التربية بمقاربات متعددة
باحث في علوم التربية
***إشكال اولي
بكل تأكيد فان التحولات العميقة والكبيرة التي يشهدها العالم اليوم في الاقتصاد والتكنولوجيا وفي القيم والثقافة وفي أنماط التواصل ، قد ساهم إلى حد كبير في التأثير على قضايا التربية والتعليم ،وهو تأثير جعل من الاشتغال على التربية يتجه مباشرة إلى الاعتناء بالقسم التطبيقي الإجرائي في القضايا التربوية على حساب الاشتغال بما هو نظري .
وقد مارست هذه التحولات
تأثيرا على حقيقة التربية ومفهومها ومهامها ووظائفها.
تحديد المفاهيم والمصطلحات
إن تحديد المفاهيم والمصطلحات يعد من مستلزمات البحث العلمي ،باعتبار أن تحديد المفاهيم هو بوابة العلم وطريق المعرفة،ومما يزيد من أهمية تحديد المفاهيم في علوم التربية هو انتماء تلك المفاهيم و المصطلحات إلى العلوم الإنسانية وارتباطها بهذه العلوم بمختلف أنواعها واقسامها.[1]
علما أن هذا الحقل
المعرفي المحدد في علوم التربية ظل لأمد بعيد يعيش تحت أحضان الفلسفة وتحت ظل
وصاية العلوم الإنسانية .
إضافة
إلى هذا المعطى فان كثيرا من المفاهيم المستعملة و المتداولة اليوم في علوم
التربية ،هي في أصلها مفاهيم
عابرة لتخصصها الأصلي الذي نشأت فيه واعني
العلوم الإنسانية، ومهاجرة إلى تخصصات مستقبلة ومحتضنة لها وهي علوم التربية.
بحيث إن العلوم الإنسانية في مسارها التاريخي الطويل استحضرت كثيرا من القضايا ذات الصلة بالتربية ،
واشتغلت على عدد من القضايا والبحوث
التربوية.
مما جعل احد
الدارسين يصرح بشكل علني ويقول ّ ليس
لدينا علوم في التربية ،وإنما عندنا علوم إنسانية
استحضرت واشتغلت على القضايا وعلى المسائل التي هي التربوية.
-اوليات في إشكالية تعريف التربية
إن التربية عملية معقدة ومركبة بين عدد من العناصر، ومتداخلة بين عدد التخصصات إذ تتقاسمها مجموعة من العلوم ،وتتداخل معها عدد من الحقول المعرفية، منها ما هو بيداغوجي وجداني .ومنها سيكلوجي نفسي، ومنها ما هو ثقافي اجتماعي مؤسساتي.....
هذه
المعطيات المعرفية والمكونات العلمية التي
تتداخل مع التربية ، هي التي جعلت من
تعريف وتحديد التربية إشكالية
معرفية وابستولوجبية .
رغم هذا الإشكال المتعلق بالتفسير والتحديد لحقيقة التربية،فان الاتفاق
حاصل بين الباحثين على أن التربية عملية ضرورية للإنسان في حياته
الخاصة والعامة.
فهي
سلسلة وشبكة متكاملة من القيم والأفعال والسلوكات الايجابية التي يحدثها
الكبار في الصغار بهدف تيسير وتسهيل إدماجهم في المجتمع ،ومساعدتهم على القدرة على
تغيير أوضاعهم وتحسين أفعالهم ،والرفع من سلوكاتهم وتصرفاتهم قصد تمكينهم من
الحصول على مهارات الحياة التي يحتاجون إليها في حياتهم ومستقبلهم .
وعليه نقول إن الظاهرة التربوية في أي مجال وجدت فيه ،سواء في الأسرة، أوفي
المدرسة ،أو في المجتمع، أو في الإعلام أو في قنوات التواصل الاجتماعي الجديدة،أو
في الفضائيات فهي ظاهرة مركبة بين مجموعة من المكونات والعناصر، وهو ما يلزم
من الباحث استحضار هذه الجوانب والمعطيات في مقاربة التربية من حيث التحديد
والتعريف والوصف وإظهار الوظيفة والمهام.
وبصيغة مختصرة وموجزة ، يتصل بالظاهرة التربوية كل ما له
علاقة ، أوصلة بشخصية الإنسان، في جميع مكوناته ، وأبعاده ، ومستوياته بحكم
تتأثر هذه المستويات بالمحيط
الاجتماعي الذي يعيش فيه ذلك الإنسان،وهذا يعني أن الأنظمة التربوية مهما تعددت
وتنوعت تتأثر وتتفاعل بشكل مباشر مع الأنظمة الاجتماعية.
اشكالية تعريف التربية لغة واصطلاحا :
لا بد من الإشارة أن مصطلح التربية من أكثر المصطلحات تداولا و استخداما وشيوعا بين الباحثين الدارسين والمتدخلين في العملية التربوية، لكنه مع هذا فان هذا المفهوم من أكثر المفاهيم استشكالا في التحديد والمقاربة والبيان والتعيين ....
