واقع درس اللغة العربية في المنهاج الجديد-التعليم الابتدائي-
محمد بنعمر
باحث في علوم التربية
-اشكال
اولي
لقد اخترنا الاشتغال على موضوع
درس اللغة العربية في الأقسام الابتدائية بالمدرسة المغربية في المنهاج الجديد ،قصد الوقوف على أهم التغيرات
والسياقات التي مست هذا الدرس،الذي عرف نقلة بيداغوجية وتحول ديداكتيكي بفعل الشروع بتعميم العمل بالمنهاج الدراسي الجديد
المسمى والمنعوت سابقا بالمنهاج المنقح
للسنوات الأربع من التعليم الابتدائي ،والذي تم تعميمه ابتداء من هذا الموسم
الدراسي:2018-2019.
وما يميز المنهاج الجديد هو توصيفه لهندسة لغوية
جديدة قائمة على الاعتراف بالتعدد والتنوع من خلال الإقرار بثلاث لغات دفعة واحدة يلزم
تعليمها ويفرض تدريسها في القسم الابتدائي بدءا
من السنة الأولى..
وهذا
الحضور لهذا التعدد في قطب اللغات بالمنهاج الجديد للقسم الابتدائي، أثار نقاشا
واسعا بين المتدخلين والفاعلين في الشأن التربوي والتعليمي.
وبالتالي
فهذا الإشكال هو الذي جعلنا نشتغل ونبحث عن دواعي ومشروعية هذا التعدد اللغوي الحاضر في المنهاج
الجديد منطلقين من مجموعة من الاعتبارات التربوية،والمعطيات الديداكتيكية ،والسياقات البيداغوجية التي يجمعها
المساءلة والمتابعة عن الدوافع الأساسية التي تقف من وراء حضور هذا التعدد اللغوي في المنهاج الجديد.
-أهمية اللغة في بناء
التعلمات
-تعد اللغة
العربية مكونا هاما وأساسيا من مكونات الهوية ، فهي الأداة المشكلة للنسيج الحضاري والثقافي لجميع
دول العالم العربي بما في ذلك المغرب،لذلك حرص النظام التعليمي المغربي في مساره التاريخي البعيد على توريثها للأجيال القادمة ، وعمل على
صيانتها وتقويتها والرفع من مستواها وأدائها
في البرامج التعليمية لتقوم اللغة العربية بوظائفها التعليمية و التواصلية ،حتى تؤدي مهامها في
التنمية والتقدم.....
مما جعل تدريس
اللغة العربية وتعلمها من ابرز القضايا المحورية المطروحة في المنظومة التعليمية
المغربية ، وفي جميع مشاريع الإصلاح التي عرفها ورش إصلاح التعليم في السنين الأخيرة
.
فاللغة العربية من
ابرز وظائفها التواصل في إبلاغ حاجيات ورسائل المتخاطبين إلى السامعين.فهي تقوم بوظيفة التواصل والتبليغ والإخبار من خلال
إيصال مراد المتكلم إلى المخاطب من أفراد العشيرة اللغوية التي ينتمي إليها ذلك
المخاطب وفق التعاقد التخاطبي الجامع والقائم بين
المخاطب والسامع...[1] .
فالتواصل إذن يعد
من ابرز خصائص اللغات بصفة عامة،
بحيث لا يمكن إسقاط ، أو إبعاد وظيفة التواصل ضمن الوظائف الكبرى ، والأساسية التي
تؤديها اللغة في المجتمع الإنساني ،وهذا
الموضوع ظل محل اتفاق بين عدد كبير من اللغويين واللسانيين.[2]
وهو ما أدى بكثير من اللسانيين إلى أن يعرفوا اللغة بأنها أداة للتواصل، وقناة
للتخاطب ،ووسيلة من وسائل الاتصال ، والتفاهم بين الشعوب وبين مختلف الأجيال...
وعليه فان اللغة
بوصفها نسقا من العلامات والرموز، فهي تمنح القدرة للمتكلم من أن يتواصل مع غيره.
ولعل هذا البعد التواصلي
المميز للغة مشعر بالبعد التواصلي المميز للإنسان ،من حيث إن اللغة من احد
مركبات شخصية الإنسان ،بل هناك من
ذهب إلى ابعد من هذا عندما صرح بأن الاتصال والتواصل من ابرز شروط بقاء الإنسان ،وهو من الأوصاف
والمستلزمات الداعمة الضرورية لاستمرارية
هذا الإنسان، ومن المقومات المؤكدة
لديمومته واستمراريته في هذا الوجود....[3] .
وهو ما يعني
من جهة اخرى أن التواصل يعد من
ابرز طبائع الإنسان،ومن أهم خصائصه التي
تجعله كائنا متميزا ، ومتفردا عن غيره من
الكائنات الحية [4].
