مقالات تربوية:نماذج استراتيجيات الدعم التربوي
فريد أمعضشــــو*:
يعد الدعم التربوى واحداً من المجالات التى بحثها رجال التربية، وأوْلوْها قدراً غير يسير من العناية؛ وذلك لأهميته البيداغوجية، وضرورته لإنجاح العملية التعليمية-التعلمية... وسنحاول فى هذه المقالة تسليط الضوء على هذا الموضوع من جوانبَ مختلفةٍ، معتمدين بالأساس على كتابيْ "بيداغوجيا الدعم" المنشور ضمن سلسلة "التكوين التربوي" المعروفة، و"بيداغوجيا التقييم والدعم"
المؤلَّـف من قِبل الأستاذين عبد اللطيف الفاربى ومحمد آيت موحى. ولتكنْ بدايتنا بتحديد حقيقة الدعم لغة واصطلاحاً، وإبراز أهميته المؤكدة.
1/- الدّعم: ماهيته، وأهميته بيداغوجياً
تفيد كلمة "دعم"، فى معاجم اللغة العربية، معانى الإسناد، والإعانة، والتقوية، والتثبيت. يقول مؤلِّفو "المعجم الوسيط": "دَعَمَه يَدْعَمُه دَعْماً: أسْنَدَه بشيءٍ يَمْنَعُه من السقوط. ويُقال: دَعَم فُلاناً؛ أعانَه وقوّاه... دَعَّمَه: قوّاه وثبَّتَه... اَلدَّعْمُ: القوّة...""1"
ويقصد بالــدعم فى اللغات الأجنبية "الفرنسية مثلاً" جملة معــــانٍ، منها: إسْناد الشيء ومـــنعه من الســــقوط، والإسعاف، والتأييد، ومنْح القوة والاستمرارية فى العمل."2"
والدعم، فى اصطلاح علماء التربية، بناءٌ نَسَقي، واستراتيجية منظمة تتغيّى تصحيح ما يلاحَظ على المتعلم من تعثر دراسي، وسدّ مواطن النقص لديه، وتعديل مساره التعلمى فى الاتجاه الإيجابى الصحيح. وقد عرّفه رونالد ليجوندر "R.Legendre" بأنه: "سَند "Appui" يقدمه شخص متخصص للمدرِّس، قصد مساعدته على تكييف تعليمه أو مواقفه التدريسية مع حاجات التلاميذ المتعثرين.""3"
وبناءً على هذا، يتضح أن للدعم أهمية كبرى فى المجال البيداغوجي، إذ يعد – حسب المذكرة الوزارية رقم 138، المؤرّخة بـ 20/10/1997 – "الإجراء التربوى الأكثر ملاءمة وشيوعا فى نطاق تعميق الفهم، وتطوير المهارات، وترسيخ المكتسَبات بين فئات التلاميذ على اختلاف مستوياتهم وفى جميع مراحل التعليم وأطواره؛ بهدف تمكينهم من فُرَص إدراك مواطن ضعفهم، وإبراز قدراتهم الحقيقية، وتقليص التباعُد المُلاحَظ بينهم، وتلافى ما قد يعترض بعضهم من صعوبات ومَعيقات". وقد ألحّت المذكرة نفسُها على أن الدعم عملية ضرورية ولازبة لكل فعل تعليمي-تعلمى جادّ، وذلك لكونها "ترمى فى بعدها الوظيفى إلى تطوير المردودية العامة لمجموع الفصل الدراسي، وتجاوُز أشكال التعثر أو التأخر التى تم تشخيصها باعتبارها عائقاً أساسياً أمام سيْر عمليتى التعليم والتعلم سيْراً طبيعياً".
وبالنظر إلى أهمية الدعم هذه، فقد شكّل محور بيداغوجيا خاصة عُرفت باسم "بيداغوجيا الدعم" "Pédagogie de soutien"؛ وهى مجموعة من التقنيات والطرائق والوسائل والعمليات الديداكتيكية التى تُنْتَهَج داخل الفصل الدراسى أو خارجه، لتحاشى ما قد يظهر على المتعلم من صعوبات تعترض سيْره الدراسي، مع وعْى المدرِّس أو مَن يقوم مقامه بأن هذه الصعوبات طارئة، وليست متأصِّلة فى ذاتية المتعلم، ولا تعكس إمكاناته الحقيقية.
