المدرسة و المجتمع: تراجع في الوظائف وتقابل في الادوار
محمد بنعمر
باحث في علوم التربية
***اشكال اولي
لا بد من القول وبكل التأكيد، بأن هناك إجماعا في جميع
المجتمعات حول قيمة المدرسة، وعلى ضرورة تواجدها في المجتمع ،اعتبارا لوظيفتها
التربوية ولمهامها القيمية ، ولأدوارها التعليمية والمعرفية.....
فلا نجد أي مجتمع
يدعو علنا أو خفاء إلى رفض المدرسة
أو مصادرتها في المجتمع ، أو التخلي عن أدوارها ، أو التقليص من بعض وظائفها ،أو الحد من مهامها التربوية
والاجتماعية والقيمية[1].
فالمدرسة في حد
ذاتها هي مؤسسة اجتماعية، وكل إليها مهمة إعداد النشء، وتطبيعه بثقافة المجتمع. فهي تعمل على بقاء
واستمرارية المجتمع ،وعلى تماسك قيمه وأعرافه، والمحافظة على هويته، و العمل على انتقال
هذه القيم بين مختلف الأجيال[2] .
-مهام المدرسة
ووظائفها
فالمدرسة بهذا الوصف هي مؤسسة تعليمية و تكوينية وتربوية وقيمية، وفضاء مجتمعي
للتنشئة والتربية والتكوين والتأهيل ،تعمل مع الأسرة ومع مكونات المجتمع المدني من اجل تحقيق إدماج المتعلم
في المجتمع.
إضافة إلى هذه الوظائف فهي تعتني بالنسق القيمي و التعلمي والتكويني ،فهي فضاء مجتمعي للتربية والتكوين والاندماج.
فالبعد المعرفي
للمدرسة يجعلها نقيضا
للجهل والأمية ،فقيمتها في المجتمع تتحدد
فيما تحققه وتقدمه من قيم معرفية
وتربوية للمتعلم وللمجتمع على حد سواء.
فالمدرسة تؤدي أدوارا ووظائف معرفية، وتربوية متعددة ومتنوعة في
المجتمع الذي تتواجد فيه، فهي
تكمل الوظيفة التربوية للأسرة، مما يجعل تأثيرها وفعاليتها وحضورها قويا في المجتمع ، فهي صورة مصغرة للمجتمع التي تتواجد فيه.. .
-الأدوار
الجديدة للمدرسة
تجمع جميع البحوث والدراسات الجديدة المرتبطة بوظائف
المدرسة على اختزال وظائفها في هذه
الأبعاد:
-الوظيفة التربوية القيمية
-وظيفة التنشئة الاجتماعية
-الوظيفة التاهيلية
الإدماجية.
هذه الأدوار الجديدة المشتركة للمدرسة تجعل من المدرسة مؤسسة اجتماعية تربوية مهامها إعداد الناشئة
للمستقبل، والمساهمة المستمرة والدائمة في انتقال تراث المجتمع عبر الأجيال حفاظا
على بقائه و صونا لاستمراريته وديمومته وتحصينا لهويته....
لكن هذه الوظائف ستتأثر بفعل التحولات العميقة
والكبيرة التي يشهدها العالم اليوم في
الاقتصاد والتكنولوجيا وفي القيم والثقافة
وفي التواصل .
فقد ساهمت هذه التحولات جميعها إلى حد كبير في التأثير على المدرسة وعلى ادوارها ووظائفها في المجتمع.
-المدرسة
والقيم
تعد المدرسة من أهم المؤسسات ،والفضاءات
المعدة للتنشئة الاجتماعية، وإكساب القيم للمتعلم ،فهي تمد المتعلم بالقيم الإيجابية التي يحتاجها
في حياته ، ما يجعل مؤسسة المدرسة من ابرز الفضاءات المنتجة للقيم وتصديرها
للمجتمع.
والبعد القيمي للمدرسة يعود إلى كون القيم من
حيث الدلالة الاصطلاحية ترادف التربية سواء عند المربين
المسلمين ،أو عند علماء التربية المعاصرين
،فالتربية تختزل في القيم المنقولة من المعلم أو من المدرس إلى المتعلم .....
وبحكم هذه
العلاقة الرابطة والجامعة والمتبادلة بين
المجتمع والمدرسة ظهر علم جديد يشتغل على موضوع
علاقة المدرسة بالمجتمع من خلال
إظهار و إبراز علاقة المدرسة بالمجتمع بتحديد الأدوار والوظائف والمهام ،وهذا العلم هو المسمى بعلم اجتماع المدرسة، وهو فرع من
فروع علم الاجتماع العام موضوعه تشخيص العلاقة الجامعة و المتبادلة بين المجتمع
والمدرسة... [3]
.
ومن ابرز اعلامه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو Bourdieu Pierre.