كما أن
للغة لها مهام أخرى غير المهام المذكورة والمنصوص عليها سالفا ،فهي تؤثر في طريقة أهلها ومستخدميها في تفكيرهم، وفي رؤيتهم للوجود والعالم ،وفي تمثلهم للعالم المحيط بهم ،بل
تؤثر حتى في طريقة إنتاج الإنسان للمعرفة ،لان اللغة تحمل رؤية العالم
بالنسبة لمستعملي اللغة ، ولمستخدمي أنساقها وأنظمتها في التفكير والتواصل والإبلاغ . وهذا المعطى
مؤشر واضح وجلي على أن اللغة تعكس قيم
المجتمع،و تحمل هويته و تحافظ على
ذاكرته الفردية والجماعية[5].
وهو ما يعني أن اللغة تعمل
باستمرار على بقاء المجتمع وعلى استمراريته، وعلى تماسكه والحفاظ على
ثقافته وتراثه وهويته ، كما تعمل اللغة من
جهة اخرى إلى انتقال التراث الثقافي عبر مختلف الأجيال.[6]
وهو الإشكال الذي
جعل كثيرا من الدراسات اللغوية واللسانية
والانتروبولوجية تتبنى هذه الأطروحة القائلة بان المنظومة اللغوية
تؤثر في رؤية أهلها للعالم ،وهذه المنظومة هي التي تحدد القدرة على الكلام ،وتساعد
على النظر، وتعين على التفكير..[7].
وبالتالي فان
اللغة تعد حاملة للرمز، و متضمنة للقيم المحمولة في الذاكرة الجماعية للمجتمع، وهي
بهذا التحديد والوصف عنوان الهوية الفردية والجماعية للإنسان .
فضلا عن كون اللغة
وسيلة للتفكير ،و طريقة في النظر،يستعملها المتكلم ليفكر و ليتكلم من اجل أن يحقق ذاته أو من اجل
أن يشيد أنساقه،و يكشف عن وجوده ،وحضوره في
هذا العالم المحيط به .
لعل هذه الوظائف
المتعددة، والأدوار المتداخلة والمتشابكة للغة، هي التي جعلت الفلاسفة قديما
وحديثا يتجهون إلى الاشتغال على اللغة في كثير من أبعادها جوانبها و مستوياتها،
خاصة ما تعلق بالكيفية التي يجري بها اكتساب و تعلم وتعليم اللغة.
***اللغة والتعلمات
لا نختلف إذا
قلنا إن
اللغة هي أداة الفاعلة في التربية والتنشئة الاجتماعية ، فهي بمقدورها على دمج
الفرد في المجتمع ،وعلى غرس القيم الايجابية في نفوس الناشئة لإعدادها للحياة ...[8].
وبالتالي فإن تدريس وتعليم اللغات يكتسي أهمية كبيرة ، وحضورا
بالغا على جميع المستويات، والأصعدة لان اللغة هي الأداة الصانعة والمركبة للمعالم النفسية لشخصية الطفل والمتعلم على حد
سواء ،خاصة في المراحل العمرية الأولى من حياته....
فقد دلت البحوث الميدانية في الدراسات النفسية ،والسيكلوجية
المنجزة ،والمعدة مؤخرا عن مدى أهمية اللغة في الأقسام الأولية في التعليم من حيث بناء المعالم النفسية والعقلية
والوجدانية لشخصية الطفل ،والمتعلم على حد سواء[9].
مما جعل الارتباط
حاضرا وقائما بشكل كبير بين اللغة والتعليم ،وبموجب هذا الارتباط بين اللغة التربية
، فقد اشتغلت كثير من العلوم والمعارف على اللغة وطرائق تعليمها ،مما أهل
اللغة لان تكون موضوعا للمقاربات المتعددة منها خاصة المقاربة اللسانيات التعليمية أو البيداغوجية التي تهتم بوظائف اللغة
الأساسية و البحث على إمكانيات استثمارها وتقريبها لحقل التربية والتعليم ،من خلال البحث عن أشكال وطرق
جديدة في تعليمها وتعلمها .
ومن ابرز المجالات
التي لقيت الاهتمام البالغ وحظيت باهتمام اللسانين التطبيقيين هو مجال تعلم اللغة
وتعليمها ،مع التركيز والعناية بشكل خاص
بمجالات القراءة و التواصل والمحادثة.. .
ومما لا نشك فيه أن اللسانيات
التعليمية من العلوم المرشحة
والقادرة على الإجابة على معظم الإشكالات و مختلف القضايا التي لها صله وارتباط بمشاكل تعلم اللغات.