2/- موضوع بيداغوجيا الدعم
ألْمَحْنا سابقاً إلى أن الموضوع الأساس للدعم التربوى هو التعثر الدراسي، والتلاميذ الضِّعاف فى تحصيلهم الدراسي. وغالبا ما تصاحِب مفهومَ التعثر هذا مفاهيمُ أخرى تتداخل معه، وتلتبس به؛ كــالتأخر الدراسى والفشل الدراسي، وغيرهما من المفاهيم التى – بالرغم من تقاربها الدلالى – لا تؤدى معنى واحداً، ولا تحيل على دلالة التعثر الدراسى بشكل مطابق. وفيما يأتى توضيح أهم هذه المفاهيم المترابطة التى تشكل موضوعات بيداغوجيا الدعم:
-أ- التعثر الدراسى "Les difficultés scolaires":
يراد بالتعثر أو العثرة، فى اللغة العربية، الكبْوة والزلل. يقال: "عثرة القدم أسْلم من عثرة اللسان". ويراد به، فى الاصطلاح التربوي، انحراف التلميذ بعيداً عن الأهداف المتوخّاة من نشاط تعليمى قائم؛ أو هو خَلل يَشُوب الفعل التعليمي-التعلمى بوصفه نسقاً مؤلفاً من عناصر دينامية متداخلة ومتفاعلة، بدءاً من الأهداف وانتهاءً إلى نتائج التقويم. ويحدد صاحبا كتاب "بيداغوجيا التقييم والدعم" التعثر الدراسي بأنه "الفارق السَّلبى بين الأهداف المتوخاة من الفعل "التعليمي" والنتائج المحقَّقة فعلياً، يتجلى فى مجال عقلي/ معرفى أو وُجْدانى أو حسى حركي. وترجع أسبابه إلى معطيات متفاعــلة؛ مثل مواصفات التلميذ، أو عوامل المحيـــــط، أو سيْرورة ونتـــائج الفعل "التعلـيمي". ويتطلب هذا الفارق إجراءات تصحيحية لتقليصه بأساليب قد تكون بيداغوجية أو غير بيداغوجية"."4"
وليس التعثر الدراسي حالة مَرَضية مرتبطة بعاهة عقلية، بل هو قضية بيداغوجية فى المحلّ الأول. ومن هنا، فهو أمر قابل لأنْ يُعاَلجَ ويُتَجاوَز.
وهذا يدعونا إلى الحديث عن "بيداغوجيا علاجية" "La pédagogie de remédiation"، تهدف إلى تشخيص التعثر الدراسي، وتحديد عوامل حدوثه، وبناء استراتيجيات تربوية لتصحيحه وعلاجه.
إن تشخيص التعثر يتطلب دراسة شخصية المتعلم فى أبعادها المعرفية والوجدانية والسيكو-حركية. ويسْهِم التقويم المستمر، بشكل رئيس، فى رصد هذا التعثر. وبعد التشخيص والرصد، تعْمِد البيداغوجيا الدّعْمية إلى بحث شتى الأسباب القابعة وراء ذلك التعثر؛ سواء أكانت أسباباً ذاتية مرتبطة بشخصية التلميذ، أم موضوعية مرتبطة بالمحيط السوسيو-ثقافى وبالنظام التربوي. لتخلص – فى المآل – إلى بناء خطط عملية لتجاوز مشكل التعثر فى الدراسة.
-ب- التأخر الدراسى "Le retard scolaire":
يتحقق التأخر الدراسي "أو التخلف الدراسي" عندما يكون التلميذ دون المستوى الدراسى العادي. وهو إما عام يشمل جميع المواد والوحدات الدراسية، وإما جزئى يقتصر على بعض الموادّ؛ لطبيعتها فى حد ذاتها.
