عروض إدارية:المسؤولية التقصيرية للأطر التربوية في التشريع المغربي
من إعداد : أفقير نوال باحثة في القانون الخاص- تخصص قوانين التجارة و الاعمال-أستاذة.
مقدمة :
ان واجب الرعاية والحراسة هو العمود الفقري للأستاذ و التي تتأثر بمقدار الاخلال به ومدى احترامه، ان الاخلال بهذا الواجب سماه المشرع بالخطأ الذي ينتج عنه ما يسمي بالمسؤولية المدنية و التي تنقسم بدورها الى مسؤولية عقدية و مسؤولية تقصيرية[1]
والحوادث المدرسية تدخل ضمن المسؤولية التقصيرية والتي خصص لها المشرع المغربي المواد من 77 إلى 106 من قانون الالتزامات والعقود ..
فبالنسبة للوسط المدرسي عموما يمكن أن تترتب المسؤولية التقصيرية عن العمل الشخصي فحسب المادة 77 من قانون الالتزامات والعقود :
” كل فعل ارتكبه الانسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر”
وهذه الصورة تتطلب توافر ثلاثة شروط وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر وإذا كان الخطأ في المسؤولية التقصيرية هو إخلال الشخص بالتزام قانوني مع إدراكه لهذا الإخلال فإنه يكون في عدة صور (عمد، أو بإهمال؛ إيجابي، أو سلبي؛ يسير، جسيم؛…) في حين أن الضرر قد يكون ماديا أو معنويا؛ أما بخصوص العلاقة السببية فيستثنى منها لتنتفي بذلك المسؤولية التقصيرية في حال ما إذا كان الضرر قد نشأ عن خطا المضرور نفسه أو حادث فجائي أو قوة قاهرة؛
كما يمكن أن تترتب المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير طبقا لمقتضيات الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على :
” يسأل المعلمون وموظفو إدارة الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل من الأطفال والشبان خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم. والخطأ أو عدم الحيطة أو الإهمال الذي يحتج به عليهم٬ باعتباره السبب في حصول الفعل الضار٬ يلزم المدعي إثباته وفقا للقواعد القانونية العامة”
وكما هو واضح من خلال الفصل 85 مكرر من ق ل ع فان مسئولية رجال التعليم تتطلب وجود التلميذ تحت رقابة المعلم وكون الخطأ قد ارتكب من طرف التلميذ أثناء هذه الفترة. ومسئولية رجال التعليم هي مبنية على خطا واجب الإثبات وبالتالي فانه يتعين على من يحتج بالخطا او عدم الحيطة او الاهمال باعتباره سببا في حصول الفعل الضار اثبات ذلك وفقا للقواعد العامة
ومن الامثلة المبينة لجانب التقصير في القيام بالواجب المهني التي يمكن ان تترتب عنه المسؤولية التقصيرية ندكر على سبيل المثال
إحضار واستعمال كل ما من شأنه إلحاق الأذى كالآلات الحادة بالوسط المدرسي من طرف المتعلمين والمتعلمات؛ –
ترك المتعلمين دون حراسة؛
تغيير جداول الحصص دون إخبار المتدخلين المعنيين؛
السماح لأي متعلم مريض مرضا معديا بمتابعة الدراسة قبل إحضاره لشهادة طبية من مصلحة الصحة المدرسية المختصة تثبت شفاءه؛
السماح بممارسة الألعاب العنيفة التي قد تتسبب في إصابة أو عاهة مستديمة؛
السكوت عن كل السلوكات المشينة والمخلة بالوسط المدرسي؛
و لمعالجة هذا الموضوع والمتعلق بالمسؤولية التقصيرية للأطر التربوية فان ذلك يقتضي منا اثارة عدة اشكالات من بينها ما المقصود بالمسؤولية بوجه عام والمسؤولية التقصيرية بوجه خاص؟ وماهي اوجه الاختلاف والتشابه بين المسؤولية التقصيرية والمسؤولية العقدية وماهي الشروط المتطلبة لقيام المسؤولية التقصيرية للأطر التربوية وماهي الاثار المترتبة عنها ؟.
هذا ما سأحاول الاجابة عنه وذلك وفق التصميم التالي:
المحور الاول: مفهوم المسؤولية بوجه عام والمسؤولية التقصيرية بوجه خاص
المحور الثاني: تمييز المسؤولية التقصيرية عن المسؤولية العقدية
المحور الثالث :شروط قيام المسؤولية التقصيرية للاطر التربوية
المحور الرابع: الاثار المترتية عن المسؤولية التقصيرية للاطر التربوية .