-دور اللسانيات التطبيقية في تعليم اللغة العربية
من العلوم الجديدة التي احدث تحولا كبيرا في الدراسات اللغوية الجديدة علم
اللسانيات التعليمية أو البياغوجيا التعليمية أو التطبيقية، وهو فرع من اللسانيات
العامة ، ذلك أن هذا العلم الجديد من حسناته انه يهتم بالبعد التعليمي والتدريسي للغة من حيث تشخيص الطرق الناجحة في التدريس، وإظهار
الآليات المساعدة على تعليم اللغة
وتعلمها، والوقوف على أهم الاكراهات والصعوبات التي تواجه متعلم اللغة في جميع
مراحل تعلمه وفي جميع المسالك التعليمية أو الراغب
المتوجه إلى تعلم اللغات بصفة عامة ،واللغة العربية بصفة
خاصة.
وهذا العلم له علاقة
بداكتيك اللغات أو تعليمية اللغات أو منهجية تدريس اللغات ،هو مجموع الخطابات والبحوث
التي أنتجت حول تعليم وتعلم اللغة
سواء تعلق الأمر باللغة الأولى أم باللغة الثانية الأجنبية .
واللسانيات
التعليمية من العلوم الجديدة التي لها
علاقة بتعلم اللغات اللسانيات التعليمية ،و هذا العلم الجديد تفرع عن علم اللسانيات العام ،وهو يهتم بالبعد التعليمي للغة
من حيث تشخيص الطرق، وإظهار الآليات المساعدة والمعينة على تعليم اللغة وتعلمها، والوقوف على أهم
الاكراهات ،والتوجه نحو إظهار التعثرات ،
وإبراز الصعوبات وتجلية المعيقات التي قد تقف وتعترض سبيل الراغب
والساعي إلى تعليم اللغات بصفة عامة ،واللغة العربية بصفة خاصة. [10]
وهذا الفرع من اللسانيات اعني اللسانيات التعليمية يراهن على استثمار نتائج البحث اللساني المعاصر
بجميع مدارسه واتجاهاته ومذاهبه من خلال
ربط هذه النتائج بمجال ديداكتيك تعليم اللغات la Didactique des Langues عامة ،وديداكتيك اللغة العربية
خاصة.....[11].
ومما حملته
اللسانيات التعليمية من خطابات توجيهية للمشتغل والمتدخل في تعليم وتعلم اللغات ،هو أن التعلم في مراحل الطفولة انفع وأيسر وأسهل ،لان هذه المرحلة تكون أكثر
ديناميكية و فاعلية في التعلم مقارنة بالفترات والمراحل الأخرى من حياة الإنسان[12].
ومن
ابرز المدارس التي تشتغل على البيداغوجيا
التعليمية : اللسانيات المعرفية التي طرحت
La linguistique cognitive بزعامة نيوبورت هذه
الفرضية Newport 1991 وهو أنّ الفرد، كلما تقدّم في العمر، قلّتْ قدرتُهُ على تعلّم
اللّغة واكتسابها انطلاقا من هذه النظرية –الأقل هو الأكثر The less is more .[13]
وهو ما جعل المقاربات
البيداغوجية في تعلم اللغة تراهن أكثر على مراحل الطفولة من عمر الإنسان في تعليم اللغات
بصفة عامة.
علما أن اللغة تشكل
المادة الأولية التي بها
يشيد المتعلم تعلماته الأساسية والأولية
بدءا من التعليم المدرسي الأولي .
..[14].
فاللغة بالنسبة
للطفل هي الأداة التي تمنحه القدرة على التواصل والتعبير عن معارفه وأفكاره وتمثلاته
الأولية. فالطفل لا يستعمل اللغة من اجل الفهم و الإنتاج والتواصل،بل يستعملها من
حيث هي أداة للتفكير والتحليل والوعي والنظر.....[15].
و بصفة عامة تعد اللغة من ابرز المداخل الأساسية في اكتساب المعارف الأولية
،وتحصيل كفايات التعلم في
مؤسسات وفضاءات التربية
والتعليم [16].
واتساع
الاشتغال باللسانيات التعليمية أو التدريسية بشكل كبير في الفترة المعاصرة مؤشر كاشف عن مدى
التطور التي أخذت تعرفه المسالة
اللغوية في علاقتها وارتباطها بالمنظومة
التعليمية ، وان كان الجزء الأكبر من هذه
الأسئلة المودعة في هذا العلم جاءت
لتقديم أجوبة جامعة على مختلف الأسئلة القلقة،و
على علامات الاستفهام المثيرة التي يرتبط اغلبها
بمشاكل تدريس اللغات واكراهات تعليمها في الأقسام الأولية والابتدائية في بعدها الديداكتيكي،اوالتعليمي والبيداغوجي
..—[17].