وليس التأخر الدراسى ظاهرة مرَضية دوْماً، بل قد تكون نَتاجاً طبيعياً لما يعيشه التلميذ من صعوبات ناجمة عن الأخطاء البيداغوجية والتربوية؛ كثقل المناهج، وعدم مراعاة مبدإ الفروق الفردية فى وضع البرامج، وتكدُّس التلاميذ فى الأقسام...إلخ.
وقد يزعم زاعمٌ أن بين التأخر الدراسي والتأخر العقلى علاقة طرْديةً؛ بحيث إن تخلف التلميذ دراسياً يستلزم دوماً تخلفه العقلي. والحقيقة غيرُ ذلك؛ لأن التأخر الدراسى حالة غير مرضية فى الغالب، على حين إن التأخر العقلى حالة مرضية. وقد نلفي، فى حالات قليلة، تلاميذَ يُعانون تأخراً مزْدوجاً؛ أى على المستوى الدراسى وعلى المستوى العقلى كذلك، ويكون أولهما استجابة واقعية لثانيهما. ولكن، فى أكثر الحالات، يتحقق تأخر التلميذ دراسياً، وهو سليمٌ عقلياً.
-ج- اللاّتكيُّف الدراسى "L’inadaptation scolaire":
إن اللاتكيف الدراسى "أو اللاتوافق الدراسي" حالة يوصَف بها التلميذ عندما يكـــــون:"5"
- ذا مستوى دراسى طبيعي، إلا أن سلوكه لا يتوافق مع حياة جماعة الصّفّ؛ لأسباب نفسية أو عضوية.
- مِن الذين يُعانون من تأخر دراسى بسبب مشاكل نفسية حادّة، كالاضطرابات الوُجْدانية.
- مِن الذين يعانون من صعوبات خاصة؛ كعُسْر القراءة "Dyslexie"، والتعثر فى الكتابة "Dysgraphie" عسر الحساب " الديسكلكوليا Dyscalculia".
- مِن الذين تعطّلت بعضُ حَواسّهم.
-د- الفشل الدراسى "L’échec scolaire":
ومعناه عدم قدرة التلميذ على متابعة دراسته بصفة نهائية. ولا نقول إن هذا المتعلم فاشلٌ فى دراسته إلا إذا بُذِلت فى تقويمه ودعمه جميع المجهودات والإمكانات، ولكن دون جدوى تُذكَر. وعليه، فالفشل الدراسى "أو الإخفاق" يمتاز من المفاهيم المتقدمة بكونه حالة غيرَ قابلة للتصحيح ولا للعلاج.
ويعد التلميذ فاشـــلاً دراسياً حينما يحـــس بــ:"6"
* أنّ مختلِف إنجازاته المدرسية دون المستوى المطلوب.
* أن مستوى القسم، ومعطيات البرنامج، وجوّ المدرسة لا يتوافق معه.
* أن وجوده فى المدرسة تضييع للوقت، وتفويت للفرص، قد يؤثر سَلباً على مستقبله المِهْنى والاجتماعي.
3/- أنـــــــواع الدعم:
ينقسم الدعم إلى أقسام وأصناف متنوعة ومتعددة تَبعاً لتعدد المعايير المعتمَدة فى هذا التقسيم. وسنقف فى هذا المقال عند أهم هذه الأنواع:
-أ- الدعم النظامى والدعم الموازي:
+ الدعم النظامي: وهو الدعم الذى يُنجَز داخل المدرسة من قِبل كل الشركاء فى الفعل الدراسى من مدرّسين، ومراقبين تربويين، ومستشارين فى التخطيط والتوجيه المدرسييْن، وفعاليات تربوية أخرى تُسْتَقْدَم إلى المدرسة خصيصاً لهذا الغرض؛ كالخبراء السيكولوجيين.
ويرتبط عمل هؤلاء الشركاء، فى مجال الدعم، بتحقيق جملة من الأهداف والمقاصد، منــــها:"7"
* إدْخال تعديلات مناسبة على بنية الدروس التى تكتسى صعوبة تؤدى إلى التعثر الدراسي.