المحور الاول: مفهوم المسؤولية بوجه عام والمسؤولية التقصيرية بوجه خاص
تحمل كلمة المسؤولية معان مختلفة حسب المجال الذي تخصه، فقد يقصد بهـا المسؤولية الجزائية، أو الدستورية، أو التأديبية، أو المدنية، أو المسؤولية الإداريـة أو غيرها .
إن أول ما توحي به كلمة المسؤوليـة من معنى، أن ثمـة فعـلا ضارا يوجب مؤاخذة فاعله و إلى جانب المعنى السابق تحمل المسؤولية من ناحية أخرى فيما تعنيـه أنـه عند وقوع ضرر يجب تعويض المضرور عنه
أن قيام شخص ما بأفعال أو تصرفات يكون مسؤولا عن نتائجها، أي أن يتحمل تبعة ما سببه للغير من ضرر، و أن تتم مؤاخذته عما فعل، و هي بهذا المعنى تعبر عن الحالة الفلسفية و الأخلاقية و القانونية التي يكون فيها الإنسان مسؤولا و مطالبا عن أمـور و أفعال أتاها إخلالا بنواميس و قواعد و أحكام أخلاقية و اجتماعية وقانونية[2]
الفقه العربي لم يتناول تعريف المسؤولية بصفة أصيلة، بل جـاءت محاولاتـه متأثرة إلى حد بعيد باتجاهات الفقه الغربي، و من أهم التعريفات التي قيلت فـي هـذا الصدد ما جاء به الفقيه السنهوري من أن المسؤولية هي تعويض الضرر الناشـ ئ عن عمل غير مشروع و قد يكون إضرار بالغير عن عمد أو غير عمد و هذه هي المسؤولية التقصيرية وقد يكون هذا العمل اخلال بابرام العقد وهده ما يسمي بالمسؤولية العقدية[3]
أما الأستاذ سليمان مرقس فقد اختصر تعریفه للمسؤولیة في كونها حالة الشخص الدي ارتكب امرا يجب المؤاخدة[4]
ومن جانبها الأستاذة سعاد الشرقاوي فقد اقتربت في تعريفها للمسؤولية بشكل أكبر من الفقه الغربي، و نظرت إليها من وجهة نظر فلسفة القانون حيث عرفتها بأنها وسيلة قانونية تتكون أساسا من تدخل إرادي ينقل بمقتضاه عبء الضرر الذي وقع مباشرة على شخص، بفعل قوانیــن الطبیعـــة أو البيولوجیــا أو السيكولــوجیـــا أو القـــــوانین الاجتماعية إلى شخص أخر ينظر إليه على أنه هو الشخص الذي يجب أن يتحمل هذا العبئ[5]
ويعرف الأستاذ عمار عوابدي المسؤوليــة بأنهـا حــالة المؤاخذة أو تحمـل التبعـة فهـي فـي نظــره الحالة الفلسفية والاخلاقية
القانونية التي يكون فيها الإنسان مسؤولا و مطالبا عن أمـور أو أفعـال أتاها إخلالا بنواميس و قواعد و أحكام أخلاقية واجتماعية و قانونية[6]
اما التعريف اللغوي للمسؤولية فتعني ما كان به الانسان مسؤولا أو مطالبا عن أمور أو أفعال اتاها[7]
هذا فيما يخص تعريف المسؤولية بوجه عام اما المسؤولية التقصيرية فبمكن تعريفخا باختصار بانها هي المسؤولية التي تقوم على الإخلال بالتزام قانوني هـو الالتـزام بعدم الإضرار بالغير.
المحور الثاني: تمييز المسؤولية التقصيرية عن المسؤولية العقدية
أن أساس المسؤولية العقدية هو الخطأ العقدي، أي الإخلال بـالتزام عقـدي أمـا المسؤولية التقصيرية فتقوم على الإخلال بالتزام قانوني هـو الالتـزام بعدم الإضرار بالغير.