-**واقع
درس اللغة العربية في المدرسة المغربية
إن واقع درس اللغة العربية في المدرسة المغربية من حيث الواقع والحضور والممارسة كشفت عنها نتائج
التقويمات الوطنية والدولية التي أجريت على كفاية المتعلم المغربي في اللغة
العربية،إذ كشفت نتائج البرنامج الوطني
لتقويم التحصيل الدراسي لسنة : 2008 من
تحديد مواطن القصور وتحليات التراجع والضعف في مجال التحكم
في اللغات ،إذ يجد المتعلم المغربي صعوبة كبيرة
في إنتاج النصوص الكتابية التي
تتسم كفاياتها ومهاراتها بنوع من التركيب والتعقيد سواء في اللغة العربية أم في اللغة الفرنسية ،وعلى هذا الأساس يستخلص
بان كفاية إنتاج النصوص الكتابية لم يكتسبها التلاميذ بعد على النحو المطلوب والمرغوب سواء في
القسم الابتدائي أم في القسم الإعدادي
...[18]
بحيث سجل التقرير انخفاض كبير وبنسب مؤثرة ومقلقة مستوى التحصيل الدراسي في محور تعلم اللغات كلما
ارتفعت درجة تعقيد الكفاية، و يحضر هذا بقوة في مادتي التعبير الكتابي والإنشائي ،ويمكن تفسير هذه الصعوبات والإخفاقات الشديدة بإرجاعها إلى عدم تمكن المتعلم من مختلف مكونات اللغة العربية المحددة في التراكيب و الإملاء و الصرف والتحويل و المعجم ....[19].
علما أن جزءا
كبيرا من هذه الاكراهات والصعوبات
التي يعرفها درس اللغة العربية في المدرسة
المغربية بجميع مستوياته وأقسامه ،يتصل
بالجانب التطبيقي و الإجرائي المتعلق بالطرائق
والمنهجيات والأساليب التي تخطط وتدبر بها الأنشطة اللغوية الصفية التي يتلقاها المتعلم ويتفاعل معها في
الفصل الدراسي .
كما ارجع التقرير
الوطني المتعلق بتقويم التعلمات أن هذا الخلل
والتدني في مستوى المتعلم يرجع إلى عدم ملائمة ومناسبة المقررات الدراسية والبرامج والطرائق التعليمية
الجديدة والمعتمدة مع الحاجيات والمتطلبات
التربوية الأساسية للمتعلمين، مما يعني أن
هذا الدرس لا يساير الواقع التربوي الذي يقتضيها التعليم العصري ، ولا يصغي أو ينفتح
على المستجدات الجديدة التي يعرفها مجتمع المعرفة اليوم ، ولا يستوعب التحولات السريعة التي يعرفها قطاع التربية والتعليم.....
كما أن مركز المعرفة
العربي كشف في تقريره السنوي لسنة :2011 عن تدني ملحوظ في مستوى المتعلم العربي ، و أكد ان
المتعلم العربي لا يجيد القراءة ولا الكتابة باللغة العربية،وارجع هذا التعثر في اللغات الى عوامل ذاتية واخرى
موضوعية،إذ أبدى أسفه عن واقع اللغة العربية في المناهج التعليمية السائدة في
الوطن العربي...[20]
وقبل هذه التقارير كان تقريرpirls
لسنة 2007 وهو تقويم دولي متعلق
بالقراءة بحيث احتل المغرب الرتبة 44من
بين 45دولة ...[21].
وهذه النتائج المقلقة والمثيرة كانت
الدافع المباشر الذين جعل الفئة
العريضة من الباحثين والمتدخلين
تفتح نقاشا حادا، وتباشر حوارا مستفيضا ،وواسعا حول مستقبل وأفاق المدرسة
المغربية في محور تعليم اللغات عامة و اللغة العربية خاصة ،أخذة
و منطلقة من هذه المرجعية التي أكدتها
الأبحاث التدخلية وهو أن المتعلم
المغربي يعيش تدنيا كبير و ملحوظا في معارفه ومهاراته وكفاياته اللغوية خاصة ما تعلق بالتراكيب
و الإملاء و الصرف والتحويل و المعجم.[22].
وللنهوض بتعليم
اللغات في المدرسة المغربية وتجاوبا مع الطلب المجتمعي المتزايد من اجل إعادة
النظر في البرامج والمناهج للرفع من ادائها،فقد جعلت مشاريع الإصلاح من
رهاناتها الأساسية إعادة الاعتبار للغة
العربية في القسم الأولي و الابتدائي بوصفها لغة التعلم الأولى ، وان كان التوجه الأساسي في تدريسها في هذه
الأقسام هو التركيز
على الكفايات اللغوية التواصلية ذات البعد الشفهي من اجل تنمية الفهم والرفع من
الرصيد اللغوي للمتعلم.
