تصنيف جديد لعلوم التربية... خالد زروال

الإدارة أبريل 08, 2019 أبريل 08, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

تصنيف جديد لعلوم التربية...
خالد زروال، الخميسات، 1 يناير 2018

تصنيف جديد لعلوم التربية... خالد زروال


مقدمة
إن المتأمل في مختلف التصنيفات التي عرفتها علوم التربية ليستوقفه مدى اختلاف تلك التصنيفات وتعددها بتعدد الباحثين في هذه العلوم، وباختلاف نماذجهم المستلهمة في مجال التصنيف، كما قد نجد نفس الباحث لم يستقر على نفس التصنيف مع توالي سنوات البحث، كما هو الشأن مع ميالاري (Mialaret ,G).
ومن عوامل هذا الاختلاف ما يجد مرده إلى الوضع الإبستمولوجي لهذه العلوم التي لازالت لائحتها لم تحصر بعد، وما زال النقاش محتدما حول بعضها.
غير أن هذا الوضع الإشكالي لمسألة التصنيف هاته يعتبر، في نظر البعض، إيجابيا لما يوفره من نقاش علمي يخدم العملية التربوية ويسمح ببناء نماذج نظرية موجهة للفعل التربوي، وللمعنيين بهذا الفعل وعلى رأسهم المفتش التربوي.
في هذا الإطار، واسترشادا بالتراكم العلمي الذي خلفه مختلف الباحثين في هذا المجال، أقترح التصنيف التالي:

1. علوم موجهة لأصحاب القرار في مجال السياسة التربوية:
ونجد على رأس هذه العلوم :
• فلسفة التربية: التي يمكن الاعتماد عليها قصد تحديد غايات وأهداف الفعل التربوي.
• تاريخ التربية: قصد تحديد السياق التاريخي الذي يشرط الفعل التربوي ويؤثر فيه.
• التربية المقارنة: حيث سيمكن هذا العلم صاحب القرار في السياسة التربوية من الاطلاع على التجارب التربوية الناجحة، قصد بناء النموذج التربوي المنشود.
• سوسيولوجيا التربية: التي تمكن صاحب القرار في المجال التربوي من توجيه الفعل التربوي استنادا إلى الحاجيات الآنية للمجتمع من خلال دراسة موضوعية.
• اقتصاديات التربية: وعبر هذا العلم يمكن للمقرر في مجال السياسة التربوية أن يربط غايات ومرامي الفعل التربوي بسوق الشغل والمعارف والكفايات التي تحتاجها هذه السوق.
• إثنولوجيا التربية: وهو العلم الذي يفيد في ربط السياسة التربوية بمختلف السياقات السوسيوثقافية للمعنيين بهذه السياسة، سواء كانوا أطفالا أم راشدين.
• التخطيط التربوي: وهو الطريقة العملية التي توجه السياسة التربوية قصد تحضير وتنظيم القرارات المتعلقة بالتربية والعمل على تنفيذها، استنادا إلى معطيات باقي العلوم الموجهة الأخرى.

2. علوم موجهة للإدارة التربوية:
وهي العلوم التي يستند الإداريون إليها في التدبير الإداري والتربوي للمؤسسات ويدخل في هذا المجال:
• علوم الإدارة التربوية: وتعالج مشاكل تنظيم وسير البنيات والعمليات الإدارية، إضافة إلى مشاكل الفعالية في التسيير والتنسيق بين مختلف الوظائف والبنيات والأشخاص.
• علم الديموغرافيا التربوية: ويهتم بوصف حالة الأعداد المقصودة بالفعل التربوي من أطفال، يافعين، راشدين..، من خلال سماتهم المختلفة (السن، الجنس، الفئات المهنية للآباء، الوسط الحضري والقروي والطبقة الاجتماعية...) واستثمار ذلك في تخطيط المشاريع التربوية وتقييمها أو تعديلها.
• تكنولوجيا الإعلام: كعلم مساعد للإدارة التربوية في مسك المعلومات واستثمارها بما يفيد الفعل التربوي.

3. علوم ذات الصلة بالفاعل التربوي الممارس:
وهي العلوم التي يستند إليها المربون في علاقتهم بالفئة المستهدفة بالفعل التربوي ونجد ضمنها:
• الديدكتيك: لبناء وصياغة الاستراتيجيات التدريسية.
• علم القياس والتقويم: ومن اهتماماته دراسة أدوات ووسائل القياس المستعملة في التربية، وتحديد شروط صلاحيتها وتباثها.
• علم النفس الاجتماعي التربوي: وترتكز اهتماماته على تحديد الشروط العلائقية والسوسيووجدانية داخل الجماعة التربوية وأثرها على سلوكات الأفراد وعلى مختلف الأنشطة القائمة بينهم من جهة، وبينهم وبين المربي من جهة ثانية، التواصل داخل الجماعة، أنواع القيادات، معايير السلوك، مظاهر الإبعاد والإدماج...

4. علوم ذات الصلة بالفئة المستهدفة من الفعل التربوي:
وهي العلوم التي تفيد في معرفة خصوصيات هذه الفئة: أطفال، يافعين، مراهقين أو راشدين.. ونجد ضمن هذه العلوم:
• سيكولوجيا التربية: وتفيد في تعرف المراحل العمرية والخصائص المميزة لكل فئة مثلا، وكيفية التعامل معها، وتوجيه الاختيارات والنماذج البيداغوجية استنادا إلى تلك الخصائص.
• فيزيولوجيا التربية: وتمكن المربي من استحضار الشروط الفيزيولوجية التي تسمح للطفل، مثلا، بالتعلم.

