خطاطات توضيحية حول المجزوءة الثانية المعرفة النظرية والتجربة الثانية بكالوريا
المحور الأول : التجربة و التجريب
مفهوم النظرية و التجربة
معايير علمية النظريات
المحور الثاني: العقلانية العلمية
مجزوءة المعرفة
إن الإنسان كائن عارف ،و لا يمكن أن يعيش بدون دافع فضولي فطري يدفعه إلى محاولة فهم العالم ، هذا الفهم الذي يسمح له بالسيطرة على هذا العالم و التحكم فيه و استخدامه لصالحه . لكن المعرفة التي كونها الإنسان عن العالم أصبحت هي نفسها محل نقاش و حوار و خلاف ، وبصيغة أخرى أصبحت خاضعة هي نفسها لنفس الفضول المعرفي وتحولت إلى موضوع للفهم و سببا في تأسيس معرفة حول المعرفة ، أي حول المعرفة الإنسانية بصفة عامة ، والمعرفة العلمية على وجه الخصوص. و قد تركزت النقاشات بصفة عامة حول دور العقل والتجربة في تأسيس العلم, وحدود كل منهما …
في موضوع التجريب ما يهمنا هو الفرق بن التجربة العامية اليومية ذات البعد الإنطباعي و التجريب العلمي المنضبط لأصول صارمة و منهج دقيق و منشإ من طرف العالم داخل المختبر.
ثم تطور العقلانية العلمية و التحولات التي عرفتها منذ المرحلة الكلاسيكية والتحول الذي أنتجته حول تصورنا للعالم و الكون و التداعيات الفلسفية لهده الإكتشافات العلمية وتحديد دور التجربة و العقل في الوصول لهاته النتائج.
وكذلك النظرية باعتبارها إنتاجا عقليا خالصا دخلت في نزاع مع التجريب العلمي المستند على خطاب الطبيعة حول أحقية القول العلمي ، وباعتبار النظرية بناءا عقلانيا تجريديا يصعب التحقق منه تجريبيا ، فإن معيار حقيقتها و سلامتها يطرح مشكل التحقق منها . فكيف يمكن التحقق منها و هي النظام التجريدي المتعالي على الواقع المادي المباشر؟
لقد برزت أغلب الإشكالات الفلسفية التي تهتم بالمعرفة العلمية منذ بداية العصور الحديثة ولكن مبحث المعرفة انطلق منذ الفلسفة اليونانية و خصوصا مع ألاطفون ، تمحور هذا المبحث حول كيفية الوصول إلى الحقيقة ومعايير هته الحقيقة وأصولها ...إلخ . و يتمحور اهتمامنا نحن حول الفرق بين الرأي أو كما يسميه أفلاطون الظن و الحقيقة المبنية على أسس مضبوطة .
كما أن معيار الحقيقة يطرح إشكالا مهما : هل تتأسس بالإعتماد على التجربة أم على العقل المنطقي المتعالي على التجربة الحسية المباشرة ؟ وأخيرا ما قيمة الحقيقة و ما القيم التي يجب أن تستند عليها وهل تمتلك قيمة في ذاتها أم قيمة نسبية مرتبطة بتحقيقها لأغراض نافعة للإنسان؟
النظرية و التجريب
المجال الإشكالي
إن العلم كمعرفة بشرية يتميز بخصوصيية الضبط و الإنضباط لمنهج صارم ومحسوب و مراقب من طرف العالم و الهيئات العلمية و مجالات معرفية أخرى كالفلسفة من خلال مبحث الإبستيمولوجيا أساسا . إن خاصية المعرفة العلمية أنها تفكر في موضوعها بشكل صارم أما لمعرفة العمية فإنها تعتمد الصدفة و العشوائية و الإعتماد على الإنطباع كما أنها مخترقة من طرف خليط من المعارف الغير المتجانسة و وفق نظام غير منطقي و غير عقلاني , لذلك فالأسئلة التي يمكن أن نطرحهاهي:
ما هي طبيعة التجرة العامية؟ وما دورها في تاريخ العلم؟ وما طبيع المعرفة العلمية و ماهي شروطها وهل هي معطى طبيعي خام أم انها تنشأمن طرف العالم وبالتالي من خلال العقل و ما الحدث العلمي ؟
ثم نطرح السؤال حول طبيعة العقلانية الكلاسيكية من الإكتشافات التي توصلت إليها و الأفكار الفلسفية التي أطرتها و النقاش الفلسفي الذي رافق هاته المعرفة ثم التحولات التي عرفتهاوأنتجت عقلانية معاصرة أقل غلوا و أكثر نسبية في مقاربتها للمعرفة العلمية بصفة عامة
I-التجربة والتجريب
يتفق العلماء على ضرورة التمييز بين التجربة العادية و التجربة العلمية أو التجريب ، لكن يختلفون حول حقيقة التجريب وعلاقته بكل من الواقع والخيال . فما دلالة الفرق بين التجربة والتجريب ؟ وهل التجريب انفتاح على الواقع أم على الافتراضي و الخيالي ؟
مع بداية تطور المعرفة العلمية التجريبية في العصر الحديث ُطـرح التساؤل،بأيهما تبتدئ المعرفة الإنسانية هل بالتجربة أم بالنظرية؟ يمكن أن نميز بين التجربة أو المعرفة التجريبية والإدراك الحسي أو الحدوس الحسية المباشرة:يرى عالم الفيزياء جاليلي أن الحديث عن التجربة العلمية تقتضي ثلاث شروط أساسية وهي:
1) أن تكون مجهزة
2) أن تكون مصطنعة
3) أن تكون مكممة .
الاتجاه الرافض للتجربة يمثله الفيلسوف سبينوزا الذي يمنحها دورا هامشيا في بناء المعرفة ، حيث يرى أن المبدأ المحدد والخاضع للبرهنة الصحيحة بفضل المنهاج الرياضي هو وحده القادر على تحديد صدق التجربة وعدم خداعها لنا، فالتجربة هي في أفضل أحوالها وصفية، ومساعدة للنظرية ، لأن التجربة لا تقودنا إلى جوهر الأشياء .
كلود برنار :
الفرضية حقل للقاء بين الملاحظة التجريبية والنظرية
لقد حاول كلود برنار أن يضع حدا لهذا الجدل بين العقلانيين الذين يؤكدون دور النظرية والتجريبيين الذين يؤكدون أهمية التجربة . وذلك بأن اقترح مفهوم الفرضية كحقل للقاء بين الملاحظة التجريبية والنظرية. فالمعرفة تنطلق من الملاحظة الخالصة و القائمة على افتراض نظري، هذا الأخير يمكن فحصه عن طريق التجربة وهو ما أسس لمفهوم النظرية التجريبية: التي يمكن أن نمثل لها بالشكل التالي: الملاحظة ــ الفرضية ــ التجربة
يتبين أن الفرضية هي فكرة يقترحها العالم لتفسير بعض الظواهر العلمية ولها دورين أساسيين :
- من جهة للفرضية دور نقدي اتجاه شروط الملاحظة، فهي تهيئ الشروط لإقامة تجارب مغايرة انطلاقا من فرضيات نظرية لا تدعي أن تكون نهائية وتامة، ولكنها لا تعني أنها غير مؤكدة .
- من جهة ثانية فالفرضية هي تركيب نظري وتقني يدمج الملاحظات في التجربة، وهذه يجب فحصها بفضل طبيعة الملاحظات المستعملة في تجميع المعطيات من الواقع، فالفرضية هي تحويل للمعطيات التي يتم الانطلاق منها كمعطيات أساسية للنظرية .
انطلاقا من المساهمة الفكرية لكلود برنار يمكن القول أن التجربة العلمية ليست الملاحظة الحسية ولكن هي ابتكار واقتراح لتطوير المعرفة العلمية، لأنها فحص للفرضية .
روينه طوم :
لا وجود لفرضية بدون وجود شكل من أشكال النظرية
يعتقد أن واقعة تجريبية لا يمكن أن تكون علمية إلا إذا استوفت شرطين أساسين :
- أن تكون قابلة لإعادة الإنشاء وفق بروتوكول تجريبي واضح.
