في رياض اللغة العربية الفيحاء
لـحـسـن بـنـيـعـيـش
مـكـناس / الـمـغـرب
يسرني في اليوم العالمي للغة العربية، و هي تخلد
عيدها الأممي السابع، أن أساهم في هذا الحدث المتميز عبر جولة في رياضها الفيحاء لإظهار
تميزها و اكتشاف بعض أسرارها، و مواطن جمالها من خلال معاني: "الساق".
الساق: اسم مؤنث فيقال:هذه ساق، و تجمع على
سيقان و سوق، كما في قوله تعالى: {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} (ص- آ:33). و هي عند
الإنسان ما بين الكاحل و الركبة أما في النبات فهي المحور و الدعامة التي تحمل
البراعم و الأوراق، و لها وظائف حيوية متعددة. و من معاني الساق:
* قام فلان
على ساق: إذا عني بالأمر و اجتهد فيه.
* على قدم و
ساق: بكل جد و حزم و قوة.
* أطلق ساقيه
للريح: هرب مسرعا.
أما في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى
السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} (القلم –
آ:42). يرى علماء
اللعة و منهم أبو الفتح بن جني في خصائصه: أن الساق يراد بها شدة الأمر، كقولهم:
"قد قامت الحرب على ساق". و يتفق المبرد في الكامل على هذا المعنى
مستشهدا بقوله تعالى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} (القيامة – آ:29). أي: الشدة
بالشدة و ينصرف معنى الساق إلى الأمر العظيم و البلاء الجسيم و ما يبعث على الخوف
و الفزع، وعند بعض المفسرين: "يوم يكشف عن ساق" يعني يوم القيامة و ما
يكون فيه من الأهوال.
و الكـشـف عـن الـسـاق و الإبـداء عـن الـخـدام
مثل في شدة الأمر و صعوبة الخطب. و وظف الشعراء
الساق في هذا المعنى نحو:
عبد الله بن قيس الرقيات في مرثيته المشهورة
لمصعب بن الزبير بعد قتله:
كــيــف نــومــي عــلــى الــفــراش و لــمــا // تــشــمــل الــشــام غــارة شــعــواء
تــذهــل الــشــيــخ عـــن بـــنــيــه و تـبـدي // عــن خــدام الــعــقــيــلــة الــعــذراء
إن الروع بز العقيلة - وهي المرأة
الكريمة - حياءها حتى أبدت عن ساقها للحيرة و الهرب. و هذا
حاتم يقول:
أخـو الـحـرب إن عـضـت بـه الـحـرب عـضها // و إن شــمــرت عن سـاقـها الـحـرب شـمــرا
أما الشاعر
الأموي الكبير جرير يقول:
ألا رب
ســاهــي الـطـــرف مـــن آل مــازن // إذا شـمـرت عـن سـاقـهـا الـحـرب
شمرا
جاء الساق في
معلقة امرؤ القيس المشهورة:
و
كـشــح لــطــيــف كـالـجــديــل مــخـــصــر // و ســاق كــأنــبـــوب الـســقــي الـمـدلــل
فصفاء لون ساقها
كأنبوب نخل مسقي مدلل بالإرواء، علامة أناقة و جمال لا يقاوم.
و من عرف عظمة هذه اللغة شهد لها و في
كثير من الإنبهار، هذا إرنست رينان يقول:
" مــن
أغــرب الـمـدهـشـات أن تـنـبـت تـلـك اللـغـة الـقـومـيـة. و تـصـل إلـى درجـة
الـكـمـال وسط الصحاري عند أمة من الرحل.. فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها و دقة
معانيها و حسن نظام مبانيها."
و كل عام و لغنتا
الجميلة بألف خير.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.