* استخدام طرائق وتقنيات تدريسٍ معدَّلة.
* إجراء بعض التعديلات فى البنية المادية لقاعة الدرس فى الأقسام متعددة المستويات.
* تكييف الدروس مع متطلبات التلميذ، وفتح المدرسة على المحيط الاجتماعى والاقتصادى الذى ينتمى إليه المتعلمون.
* اِبتكار بعض استراتيجيات التدريس الملائمة لمدارس العالم القروي.
* البحث فى كيفية جعْل التعلم أمراً مُمْتِعاً بالنسبة إلى التلاميذ...إلخ.
+ الدعم المُوازى "أو التكميلي": وهو دعم يستفيد منه التلميذ أو التلاميذ المتعثرون دراسياً، دون أن يكونوا ملزَمين بالحضور إلى قاعة الدرس؛ كأنشطة التلفزة المدرسية، والبرامج التربوية التى تخصصها بعص القنوات التلفزية لهذ الأمر.
وغرضُ هذا النوع من الدعم التربوي مزدوج؛ "فهو من جهة يرمى إلى مساعدة التلاميذ المتعثرين دراسيا؛ بتقديم مساعدات فى شكل دروس مبسّطة، أو إعادة بعض الدروس التى يُفترَض أن يتعثر فيها المتمدْرسون... وهو من جهة ثانية يُعْــــنَى بالعمل على تطــوير مهارات المدرّسين الأساسية اللازمة لتسهيل التعلم، مع تطوير كـــفاءاتهم وقدراتهم على التعامل مع التلاميذ بطيئى التعلم"."8"
وينطلــق الدعم التكميلى من الفكرة التى تنظُر إلى التعــليم باعتباره مسألة مستمرة ومستديمة؛ تبدأ مع الــولادة، وترافق الإنسان طَـوال حياته، وليست المدرسة سوى مرحلة قصيرة فى العملية التعليمية-التعلمية. وعليه، فعلى كل الفعاليات من آباء ومؤسسات مجتمعية أن تُعين المدرسة فى إنجاح هذه العملية.
-ب- الدعم الداخلى والدعم الخارجي:
+ الدعم الداخلي: وهو الدعم الذى يقدمه المعلم داخل القسم لتلميذ أو لتلاميذ أثبتتْ نتائجُ التقويم تعثرَهم فى مادة أو فى مجموعة من الموادّ الدراسية. ويتخذ هذا الدعم شكل أنشطة داعمة فى مختلِف الوحدات التعليمية، أو شكل خطة دقيقة يراعى فيها التلاميذ المتسهْدَفون حاجاتهم من الدعم من جهة، واختيار الأنشطة والوسائط التعليمية الداعمة من جهة ثانية.
+ الدعم الخارجي: وهو دعمٌ يتم خارج الحصص النظامية؛ كالدروس الخُصوصية، وأنشطة التقويم التى يُطالَب التلاميذ بإعدادها فى بيوتهم كفروض تنجَز خارج الفصل الدراسي. ويتمخض هذا الإجراءُ العملى عن حسّ المدرس بوجود ثغرات فى تحصيل بعض تلاميذه، أو عن تقويمه التشخيصى والتنبُّئي. ولعل هذا النوع من الدعم هو المسمّى بـ"الدعم الوقائي" الذى يعرَّف بأنه "جملة من الإجراءات المتمثلة فى مجموعة من الأنشطة والفروض التى يطالَب التلاميذ بإنجازها بهدف الوقاية من الوقوع فى التعثر خلال بعض الموادّ"."9"
-ج- الدعم الفورى والدعم المرحلي:
+ الدعم الفوري: وهو الدعم المباشر الذى يتم فى شكل تدخّلات لحْظية صريحة من قبل المدرّس داخل القسم خلال مزاولته عمليةَ التدريس؛ كما هو الشأن فى الإعادة، والتوضيح، والتصحيح. وقد أورد د. عبد الرحمن عيسوى فى كتابه "الإحصاء السيكولوجى التطبيقي" عدداً من الأساليب التى تندرج فى هذا السياق، منها: الدافعية، والتسميع الذاتي، والإرشاد والتوجيه، وقانون التنظيم، وقانون التسهيل."10"
+ الدعم المرحلي: ويقصد به مختلف الأدوات والإجراءات والعمليات الداعمة التى تصاحب العملية التعليمية-التعلمية. وقد وُسِم هذا الدعمُ بـ"المرحلي"؛ لكونه يجعل من النشاط الدراسى للتلميذ مراحل أو محطات يتوقف عندها المدرس أو المتعلم للمساءلة قصد تقديم إجراءات تصحيحية أو علاجية حينما يكشف التقويم التكوينى عن وجود فجوات وثغرات معينة فيها.