من المبادئ المقررة فقها وقضاء، أن الشخص إذا أخل بالالتزام نشأ عن هذا الإخلال المسؤولية المدنية والتي هي على نوعين مسؤولية تقصيرية ومسؤولية تعاقدية. وقد يختلف هذين النوعين من المسؤولية المدنية وذلك باختلاف مصدر الإلتزام، فالمسؤولية تكون عقدية إذا كان مصدر الإلتزام الذي أخل به مصدره الإرادة التي تنشأ عن الإخلال بالتزام تعاقدي. وتعتبر المسؤولية تقصيرية، إذا كان مصدر الإلتزام الذي أخل به العمل غير المشروع وهو الإلتزام القانوني بعدم الإضرار بالغير،نشأ نتيجة وقوع فعل ضار بالغير تترتب عليه آثارا قانونية.
و تتضح الفروق بين المسؤوليتين في عدة نقاط
– تفترض المسؤولية العقدية وجود عقد صحيح صادر عن ذي أهلية، أو ممن له الولاية عليه، أما المسؤولية التقصيرية فلا تفترض وجود شيء من ذلك
. – اما من حيث الاثبات فانه من المتفق عليه فقها وتشريعا أن الإثبات في المسؤولية التعاقدية يقع على المدين. في حين يقع الإثبات في المسؤولية التقصيرية على الدائن المتضرر الذي يلزمه إثبات الخطأ والضرر والعلاقة السببية
إن الدائن في المسؤولية العقدية يستطيع أن يتخلص عملا من عبء الإثبات لإخلال المدين بالتزاماته و ذلك بمطالبته بالوفاء بما تعهد به فيضطر المدين إلى إثبات وفائه فإن لم يفعل كان الظاهر عدم الوفاء و جاز للـدائن أن يحـرك ضده دعوى المسؤولية التقصيرية
– يعتبر الإنذار ضروريا في بعض الحالات للحصول على التعويض في المسؤولية التعاقدية وخاصة في الحالة التي لم يعين فيها أجل للإلتزام أما المطالبة بالتعويض وفق أحكام المسؤولية فلا يحتاج إلى مثل هذا الإنذار أو الإعذار.
ويلاحظ أن المشرع المغربي اعتبر الإنذار غير ضروري للدائن في مجال المسؤولية التعاقدية في حالتين:
-إذا رفض المدين صراحة تنفيذ التزامه
-إذا أصبح التنفيذ مستحيلا.
– من حيث الإعذار فإنه يجب أن يسبق المطالبـة التعـويض علـى أسـاس المسؤولية العقدية، أما التقصيرية فلا يشترط فيها ذلك، و الحقيقـة أن هـذا الشرط ليس مرتبطا بنوع المسؤولية، و إنما بطبيعة الالتزام الذي حصل الإخلال به فإذا كـان إيجابيا كان إعذار المدين ضروريا قبل مطالبته بالتعويض لأنه لا يعد متأخر أو ممتنعا عن الوفاء ما لم يعذر، و إذا كان الإلتزام سلبيا يصبح المدين مسؤولا مسؤولية عقدية، و لو لم يكن قد أعذر لأن إخلاله بالألتزام أمر إيجابي ظاهر[8]
– من حيث التقادم تختلف مدته حيث تسقط دعوى المسؤولية العقدية بعد مرور مدة أطول، و يمكن الاتفاق على تقليصها، أما دعوى المسؤولية التقصـيرية فتتقـادم بمرور مدة أقصر، و لا يجوز الإتفاق على إنقاصها، و قد سـاوى القـانون المـدني الجزائري فى مدة التقادم بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية و جعلها خمس عشـرة سنة فى كليهما [9]
الإعفاء من المسؤولية في إطار المسؤولية التقصيرية فإن الإتفاق مسبقا على شرط الإعفاء من تحمل المسؤولية، يعتبر باطلا لتعلقه بالنظام العام، أما في المسؤولية التعاقدية فإنه يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على إعفاء المدين من المسؤولية المترتبة عليه بسبب إخلاله بالتزامه التعاقدي، أو على التخفيف منها لأن العقد شريعة المتعاقدين.
و الرأي الراجح فقها و قضاء يجيز الاتفاق على إعفاء المدين من المسؤولية العقدية عن الخطـأ اليسـير أو على حصرها في حدود مبلغ معين و لكنه لا يجيز ذلك بالنسبة للمسؤولية التقصـيرية باعتبار أن هذه الأخيرة متعلقة بالنظام العام[10]
– يتطلب القانون سن الرشد لصحة أغلب العقود، لقيام المسؤولية التعاقدية، لأنها تقوم على إرادة المتعاقد، في حين يكتفي القانون بسن التمييز في المسؤولية التقصيرية.