- أن تثير الواقعة اهتماما تطبيقيا يتمثل في الاستجابة لحاجات بشرية ، واهتماما نظريا يجعل البحث يندرج ضمن إشكالية علمية قائمة.
في هذه الحالة ، يكون الهدف من التجريب هو التحقق من صدق أو صحة فرضية ما : فمن أين تأتي الفرضية ؟
لا وجود لفرضية بدون وجود شكل من أشكال «النظرية"...ويتعلق الأمر بالعلاقات السببية التي تربط السبب بالنتيجة. وتهدف التجربة إلى إثباتها أو تكذيبها..غير أن التجريب وحده عاجز عن اكتشاف سبب أو أسباب ظاهرة ما . ففي جميع الأحوال ينبغي إكمال الواقعي بالخيالي. وهذه القفزة نحو الخيالي هي أساسا عملية ذهنية لا يمكن لأي جهاز آلي أن يعوضها.فلا يمكن للتجريب ليكون علميا و ذا مغزى، أن يستغني عن التفكير، غير أن التفكير عملية صعبة تنفلت من كل رتابة ومن كل منهج.
الكسندر كويري:
التجربة الخام شكلت عائقا في وجه التطور العلمي
أما كويري فيؤكد على أن التجربة الخام شكلت عائقا في وجه التطور العلمي و لم تلعب أي دور في بناء المعرفة العلمية، أما التجريب وهو المسائلة العلمية للظواهر الطبيعية التي تفترض لغة رياضية و قاموسا يتيح التأويل هو الذي مكن العلم من التطور في فهم هده الظواهر .
ويؤكد على أن تجاوز تصور الكوسموس الأرسطي واستبدال المكان المجرد بالمكان الملموس هو الذي سمح بالقطيعة بين الفكر العلمي القديم و الكلاسيكي.
دافيد هيوم :
تقوم المعرفة كليا على التجربة
لا يرى دافيد هيوم فقط أن كل معرفة ينبغي أن تبتدئ مع التجربة، ولكن على المعرفة أن تقوم كليا على التجربة. فما يمكن ملاحظته هي الظواهر التي لا يمكن تفسيرها، وهو بذلك يرفض الفكرة القائلة إن المعرفة لا يمكن أن تقوم حول الجواهر التي هي مبدأ الوجود، فلا شيء يمكن معرفته قبليا أي قبل المعرفة القائمة على التجربة.
II.العقلانية العلمية :
بين العقل و التجربة ، بين الانسجام المنطقي الداخلي للنظرية ومطابقتها للواقع تمتد المسافة المعبرة عن إشكالية أساس العقلانية العلمية. فإذا كان العقل هو أداة بناء النظرية، فإن الواقع هو موضوعها. وإذن ما أساس العقلانية العلمية ؟ هل هو العقل ، أم التجربة، أم حوار بين العقل والتجربة؟وما هي المراحل التي قطعتها المعرفة العلمية والقطائع التي مرت بها؟ وما هو مفهوم العقل في التصور العلمي الحديث؟ هل للعقل محتوى سابق كما أكد على دلك التصور الكلاسيكي أم ليس إلا فعالية و نشاط بدون أي محتوى سابق؟ وهل هو عقل خارج التاريخ أم ينطبع بسمات كل مرحلة تاريخية وكل عصر...؟هانز رايشنباخ :
النزعة الصوفية والنزعة الرياضية :
إن المعرفة العلمية يتم التوصل إليها باستخدام مناهج معقولة لأنها تقتضي استخدام العقل مطبقا على مادة ملاحظة . غير أنها ليست عقلانية ، إذ أن هذه الصفة لا تنطبق على المنهج العلمي ، و إنما على المنهج الفلسفي الذي يتخذ من العقل مصدرا للمعرفة التركيبية المتعلقة بالعلم ، ولا يشترط ملاحظة لتحقيق هذه المعرفة .إن العالم الرياضي حين يدرك مدى نجاح الاستنباط المنطقي في مجال لا يحتاج إلى التجربة...تكون النتيجة نظرية للمعرفة تحل فيها أفعال الاستبصار العقلي محل الإدراك الحسي ، ويُعتقد فيها أن للعقل قوة خاصة به، يكتشف بواسطتها القوانين العامة للعالم الفزيائي .وعندما يتخلى الفيلسوف عن الملاحظة التجريبية بوصفها مصدرا للحقيقة ، لا تعود بينه وبين النزعة الصوفية إلا خطوة قصيرة. فإذا كان في استطاعة العقل أن يخلق المعرفة ، فإن بقية النواتج التي يخلقها الذهن البشري يمكن أن تُعد بدورها جديرة بأن تُسمَّى معرفة. ومن هذا المفهوم ينشأ مزيج غريب من النزعة الصوفية والنزعة الرياضية.