-المدرسة و تحول الظائف والادور
لكن اكبر تحول طرا على المدرسة وعلى وظائفها في
الآونة الأخيرة ،هو تحولها وانتقالها من
فضاء لنقل المعرفة، و لترسيخ القيم
الإيجابية في المتعلم ،والقيام بالتربية و مهام التنشئة الاجتماعية
، بسعيها دمج الفرد في المجتمع وتطبيعه
بالقيم الايجابية ،إلى فضاء حامل ومثقل بالمشاكل اليومية و خازن لاكراهات المجتمع
ولانتظارياته وتطلعاته اتجاه المدرسة .
بحيث تحولت المدرسة
من فضاء للتسلق الاجتماعي
والاقتصادي للطبقات المهشمة والمحرومة التي كانت تنتظر دائما بان تكون المدرسة
حاملة لأمالها وتطلعاتها المستقبلية في الحصول على الشغل وتحقيق العيش الكريم إلى فضاء مثقل
بالمشاكل و منتج للبطالة، بحيث لم تعد المدرسة ذلك الفضاء المعين
على التسلق الاجتماعي والاقتصادي ،أو للارتقاء الاجتماعي.
إن هذا التحول والمنعطف الكبير في ادوار المدرسة جعلها
المدرسة في السنين الأخيرة تحمل
اسم "المدرسة
المنكوبة" بلغة كثير من علماء الاجتماع ،وبالأخص الباحث السوري
المختص في علم اجتماع المدرسة علي اسعد
الذي كشف عن التحول الكبير الذي مس ادوار المدرسة بهذه السرعة وهو ما أفضى إلى هذه النكبة [4].
إذ تحول هذا
الفضاء من فضاء تربوي معرفي ينتج القيم ويسعى إلى إدماجها في المتعلم إلى
فضاء يحمل اكراهات المجتمع وانتظاراته في التنمية والتقدم والشغل ، ما يعني أن هذا التحدي المتمثل في التحدي شكل
تحديا مشتركا
للصورة الذي أخذت تعرفها المدرسة اليوم في
جميع المجتمعات بما في ذلك المجتمع المغربي....[5].
--تجليات
التراجع في وظائف المدرسة
لقد كشفت مجموعة من الدراسات والبحوث والتقارير في علم اجتماع المدرسة عن التراجع
الخطير، وعن التحول الكبير في المنتوج المعرفي والتربوي والقيمي والتعليمي للمدرسة المغربية.[6]
من ذلك التراجع الخطير
في عملية التنشئة على القيم في المدرسة المغربية، و محدودية المنتوج القيمي الايجابي في المدرسة .إذ تحولت المدرسة من فضاء منتج
للتسامح إلى فضاء منتج لاعطاب المجتمع ومشاكله ،من ذلك شيوع ظاهرة العنف المدرسي والهدر المدرسي والغياب المبكر
للمتعلمين ،إضافة إلى التراجع في المهارات والمعارف المدرسية....[7].
فالمتعلم يجد صعوبة في عدم
مسايرة المتعلم للتعلمات الأساس أو
للأنشطة الصفية ، أوفي عدم قدرته على
إنتاج وانجاز الأنشطة الصفية أو
الخارج الصفية أي الانشطة المنزلية
المندمجة المنزلية الخاصة بالتعلمات التي تلقاها في الفصل خاصة في الحصص الخاصة بأنشطة التعلمات
الأساس.
-خاتمة
إن هذا الإخفاق الكبير
والتراجع المستمر للمدرسة اليوم في ميدان التربية والتعليم
والتأهيل ، أدى إلى تراجع المنتوج
القيمي للمدرسة ، مما أدى إلى ظهور كثير من السلوكات السلبية والغريبة عن فضاء المدرسة
فلم تعد المدرسة ذلك الفضاء الذي يلبي حاجيات
المجتمع كما كانفي السابق لم اداة التسلق
الاجتماعي تحقيق الامتياز الاجتماعي
والتسلق الاجتماعي والاقتصادي
بحيث تقلصت ادورها في نشر القيم النبيلة التي يحتاجها
المجتمع اليوم.
ملحق
[1] نحو مدرسة لبناء
القدرات المعرفية.رحمة بورقية .مجلة المدرسة لمغربية.العدد المزدوج:4-5.السنة
:2012.
[2]-تمثلات الطفل في المجتمع
الدكتور احمد اوزي. ضمن ندوة علم النفس وقضايا المجتمع. منشورات كلية
الآداب الرباط1999..
[3] -علم الاجتماع التربوي للحسن إحسان محمد:56.دار وائل
الأردن :2005.
[4] --علم الاجتماع
المدرسي لعلي اسعد وعلي حاسم الشهاب المؤسسة ا لجامعية للدراسات والتوزيع 2004
[5] -المدرسة
والمجتمع لحماني اقفلي .مجلة المدرسة المغربية.العدد:1-ماي:2002.
[6] -علم الاجتماع التربوي لناصر إبراهيم:45
[7]--جودة التعليم رهان
المستقبل لعبد الرحيم ليه محاضرة بمركز الدراسات والبحوث24 يوم :/12/2015
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.