ولتحقيق هذا الهدف
واستجابة لما حملته المشاريع الإصلاحية من توصيات
لا سيما ما تعلق بمشروع الإطار المتعلق بتنزيل
التدابير ذات الأولوية في مشروعه الأول الذي
نص بضرورة ولزوم إعادة النظر في منهاج اللغة العربية ابتداء من السنوات الأولى من التعليم الابتدائي ،و العمل على
تطوير هذا الدرس في سياق التجديد والابتكار الذي تعرفه المناهج الدراسية اليوم وحتى تتلاءم هذه المناهج مع مستجدات العلوم الانسانية التي تعرفها الساحة
التعليمية.[23]
و تتوخى هذه المراجعة
للمناهج تحقيق التوافق مع متطلبات المتعلم
وحاجياته التي يفرضها مجتمع المعرفة
،وتسهل انخراطه وحضوره في هذا المجتمع الذي يتغير اليوم بشكل كبير وبوتيرة سريعة.. ..[24].
والمراهنة على
المنهاج التعليمي في الإصلاح يعود أن
المنهجية التدريسية هي الفاعل والمفتاح في تحقيق النجاح الدراسي في محور تعلم
وتعليم اللغات ....[25].
استجابة مع هذا الإصرار بضرورة مراجعة المناهج يأت مشروع القراءة من اجل النجاح أو القرائية في سياق خاص
،يتحدد هذا السياق في السعي نحو الرفع من
الرصيد اللغوي والمعجمي للمتعلم ،و العمل
على تقوية مهاراته التواصلية بمده
بالمهارات الصوتية التي تمكنه من النطق
الصحيح والسليم والسديد بحروف اللغة العربية ،وتأهيله للتعبير والتواصل اللغوي بكل
طلاقة ويسر في أنشطته الصفية اليومية من خلال استثماره للحكاية.
-درس اللغة العربية
في المنهاج التعليمي الجديد
المغربي
يحظى درس اللغة
العربية بموقع خاص في المنهاج التعليمي المغربي الجديد من حيث الحصيص الزمني المخصص له ،ومن حيث المكونات المحمولة فيه ،ومن حيث الوحدات المجالات المركبة له . [26]
ذلك بان الخيار
التربوي والبيداغوجي الذي سار عليه المغرب
وراهن عليه في جميع الإصلاحات التربوية التي
تعاقبت على المنظومة التعليمية هو تعزيز مكانة اللغة العربية وتقويتها في
المنهاج التعليمي ، باعتبار أن
اللغة العربية هي من احد ابرز مكونات النسيج الحضاري والثقافي ،واحد مرتكزات
الهوية الوطنية والدينية للمغرب من خلال المراهنة على جعلها لغة مستمرة للأجيال القادمة.
فالمسعى المشترك في مشاريع الإصلاح التي
تعاقبت في المنطومة التعليمية المغربية هو استجابة لهذا الغرض التربوي
ومحاولة تنزيل أهدافه، وهو تأهيل اللغة العربية في المدرسة المغربية...
فقد حرص المنهاج
التعليمي الجديد على تأهيل اللغة العربية
في التعليم ،والرفع من مستواها في جميع الشعب والأسلاك
والمسالك
لتصبح اللغة العربية تدريجيا لغة
البحث العلمي والتكنلوجي ،واحد رهانات و
رافعات التنمية في المغرب... .
لكن إن اكبر نقلة نوعية
وبيداغوجية تحققت للغة العربية هو الشروع في تنزيل الرؤية الإستراتيجية لإصلاح
المنظومة التعليمية .
وهو ما يؤكد آن درس اللغة العربية عرف منعطفا
جديدا، وتحولا عميقا مع الشروع في إعمال البرنامج المنقح.وهو برنامج يضع في أهدافه الأساسية و اختياراته الكبرى النهوض بتدريس اللغات عامة،
بإعطاء اللغة العربية المكانة التي تليق بها
من خلال التركيز على الرفع من الحصيص
الزمني خاصة في السنوات الأولى من التعليم ....
ويهدف البرنامج الجديد المنقح إلى تحسين الكفايات التواصلية للمتعلم في
القراءة والكتابة والتعبير ،مع تصحيح التعثرات
بشكل مندمج وسلس خلال الأنشطة الصفية ....[27]
إضافة إلى عناية هذا البرنامج بشكل اكبر
بمهارة التواصل الشفهي باعتباره هدفا أساسيا يسهل للمتعلم التواصل مع جميع المتدخلين
في العملية التعليمية .