ألبير إنشتاين :
دور العقل في المعرفة العلمية
إذا كانت التجربة هي مبتدأ ومنتهى معرفتنا بالواقع ، فأي دور تبقيه للعقل في مجال المعرفة العلمية ؟ إن أي نسق كامل في الفيزياء النظرية يتألف من مفاهيم و قوانين أساسية ، ويتيح ربط هذه المفاهيم بالنتائج النظرية التي تترتب عليها، بواسطة الاستنباط المنطقي . وتلك النتائج هي التي يجب أن تتوافق مع تجاربنا الخاصة ...
وبهذا النحو تتحدد منزلة كل من العقل والتجربة. العقل يمنح النسق بنيته . أما معطيات التجربة فينبغي آن تتناسب مع نتائج النظرية تناسبا تاما. إن البناء الرياضي الخالص يمكننا من اكتشاف المفاهيم و القوانين و التي تمنحنا مفتاح فهم ظواهر الطبيعة . ويمكن للتجربة أن توجهنا في اختيارنا للمفاهيم الرياضية التي يتعين استعمالها ، إلا أنها لا يمكن أن تكون هي المنبع الذي تصدر عنه تلك المفاهيم . ولئن ظلت التجربة معيار المنفعة الوحيد لبناء رياضي في مجال الفيزياء ، فإن المبدأ الخَلاَّق في العام لا يوجد في التجربة ، بل يكمن في الرياضيات ، إذن فالفكر الخالص قادر على فهم الواقع .
جان بيير فيرنان:
العقل تاريخي
يرى فيرنان أن العقل هو ابن التاريخ وهو نسبي خاضع للشروط التاريخية التي ينتمي إليها فما يطلق عليه عقل هو أنماط معينة من التفكير تتغير حسب العصور و حسب المواضيع التي تفكر فيها، ويؤكد على انه ليس للعقل أية طبيعة مطلقة.
محمد أركون
المراحل الثلاث
أما محمد أركون فانه يسجل بأن العقل العلمي مر بثلاث مراحل:
-عقل لاهوتي قروسطوي
-عقل علمي كلاسيكي أمن للغرب تفوقه
- والآن يمر الغرب الى العقل النسبي النقدي متجاوزا العقل الكلاسيكي المعتمد على اليقينيات المطلقة.
وهدا ما يذهب إليه روني طوم حينما يؤكد على أن العقل العلمي الكلاسيكي اعتبر مع ديكارت أن العقل هو مطابق للعقل الإلهي وبالتالي فهناك مطابقة ضرورية بين العقل و العالم الطبيعي، إلا أن كانط تجاوز هدا حيث و اعتبر أننا لا يمكن أن نعرف العالم إلا من خلال ما تسعفنا به قدراتنا العقلية القبلية المتمثلة في المقولات القبلية السابقة في دهننا وبالتالي فكانط اخضع العالم و التجربة للعقل .
