هذه العقول بأسئلة تتطلب إجابة علمية بالدليل والحجة والمنهجية العلمية ذات المصداقية على ما اتخذوه من قرارات صم الأذان، وتبخيس الدور والمهام، والشهادة المهنية، ونتائج المباراة السابقة، ونكران الاستقلالية الوظيفية؛ بل، وتحميل مسؤولية النتائج السلبية في كثير من الأحيان لهذه الهيئة الكريمة؛ لما أجابتك إجابة تشفي الغليل، ولحشرتك في مغالطات منطقية لا أساس لها من الحقيقة العلمية قيمة تذكر. فهي لا تعرف أن من طبيعة البشر الاختلاف لاختلاف تربيتهم وبيئاتهم وثقافتهم الشخصية والجمعية، وما ورثوه عن أسلافهم على مستوى مجالات الحياة المتنوعة، وقيمهم وميولاتهم واهتماماتهم وأهدافهم، وأنماط تفكيرهم ورؤيتهم للأمور والأشياء والمواضيع ... وأنه لن يدبر هذا الاختلاف إلا الحوار والحوار فقط، فلن ينفع الإقصاء لأن من مبادئ الفكر المؤسساتي الحديث الاستقطاب والانفتاح على الآخر وتفهمه. فذلك أساس التعايش والسلم والأمن الاجتماعي، وأساس الشراكة المواطنة التي تستفيد وتستثمر في العنصر البشري. فبدل من دفن الرؤوس في الرمال أمام التحديات وجب التضامن والتكامل لمواجهتها بإرادة قوية تفضي إلى رابح رابح لا إلى رابح خاسر كما تعتقد تلك العقول. فـــ ( التحديات هي في الحقيقة فرصتنا لإبداع حلول جديدة، وللتفكير بطريقة مختلفة، ولاختبار طاقاتنا وقدراتنا وصقل مهاراتنا وإمكاناتنا، ولزيادة معارفنا وخبراتنا، عندما كان الناس يرون مشكلات كنت أرى فرصا، وعندما كانوا يرون تحديات، كنت أرى مجالا كبيرا للإبداع والإنجاز )[1]؛ قول محفز من مدبر  قاد بلده إلى التنمية البشرية والحجرية معا، إلى عقول دابرة أدبرت فرص الحوار والاستقطاب والاستثمار في العنصر البشري، وأدبرت فرص الإصلاح بتفويت مناصب المسؤولية عن الكفاءات والطاقات العلمية الوطنية، وتجاهل مقترحات تدعم نجاعة وجودة المنظومة التربوية والتكوينية ... فوجود ـ مثلا ـ خريطة لهيئة التفتيش ومعدل للتأطير التربوي لن يؤدي إلا إلى جودة التأطير والتكوين المستمر، وتنمية مهارات الأداء عند أطر التربية والتكوين في مجالاتها التخصصية، ويفتح المجال للبحث التربوي بما فيه البحث التدخلي الذي يعول عليه في حل المشاكل ومقاربة القضايا المتنوعة التي يعيشها تعليمنا، ويحفز العنصر البشري على العطاء، والإيجابية في العمل لا كما هو واقع الآن من سلبية وشكوى وتذمر  لما تجريه تلك العقول الخفية من قرارات جائرة وخاطئة لن تزيد الحقل التربوي والتعليمي والتكويني سوى الاحتقان والامتعاض المفضيين إلى أمراض سيكولوجية واجتماعية يصعب مقاربتها مع تراكمها.
فهذا التدبير في عمقه لا يملك فكرا ولا رؤية ولا فلسفة تقوده وتقود ما يطرحه في الميدان، ولا يغير الزاوية التي ينظر عبرها إلى قضايا ومشاكل وموضوعات المنظومة التربوية والتكوينية بما فيها مشاكل وقضايا هيئة التفتيش، ولا إلى أطرها، ولا إلى الأحداث والمتغيرات ولا إلى التحديات التي تواجهها. فهو تدبير تقليدي تطغى عليه أفكار الإدارة التقليدية التي ترى في الحوار انتهاكا لحرمة القيادة وتطاولا على شخصيتها الاعتبارية وربما الشخصية، وأن الحوار لا يتم إلا مع أدرع المؤسسات الحزبية الشمولية المدعية " للأكثرية النقابية "، التي تجاوزها العالم إلى مؤسسات نوعية مستقلة ذات المصداقية التمثيلية الحقيقية، فإذا كانت نسبة 68,75% من أعضاء اللجن الخاصة بالتفتيش تمثلها نقابة مفتشي التعليم بعدد 11 عضوا من 16 عضوا مخصصا لهذه اللجن، فأي تمثيلية أكثر تؤمن بها وزارة التربية الوطنية بالنسبة لهيئة التفتيش حتى تجري الحوار؟! أليس هذا الادعاء باطلا؟ ولماذا تغلق باب الحوار مع هذه النقابة؟ أليس الأمر يطرح مجموعة علامات الاستفهام في وجه الوزارة؟ فإذا لم تفتح الوزارة الحوار مع هذه النقابة؛ فمع من تفتحه؟ فإذا لم تأخذ بمقترحات وأطروحات ورؤى هذه النقابة التي تضم كفاءات مهنية وعلمية ذات درجات مهنية وعلمية عليا صادقة في طرحها؛ فبأي مقترحات وأطروحات ورؤى تأخذ؟ فهم أهل الاختصاص الذين يفيدون في الميدان! لكن؛ هي السياسوية والنقابوية والإيديولوجية الخفية تفعل فعلها في المنظومة التربوية والتكوينية والمؤسسات المستقلة، وفي الأطر الجادة والكفوءة! هكذا يقتل الإبداع والإيجابية والطموح في الفرد والمؤسسة والمجتمع باسم التدبير وفنون التسيير، وبالتحجيم والتبخيس والتطويق والتضييق. فما معنى أن تكون هيئة التفتيش تحت رحمة إعفاء المسؤول الأول في المديرية بحكم القانون، ونحن نطلب منها القيام بالتفتيش؟ أين الاستقلالية الوظيفية في ظل هذا الإعفاء؟ أليس الأولوية والامتياز للفكر الإداري على الفكر التربوي؟ فأي هيئة تفتيش نتحدث عنها، وهي تشتكي من " عدم تمكين أغلب المفتشين من وسائل التنقل بأغلب المديريات الإقليمية، وعدم تمكين المفتشين الجدد من وسائل العمل من حواسيب وطابعات وأدوات اتصال " ؟ فأين هي شروط ومتطلبات العمل؟ ... إن عهدي بهذه المطالب التي في أغلبها واجبات على الوزارة الوصية منذ تأسيس النقابة، وهي تطالب بها؛ فالاستقلالية الوظيفية شرط أساس في قوة جهاز التفتيش، ومحفز رئيس في لعب أدواره الرائدة والمتقدمة في تجويد ناتج المنظومة التربوية والتكوينية. فالتفيش غير المستقل وظيفيا لا تفتيش، فالمفتش في إطاره مجرد موظف عاد يقوم بما حددته الإدارة من مهام، ويعود بتقرير في الموضوع؛ قد تلغيه الإدارة إذا كان منتقدا لها. فأغلب القرارات هي قرارات إدارية لا تربوية، والمفتش يقع على هامشها، وتكفي زيارة ميدانية واحدة لكشف قيادة الفكر الإداري للفكر التربوي، وهي الأسطورة التي استولت على عقل منظومة التربية والتكوين منذ ولادتها ولم تتغير! وتصر عليها طواقم الاتجاه المعاكس، التي لا تؤمن بأن التغيير بالإقناع والحجة والبرهان أكبر وأقوى وأعمق أثرا من تلك التوجيهات الرأسية والخطابات الرسمية المبنية على الأحادية والسلطوية في اتخاذ القرار، ولن يتم التغيير الحقيقي والفعلي إلا في إطار الحوار.
فأزمة هيئة التفتيش بسد باب الحوار أمامها والتسويف في مطالبها تزداد تأزما كلما مر الوقت، وتتعقد المشاكل، فالبارحة كانت الوزارة في غنى عن نضال هذه الهيئة وخروجها إلى الساحات والتظاهر لو فتحت مع نقابتها الممثل الشرعي الحوار؛ لاستفادت منه في تنفيس الاحتقان وتخفيف درجة التذمر والامتعاض في صفوف الهيئة. ولكنها ستواجه يوم الخميس 13 شتنبر 2018 وقفة احتجاجية أمام الوزارة، وربما تتبعها وقفات جهوية وإقليمية وربما صيغا نضالية أشد وطأة على المنظومة التربوية والتكوينية، ومن يدري مفردات برنامج النضال الذي سطره المجلس الوطني لهذه النقابة؟! وأنا أعتقد من خلال ما خبرته وتعلمته في سنين حياتي ما يطابق القول الثري بأن ( أهم سنة في الحياة هي سنة التطور والتغيير، الحياة خلقت لتتطور، والإنسان خلق لينمو ويكبر ويتطور، عندما نحد من فرص النمو والتطور لموظفينا فنحن نعاكس هذا القانون الكوني المهم، أهم ما يبحث عنه الإنسان في الحياة بعد احتياجاته الأساسية هو فرصة للنمو والتطور وأن تكون له قيمة حقيقية. فلا تحرم موظفيك من هذا الشيء، هل يمكنك أن تتخيل غابة لا تنمو أشجارها، أو بساتينها لا تنمو أزهارها؟ كذلك لا يمكن أن توجد مؤسسة قوية لا ينمو أفرادها. نجاحها سيكون مؤقتا، ونتائجها ستكون على المدى القريب فقط. إذا أردت أن تنمو كقائد لمؤسستك، خرج قادة آخرين، واعلم أن أكبر إنجاز لأي قائد ليس صناعة الإنجازات، بل صناعة الإنسان ... امنح موظفيك مساحة للنمو، ووفر لهم بيئة تساعدهم على التطور، واغرس فيهم الثقة بقدراتهم وإمكاناتهم وامنحهم المجال لاختبار أفكارهم ومبادراتهم ... القائد والمدير الإيجابي هو الذي ينظر إلى جوانب التميز في موظفيه ويحاول تعزيزها وتعظيمها، وليس العكس بأن يعظم الأخطاء والسلبيات. لا يوجد موظف كامل، ولكن يوجد موظف متميز بنسبة 60 ـ 70%، ووظيفتنا أن نرفع هذه النسبة، لا أن نركز على الأخطاء والجوانب السلبية التي قد لا تتعدى نسبتها 10%ـ وبالتالي نزعزع ثقة الموظفين بأنفسهم ... أن هناك بعض الناس المتخصصين في نقل الأخبار السيئة والسلبية عن الموظفين للمدير، وشحنه عليهم، وتسميم الأجواء. هذا الفعل يهدم ولا يبني، وهؤلاء هم النمامون الذين يعيشون على حساب الآخرين، دون أن يقدموا شيئا جديدا أو إنجازا جديدا أو أفكار جديدة ... أسعد موظفيك ليسعدوا هم بدورهم المجتمع من حولهم. ارفع معنوياتهم باستمرار، بالكلمة الطيبة والقدوة الحسنة والثناء على إنجازاتهم حتى ولو كانت صغيرة، وفاجئهم دائما بتحديات جديدة، وتغييرات إيجابية مستمرة في مكان عملهم )[2]. فأين كل هذا من فكر معجم مفرداته: الإقصاء والتجاهل والتوقيف المقصود وسياسة الإجهاز والإغراق في متاهات مهام متناسلة وغياب المعيرة والقفز وعدم الإنصاف ... مما عدده بيان النقابة، وعلمته هيئة التفتيش وسبرته عمليا في الميدان؟. فكر يلغي الفكر العلمي والموضوعي من حساباته ويضعه على الهامش، وأما التفكير النقدي فهو خطيئة كبرى لا يأتيها إلا إبليس والشياطين معه، ولا يقربها إلى الضالون المضلون، والمحرضون المغرضون التائهون، الذين يستحقون التعزير وربما الحد قطعا للعود. فأمام هذا الفكر  نقف بكل أدب واحترام ووقار نستجدي منه الاختلاء بالنفس والتأمل؛ لأن ( الجميع يحتاج لوقت يختلي فيه بنفسه، لينقي عقله من الأفكار السلبية، ويزرع فيه أفكارا إيجابية، وإلا سيطرت عليه أفكار من حوله، وكأنه قد سلم عقله وفكره لغيره يزرع فيه ما يشاء من الأفكار. وهنا تأتي أهمية استقطاع وقت من الجدول اليومي للتفكير والتأمل في كل ما تراه حولك، وما يدور أيضا في نفسك، التأمل هو الوسيلة الوحيدة لاتصال الإنسان بدواخل نفسه. التأمل يقود للفهم، والفهم يقود للحكمة، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. من تجربتي رأيت التأمل يعطي الأشياء حجمها الطبيعي، ويعطي الأفكار وزنها الحقيقي، ويفتح العقل على آفاق ومساحات أكثر وأكبر وأغنى وأجمل. يحتاج كل قائد ناجح لمساحة يومية من التفكر والخلوة مع النفس، لأنهما يوضحان لك الحقائق كما هي، من غير بهرجة أو هالات زائفة؛ حقيقة نفسك، حقيقة ما حولك ومن حولك، حقيقة العالم الذي نعيش فيه. فتضع كل شيء في حجمه ومكانه الصحيح، فتتوازن النفس، وتتعمق البصيرة، وتزداد رؤيتك وضوحا، وتسمو نفسك، وترتفع همتك، وتتجدد طاقتك )[3]. فتتغير وتغير ما حولك ومن حولك، وتكون عنصرا بانيا لا هداما، تساهم في تطوير بلدك من خلال تطوير المنظومة التربوية والتكوينية ومكوناتها المتنوعة، ويسجل لك التاريخ لا عليك أنك من صناع الأجيال والوطن ولو كنت مجهول الاسم، خفي الحضور ... كل هذا من أجل إعادة النظر في مقاربة ملف هيئة التفتيش استجلابا لمصلحة المتعلم أولا، وجودة التربية والتكوين ثانيا، وخدمة الوطن ثالثا ... والتوفيق دعاء ختم لأهل الاختصاص وأصحاب القرار.             


[1]  محمد بن راشد آل مكتوم، تأملات في السعادة والإيجابية، إكسبلورر للنشر والتوزيع، دبي، الإمارات العربية المتحدة، 2017، ط1، ص.:18.
[2]  محمد بن راشد آل مكتوم، تأملات في السعادة والإيجابية، مرجع سابق، صص.:86 ـ 89.
[3]  نفسه، ص.:133.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/