بل إن اكبر إشكال ابستمولوجي في التربية يكمن أساسا في
إشكالية التعريف والتحديد،بحيث اختلفت التحديدات، وتعددت التعريفات وتباينت
المقاربات لمصطلح التربية تبعا لمذهبية المدارس التربوية في اختياراتها في مقاربة
الظاهرة التربوية،بحكم الامتداد التاريخي الطويل الذي مرت منه التربية من جهة ،
وبحكم تداخل عدد من العلوم وحضورها وتواصلها
مع هذا العلم الجديد المسمى بعلم
التربية من جهة اخرى.
انطلاقا
من هذا السياق وعملا بهذا المبدأ ، نقول في البداية إن تحديد المفاهيم والمصطلحات
يعد ضرورة منهجية في أي علم من العلوم، لان المفاهيم والمصطلحات هي مفاتيح العلوم
منها تتشكل الأدوات المعرفية التي بها يتم الولوج إلى المعارف و استمداد الحقائق
العلمية.
فالمصطلحات
ركن مهم في تحصيل المعارف واكتساب العلوم بها يتأسس البناء المعرفي لأي علم من العلوم بحيث لا
تستقيم علوم التربية ولا تغدو مصطلحاتها واضحة المعالم ، وجلية في المكونات
والدعائم والأسس لدى متلقيها
ومكتسبها دون تحديد ووضوح هذه المصطلحات
المتداولة في علم التربية.
مما
يدل أن البحث في المصطلح التربوي والاشتغال على دلالته ومعناه بشكل خاص شكل نظاما معرفيا خاصا قائما
بذاته ،مما اكسبه أهمية بالغة في حقل العلوم التربوية.
علما
أن هذا الوضوح والبيان من شانه أن يخلق اكبر مساحة واسعة من الفهم المتبادل ومن التواصل
المشترك بين الباحثين ،و ييسر التفاهم بين المشتغلين والمهتمين بعلوم التربية....[2].
-التربية التحديد والحقيقة
إن التربية في اللغة العربية من فهل ربا يربو بمعنى نما ينمي ، وهو المعنى الذي نجده في القرءان الكريم قال سبحانه"فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج"الحج اية 5"، أي نمت و تربية الإنسان تعني تطور قواه النفسية والجسدية والعقلية والخلقية ....
وفي
اللغة الفرنسية فالتربية مشتقة من كلمة éducation واصلها اللاتيني éducare التي
تدل على القيادة والهيمنة والإخراج
والتحول من حال إلى أخر، كما تعني العلم المعين على إخراج الطفل من حالته
الأولية التي كان عليها في البيت والأسرة
ومساعدته على تحصيل الفضائل والقيم من المحيط القريب منه...[3].
-التربية في الفضاء الاسلامي
إن التربية كانت حاضرة بقوة في التراث التربوي الإسلامي وحضور الممارسات التربوية في أحضان العلوم الإسلامية مبدئيا يعني بشكل صريح وضمني بحضور الاشتغال بالعلوم الإنسانية تنظيرا وتطبيقا وممارسة ضمن المعارف الإسلامية، ذلك أن علماء الإسلام قاموا باستحضار هذه العلوم تأصيلا وتطبيقا وتنظيرا وممارسة، لان العلوم الإنسانية في مضمونها العام هي علوم تخاطب ، وتستحضر قضايا الإنسان مباشرة من حيث هو كائن حي يتكلم وينتج ويتكيف ويتفاعل مع الواقع المحيط به، له وظائف متنوعة ،وحاجيات متعددة ، أحيانا تكون هذه الوظائف والحاجيات متشابكة ومتلازمة ومتباينة...
ما يدل
أن الاشتغال على التربية يعد من التقاليد والفعال الراسخة بين علماء الإسلام لان دين
الإسلام هو خطاب يتجه إلى الإنسان له وظائف متعددة ،خلق لأجل تسخير هذا الكون
لصالحه.
ما يدل
أن علم التربية شكل احد مشاغل واهتمامات علماء الإسلام قديما وحديثا باختلاف
اختياراتهم وتخصصاتهم ورؤاهم إلى درجة أن الاتفاق حاصل بان التراث التربوي
الإسلامي استحضر القضايا التربوية في اشتغاله واستحضاره لقضايا التربية ،قد شكل
حلقة مهمة ضمن المسار التاريخي الطويل الذي قطعته التربية.
ومن
ابرز المؤلفات الدالة على اشتغال علماء الإسلام بالتربية كتاب:
-"أعلام
التربية العربية الإسلامية" عمل مؤلفوه على استحضار الأعلام التي اشتغلوا على التربية .كتاب حافل بالنصوص والأعلام اللذين
اشتغلوا على التربية في جميع أبعادها.....
-:-الفكر التربوي الإسلامي عبر النصوص لمجموعة من
المؤلفين تحت إشراف الدكتور محمد الدريج وهو من إصدار مجلة علوم التربية السنة1992
.
[1] - المعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربية لأحمد
ازوي:5.منشورات مجلة علوم التربية: 2016.
[3] -dictionnaire actuel de ledu cation legendre:56
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.