-د- لقد اقترحت المذكرة رقم 138/ 1997، التى صدرت فى موضوع الدعم التربوي، عن المديرية العامة للشؤون التربوية بوزارة التربية الوطنية المغربية، بعض الأنواع أو الصيغ التى يمكن اعتمادها فى تنظيم عملية الدعم، وهي:
+ الدعم المندمج المواكِب لعملية التدريس التى يزاولها المدرس فى القسم مع كافة تلاميذه خلال الحصص المقرَّرة رسمياً "= الدعم الداخلي".
+ الدعم المؤسَّساتي: ويتطلب توفير فضاء تربوى وثقافى داخل المؤسسة بحسب الإمكانات المادية والبشرية المتوفرة سواء على مستوى التأطير أم الحُجرات أم الأدوات التعليمية. ويستدعى هذا الدعم شروطاً تربوية خاصة يجب أن تتوفر فى المدرسين الذين يُعْهَد إليهم بهذه المهمة، كما يستدعى استرتيجية منظمة مُحْكَمَة "= الدعم الموازي".
+ الدعم الخـــارجي: وتشارك فيه جهات خارجية؛ كجمعيات آباء وأولياء الــتلاميذ، والجمعيات غير الحـــكومية، وجميع مكونات المحيط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية "= الدعم الموازي".
لقد صاغ المهتـــمون بالشأن التربوى عدداً من النمــــوذجات والاستراتيجــــــيات فى مجال بيــداغوجيا الــدعم والتصـحيح والتحكم، وهى تنطلق من مرجعية نظرية تجد أساسها فى المقاربتين الفارقية؛ التى تقوم على مراعاة مبدإ الفروق الفردية بين المتعلمين، والنسَقية؛ التى تتعامل مع الظاهرة التربوية بوصفها نسقاً دينامياً مترابطَ العناصر. فدعم التربية بحقيقة الموضوع هو دعم للمعرفة التى بدونها تتهدد مجتمعاتنا بالزوال. وسنحاول فى هذا المقال تسليط الضوء على أهم هذه الاستراتيجيات/ النموذجات:
-أ- نموذج كارّول "CARROL" / 1963:"11
يُحدَّد مستوى التلميذ، فى الغالب الأعمّ، انطلاقا من مدى قدرته على إنجاز مهامّ معينة خلال مساحة زمنية محددة. ولكن كارول ينطلق من فرضية مغايرة مفادُها أن تبايُن مستويات التلاميذ مَرْجعُه إلى مُتغيِّر رئيس، يكمن فى الغلاف الزمنى المخصَّص لهم للتحكم فى إنجاز مهامّ معينة. ومن هنا، يحدد كارول التعلم بأنه "تطور من عدم التحكم إلى التحكم فى مهام معينة مروراً بمقاطع مرحلية ضرورية. بيد أن هذا المرورَ يتم فى زمن يختلف من شخص إلى آخر حسب خصوصيات المعلم، والشروط الفعلية التى تم فيها التعليم..."
إن فرضية كارّول تربط نتائج التعلم بالمدة الزمنية للنشاط التعليمي-التعلمي. بمعنى أن تفوّق التلميذ يعود إلى تلاؤم زمن تعليمه مع زمن تعلمه، وأن فشله الدراسى يعزى إلى وجود بَوْن بين الزمنين.