غير ان كانط و ديكارت يتفقان على أن العقل يحتوي على معطيات عقلية سابقة وهو ما تنفيه العقلانية العلمية المعاصرة التي تعتبر العقل ليس إلا دينامية أو نشاط أو فعالية بدون أي محتوى سابق أو قبلي
غاستون باشلار :
أساس العقلانية العلمية حوار بين العقل و التجربة :
ينتقد باشلار كل من النزعتين التجريبية و العقلانية ، ويرفض اعتبار الواقع المصدر الوحيد لبناء النظرية العلمية ، كما يرفض اعتبار العقل مكتفيا بذاته في بناء هذه النظرية . ويرى أنه لا يمكن تأسيس العلوم الفيزيائية دون الدخول في حوار فلسفي بين العالم العقلاني و العالم التجريبي ينبني على يقين مزدوج :
أولا : يقين بوجود الواقع في قبضة ما هو عقلي ، فيكون بذلك مستحقا لاسم الواقع العلمي
ثانيا : يقين بأن الحجج العقلية المرتبطة بالتجربة هي من صميم لحظات هذه التجربة
إن هذا اليقين المزدوج لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار فلسفة لها نشاطان يُمارسان عبر حوار دقيق و وثيق بين العقل و الواقع بحيث يصبح من المطلوب أن يتموقع العالِم في مركز يكون فيه العقل العارف مشروطا بموضوع معرفته ، وبحيث تكون فيه التجربة تتحدد بشكل أدق .
III- معايير علمية النظريات العلمية
من المفروض أن ترتبط كل نظرية بالواقع الذي تتولى وصفه أو تفسيره ، غير أن الطابع التركيبي للنظرية يجعل من المستحيل تقريبا التحقق من صدقها أو كذبها بواسطة التجربة . فما معيار صدق النظرية؟ هل هو انسجامها الداخلي؟ أم قابليتها للاختبار التجريبي ؟ وما قيمة تعدد الاختبارات ، وقابلية النظرية للتكذيب أو تأكيد صدقها ؟إن الواقع الذي يدرسه العلماء هو واقع مبني وليس معطى لإدراكنا الحسي المباشر، و معنى ذلك أن الفرضية العلمية لا تنطلق من الأحداث الملاحظة ، ولكن من الشروط الصورية للملاحظة، فبناء فرضية يقتضي تفسيرا و تحديدا دقيقا لتغيير الشروط الشكلية، فالفرضية تقتضي تجربة مثالية أو ( متخيلة) لتأكيدها عبر تحققها، واستعمال الميكروسكوب ليس امتدادا للعين كما يقول باشلار ولكنه امتداد للفكر المبدع عبر قلب وسائل الإدراك والملاحظة. و بعض التجارب المثالية لإينشتاين يمكن تمثلها بشكل أفضل في الهندسة اللاأوقليدية حيث لا وجود للخط المستقيم( هندسة ريمان). كما أن ثورة كوبرنيك المشهورة قبل أن تصبح نظرية ، قد عملت على تغيير معطيات الملاحظة الفلكية فأنتج تصورا مخالفا للواقع الفلكي .
إذا كانت التصورات العلمية السابقة تجعل من التجربة وسيلة لفحص صدق وصلاحية النظرية فإن التطورات العلمية المعاصرة وخاصة في الميكروفيزياء فد قلبت هذه المعادلة بحيث أصبحت النظرية هي التي تفحص صلاحيات التجربة. باعتبار أن الفرضية هي نظرية غير مكتملة، و العودة إلى التجربة لا يعني التحقق التجريبي من النظرية ولكن كما يقول كوايرى الفحص النظري للتجربة.
دوهيم
معيار صلاحية النظرية هو التجربة :
يرى دوهيم أن التجربة هي منبع النظرية بحيث تشكل نقطة انطلاق النظرية العلمية ، منه تستمد معطياتها المصاغة صياغة كمية ورمزية رياضية في صورة معادلات ودوال . كما أن التجربة تشكل نقطة الوصول بالنسبة للنظرية العلمية ، إذ بواسطتها يتم التحقق من صدق أو صلاحية النظرية أو كذبها. هذا موقف العلماء التجريبيين حيث يعتبرون أن معيار صلاحية النظرية يتحدد في مطابقتها للواقع من خلال القوانين التجريبية .
