نمودج لتحليل القولة الفلسفية
يقول ديكارت ( انا موجود مادمت افكر ,فمتى انقطعت عن التفكير انقطعت عن الوجود )المطلب
اشرح مضمون القولة مبينا أبعادها
ذ ابن عبدالله
المقدمة
/// لقد كان الانسان دوما محط الاهتمام من طرف التفكير الفلسفي مند ظهوره مع اليونان القديمة , وعبر تاريخ الفلسفة الى اليوم . وهدا الاهتمام شمل جميع مستويات وجود هدا الكائن سواء في وجوده الشخصي او في وجوده الاجتماعي . والقولة التي نحن بصددها نموذج فلسفي لهدا الاهتمام . فعند قراءتنا الفاحصة لها نفهم انها تنصب حول قضية من اهم قضايا الوضع البشري وهي بالضبط اشكالية الشخص ( الانا ) كمفهوم فلسفي ومن خلال معالجة قضية مصدر هويته كذات وربطها بالفكر . ونحن نعلم ان هده الاشكالية كانت ولازالت من اعقد القضايا الفلسفية التي عالجتها الفلسفة واختلفت حولها الآراء والمواقف الى اليوم فمنهم من ربطها بالجسد ومنهم من يقول بالانتماء الاجتماعي اوالثقافي او بالذاكرة او الارادة وغيرها.... . وانطلاقا من هدا سنحاول ان نحلل القولة بشرح مضمونها وبيان ابعادها كما هو مطلوب منا منطلقين من الاشكالات الاتية .ماهي محددات الهوية الشخصية حسب القولة؟ وما مصدرها؟ وهل يمكن اعتبار الفكر العنصر الوحيد الذي تصدر عنه كما يدعي صاحب القولة ؟ام ان هناك امكانية وجود عناصر اخرى تكون مصدر لهده الهوية غير الفكر؟
العرض
1- تحليل القولة
ارتباطا بما قلناه على مستوى التقديم فان الفلسفة كتفكير عقلي اتخذت الانسان وقضياه موضوعها الأساس ,والقولة التي نحن بصددها نموذج ودليل على هدا الادعاء,ولكي نستجلي اطروحتها الاساسية لابد لنا ان نؤكد في البداية على ان القولة ومن خلال مفاهيمها الصريحة (الانا /الفكر /الوجود) تؤكد على ان الهوية الشخصية للانا ترتبط بالفكر باعتباره عنصرا ثابتا في فيها . ولابد لنا ايضا لكي نلج داخل القولة ان نعمل على تفكيكها والاشتغال على بنيتها المفاهيمية . فالقولة تتكون من المفاهيم التي حددناها اعلاه .نشرحها كما يلي :فالأنا يشير في معناه الفلسفي الى حقيقة الشخص الثابتة والحاملة لكل الحالات النفسية والفكرية كما يدل ايضا على الجانب الواعي في شخصية هدا الكائن . وفي ارتباط بهدا المفهوم جاء مفهوم الفكر ويقصد به تلك العمليات العقلية التي تمارسها الانا كالشك والفهم والتصور والإثبات والنفي والإرادة ..... وأخيرا يأتي مفهوم الوجود ليعني في دلالته الفلسفية وحسب صاحب القولة الكينونة , ويطلق على الكون الذي يتشكل من ظواهر طبيعية كما يمتد معنى الوجود هنا ليدل على وجود الانا , بمعنى انبثاقها في هدا العالم .اما المنطلقات المنطقية للقولة فتتشكل من قضيتين متلازمتين وهما :(انا موجود ) والقضية الثانية (ربط هدا الوجود بالفكر ) والبرهان الدي تستند اليه القولة لتأكيد هاتين القضيتين هو استحالة الوجود بدون الفكر {متى انقطعت عن الفكر انقطعت عن الوجود} . وهدا ما يسمى بالبرهان المباشر كاستنتاج ينتهي اليه صاحب القولة –ديكارت- . فالعلاقة الضرورية بين وجود الانا والفكر يجعل الهوية لا اساس لها بدون عنصر التفكير ,بل ان الانا يفقد ماهيته ولامعنى له وهدا ما يسمى منطقيا بالعلاقة بين المقدمة والنتيجة فالمقدمة هنا هي /انا موجود مادمت افكر/والنتيجة هي /متى انقطعت عن التفكير انقطعت عن الوجود/ننتهي ادن مع صاحب القولة الى ان الهوية الشخصية ترتبط بعنصر واحد وثابت في الشخص ( الانا) وهو الفكر . بمعنى لاشيء يثبت هده الهوية غير الفكر يقول ديكارت / انا افكر ادن انا موجود/فالفكر هو ما يثبت وجود الانا ككائن واع وقادر على الفهم والتصور والإثبات وبدون هده العمليات فالأنا يفقد هويته وشعوره بذاته .
