الحسين عاطل عن العمل (ج2)

الحسين عاطل عن العمل (ج2)

ذ الحسين سعدون

هنا جيليز الوجه الآخر لمدينة مراكش غير وجه العلم والمعرفة هناك في الداوديات؛ هنا منطقة الضوء الأحمر والتي بسببها سميت مدينة النخيل بالمدينة الحمراء عكس ما اوهمونا اياه في المدارس؛ ها انا اشتغل في هذا المكان الذي لا تتوقف فيه الحركة الى الساعات الاولى من صباح اليوم الاخر؛ اشتغل هنا في مطعمين احدهما مشهور ببيع الدجاج المحمر والاخر يقدم مختلف انواع المأكولات والمشروبات.. العمل في المطاعم لا يتطلب الحصول على شواهد او ديبلومات ولا يعترف بمستواك الدراسي وحدها
التجربة في هذا الميدان هي التي تحدد مهمتك داخل المطعم؛ وكمبتدئ في هذا المجال الذي يختلف كليا عن الفيزياء والكيمياء كان دوري ينحصر في البداية في جمع الاواني وتنظيف الموائد التي تناول عليها الزبناء وجباتهم.. في الصباح توضع امامي صنادق من البطاطس ليس من اجل حساب كتلتها وتحويلها الى اجزاء الكيلوغرام ومضاعفاته ولا من اجل تحديد ثمنها فمهمة كهذه تركتها داخل اسوار المدارس انت الان مجبر وفي وقت وجيز على ازالة قشرتها وتنظيفها وتقطيعها على شكل قطع لتكون جاهزة للقلي.. صاحب العمل كان يرى ان تلك المهام لا تليق بي بفضل مستواي الدراسي فقرر ان اعوضه في بعض المهام التي يقوم بها؛ فتخلصت من المهام السابقة الصعبة والحقيرة وكانت الفترة الأولى فرصة لاكتشاف جو العمل وكيف تسير الأمور في المطعم.. أعوض صاحب العمل في حالة غيابه حيث اقوم بتجهيز الڤترينة وتصنيف اللحم بشتى انواعه و تسمياته (كفتة؛ بروشيت؛ ستيك؛ كوطليط..) والخضر داخلها وجعلها على الوجه الانيق الذي سيجلب الزبناء ويفتح شهيتهم بمجرد النظر اليها صاحب العمل يقول" ان العين هي التي تأكل".. كنت ازن كمية اللحم التي يطلبها الزبناء وأعد السلطة وفي نفس الوقت أحسب لكل زبون ثمن وجبته .. مهمة قد تبدو سهلة لمن يجربها ولكنها ليست كذلك خصوصا في أوقات الذروة؛ وقت الغذاء والعشاء وعطل نهاية الاسبوع.. صدقوني مهمة صاحب المطعم من اصعب المهام واكبر مشكل يمكن ان تواجهه هو كيف ترضي جميع الزبائن؛ فمن الصعب ان ترضي الاخرين فما بالك عندما يتعلق الأمر بما له علاقة بالأكل؛ ستصادف جميع اجناس البشر واصنافه وجميع العقليات كل هؤلاء يجب عليك ان تعاملهم معاملة خاصة وتستقبلهم دائما بوجه بشوش " حتى وان وصلات فيك العظم" وتصطنع الابتسامة في وجوههم وتناقشهم مواضعهم التافهة وتوافقهم رأيهم وتتبنى مذاهبهم الى أن يدفعوا ثمن الوجبة التي قدمت لهم؛
رأيت هناك العجب العجاب؛ أشخاص اذا رأيتهم تعجبك أجسامهم يرتدون بذلا أنيقة خلال النهار منهم أساتذة جامعيون وفنانون وممثلون وغيرهم من المسؤولين ولكن بعد منتصف الليل يصبحون أشخاصا آخرين يميلون ميل الأغصان وقد فعل بهم الخمر ما فعل تجد صعوبة في فهم ما يقولون ورائحة الخمر الكريهة المنبعثة من أفواههم تزكم النفوس.. جيش من النساء والفتيات يرتدن الحانات المجاورة للمطعم وقد أظهرن أكثر مما أخفين من جسدهن بلباسهن غير المحتشم يقصدن بدورهن المطعم لتناول وجبة العشاء بعد منتصف الليل يجب عليك ان تعاملهن كذلك معاملة خاصة بل يجب عليك ان تكون رومنسيا في تلك اللحظة حتى وان كان بينك وبينها غير الخير والاحسان كما يقولون.....
يتبع

الحسين عاطل عن العمل (ج3)