. يقول ستيفن هوكينغ " لم أسمع عن أي نظرية كبرى قد طرحت على أساس التجربة فحسب، فالنظرية هي التي تأتي دائما أولا،وتطرح بسبب الرغبة في الحصول على نموذج رياضي رائع ومتسق. ثم تعطي النظرية تنبؤات، وهذه يمكن اختبارها بالملاحظة، وإذا اتفقت الملاحظات مع التنبؤات فإن هذا لا يبرهن على النظرية، وإنما تظل النظرية باقية لتصنع تنبؤات جديدة، تختبر مرة أخرى بالملاحظة. وإذا لم تتفق الملاحظات مع التنبؤات نتخلى عن النظرية
كارل بوبر
النظرية العلمية هي النظرية القابلة التكذيب:
تبدو هذه القولة تلخيصا لنظرية كارل بوبر المنهجية يقول بوبر:
" بدأ عملي في الفلسفة منذ خريف 1919 ، حينما كان أول صراع لي مع المشكلة التالية: متى تصنف النظرية على أنها علمية؟ وهل هناك معيار يحدد الطبيعة أو المنزلة العلمية لنظرية ما؟ ولم تكن مسألة متى تكون النظرية صادقة قد أقلقتني آنذاك؟ و لا متى تكون مقبولة؟ كانت مشكلتي شيئا مخالفا إذ أردت أن أميز بين العلم والعلم الزائف /شبه العلم. وأنا على تمام الإدراك أن العلم يخطئ كثيرا، والعلم الزائف قد تزل قدمه فوق الحقيقة ."
لقد قلب كارل بوبر معادلة التجربة والنظرية فبعد أن كانت التجربة تستعمل من أجل التحقق من النظرية وصدقها ، فإنها أصبحت تستعمل للتفنيد والتكذيب، باعتبار أن توفير ألف حالة لا تثبت النظرية، ولكن بالمقابل حالة نفي واحدة تحسم في القول بكذب النظرية، ولذلك يقول بوبر " لن استطيع الزعم بأن نظريتي لها خاصية النظرية التجريبية ، إلا إذا كنت أستطيع أن أقول كيف يمكن تفنيد نظريتي أو تكذيبها . هذا المعيار للتمييز بين النظريات التجريبية والنظريات اللاتجريبية هو المسمى معيار القابلية للتكذيب أو معيار القابلية للتفنيد أو ما يمكن أن يُطلق عليه معيار القابلية للاختبار و النظرية التي تعرف مقدما أنه لا يمكن تبيان العيب فيها أو تفنيدها لهي نظرية غير قابلة للاختبار ...
بيير تويليي :
معيار صلاحية النظرية هو تعدد الاختبارات :
ينتقد تويليي النزعة التجريبية ويعتبرها نزعة اختزالية تبسيطية إذ القول بأننا نستنبط من النظرية نتائج قابلة للتحقق التجريبي ، بوضعها مباشرة تحت الاختبار ، أمر مبسط جدا ويصعب تصديقه. فالتحقق التجريبي في نظره لا يعطي دلائل قطعية ، وإنما يعطي فقط تأكيدات غير مباشرة وتكون جزئية ومعرضة دائما للمراجعة. لكن بفضل تنوع الاختبارات التجريبية والمقارنة بينها ، يكون الفحص أكثر فأكثر تشديدا .
لا يشكل الفحص التجريبي إذن ،إلا فحصا بين فحوص أخرى، ذلك أن اختبارات التماسك المنطقي للنظرية الواحدة أو ما بين نظريات عديدة ، تبقى لها مكانة مركزية في التكوين الفعلي للعلم .
خلاصة :
- إن التجريب هو انفتاح على الواقع وعلى الخيالي وعلى الافتراضي ذلك أنه عندما يستحيل التجريب الواقعي يتم اللجوء إلى التجربة الذهنية الخيالية
- إن أساس العقلانية العلمية يتراوح بين العقل والتجربة أو بين الحوار بينهما لأنه لا وجود لنظرية علمية عقلية خالصة ، كما أنه لا وجود لتجربة علمية مستقلة عن العقل .و من ثمة فإن انغلاق النظرية على ذاتها هو فناؤها ، كما أن انغلاق العقل على ذاته هو عزلته ونهايته .
- إن تعدد معايير صدقية النظريات العلمية يرجع بالأساس إلى تعدد وتنوع التصورات الفلسفية . وكل تصور يبقى منسجما مع منطق نسقه المذهبي.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.