– تقوم المسؤولية التقصيرية بحكم القانون على مبدأ التضامن، بينما التضامن في المسؤولية التعاقدية لا يفترض وجوده بين المدنيين، بل لابد من الإتفاق عليه في العقد أو في اتفاق خاص.
و الخلاصة أنه توجد فروق جوهرية بين المسؤوليتين ترجع إلى طبيعة كل منهما فالمسؤولية العقدية جزاء للإخلال بإلتزام عقدي أما التقصيرية فهي جزاء الإخلال بإلتزام قانوني بعدم الإضرار بالغير
المحور الثالث : شروط قيام المسؤولية التقصيرية للأطر التربوية
يشترط لقيام المسؤولية التقصيرية للأطر التربوية توفر ثلاثة شروط وهي الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية بينهما، كما يتضح بأن أساس هذه المسؤولية هو الخطأ، الواجب الاثبات، وعلى المضرور إثباته، فإذا ثبت الخطأ وترتب عليه ضرر للغير فإن مرتكبه يلتزم بتعويض الغير عن هذا الضرر، وللقاضي الأساس حق تقدير قيام الخطأ، كما له حق تقدير إنتفائه، غير أنه يخضع لرقابة المحكمة العليا في عملية تكييفه القانوني.
1- الخطأ :
تقوم مسؤولية المدرسين و موظفي ومسيري الشبيبة والرياضة على الخطأ الواجب الإثبات يقوم به المتضرر وفقا للأحكام العامة، وهذا ما عبر عنه الفصل 85 مكرر ق.ل.ع حين نص على أن:” والخطأ أو عدم الحيطة أو الإهمال الذي يحتج به عليهم، باعتباره السبب في حصول الفعل الضار، يلزم المدعي إثباته وفقا للقواعد القانونية العامة.”
ويبدو أن المشرع قد حرص على استعمال الفعل الضار ولم يستعمل وصف العمل غير المشروع لأن التلميذ يكون في الغالب غير مميز لا يرتكب خطأ فيكفي أن يرتكب الطفل أو الشاب فعلا ضارا أثناء تواجده بالمدرسة حتى تنعقد مسؤولية من يتولى رقابته.
ولقد اختلفت وتعددت الآراء في تحديد الخطأ الذي يوجب المسؤولية، والمستقر عليه فقها وقضاءا لآن أن الخطأ في المسؤولية التقصيرية هو إخلال الشخص بالتزام قانون مع إدراكه لهذا الإخلال فهو إخلال بالتزام قانوني أي بمعنى الانحراف في السلوك المألوف للشخص العادي، ويتمثل هذا الالتزام في وجوب أن يصطنع الشخص في سلوكه اليقظة والتبصر حتى لا يضر بالغير فإذا انحرف عن هذا السلوك الواجب وكان مدركا لهذا الانحراف كان هذا منه خطأ يستوجب مسؤوليته التقصيرية، واستقر أغلب الفقهاء على ان الخطأ هو الإخلال بالتزام قانوني مع الإدراك بأنه يضر بالغير.
يتكون الخطا من ركنين الركن المادي والمعنوي
فالركن المادي للخطأ هو التعدي الناتج عن اخلال بالتزام قانوني عام هو عدم الاضرار بالغير أي هو كل انحرا ف عن السلوك المألوف للرجل العادي.
– الركن المعنوي (الإدراك) وهو الركن الثاني لأركان الخطأ وهو الإدراك ويجب أن يكون هذا الشخص مدركا لأعمال التعدي التي قام بها سواء بقصد أو وقعت منه بغير قصد. والإدراك مرتبط بقدرة الانسان على التمييز،
2-الضرر :
لا يكفي لقيام المسؤولية التقصرية ان يقع خطأ وإذا يجب أن يترتب عن ضرر ، ونُعرفه بصفة عامة ” هو الأذى الذي يصيب الشخص نتيجة المساس بمصلحة مشروعة له أو حق من حقوقه “.
.والضرر قد يكون مادياً أو معنويا
الضرر المادي : هو ما يصيب الشخص في جسمه أو في ماله ، فيتمثل في الخسارة المالية التي تترتب على المساس بحق أو مصلحة ) سواء كان الحق ماليا ( كالحقوق العينية أو الشخصية أو الملكية الفكرية أو الصناعية ) ويكون ضررا مادياً إذا نجم عن هذا المساس إنتقاص للمزايا المالية التي يخولها واحد من تلك الحقوق او غير مالي كالمساس بحق من الحقوق المتصلة بشخص الانسان كالحرية الشخصية وحرية العمل وحرية الرأي كحبس شخص دون حق .