ويخرج قارئ هذا النموذج باقتناع واضح، وهو أن التلاميذ لا يتعلمون بنفس الوتيرة؛ أى فى نفس المدة الزمنية. بل إنهم يختلفون اختلافاً شـــديداً فى هذا الصدد؛ ذلــك بأن منهم مَن يتعلم فى زمن قصير، ومنهم مَن يتعلم فى زمن طــويل، ومنهم من يستغرق تعلمُه زمناً يتردد بين القِصَر والطول. وتتحكم فى ذلك كله مؤهلات التلميذ ومكوناته وقدراته الخاصة. وانطلاقاً من هذا الأمر، فمن اللازم على المخطِّطين ومنظِّمى العملية التعليمية أن يأخذوا فى اعتبارهم الكامل متغيّر الزمن، ولاسيما زمن التعلم.
-ب- نموذج بلوم "BLOOM" / 1968: "12"
يَقترح بنيامين بلوم، ذو الأصل اليهودي، استراتيجية بيداغوجية لنسق تربوى خالٍ من الثغرات، تتأسس على متغيرات ثلاثةٍ، كالآتي:
* خصوصيات التلاميذ: أى إن لكل تلميذ تاريخَه الخاص المتشكل من مكتسَباته المعرفية السابقة وسماته الوُجْدانية "الحوافز". فإذا كان تاريخ التلاميذ متماثلا، فإن الفروقات بينهم على مستوى النتائج ستكون ضعيفة. وإذا كانت بينهم فروقات شاسعة قبل التعليم، فإن النتائج ستعكس هذه الفروقات. ولذلك، فإن كل نسق تربوى بدون ثغرات يستلزم تصحيح هذه الفروقات قبل مباشرة عملية التعليم.
* قيمة التعليم كطرائق ووسائل وأدوات: ويراد بهذا المتغيّر درجة ملاءمة التعليم لخصوصيات التلميذ. ويذهب بلوم إلى أن قيمة التعليم تمكّن من تقليص الفروقات بين المتعلمين على مستوى نتائج التعلم. وبالتالي، تحقيق نتائج متماثلة بدرجة كبيرة. ولا سبيلَ إلى تحقق ذلك إلا إذا كانت طرائقُ التعليم ووسائله مبنية على أساس التشخيص المستمرّ للفروقات الفردية ولثغرات العملية التعلمية، والتدخل من أجل تقليص الفروقات وتصحيح الثغرات التى وقع رصْدها مسبَّقاً.
* نتائج التعلم: وتوصَف، فى نموذج بلوم، بمعاييرَ ثلاثة رئيسةٍ؛ هي: درجة المردودية، وسرعة التعلم زمنياً، وآثار التعليم وُجْدانياً. وتتحدد هذه المعايير بالمتغيريْن المتقدمين اللذين يشكلان، فى الوقت نفسه، منطلقات لتعلم جديد.
وانطلاقاً من هذا النموذج، يمكننا التوصل إلى خلاصة أساسية مفادها أن كل بيداغوجيا داعمة ينبغى أن تأخذ فى اعتبارها ثلاثة معطيات رئيسة، هي:
- تحكم التلميذ فى المكتسبات السابقة التى تعد منطلقا لأى تعلم جديد.
- تحفيز التلميذ للمشاركة فى سَيْرورة التعلم بشتى صنوف التشجيع.
- ملاءمة التعليم لمستوى التلميذ من حيث الطرائقُ والوسائلُ الموظَّفة، والتى يلزم أن تكون متّسِمة بمَيْسَم المرونة.
