موضوع تربوي حول التعثر اللغوي
محمد بنعمر
باحث في علوم التربية
تقديم
إن هذه الظاهرة التربوية
المتعلقة بالتعثر اللغوي شكلت موضوعا
مشتركا للبحث البيداغوجي و المقاربة اللسانية
في السنين الأخيرة ،فالنتائج صادمة عن التدني الملحوظ للمتعلم في اكتسابه وتعلمه
للغة.
مما جعل البحث يتسع بشكل كبير في موضوع تعثر المتعلم
في تعلم واكتساب اللغات بصفة عامة ،فظهرت عدة مدارس لسانية و نظريات بيداغوجية
تسعى إلى مقاربات هذه الظاهرة
وملامستها من جهات مختلفة ، وتفسيرها من
زوايا متعددة ، ومن مستويات متباينة بغية فهمها وتفسيرها وتحليلها مع السعي نحو اقتراح
الحلول العلاجية الملائمة وفق النماذج
اللسانية المقترحة في تدريس اللغات .
بحيث قدمت
اللسانيات التعليمية مساهمات فعالة ومشاركات رائدة في إجابتها على عدد من الأسئلة
المرتبطة باللغة لا سيما ما تعلق بمجال
طرق تعليم وتدريس اللغات.
-أسباب التعثر في اكتساب اللغات
لقد سبق الذكر أننا
نعيش أمام متعلم لا يجيد اللغة العربية ولا يحسن التواصل بها ،إذ دلت البحوث
التربوية أن المنجز اللغوي الإنشائي والتعبيري
للمتعلم ظل محل استغراب مريب،وموضع شك مثير، وسبب في إدانة المنظومة التعليمية،
والحكم عليها غيابيا بالفشل الذريع ،وبالإخفاق الكبير.
إضافة إلى هذا
المعطى فان المتعلم لا يتيسر له التحكم في المهارات اللغوية وفق الأهداف المحددة
والنماذج المقدمة له في تعلم اللغة،فهو يتعرض لعدد من الصعوبات اللغوية عندما يريد إنتاج النصوص
الكتابية وفق النماذج المطلوبة والمقدمة
له.
وقد اختلفت التوجهات
التربوية و المقاربات البيداغوجية في
تعليل هذا التعثر الذي
يعاني
منه المتعلم في تعلم اللغات عامة و اللغة العربية خاصة .
وان
كانت الوجهة في تعليل هذه التعثرات اللغوية، يتجه إلى المشاكل
البيداغوجية واللسانية والمؤسساتية من حيث
هي سياقات تحيط بدرس اللغة العربية في المدرسة المغربية ، إضافة إلى الطرائق الديداكتيكية المتبعة والسائدة في التدريس وفي تقديم الانشطة اللغوية التي هي
الأخرى تتحمل التبعات في هذا الإخفاق . مع السعي تحميل جميع
الأطراف المشاركة والمتدخلة في
تدريس اللغة تبعات هذا الإخفاق الكبير والشديد في
تعثر المتعلم في اكتسابه للغات. [1]
كما
لا ينبغي إهمال أو إبعاد البعد المؤسساتي في هذا التعثر الذي يتحدد في
الفضاء الذي يجري
فيه التدريس. وبالأخص فضاءات
التدريس المتواجدة والمترامية في العالم القروي، أو تلك
المنتشرة في أطراف المدن الكبرى، فهذه الفضاءات تتحمل هي الأخرى تبعات هذا التعثر بنسب كبيرة بحيث إليها
يرجع تدني وإخفاق المتعلم في نماء قدراته اللغوية ،إذ تغيب في هذه الفضاءات
الشروط والوسائل المساعدة و البنيات المعينة على التربية والتعليم والتنشئة .
وعليه
فمن ابرز أسباب التعثر[2]
:
ا- المشاكل البيداغوجية الديداكتيكية في
تعتراث المتعلم اللغوية
إن ضعف الكفاية اللغوية عند المتعلم المغربي بصفة عامة
يعود عند عدد من المشتغلين والمتتبعين للشأن التربوي والتعليمي ، إلى الطرائق
المتبعة والسائدة في تدريس اللغة العربية وفي تقويم الأنشطة الصفية.فأساليب و أشكال التقويم المتصلة بتقويم المنجز اللغوي للمتعلم وقياس مدى
نمو أو تحقق كفايته في معارفه اللغوية وأنشطته
الصفية مازالت غير واضحة في معالمها وخفية
في أشكالها ،فأشكال التقويم يشوبها الاختلاف ،و تتصف بالتضارب في مرجعياتها البيداغوجية
التي تستند إليها....