المعنوي أو الأدبي : هو الضرر الي يلحق الشخص في حقوقه المالية أو في مصلحة غير مالية ،فهو ما يصيب الشخص في كرامته أوفي شعوره أو في شرفه أو في معتقداته الدينية أو في عاطفته وهو أيضا ما يصيب العواطف من ألام نتيجة الفقدان شخص عزيز ، وقد توسع القضاء في مفهوم المصلحة الأدبية فأعتبر ضررا أدبياً ما يصيب الشخص من جراء السب أو القذف منت ايذاء للسمعة أو عن آلام النفس إلى نطاق منت المحافظة على اسم الشخص وحرمة عائلته وشرفها.
3- العلاقة السببية بين الخطأ والضرر:
السببية بمعنى يجب أن يكون الضرر الناتج بفعل الخطأ فلولا الخطأ لما وقع الضرر وتتمتع محكمة الموضوع بسلطة تقديرية مطلقة في تعيين رابطة السببية بين الفعل والضرر.
المحور الرابع : الأثار المترتبة عن المسؤولية التقصيرية
إن كان قانون الالتزامات والعقود المغربي نص في الفصل 79 على أن “الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها” حيث أن الدولة مسؤولة عن الأخطاء المصلحية أو المرفقية، و غير مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن تدليس مستخدميها و مستخدمي البلديات أو الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم وذلك حسب نص الفصل 80 من نفس القانون
فالمشرع المغربي أقر كذلك بمبدأ المسؤولية المدنية للدولة عن الحوادث المدرسية و الشبيبة والرياضة بمقتضى الفصل 85 مكرر الذي نص على أن:” يسأل المعلمون و موظفو الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل من الأطفال والشبان خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم.”
وبالرجوع إلى مقتضيات هذا الفصل والظهائر المعدلة له يتضح أنه يوجد نظامين أساسيين للتعليم العام و الخاص.
أ-النظام الأساسي للتعليم العام:تتحقق مسؤولية موظفي التعليم العام و مسيري الشبيبة و الرياضة بحصول الضرر من التلاميذ و الطلبة خلال الوقت الذي يوجدون فيه تحت رقابتهم وتنتهي هذه المسؤولية بمجرد مغادرة التلميذ المدرسة أو الملعب أو القاعة المخصصة للرياضة.
ب-النظام الأساسي للتعليم الخاص: تختلف مسؤولية مستخدمي و مسيري التعليم الخاص عن المسؤولية المقررة في التعليم العام بحيث يخضع التعويض الناتج عن قطاع التعليم الخاص لأحكام قانون حوادث الشغل والأمراض المهنية و يتضح ذلك من الفصل 24 من النظام الأساسي للتعليم الحر الذي يفرض على المسؤولين عن المؤسسات التعليمية الحرة التأمين على مسؤوليتهم وذلك لتغطية الأضرار التي تصيب التلاميذ المنتسبين لمدارسهم.
ويقع عبء اثبات التعدي على الشخص المضرور (الدائن) وأن يقيم الدليل على توافر أركان مسؤولية المدعى عليه ومن بينها ركن الخطأ.
وقد جاء في احد القرارت الصادرة عن المجلس الأعلى في هدا الصدد مايلي
” حيث إن الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود يوجب في فقرته الثالثة على المدعي أن يثبت وفقا للقواعد العامة حصول الخطأ أو عدم الحيطة والإهمال من جانب المشرفين على المدرسة أو المؤسسة العمومية، وبالرجوع إلى وقائع النازلة يتجلى أن المدعي لم يقدم أي دليل على أن المشرفين في المدرسة التي تدرس بها ابنته قد ارتكبوا إهمالا في المراقبة الأمر الذي يجعل مسؤوليتهم غير قائمة ويكون الحكم المستأنف عندما قضى بغير ذلك واجب الإلغاء”[11].