-ج- نموذج أنّـا بومبوار "ANNA BONBOIR" / 1970: "13"
ترى أنّا بومبوار أن كل فعل تربوي، سواء أكان قصير المدى "درس" أم بعيده "مقرَّر"، يُخطَّط له بناءً على أهداف تترْجم فى صيغة إجرائية ما نــــتوخى بلوغه عند نهاية هذا الفـــــعل، أو ما نبتغى من التلميذ أن يتحكم فيه من إنجـــازات ومهارات. وإذا كان الأمر كذلك، فإننا نلحظ فوارق كَمّية أو كيفية بين المتوخّى تحقيقُه والمتحقّق فعلاً. والبيداغوجيا التصحيحية تقوم على هذه الفرضية: "إذا ما كانت هناك تدخلات لتصحيح فعل التعليم والتعلم خلال إنجازه، فإن هذه الفوارق ستتقلص أو تزول". لذلك، تقترح أنّا بومبوار إجراءين رئيسيْن هما:
- تعرُّف الفوارق السلبية فى التعلم إنْ على مستوى الكم أو على مستوى الكيف/ النوع.
- تعويض النقص الملاحَظ بوصفات تصحيحية ودَعْمية.
إن هذه البيداغوجيا التى بلوَرتها أنّا بومبوار تفيد أكثر فى التخطيط للعملية التربوية بواسطة أهداف معينة. ذلك بأن هذه الأخيرة تستبْطِن معياراً لقياس مدى تحقق الهدف. فإذا كان ثمة خروجٌ عن هذا المعيار، فإنه من الواجب تشخيصه، وقياسه، والعَمْد إلى تصحيحه بواسطة تدخلات فورية مستمرة لتلافى أى فشل أو تعثر دراسييْن محتمَلَيْن.
-د- نموذج بلوك وأندرسون "BLOCK & ANDERSON" / 1975: "14"
يعد هذا النموذج امتداداً وبلورة لنموذج سابق، ويتعلق الأمر بـ"خطة كيلر" "Plan keller"، المَصُوغة فى أواسط ستينيات القرن المنصرم "و بالضبط عام 1964"، والمُطبَقة – بـــداءةً – فى جامعة برازيليا. لقد أفاد صاحب هذه الخطة من مبادئ المدرسة السلوكية ومن تطبيقاتها فى مجال "التعليم المبَرْمَج"، فاقترح استراتيجية تعلمية أطلق عليها اسم "الاستراتيجية الفردية"، وهى تصلح - بشكل فعّال- فى التعليم الجامعي، ويمكن توظيفها فى التكوين المِهْنى والتكوين المستمر. وتؤكد هذه الاستراتيجية أن كل طالب بإمكانه أن يتعلم بمفرده، وحسب إيقاعه الخاص؛ وذلك وَفق الطريقة الآتية:
- يجب أن يتوصّل الطالب بالبرنامج الدراسى كاملاً.
- يدرس الطالب الوحدة الأولى من هذا البرنامج بمفرده؛ سواء داخل الفصْل أم خارجه.
- عندما يُنْهى الطالب دراسة هذه الوحدة، يُقوَّم ويُمْتَحَن للتأكد من مدى استيعابه ما درسه. وعقب ذلك، يتم عقد جلسة بين الطالب ومُمْتحِنِه للوقوف على ثغرات تعلم الطالب وتصحيحها. وإذا كثُرت هذه الثغرات، يُطالِب الممتحِن الطالب بإعادة دراسة الوحدة التى أخفق فيها.
لقد كان لخطة كيلر هذه أثرٌ بارز فى كثير من الباحثين التربويين الذين جايَلوه أو جاؤوا من بعده، وفى تطور بيداغوجياتٍ للتحكم والدعم والتصحيح. ومنها نموذج بلوك وأندرسون الذى يعد استراتيجية بيداغوجية هدفُها التحكمُ فى إنجازات المتعلمين. ويقوم هذا النموذجُ على ثلاث مراحل أساسية، هي:
* تحديد التحكم: أى تخطيط الفعل التعليمي-التعلمي. ويتم ذلك وَفق إجراءاتٍ، أهمها:
- تحليل محتوى الكتاب المدرسى إلى وحدات دراسية، وتحديد أهداف ملائمة لكلٍّ منها على حِدة.
- إعداد جدول لإيضاح التقاطع بين المحتويات والأهداف.
- وضع أسئلة اختبارية للتقويم الإجمالى بإزاء كل هدف.
- تحديد معيار التقويم.
