"التعليم عن بعد" بين الدرس اللغوي ودرس التعبير والإنشاء!
أستاذ بالتعليم الثانوي التأهيلي
من الدروس المقررة عند عدد من الأقسام، كالأولى باكالوريا علوم، "التمني"؛ وهو طلب حصول شيء مستحيل أو في حكم المستحيل وقت الطلب، ومن أدواته المستعملة "ليت"؛ فتقول مثلا: ليتني أطير.
وقد لاحظ البلاغيون أن مما يُطلب ما يكون ممكنا ولكنه صعب المنال، فسموا هذا النوع من الإنشاء الطلبي "رجاء"، ومن أدواته "لعل"؛ فتقول مثلا: لعلي أصير أغنى رجل في المغرب.
فإذا فرغت من إفهام التلاميذ هذا، يمكنك أن تأتي بتطبيق لتختبرهم، فتطلب منهم مثلا أن يختاروا الأنسب من الأساليب (تمني، رجاء، إخبار) بحسب السياق:
1. ستنجح تجربة "التعليم عن بعد" في بلادنا خلال فترة توقيف الدراسة.
2. ليت تجربة "التعليم عن بعد" تنجح في بلدنا خلال فترة توقيف الدراسة.
3. لعل تجربة "التعليم عن بعد" تنجح في بلادنا خلال فترة توقيف الدراسة.
إذا فرغت من إحصاء الإجابات، فمن المتوقع أن تجد النسبة الأكبر من الإجابات قد اختارت التمني، تليها التي اختارت الرجاء؛ وربما لن تجد من اختار الجملة الإخبارية التقريرية.
وإذا طلبت التعليل من تلميذ: لماذا اخترت التمني؟ سيكون الجواب: لأن الأمر مستحيل، حيث نفتقد إلى أبسط شروط إنجاح ذلك.
وقد يجيب آخر، ممن اختاروا الرجاء: إنه ممكن يا أستاذ، ولكنه صعب التحقق.
وبالطبع، لا أنصحك بالدخول معهم في التفاصيل (وأنت في درس علوم اللغة) لماذا ذلك؟ وإنما أنصحك أن تستثمر ذلك، وتحتفظ بهذا الموضوع إلى درس التعبير والإنشاء، في مهارة "توسيع فكرة" مثلا، أو "الحكم والتعليق"، فتطرحه في الصيغة التالية (كفكرة للتوسيع):
فكرة للتوسيع: آفاقه "التعليم عن بعد" في المغرب وتحدياته
فتشتغل مع التلاميذ في (القسم الحقيقي) ينظرون إليك وتنظر إليهم، تسمع أصواتهم مباشرة ويسمعون صوتك، يتفاعلون معك وتتفاعل معهم، تروح بينهم وتغدو، تكتب على السبورة، تخط، تسطر، تمثل، تحاكي... فتعمل معهم على:
1. فهم الفكرة، عن طريق مناقشتها وتحديد محاورها. ثم..
2. استحضار الأفكار (عن طريق تقنية العصف الذهني) وتسجيلها على السبورة (الحقيقية).. ثم
3. تنظيم تلك الأفكار، وإيجاد العلاقات بينها، ثم..
4. وضع تصميم لها، في تسلسل ونظام، في مقدمة، وعرض، وخاتمة.
ثم تطلب من بعض التلاميذ أن يسمعك بعض الصياغات الشفهية لبعض المقاطع من الموضوع، وتقدم ببعض الإرشادات والتوجيهات التي ستساعهم على:
5. صياغة الموضوع في المنزل.
فإذا مر الأسبوع، والتقيت بالتلاميذ في حصة التعبير والإنشاء، رفعوا أيديهم يطلبون الإذن بالقراءة، فتستمع إليهم ويستمع بعضهم إلى بعض، وتقومون بتقويم الإنجازات، والتي من المتوقع أن يكون بعضها على هذا المنوال:
آفاقه "التعليم عن بعد" في المغرب وتحدياته
لقد اعتمدت وزارة التربية الوطنية مبادرة جديدة في مجال التعليم، تتمثل في "التعليم عن بعد"، وهي مبادرة رائدة، جاءت بعد توقيف الدراسة، كإجراء للحد من تفشي فيروس كورونا بين المغاربة. فما هي آفاق هذه المبادرة، وما هي التحديات التي تحول دون نجاحها؟
يمكن القول، بأن "للتعليم عن بعد" آفاق واعدة، تتمثل في استمرار التحصيل الدراسي بالرغم من غلق المدارس، حيث سيتسنى للمتعلمين متابعة دروسهم على مواقع خاصة لهذا الغرض، يجدون فيها كل ما يهمهم من دروس في مختلف المواد، كما يمكنهم التواصل مع أساتذتهم مباشرة وتلقي الدروس منهم والتفاعل معهم... فلا يفوتهم شيء خلال هذه الفترة التي يعرف فيها المغرب حجرا صحيا.
