المتعلمون بين التعليم عن بعد والبعد عن التعليم
بقلم ذ.محمد الضاوي
أستاذ علوم الحياة والأرض بثانوية أزود التأهيلية أزيلال
لقد أبان المعلم والطبيب عن أهميتهما البالغة في المجتمع، إذ يخرج من رحم مهنة الأول كل المهن، وتكفل مهنة الثاني صحة وحياة أرباب وأصحاب كل المهن، فأولى أن يُكْرَم المعلم أولا ثم الطبيب ثانيا ثم باقي المهن، قال الناظم:
المعلم والطبيب كلاهما
لا ينصحان إذا هما لم يُكْرَما
فاصبر لدائك إن جفوت طبيبه
واصبر لجهلك إن جفوت معلما
فحجم المحنة التي يمر منها بلدنا الحبيب، كبير من جراء ما يجتاحه من وباء، كما نقدِّر رحابة الحرص على التعليم عن بعد، فهل يا ترى سيؤدي التعليم عن بعد مَهمته؟ أم سيجعلنا نستشهد بهذا البيت في حال مقارنته مع التعليم من خلال القسم:
أرأيت أن السيف ينقص قدره
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
نود أن نكون جد موضوعيين في تحليلنا للأمور، في التعامل مع قضية التعليم عن بعد، دون أن نمرق كمروق السهم من الرمية، ولا كالتي نقضت غزلها، ولا كالطبيب الذي أمرض أو أرمض فأوجع من حيث أراد أن يشفي المرض أو يطفئ رمض الوجع.
التعليم عن بعد بغض النظر عن صفاته ومواصفاته وإيجابياته وعَدِّه وعِدِّه وعُدَّته، فهو كالوزرة التي فُصِّلت وخُيِّطت وحُضِّرت على مقياس فئة معينة من المتعلمين، أما البقية والتي تمثل السواد الأعظم من المتعلمين نرى أن قماش الوزرة قد نفذ، فبقيَتِ البقيّة عارية بالمفهوم البيولوجي وليس الشرعي.
نحن نعلم وجد متأكدين أنَّ مِن المتعلمين من ساير متابعة دروسه من منزله المرتبط بالإنترنت ذو الصبيب الدفاق المتدفق السريع واللامحدود، كما كان بإمكانه أن يتابع حصصه الصباحية من هاتفه أو حاسوبه أو لوحته المرسوم عليها تفاحة، وبعد أن تناول موزة وتفاحة، وبعد تناول وجبته المحترمة بكل اشكال التوازن الغذائي، مائدة مأهولة بما لذَّ وطاب بالفواكه والرُّطب، وطردا للملل وبَعد الإستراحة، قد يتابع حصته الزوالية بعد أن اختار واحدا من هذه الأجهزة الإلكترونية المتنوعة والمتوفرة كلها لديه، وهو على أريكة يطل منها عبر نافذة كبيرة على مسبح أو حديقة غسيحة بمنزل أسرته الفسيح أيضا هو كذلك، الذي يقضي فيه وأسرته حجرا صحيا من فئة نزل أو فندق من خمس نجوم، فهنا لب الصواب وكبد الحقيقة قد أصابه التعليم عن بعد.
لكن في المقابل كذلك، هناك من التلاميذ فئات من لا يتوفرون لا على حاسوب ولا لوحة ولا هاتف، بل لديهم ألواح خشبية أوحجرية، يُكتب عليها بالطباشير، كما أن من الأسر المغربية من لهم أبناء وحال العوز والفقر والفاقة، والقهر الإجتماعي المستمر عليهم، وقلة ذات اليد بينهم وبين الدروس عن بعد، كذلك هناك فئات من المتعلمين، من لم يصلهم الربط بالكهرباء إلا مؤخرا، فأين هم من شبكة الإنترنت.
إننا نكاد بل نجزم، أن كل رجال التعليم قد أسهموا خلال الأسابيع الماضية وفي إطار الإستمرارية البيداغوجية عن بُعد عبر وسائل التواصل الإجتماعي مع بعض الناشئة من أجل مسايرة الدروس لتعويض الحضورية بغية النجاح، سواء عبر الفيسبوك أو الواتساب أو الأنستاغرام .. ولكن أي نجاح هذا الذي لا يشمل الجميع بتكافؤ الفرص؟
إن التعليم عن بعد، وإن كان قَرَّبَ التعليم من المتعلم لدى فئة من المتعلمين، فلدى فئات أخرى قد كان بُعدا عنه، وهذا هو التَّفيِيء وِفق البيداغوجية الفارقية، ولكن ليس بالمفهوم التربوي الخلاَّق.
إن علم النحو يهذب لغة المرء عند نطقه، وقد قال الناظم:
قد حرف تحقيق مع الماضي فَعِ
وقد حرف تقليلٍ مع المضارعِ
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.