فالتواصل الشفهي هو الطريق الاقوم لاكتساب المعارف والمهارات والقيم والمواقف
المحمولة في المواد التعليمية التي تحمل هدفا عاما وهو تنمية القدرات والمهارت الشفهية
للمتعلم .[28]..
ومن مساعي
هذا المنهاج المنعوت بالمنقح هو توسيعه من
حصيص مكون القراءة ليصل إلى خمس ساعات في
الأسبوع بمعدل حصة في اليوم مدتها ساعة ،قاصدا
بهذا الرفع من قدرات المتعلم وتنمية
مكتسباته ورصيده في اللغة العربية لتأهيله لإنتاج النصوص وممارسة التعبير الشفهي.[29]
كما أن من مسعى منظومة التربية والتعليم في المغرب ، هو رهانها الوصول إلى تحقيق
الجودة في التربية والتعليم والرفع من درس اللغة العربية، ولا جودة بدون الرفع من مستوى اللغة العربية ، و النهوض
باللغات بصفة عامة من خلال تمكين المتعلم
من مهارة التواصل والكتابة باللغات في
محيطه القريب.
وهو ما يعني بالملموس
أن تدريس اللغات بما في ذلك اللغة العربية في المدرسة المغربية يعرف حدة تحديات ،و يمر
بعدة صعوبات، و يعيش عدة اكراهات و تعصف
به عدة اختلالات أثرت على أهدافه و قيدت من امتداد
كفاياته في التواصل والتعبيروالكتابة.
-المحددات
الأولية لدرس اللغة العربية في المنهاج الجيد
أجمل المنهاج الجديد
الأهداف و المحددات في درس اللغة العربية
في هذه المحاور:
-جعل المتعلم في
جميع المستويات قادرا على التواصل باللغة العربية ،ومتمكنا من
فهم النصوص القرائية والتمكن من القراءة ، و على الإنتاج الشفهي والكتابي.
-تجديد تعليم
اللغة العربية بالاستفادة من الطرائق والمناهج الجديدة المعتمدة في التدريس والتعليم.
-استثمار
المقاربات اللسانية والبيداغوجية الجديدة في تعليم اللغة العربية مع الانفتاح على المدارس
اللسانية الحديثة التي تشتغل على تعليم
اللغات .
-اعتماد الكتاب المدرسي المتعدد بدل الكتاب المدرسي
الواحد مع ايلائه ما يستحق من أهمية
وعناية على المستوى التربوي والبيداغوجي والديداكتيكي.
-استثمار
التكنولوجيات والرقميات وإعمال الوسائط الجديدة وإدراجها ضمن الوسائل المعينة
في تدريس اللغة العربية وتعليمها في جميع
الأسلاك التعليمية.
-الاعتماد على
الوحدات والمجالات ذات الصلة بيئة وواقع المتعلم في عملية التدريس من خلال توزيع دروس
ومكونات اللغة العربية إلى مجموعة من الوحدات والمجلات اللصيقة ببيئة المتعلم، وبالأخص
بالوسط الذي يعيش فيه ذلك المتعلم.
-إدراج اللسانيات
التعليمية والبيداغوجية وديداكتيك اللغات في
عدة التكوين الخاصة بتأهيل وتكوين أساتذة
التعليم الابتدائي.[30]
- تقوية وتجويد
درس اللغة العربية في الأقسام الأولية من خلال الانفتاح على أهم
المقاربات اللسانية الجديدة في تعليم
اللغات لسانية كانت أم ديداكتيكية أم
سيكلوجية.
- الاعتماد على القواعد المضمرة في تعليم اللغة العربية بدل القواعد المصرح بها ،
من التركيز على الأنشطة الشفوية في السنوات الثلاث الأولى، بحيث لا يتم
الانتقال إلى التصريح بالقواعد إلا بعد أن يتمكن المتعلم من الاستعمالات اللغوية الحاملة
للقواعد المضمرة..
-اعتبار اللغة
العربية أداة فاعلة في التواصل الصفي
وفي جميع الأنشطة التي تقدم مواردها
للمتعلم بالغة العربية.[31]
-جعل الطرائق والأساليب التي يستخدمها المدرس في
التدريس أن تكون ملائمة لمستويات المتعلمين
وقدراتهم العقلية والجسمية ..
-الاعتماد على
المقاربة التواصلية في تعليم اللغات قصد جعل المتعلم قادرا على التواصل بهذه
اللغة،مع إكسابه ومنحه القدرة التواصلية
التي يحتاج إليها .
-الاعتماد على وضعيات
تعليمية مساعدة على التعلم الذاتي، ومحفزة على بناء المعرفة
اعتمادا على قدرات وخبرات المتعلم
المكتسبة .