هكذا يتضح أن مجال التربية يتسع لكثير من العلوم الضرورية لكل مهتم بالفعل التربوي، يستلهم منها النماذج النظرية و العملية، التي تمكنه من مقاربة الفعل التربوي مقاربة علمية، ذلك أن "خاصية المرونة والحدس – مهما كانت ضرورية – لم تعد تكفي وحدها. فقد أصبح من الضروري، بالنسبة للمربي الاعتماد على معارف بيولوجية وسوسيولوجية وسيكولوجية".
فكيف يمكن للمفتش التربوي الاستفادة من مختلف مجالات علوم التربية، بالشكل الذي يمكنه من استكشاف الفعل التربوي وتحليله ثم تفسيره وتقييمه، بغاية التدخل و الفعل فيه قصد الإسهام في تجويده وتطويره؟

في علاقة مهام هيئة التفتيش التربوي بمجالات علوم التربية
استنادا إلى المذكرة 114 يمكن جرد الكثير من مهام التفتيش التربوي والتي تكمن أساسا في: التأطير، المراقبة، التتبع والتقويم، التنشيط التربوي وتنسيق الوحدات الدراسية.
إنها مهام لا يمكن للمفتش التربوي الاضطلاع بها، بشكل علمي، دون الاعتماد على معطيات علوم التربية:
• في التأطير التربوي: إن هذه المهمة تقتضي منه الإلمام بفلسفة التربية لما توفره من إمكانات للتأمل والتفكير في قضايا المنظومة التربوية، والوقوف عند غاياتها بشكل يسمح للمفتش التربوي، ومن خلاله الأساتذة الذين يشرف على تأطيرهم، التموقع المناسب إزاء هذه المنظومة وما تروم تحقيقه من مخرجات، الأمر الذي يتطلب الانفتاح على علوم موجهة أخرى، من قبيل: تاريخ التربية، اقتصاد التربية.
إن مهمة التأطير التربوي تتطلب، وعلاوة على جانب التأمل والتفكير، جانبا تطبيقيا يستجيب لحاجيات هيئة التدريس الميدانية، وهنا نسجل ضرورة إلمام المفتش التربوي بعلم الديدكتيك.
وارتباطا بتأطير هيئة الإدارة فإن المفتش التربوي مطالب بالإلمام بمعطيات علم الإدارة المدرسية الضروري في هذا المجال.
• في المراقبة والتتبع والتقويم: الإلمام بعلم التقويم قصد التمكن من بناء أدوات قياس موضوعية في تتبع أعمال الأساتذة و تقييمها.
• في التنشيط التربوي: إن إنجاز الدروس التجريبية وتنشيط اللقاءات والندوات التربوية يقتضي من المفتش التربوي الاطلاع على مستجدات علوم التربية، وهو ما يؤهله أيضا لمهمة البحث التربوي خاصة "البحث التدخلي recherche- action"، و بالتالي إنتاج وضعيات تربوية ملائمة للمحيط السوسيوثقافي والسوسيواقتصادي للمتعلم، الأمر الذي يستدعي من المفتش التربوي الاطلاع على معطيات علوم من قبيل: سوسيولوجيا التربوية، إثنولوجيا التربية و سيكولوجيا التربية...
وانطلاقا من المذكرة 113 فإن المهام السابقة الذكر سيضطلع بها المفتش التربوي في إطار مقاربة جديدة لعمل هيئة التفتيش، بشكل عام والتفتيش التربوي بشكل خاص، يكمن جوهرها في مبدأ العمل الجماعي التشاركي القائم على تنسيق العمل بين كافة مكونات الهيئة وبكل التخصصات والمسالك والمجالات.
وإن انخراط المفتش التربوي في هذا العمل التشاركي ليتطلب منه الإلمام بمجالات أخرى لعلوم التربية نذكر منها:
• مجال التخطيط التربوي: الذي يزوده بآليات الاشتغال وفق ثقافة المشروع التربوي القائم على التدبير بالنتائج انطلاقا من رصد حاجيات المنطقة التربوية بكافة مسالكها وتخصصاتها.
• مجال تكنولوجيا الإعلام: وما يوفره للمفتش التربوي من إمكانات للتواصل مع كافة الفاعلين التربويين، قصد التنسيق أو التأطير أو التوجيه، كما يمكنه من تفعيل مشروعه التربوي في كافة مراحله :الإعداد، الإنجاز، التتبع والتقويم.
• مجال السيكوسوسيولوجيا : وتحديدا مجال دينامية الجماعة الذي يؤهل المفتش التربوي للتواصل الفعال مع افراد الجماعات التي ينشط داخلها، بشكل يتيح تجاوز الصعوبات وبلوغ الأهداف المتوخاة.
على سبيل الختم
إن علاقة المفتش التربوي بمجالات علوم التربية وطيدة ،غير أن الوضع الإبستمولوجي لهذه العلوم وما يرتبط به من تعدد في تصنيفاتها ، يجعلها منفتحة على علوم أخرى مستقبلا، ولا غرو في هذا التحول والتعدد ما دام أن موضوع هذه العلوم هو الإنسان، الأمر الذي يقتضي من المفتش التربوي مواكبة مستجداتها، كما ينبغي أن نسجل ان علاقته بهذه العلوم هي في الأصل علاقة وظيفية ، فهي علوم لا تقصد لذاتها أو لأجل الترف الفكري بل لتكييفها مع الوضعيات التربوية بما يخدم الفعل التربوي ويسهم في تطويره.
إعداد: خالد زروال

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?m=0