ولكن، وللأسف، تحول العديد من العقبات دون تحقيق هذه الآفاق، حيث إن تنزيل هذه المبادرة (والتي يمكن نعتها بالتجربة) قد اعتراه عدة مشاكل؛ منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. العجلة في تنزيل هذه التجربة دون مشاورة مع الهيئات الفاعلة والأطراف المعنية، أو إخبار قبلي لها، تعمل فيه على توضيح الرؤية، والأهداف، والطرق.
2. عدم إعداد الموارد الرقمية اللازمة لنجاحها، حيث إن هذه الأخيرة لا تزال قليلة جدا بعد مرور عدة أيام على بداية العملية، والظاهر أنى ستبقى كذلك.
3. عدم توفير الوزارة العدة اللازمة للأستاذ ليستطيع المشاركة في هذه التجربة (حاسوب، أنترنت، كامرا، برامج خاصة...تدريب)، فهي تدعوه إلى المشاركة دون أدنى دعم منها.
4. عدم توفير العدة اللازمة للتلاميذ (حاسوب، أنترنت،.. تدريب)؛ فهي كذلك تدعوه إلى متابعة الدروس على الأنترنت، وتفترض أن كل التلاميذ يتوفرون على هذه الأشياء.
5. ...
وهذا كله، وغيره، جعل الأمر أشبه بالركض في الظلام الدامس، لا تملك إلا أن تتخبط يمينا ويسارا، وتكع وتترنح... لا تدري إلى أين تتجه.
بل إن بعض هذه السلبيات من شأنه زرع مشاعر سلبية جدا في نفوس المعلمين والمتعلمين. فإذا أخذنا المتعلم على سبيل المثال، قد ينتج عنده إحساس بالدونية كونه لا يتوفر على ذلك الجهاز أو تلك التقنية، في حين أن غيره يتوفر عليها، وهذا سيولد نوعا من الكره نحو الآخر، الذي يراه مستفيدا ومتابعا لدروسه، بينما هو محروم من ذلك، كما حرم من أمور أخرى.
ومنه، وبحسب رأيي المتواضع، إن هذه المبادرة "للتعليم عن بعد" في ظرفنا الحالي، هي أشبه بالمهمة المستحيلة، التي كان على الممثل الأمريكي "طوم كروز" وضعها ضمن مهامه المستحيلة التي قام بها.
كما أرى، أن الأفضل أن تتجه الوزارة إلى حل بسيط، وهو التخفيف من الدروس المقررة، بالتعديل على بعضها أو بحذفه، بما يتناسب مع الزمن الذي ستتوقف فيه الدراسة. وعلى الجميع أن ينخرط في هذا الطرح: تلاميذ، عبر جمعيات أولياء أمور التلاميذ الممثلة لهم، وأساتذة عبر مجالس المؤسسة، ومفتشين... كل بحسب موقعه؛ راجين من الله أن يرفع هذا البلاء في القريب، وإلا فلا التعليم عن بعد ينفع ولا حذف الدروس.
وأخيرا.. تنتهي حصة تقويم الإنتاجات في درس التعبير والإنشاء في "مهارة توسيع فكرة"، مع أمل أن يكون كل التلاميذ قد استفادوا من الحصة، في قسم حقيقي، وليس ((افتراضيا)).
كما ستلاحظ عند دعمك للمتعثرين في درس "التمني" أنه من السهل عليك ذلك، حيث سيكون المتعلمون قد فهموا جيدا جوهر هذا الأسلوب الإنشائي الطلبي: وهو طلب حصول شيء مستحيل أو في حكم المستحيل وقت الطلب.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.