الاهتمام بالتواصل
الشفهي من خلال استثمار الجوانب المرتبطة بالاستماع والتحدث اعتمادا على الحكايات والنصوص السردية.
-بناء الأنشطة
التقويمية على وضعيات مستخلصة و مستمدة من التعلمات التي تلقاها المتعلم في الأنشطة
الصفية.
-منح المتعلم
القدرة على التعلم الذاتي من خلال استثمار قدراته الذاتية في حل الوضعيات التعليمية
الموازية للمعارف والموارد المكتسبة التي تلقاها في الفصل الدراسي .[32]
- العمل على تفعيل النقل الديداكتيكي في قواعد اللغة العربية من اجل أن نصل بالمتعلم إلى الطلاقة اللغوية في التعبير الشفهي.
-تعويد المتعلم
على التعلم الذاتي ،لان فاعلية التعلم أثره يكون أعمق وأكثر فاعلية إذا ما عمل المتعلم الوصول إلى المعرفة بذاته.
-تدريب المتعلم
والمتعلمة على تقنيات إنتاج النصوص وفق المواصفات الديداكتيكية المطلوبة.
-خاتمة
لقد تبين لنا من خلال هذا
العرض الموجز أن رغم الجهود الكبيرة التي
بذلت في درس اللغة العربية في القسم الابتدائي انطلاقا من تجديد المنهاج وإعادة النظر في أقطابه ومداخله
ومكوناته ،ومن خلال توسيع دروس الأنشطة الشفهية والتواصلية قصد تنمية القدرة
التعبيرية للمتعلم في جميع مشاريع الإصلاح
المتعاقبة ، فان هذا الدرس مازال يعاني من صعوبات عديدة ،ويحمل اعطابا كثيرة على مستوى التنزيل والاجراة
والتطبيق .
من تم ينبغي للعاملين والمتدخلين في تدبير هذا
الدرس الاستفادة من بحوث العلوم اللسانيات
واللغوية الجديدة ، و استثمار ما تحقق فيها من منجزات لا سيما ما تتعلق بالبحوث الميدانية في ديداكتيك اللغات ، لأنها هي
الأداة الفاعلة في تطوير هذا الدرس حتى يلبي
حاجيات المتعلم ويساير المستجدات التي يعرفها مجتمع المعرفة بصفة عامة..
إن ما حملته
اللسانيات التعليمية من خطابات توجيهية للمشتغل على تعليم اللغات بصفة عامة ،هو أن تعلم اللغة في مراحل الطفولة انفع وأيسر وأسهل ،لان هذه المرحلة تكون أكثر ديناميكية و فاعلية في التعلم مقارنة
بالفترات الأخرى من حياة الإنسان[33].
ومن ثم يحب أن
تتجه البحوث التدخلية والتطبيقية التي تنجز في مراكز التكوين إلى استحضار هذا المحور ،مع الابتعاد قدر الإمكان عن اجترار وتكرار التي تم انجازها
البحوث.
[1]- محمد الاوراغي: اللسانيات النسبية وتعليم اللغة العربية إصدار دار اختلاف الجزائر: 2013.ص:9
[2]-- محمد نافع: مفهوم اللغة ومفهوم الهوية بحث الأستاذ.مجلة عالم
الفكر العدد:-4-مجلد:43- السنة:2015..
[3] - نبيل علي : الفجوة الرقمية مجلة عالم المعرفة-رقم السلسلة:318. ص:165.
[4]-
نبيل
علي: الثقافة العربية وعصر
المعلومات -سلسة
عالم المعرفة رقم العدد :265- ص:345.
[5]-
ادم شاف: اللغة والتواصل بالفرنسية :44
[6]-
احمد إوزي: تمثل الطفل في المجتمع المغربي .ضمن
ندوة :علم النفس وقضايا المجتمع .منشورات كلية الآداب الرباط العدد:25
السنة:1993..ص:111
[7] - محمد
عابد الجابري :تكوين العقل العربي المركز الثقافي العربي بيروت:1986.ص:80
[8] - الدكتور احمد اوزي :ا للغة والوعاء الفكري:5.مجلة علون
التربية.العدد:53-اكتوبر:2012.
[9] --سيرورة اكتساب المعارف للدكتور الغالي احرشاو.مجلة الطفولة العربية
الكويت العدد:-1-:1999
[10] -للدكتور حسن مالك كتاب بعنوان: "اللسانيات التطبيقية
وقضايا تعلم وتعليم اللغات:12.منشورات مقاربات 2013.
[11] -
ديداكتيك اللغات هو مجموع من الخطابات
حول تعليم اللغات وطرائق تدريسها وتعليمها وتعلمها ...