وهو
ما يدل على أن للطرائق المتصلة بالتدريس والمتبعة في تقديم الموارد والمعارف اللغوية في الأنشطة الصفية ،أو
في تقويم هذه الموارد أنشطة التقويم
والدعم، التبعات و المسؤولية عن الوضع الصعب في درس
اللغة العربية في المدرسة
المغربية.....[3].
تبعا لهذا
المعطى كان من الضروري إعادة النظر في طرائق التدريس
المعمول بها في المدرسة المغربية ،خاصة ما
تعلق بدرس اللغة العربية في وسط المدرسين
المبتدئين عن طريق تأهيل المدرسين وتعريفهم
بالطرائق الجديدة ذات الصلة بمنهجية
وبداكتيك اللغة العربية علما أن المنهجية
التدريسية هي المفتاح الفاعل لتحقيق جانب مهم من النجاح
الدراسي ....[4].
وفي هذا السياق وجب التعجيل بإدراج علم اللغة
التطبيقي في مراكز التكوين والتأهيل ،ليكون ضمن
عدة التكوين ومن بين المواد التي
تدرس في المراكز التربوية الجهوية لأساتذة التعليم الأولي والابتدائي.
المشاكل اللغوية واللسانية
إن
المشاكل اللسانية واللغوية في تدريس اللغة العربية في الأقسام الأولية والابتدائية يرجعها البعض
إلى طريقة تدريس اللغة العربية وقواعدها في هذه الأقسام .
فاغلب هذه القواعد المشكلة لبنية اللغة العربية،
لم يتم تحيينها بعد لتوافق سن المتعلم ،وتنسجم مع مستواه الدراسي والتعليمي،
وتستجيب مع حاجياته وإمكانياته ومؤهلاته في اكتساب وتعلم اللغة العربية... [5].
وهو
ما يعني أن التعثر الحاد في اكتساب اللغة العربية عند المتعلم يعود إلى طبيعة قواعد اللغة العربية ،فالمتعلم لا يستفيد من هذه القواعد ولا يسثمرها
ليصحح بها أخطاءه ، أو ليقوم بها سقطاته، أو
ليكشف بها عن عثراته ، أو يعمل على دمجها في أنشطته
الكتابية والشفهية...[6].
ففي
التعليم الابتدائي تدرس كل اغلب قواعد اللغة العربية،لكن المتعلم لا يعمل على
استثمارها في مادة التعيير الكتابي..
وللخروج
من هذا الإشكال البيداغوجي كان من الضروري تحقيق النقل الداكتيكي في قواعد اللغة العربية وتحيينها لتلاءم مع المتعلم والتدرج مما هو
علمي محض إلى ما هو تعليمي، من خلال المرور
من المعرفة العالمة إلى المعرفة المتعلمة عبر قنوات النقل الديداكتيكي ومن خلال
اعتماد وممارسة الأسس اللسانية العلمية
لبلورة برامج تعليمية جيدة مع التدقيق في معايير
ودعامات النقل الديداكتيكي ...[7].
بالمقابل هناك من يرى بان التعدد اللغوي يتيح إمكانيات
متعددة في التعبير والتواصل.
-الازدواجية اللغوية
بجانب
هذا المشكل الحاد المتعلق بالقواعد ، هناك مشكل أخر يزيد
من تعثرات المتعلم في اكتساب اللغة العربية ،ويتحدد هذا المشكل قي الازدواجية اللغوية التي يعيشها المتعلم ، و تؤثر بشكل مباشر على
نظام التعلم والتعليم في اللغة العربية[8].