* برْمَجة التحكم: إذا كانت المرحلة السابقة مرحلةَ تخطيطٍ، فإن هذه المرحلة مرحلةُ اختيار الاستراتيجية التدريسية الملائمة. وفيها يتم ما يلي:
- تنظيم محتوى المادة الدراسية، واختيار الطرائق والوسائل التعليمية.
- وضْع اختبارات التقويم التكويني/المرحلى فى انسجامٍ مع تمَفصُلات الدرس.
- تهْييء المصحِّحات الفردية والجماعية باعتبارها إجراءت بيداغوجية ترمى إلى سدّ ثغرات العملية التعليمية-التعلمية.
* تعليم التحكم: إذا كانت المرحلتان السالفتان تحضيريتيْن، فإن هذه المرحلة مرحلةُ تنفيذ الخطة المرسومة منذ البدء، وذلك بالاعتماد على الإجراءات الآتية:
- شرح هذه الخطة للتلاميذ.
- تعلمهم وحدات المحتوى ومقاطعه.
- إجراء التقويم التكوينى والإجمالي. وبناءً عليه، يتم تدعيم النتائج الإيجابية، وتصحيح الأخطاء والسَّلبيات.
-هـ- نموذج تورشون "TORSHEN" / 1977: "15"
أسْهَم تورشون فى هذا الإطار بنموذج بيداغوجى سمّاه "الاستراتيجية المختلِطة"؛ لكونه يناسب التعليميْن الجماعى والفردى معاً. ويقترح هذا النموذج أربعَ خُطْواتٍ مِنهاجية، كالآتي:
* تحديد الأهداف العامة والخاصة.
* إجراء تقويم تمهيدى لتحديد مستوى التلاميذ القبْلي، ومقارنته بالمستوى المرْغوب فيه. وعلى هذا الأساس، تُخْتار الوسائلُ التعليمية الملائمة.
* التــــدريس: وفيه توظَّف طرائق ووسائل ووســــائط مِن شأنها أن تمكّن من تقليص الفارق بين المتوخّى تحقيــــقه والمتحقق فعلاً من الأهداف.
* القيام بإجراءات تصحيحية بعد الحصول على النتائج "التكرار – التعديل – الإغناء".
تلكم ،إذاً، نماذجُ من استراتيجيات الدعم والتصحيح التى وضعها الباحثون التربويون المعاصرون، وهى – فى مجموعها – تلحّ على "ضرورة الأخـذ بعين الاعتبار الفروقات بين التلاميذ، وتكييف الفعل التربوى على ضـوئها، ثم النظر إلى هذا الفعل كنَسَقٍ من العناصر المنظّمة والهادفة"."16"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب من المغرب.
الهوامـــش:
"1"- المعجم الوسيط، إعداد: مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الدعوة "استانبول/ تركيا"، ط1989، 1/286.
"2"- Petit Larousse illustré, Librairie Larousse, Paris, 1984, P949.
"3"- Dictionnaire actuel de l’éducation, R.Legendre, Ed. Larousse, Paris, 1988, P518.
"4"- بيداغوجيا التقييم والدعم، تأليف: عبد اللطيف الفاربى ومحمد آيت موحى، سلسلة "علوم التربية"، رقم 6، دار الخطابى للطباعة والنشر، المغرب، ط1991، ص57.
"5"- بيداغوجيا الدعم...، إشراف: خالد المير وإدريس قاسمي، سلسلة "التكوين التربوي"، الكتاب رقم 6، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1999، ص13.
"6"- المرجع نفسه، ص14.
"7"- نفســـــه، ص ص42-43.
"8"- نفسه، ص43.
"9"- نفســه، ص45.
"10"- نقلاً من كتاب "بيداغوجيا الدعم..."، ص ص46-47.
"11"- بيداغوجيا التقييم والدعم، م.س، ص ص44-45.
"12"- نفســه، ص ص45-46.
"13"- نفســه، ص46.
"14"- نفســه، ص ص46-47.
"15"- نفســــه، ص ص47-48.
"16"- نفســـه، ص48.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.