[12] - مبارك
ربيع :ظاهرة التعدد اللغوي ومضاعفاتها في المحيط المجتمعي التربوي المغربي ضمن ملف" اللغة في المدرسة المغربيةّ –مجلة المدرسة المغربية العدد:-3-السنة:2011.
[13]
- -للوقوف على هذا الاتجاه اللسني
الجديد يراجع: La linguistique cognitive عمل جماعي من تأليف:
. Catherine Fuchs - Jacques François, Jean-François Le
[14]-
عمل جماعي مشترك :أعمال ندوة تعليم اللغات : نظريات ومناهج وتطبيقات .منشورات كلية
الآداب مكناس السنة :2002-
[15] - الدكتور
مولاي اسماعيل : الوعي اللغوي وإستراتيجية إدراك الجملة عند الطفل علوي.مجلة الطفولة العربية
المجلد:10-العدد:41.السنة:2009.
[16]-اللسانيات
التعليمية :الواقع والأفاق .ضمن كتاب جماعي اللسانيات وتعليم اللغة العربية.منشورات
كلية الآداب مكناس :2002.
[17] -الطفل واكتساب اللغة للغالي احرشاو:32.مجلة علوم التربية
العدد:12- السنة 1987 .
[18] - مصطفى بوشوك تعليم وتعلم اللغة العربية
وثقافتها:56ط:-2-دار الهلال السنة:1994.
[19] - محمد بنعمر المقاربات اللسانية في تعثر المتعلم
في تعلم اللغات مشاركة
ضمن المؤتمر الدولي :"اللسانيات التطبيقية" يوم:25/10/2017.
[20] -احمد اوزي:اللغة والوعاء الفكري مجلة علوم التربية
العدد:-53-السنة2012.
[21] - رشيد جرموني: المنظومة التعليمية بالمغرب مؤشرات
الإفلاس مجلة علوم التربية العدد:42-السنة:2010.
[22] -المقاربات اللسانية في تعثر المتعلم في تعلم اللغات
لمحمد بنعمر مشاركة ضمن المؤتمر
الدولي :"اللسانيات التطبيقية" يوم:25/10/2017.
[23] -يراجع مذكرة الإطار المتعلقة بتنزيل التدابير ذات
الأولوية الصادرة عن مديرية المناهج يوم:15-10-2015.
[24] -مديرية المناهج :المنهاج الدراسي للتعليم الابتدائي
مادة اللغة العربية للسنتين الأولى والثانية مارس2008ص:3
[25] خصوصيات اللغة العربية
وإكراهات تدريسيَّتِها حوارمع الدكتور "الغالي أحرشاو"رئيس
مختبر الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية بكلية
الآداب فاس.أعد الحوار."محمد بنعمر"مكون تربوي بالمركز الجهوي
لمهن التربية والتعليم وجدة المغرب..منشور في موقع دفاتر تربوية.
[26] -يراد بالمنهاج خطة عمل متصلة بتنظيم للأهداف
والمضامين والأنشطة ا لتعليمية والأدوات الديداكتيكية وطرق
التعليم والتعلم وأساليب التقويم
وما يعيشه المتعلم داخل القسم وخارجه
من علاقات وتفاعلات .وهو اكبر من المقرر
وأوسع منه .
[27] -حافظة التدابير ذات الأولوية :التدبير رقم:-1-تحسين
المنهاج الدراسي للسنوات الأربع الأولى من التعليم الابتدائي.
[28] - مديرية المناهج :في رحاب اللغة العربية السنة-2-
ابتدائي كتاب الأستاذ مكتبة المعارف 2018ص:14
[29] - مشروع المنهاج الدراسي المنقح للسنوات الأربع الأولى للتعليم
الابتدائي الابتدائي مديريةالمناهج :2015.
[30] - ديداكتيك
اللغات هو مجموع من الخطابات حول تعليم
اللغات وطرائق تدريسها وتعليمها وتعلمها ...
[31] -مستجدات المنهاج الدراسي للتعليم الابتدائي إصدار مديرية المناهج: 2018.
[32] -[32] للوقوف
على اكراهات تدريس اللغة العربية بصفة عامة
يراجع :خصوصيات اللغة العربية وإكراهات تدريسيَّتِها حوارمع الدكتور "الغالي أحرشاو"رئيس مختبر الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية بكلية الآداب فاس.أعد
الحوار."محمد بنعمر"مكون تربوي بالمركز الجهوي لمهن التربية
والتعليم وجدة المغرب....
[33] -ظاهرة
التعدد اللغوي ومضاعفاتها في المحيط المجتمعي التربوي المغربي لمبارك ربيع ضمن ملف"
اللغة في المدرسة المغربيةّ –مجلة المدرسة
المغربية العدد:-3-السنة:2011.
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.