وقد جاء في قرار اخر مايلي ” حيث يعيب المستانف الحكم المستانف بفساد التعليل وخرق الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود ، ذلك ان المحكمة حملت المؤسسة التعليمية مسؤولية الحادث بعلة الاهمال والتقصير وبالرجوع الى المقتضيات القانونية التي تنظم مسؤولية الدولة عن الحوادث المدرسية خاصة منها الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود نجدها تستوجب اثبات قيام الخطأ او الاهمال من جانب المشرفين على المؤسسة التعليمية وان المحكمة عندما صرحت بانها بنت حكمها على وثائق الملف لم تعلل حكمها تعليلا سليما ،فالوثائق المتحدث عنها المدلى بها من طرف المدعي وهي عبارة عن محضر الضابطة القضائية وشواهد طبية وهما وسيلتين لا يمكن الاعتداد بهما ، لذلك ومادام المستانف عليه لم يدل بما يثبت قيام الخطأ او الاهمال فان دعواه غيرمقبولة.
حيث انه بناء على الفقرة الثانية من الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود فانه يتعين على من يحتج بالخطأ او عدم الحيطة او الاهمال باعتباره سببا في حصول الفعل الضار اثبات هذا الضرر وفقا للقواعد القانونية العامة.
وحيث تبين من وثائق الملف ان المدعي المستانف عليه لم يثبت الخطأ الذي اسس عليه طلبه لذلك يتعين رفضه ويكون الحكم المستانف القاضي بخلاف ذلك مجانبا للصواب ويتعين إلغاؤه”[12].
وقد نصت المادة 128 من القانون المدني الجزائري، على انه ” من أحدث ضرر وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو عن ماله، أو عن نفس الغير أو عن ماله كان غير مسؤول على ألا يتجاوز في دفاعه القدر الضروري، وعند الاقتضاء يُلزم بتعويض يُحدده القاضي”
خاتمة :
باختصار شديد كانت هذه صور المسؤولية التقصيرية التي تنطبق على المسؤولين والعاملين بالمؤسسات التعليمية العمومية والتي يتحمل مدير المؤسسة المسؤولية الكاملة في حالة وقوعها طبقا لمقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 11 من النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي التي تنص حرفيا على وجوب العمل على حسن سير الدراسة والنظام في المؤسسة وتوفير شروط الصحة والسلامة للأشخاص والممتلكات.
الهوامش :
خميس خضر تنوع المسؤولية المدنية إلى عقدية وتقصيرية و الخيرة بينهما، مقال وارد في مجلة القانون والاقتصاد للبحوث القانونية و الاقتصادية، مارس يونيو سنة 1976 ،العدد الأول و الثاني، الشركة المتحدة للنشر و التوزيع، ص 19 وما بعدها ↑
عمـار عوابـدي ، نظريـة المسؤولية الإدارية ، دراسة تأصيلية تحليلية و مقارنة، ديوان المطبوعات الجامعية1994 ص11 ↑
د. عبد الرزاق السنهوري، الموجز في النظرية العامة للالتزامات، طبعة 1946 ص ، 311 ↑
د. سليمان مرقس، المسؤولية المدنية في تقنينات البلاد العربية، القسم الأول، الأحكام، سنة 1971،ص 1 ↑
سعاد الشرقاوي المسؤولية الإدارية، الطبعة الثانية، 1972دار المعارف، مصر ص .99 ↑
عمـار عوابـدي ، نظريـة المسؤولية الإدارية ، دراسة تأصيلية تحليلية و مقارنة، ديوان المطبوعات الجامعية1994 ص11 ↑
المنجد في اللغة و الآداب و العلوم ، المطبعة الكاثوليكية بيروت ، الطبعة الأولى. 1960 ص 316 ↑
عبد المعين لطفي جمعة المرجع السابق ص ،و د. عبد الرزاق السنهوري، الوسـيط فـي شـرح القـانون المدني، مرجع سابق، ص 748 و ما بعدها، و د. سليمان مرقس، المرجع السابق ص 26 ، ↑
د. محمود جلال حمزة المسؤولية الناشئة عن الأشياء الغير الحية في القانون المدني الجزائري، دراسة مقارنـة بين القانون المدني الجزائري و القانون المدني الفرنسي و القانون المدني المصـري ، سـنة الطبـع 1988 ديـوان المطبوعات الجامعية الجزائر،ص 23. ↑
د. عبد المعين لطفي جمعة المرجع السابق، ص 3 ↑
قرار عدد 813 بتاريخ 1/12/2004 في الملف عـدد : 240/4/1/2000 ↑
القرار عدد : 818 بتاريخ : 23-11-20
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.