اقتلوا المدرس أو اطرحوه أرضا... !
المصطفى سالمي
حل الوباء المفزع (كورونا) وتوقفت الأنشطة الرياضية في مغربنا، وقبلها أجريت قليل من المباريات الرياضية دون جمهور رغم أهمية بعضها كمباراة نهضة بركان والمصري البورسعيدي في الكونفديرالية الأفريقية، وكان المبرر هو الخوف على حياة الجماهير المزدحمة في المدرجات، وسرت همهمات وهمسات في أوساط المدرسين والمتعلمين من الطلبة والتلاميذ بأننا متكدسون في أماكن مغلقة وليس في فضاء منفتح كالملاعب ولساعات طوال وأغفلتمونا أو أخرتمونا، ولكن المدرس انكفأ على وجهه فلا أحد أعطاه
الأولوية إلى أن أغلقت فرنسا مدارسها ثم بعض جيراننا وقليل من المشارقة كدولة (قطَر)، حينها تم الإعلان عندنا عن وقف الدراسة بعد أن كانت الحكومة تُصدر الإعلانات بأنْ لا صحة لإشاعات وقف الدراسة، هذا رغم أن أغلب المدرسين كانوا يتمنون مجرد أمنية أن لو تم إبلاغهم بيومين أو ثلاثة بهذا التوقف المفاجئ حتى ينجزوا الفروض، ولكن من هم "هؤلاء المدرسون" حتى يتم إخبارهم مسبقا بمثل هذه القرارات فبالأحرى إشراكهم فيها، وهي القرارات التي ربما لا تعلم حتى الحكومة بمواعيدها!
وتوقفت الدراسة إلى أجل غير مسمى، أو بالعبارة الحكومية "حتى إشعار آخر"، وصدرت عبارات من قبيل أن الأمر لا يتعلق بعطلة وإنما هو توقف سيواكبه إعطاء دروس عن بعد، ثم طولبت الأطر الإدارية والتربوية بالحضور المستمر للمؤسسات التعليمية التي ستظل مفتوحة ليجد المدرس نفسه فاغرا فاه مندهشا من غرابة هذا القرار، فهل سيتوجه هذا الأستاذ لأقسام مغلقة فارغة غير معقمة ليجالس الطاولات والسبورة؟ أم سيزاحم الحراس العامين في مكاتبهم أم سيتكدس المدرسون في قاعة يتيمة "تُسمّى مجازا قاعة الأساتذة" وإن هي إلا قسم تمّ تحويله لمكان جلوس في فترة الاستراحة التي لا تتعدى في اليوم خمس دقائق؟ ثم ما فائدة هذا الجلوس الجماعي الذي هو أشبه بجلسة العزاء؟ هل ستتم مناقشة وباء (كورونا) الأسباب والنتائج والحلول؟! أم سيقدم المدرسون لبعضهم البعض دروسا تعليمية؟ أليس في هذا التجمع تعريضا للحياة البشرية للخطر؟ أليس هذا شروعا في القتل المادي للمدرس بعد عمليات القتل المعنوي له بالاقتطاعات وتجميد الأجور وسلب الشواهد قيمتها ودورها في الترقية وبالاكتظاظ والمذكرات المكبلة المقيدة التي تحذر المدرس من إرهاب التلميذ وتعنيفه وتضخيم أي فعل بسيط من المدرس اتجاه التلميذ وتسليط الضوء عليه وغض البصر عن الاعتداءات الممارسة عليه وإيجاد التبريرات الواهية لها...
تُرى ما قصة الحكومة عندنا مع المدرس؟ في بداية أزمة (كورونا)تحولت المدارس إلى مكان للبهرجة الإعلامية تحت مسمى "حملات تحسيسية" ومشهد الماء والصابون السائل الذي يقي من الوباء وطرق غسل اليدين، وحيث المدرس يشرف على العملية التي صُوّرت كأنها السيف الفتّاك على رقبة "كورونا" في شكل فج مثير للسخرية لم يكلف هؤلاء سوى خمسة دراهم عن كل قنينة وكاميرا التصوير التي يمكن تعويضها بهاتف ذكي وها أنتم أنجزتم تقريرا هزليا عبثيا في وقت تخصص الدول التي تحترم نفسها مليارات الدولارات لمواجهة خطر يهدد الأمم في وجودها.
إن المدرس عندنا أصبح مثل البهلوان أو المهرج، فهو الذي يشرف على حملات السلامة الطرقية وعلى الأنشطة المسرحية والرياضية وعلى يوم الشجرة وأعياد العالم شرقه وغربه ـ وهذا واجبه ومن ضمن اختصاصاته حتى لا يُساء فهمنا ـ ولكنه يلاقي جزاء "سنمار" دائما، إذ حين يأتي وباء داهم سماه العالم "الجائحة" (أي بلغة جداتنا "الجيحة") أريدَ للمدرس وحده أن يُذبح في مسلخ الأحقاد والدونية والاحتقار، ألم يلاحظ مسؤولونا أن اللجان الصحية العالمي التي تناقش الوباء اللعين تجتمع عبر المرئي وعن بعد خوفا على أرواحهم، فلماذا إذن يراد للمدرس أن يُرمى إلى التهلكة؟ ولماذا استكثروا عليه أن يُحضّر دروسه عن بعد ويتواصل مع المتعلمين عبر الأنترنيت والإصرار فقط على حضوره للمؤسسة وعلى الاختلاط بين الأطر التربوية والإدارية، مع أن الأخيرة وإن كان أفرادها لا يتعدون أصابع اليد الواحدة في العدّ إلا أن المبرر قد يكون شهادة مدرسية أو شهادة مغادرة وما إلى ذلك مما لا يرقى ليجازف الإداري بحياته من أجله، لكن مبرر الأطر التربوية لا يفسره إلا النية المبيتة وسوء الطوية.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.