ولتلافي
هذا الوضع يدعو كثير من اللسانيين إلى عدم إدخال اللغة الأجنبية في سن مبكرة ،و أن
يكتفي المتعلم بتعلم اللغة العربية بمفردها بالاعتماد على
ضرب من الانغماس ،فإذا اكتمل نظام اللغة في ذهنه أمكنه أن يتعلم اللغة الأجنبية الثانية بشرط ا ن تتوفر الوسائل المساعدة
والمعينة على هذا التعليم...[9].وهذا
الموقف هو اختيار أستاذنا الدكتور الفاسي
الفهري .
-ج-مشاكل مؤسساتية
المشاكل
المؤسساتية تعود إلى طبيعة المنظومة التعليمية بإكراهاتها ،وانتظارات المجتمع من المدرسة .بحيث يغيب الانسجام بين
المدرسة ومتطلبات المجتمع من حيث الانتظارات والأهداف والغايات المشتركة في
الوظيفة التي تقوم بها المدرسة.
.بموازاة مع هذا
الإشكال المؤسساتي لا ينبغي أن ننسى طبيعة تكوين المعلمين وتأهيلهم لممارسة
المهنة.
علما أن هذا
التكوين عرف عدة تجارب ومر بعدة مراحل وقطع عدة أشواط طويلة..لكن رغم ذلك لم يتم
بعد الاستقرار على نظام ونموذج واحد في تأهيل العنصر البشري الذي يتولى مهنة
التربية والتعليم والتدريس.
فلم يتم بعد
الاستقرار على نموذج واحد بمقتضاه يتم تأهيل العنصر البشري الذي يتولى التربية والتعليم... كما لا ينبغي أن ننسى في هذا السياق برامج إعداد و تكوين
وتأهيل العنصر البشري الذي يتولى الإشراف على العملية التعليمية التعلمية في مراكز
التربية والتكوين......
فالعنصر البشري يتحمل هو الأخر جزءا من تبعات هذا الإخفاق،
إذ
المتفق عليه أن للعنصر البشري دورا أساسيا
في النسق التربوي ،فالمنهاج اللغوي مهما كانت قوته ونجاعته من حيث
البناء والعدة البيداغوجية
والطرائق، فانه لا يحقق أهدافه
المرسومة إذا تولى تنفيذه مدرس غير مهيأ للمهنة أساسا، تغيب في هذا المدرس الكفاية المهنية
والكفاءات المعرفية والخبرة التربوية وحبه للمهنة....
خاتمة
إن المتابعة لهذه الأسباب التي ساهمت في تعثر المتعلم في جميع مستوياتها ومكوناتها من شانه
أن يخفف من حدة هذه الظاهرة،ومن مداخل هذه المتابعة استثمار نتائج البحوث
التطبيقية المتعلقة بطرائق التدريس...
فمن شان هذا الاستثماران يساعد على الوقوف على مكامن الضعف ومظاهر القصور
الذي يعيشه المتعلم في مكتسباته اللغوية.......
[1]* -اللسانيات وتعليم
اللغة لمحمود احمد:56 دار المعارف تونس:1948.
[2] -التعثر هو الفارق بين الأهداف
المسطرة للمادة التعليمية والنتائج المتوصل إليها في منتوج المتعلم..المنهل
التربوي :1/491
[3]-سوسيو لسانيات المجتمع المغربي و:اشكال التداخلات اللغوية لسعيد
نوصير :22منشورات شرفات العدد:63-السنة:2015.
[5] -اكتساب اللغة العربية والتعلم اللغوي المتعدد
ص:23للدكتور الفاسي الفهري مجلة أبحاث لسانية المجلد:4العدد:1/2.دجنبر:1999منشورات
معهد الدراسات والأبحاث والتعريب الرباط المغرب.
[6]-اللسانيات التعليمية واقع وأفاق
لعبد العزيز العماري/145
[7] -من المعرفة اللسانية إلى تدريس
اللغة ما جدولين النهيبي مجلة التدريس إصدار كلية علوم التربية
العدد:-8-السنة:2016.
[8]-اللغة والبيئة:لعبد القادر الفاسي
القهري :56 منشورات الزمن2003 .
[9] --اكتساب اللغة العربية والتعلم اللغوي المتعدد مجلة أبحاث لسانية
المجلد-4-العدد:1-2السنة:1999.
0 Comments
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.