نحو الاقتصاد القائم على المعرفة

الإدارة أبريل 03, 2019 أبريل 03, 2019
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

نحو الاقتصاد القائم على المعرفة
نحو الاقتصاد القائم على المعرفة



خالد جوهري


 بعد العصر البدائي الذي اعتمد فيه الإنسان الصيد لبقائه، جاء العصر الزراعي حيث الأرض هي عامل الإنتاج الرئيسي، ثم العصر الصناعي حيث يشكل رأس المال و العمل 
عنصري دالة الإنتاج، و في الربع الأخير من القرن العشرين و مع ظهور الثورة التكنولوجية و ما نتج عنها من تطور سريع أدى إلى رفع الإنتاجية و خفض كلفة الإنتاج و تحسين الأداء، بدأ الحديث عن عصر المعرفة و ظهور الاقتصاد القائم على المعرفة حيث اعتبرت عنصرا رئيسيا من عناصر الإنتاج، فهذا روبرت سولو Robert SOLOW الاقتصادي الأمريكي الذي دعى إلى إدراج عنصر التطور التكنولوجي في دالة الإنتاج و نال بها جائزة نوبل في الاقتصاد سنة 1987، و هو ما أكده بيتر دراكر Peter DRUCKER  بدوره معتبرا المعرفة  هي أساس النمو الاقتصادي و من تم بدأ التحول من مجتمع الصناعة إلى مجتمع المعرفة.
        هذا المجتمع الذي ينتج المعرفة و ينشرها و يستثمرها من أجل تحسين جودة الحياة و رفع مستوى المعيشة،  و الذي يتضمن الاقتصاد القائم على المعرفة حيث المعرفة هي المحدد الرئيسي للانتاجية و النمو و خلق الثروة في مختلف القطاعات التنموية، و اعتمادها -المعرفة- يقلل الطلب على الموارد المادية. و تجدر الإشارة إلى تمييز الاقتصاد القائم على المعرفة عن اقتصاد المعرفة الذي تكون فيه المعرفة سلعة أو خدمة، و الأداة فيه هي تقنيات المعلومات و الاتصال.   
        و إذا كان الاقتصاد التقليدي بمفهومه المباشر هو اقتصاد الندرة، و أن الخيرات فيه تتناقص بالاستهلاك، فإن الاقتصاد القائم على المعرفة هو اقتصاد الوفرة، حيث  المعرفة مورد غير منته، فعندما أتقاسم معك معلومة ما فإني لا أفقدها، بل على العكس تتحول إلى معرفة و باستخدامها تتحول إلى خبرة ذات قيمة أعلى. و الكلفة الحدية لإنتاج كمية إضافية تتناقص إلى أن تقترب من الصفر مما يجعل إعادة الإنتاج سهلة و يسيرة و بالتالي فالاقتصاد القائم على المعرفة هو اقتصاد وفرة.
        و عن مفهوم القيمة في هذا الاقتصاد الجديد يمكن القول أنه بالإضافة إلى القيمة الاستعمالية و القيمة التبادلية للسلع في الاقتصاد التقليدي يمكن إضافة قيمة المعلومات و المعرفة بعدما أصبحت عنصرا جوهريا في عملية الإنتاج، و القيمة الرمزية التي تتمثل في قيمة العلم و قيم الحضارة و الهوية و غيرها. إضافة إلى ذلك  فالاقتصاد الكلاسيكي يتميز بالثبات النسبي لقيمة عناصر الإنتاج فالأرض مثلا تزيد قيمتها مع الزمن، بينما في الاقتصاد الجديد فإن أصول المعرفة تفقد قيمتها إن لم تستخدم أو عند ظهور معرفة أكثر تطورا، الشيء الذي يستدعي التجديد و الابتكار و الابداع و اقتناص الفرص و تحقيق أكبر مردود في أقل وقت ممكن، و هذا ما يبرر الارتفاع المهول لأسعار الهاتف و الحاسوب و غيرها عند بداية ظهورها.
        و لعل ما يميز هذا الاقتصاد أيضا السرعة الفائقة، باعتماده على الأقمار الاصطناعية و الانترنت و البريد الالكتروني و غيرها من وسائل الاتصال التي ساعدت على كسر الحاجز الزمكاني، فقد أصبح بالإمكان خلق منظمات و أسواق افتراضية حيث تقوم التجارة و الأعمال باستمرار و في جميع أنحاء العالم.
        أما الملكية في الاقتصاد القائم على المعرفة فبدورها تختلف عن مثيلتها في الاقتصاد التقليدي، فعند بيعك سلعة مادية فإنها تنتقل إلى المشتري و يفقدها البائع، أما في الاقتصاد الجديد فعند بيع منتوج معرفي فإن البائع يبقى يمتلكه، و يبيعه مرة أخرى و هذا ما يجعله اقتصاد وفرة كما سبق ذكره.
        و على غرار دور النقود في الاقتصاد التقليدي، إذ تعتبر وسيلة لتبادل السلع و الخدمات، فاللغة -اللغة العلمية و التقنية- هي وسيلة تبادل المعرفة و الأصول الفكرية، لهذا اعتبر بعض الباحثين الاقتصاديين في مسألة اللغة أن القوانين و المبادئ التي تطبق في النقود تماثل تلك التي تطبق في معالجة قضايا اللغة، و من أوجه هذه المقاربة:
ü    كما للدولة ثروة نقدية لها ثروة لغوية كذلك، و كما تتدخل في التحكم في كمية النقود في الاقتصاد القومي من خلال السياسة النقدية، يجب كذلك أن تتحكم في اللغة بوضع سياسة لغوية؛
ü    تزداد قيمة النقد و اللغة بالتداول، فإذا أهملت الدولة التداول بعملتها و لغتها فمن البديهي أن ذلك سينعكس سلبا على اقتصادها الوطني؛
ü    خلق كتلة نقدية كبيرة في الاقتصاد يؤدي حتما إلى التضخم و ضعف قيمة العملة، و الشيء نفسه بالنسبة للغة تضعف قيمتها إذا وجدت مصطلحات علمية و تقنية لكنها لا تستعمل؛
ü    توحيد العملة يحقق مكاسب اقتصادية و توحيد اللغة كذلك و العكس إذا ما تعددت اللغات؛
ü    معدل صرف عملة ما يقابله  ترجمة اللغة و انتشارها في باقي الدول، فقد أثبت بعض الاقتصادين ارتباط انتشار عملة دولة ما و لغتها ( الإنجليزية و الدولار، اليابانية و الين...). 
        و في الختام يمكن القول أن  القدرة على المنافسة التي فرضتها العولمة لم تعد تقتصر على امتلاك الموارد الطبيعية و رأس المال فحسب، بل زاد الاهتمام بمصادر جديدة للتنافس من قبيل امتلاك المعارف و تنمية المهارات و التحكم في التكنولوجيا الحديثة و غيرها، بالإضافة إلى تطوير القدرة على الإبداع و الابتكار و المبادرة و التجديد، و هذا لا يتأتى إلا بالاهتمام بالرأس مال البشري بالتربية و التكوين و التأهيل.

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?m=0