هكذا نفهم مع صاحب القولة ان الهوية هي ما يجعل الانا يحقق تطابقا كليا مع ذاته ويدرك انه هوهو نفس الشخص في كل زمان حياته والدي منح له هدا الادراك هو قدرته على التفكير . ادن الفكر هو اساس هوية الشخص والآن هل فعلا الفكر وحده ما يشكل الهوية ؟اليست هناك عناصر اخرى قد تكون مصدرا لها غير الفكر؟اليس الكائن الانساني كائن يشعر ؟ مادا عن الشعور ؟ هل نقصيه ؟ اليست الحواس هي ما يجعل الشخص يشعر بذاته ووجوده ؟
2-المناقشة
هدا بالضبط ما جعل مثلا الفيلسوف الانجليزي جون لوك ان ينتقد هدا التصور العقلاني ليؤكد في المقابل على ان الشخص وان كان فعلا كائنا مفكرا وواع بذاته إلا ان هدا الوعي له مصدر اخر غير الفكر . فالفكر بالنسبة له وعلى خلاف صاحب القولة لا يعتبر مصدر الوعي بالذات .انما مصدره الشعور الدي يكون لديه عن افعاله الخاصة حيث لا يمكن ان نفصل بين الشعور والفكر بل ان الشعور ضروري وأساسي للفكر . وحجته في دلك هي انه لا يمكن لأي كائن بشري ان يدرك دون ان يشعر بانه يدرك وهدا الشعوره والدي يشكل بالنسبة لجون لوك هوية الشخص .
وهكذا يحقق الشخص تطابقا مع ذاته ويكون هوهو ويدرك ايضا تميزه عن الاخرين . بل دهب لوك ابعد من هدا ليرى انه كلما امتد هدا الشعور ليصل الى الافعال الماضية اتسعت وامتدت هوية الشخص لتشمل ذاكرته لان الفعل الماضي صدر عن الذات نفسها التي تتذكره في الحاضر. هنا مكمن الاختلاف بين الموقفين ففي الوقت الدي اقصى فيه صاحب القولة دور الشعور واكتفى بالفكر.جون لوك وان كان لم يقصي الفكر فانه جعل مصدر الهوية هو الشعور وليس الفكر فالفكر لا معنى له قبل الشعور .
ومع استمرار هدا الجدل حول اساس الهوية يبرز فيلسوف اخر له من المكانة الفكرية والفلسفية ما يجعلنا ان لا نغفل عن ذكره هنا . اغناءا للنقاش وكدا ابراز ما لهده الاشكالية من اهمية فلسفية .وهدا الفيلسوف هو ارتر شوبنهاور الدي جاء بتصور مختلف تماما عن الموقفين السابقين . فقد انطلق هو الاخر من اعتبار ان الهوية الشخصية هي دلك العنصر الثابت في الشخص الانساني مادام الفرد يكبر ويشيخ ولكنه يشعر في اعماقه انه مازال هوهو كما كان في شبابه وحتى في طفولته . إلا انه عارض الموقفين في ما ذهبوا اليه . فقد عارض فكرة ربط الهوية بالفكر كما في القولة فالفكر عنده لا يعدو ان يكون مجرد وظيفة بسيطة للمخ . كما عارض لوك أيضا فالشعور والذاكرة غير ثابتان دائما فالكثير من الاحداث الماضية يطويها النسيان . كما أن اصابة في المخ قد تحرم الشخص من ذاكرته بشكل تام , ولكن مع دلك لا يفقد هويته ,فالهوية ثابتة تتمثل في الارادة .
يقول : الشيء الوحيد الدي أعرفه هو أنني أريد أولا أريد .
الخاتمة
أمام هده التصورات المختلفة حول اشكالية الهوية الشخصية نفهم أن هده القضية ليست بسيطة بل فيما أعتقد هي بنية مركبة تتشكل من عناصر متعددة تميز الانسان ككائن يعتبر من أسمى الكائنات الطبيعية وأرقاها لما يتوفر عليه من سمات وقدرات تتجلى في الخصائص الجوهرية والثابتة فيه كالعقل والشعور والإرادة وذاكرة ووعي....الخ تجعل منه كائنا متميزا يصعب ان نحصر هويته في عنصر بعينه . ما هو ثابت الآن لدينا ان الشخص له هوية أيا كان مصدرها سواء كان هو العقل أو الشعور أو الارادة أو غيرها . ادا كان هدا الأمر واضح لنا يحق لنا أن نتساءل اين يستمد الشخص قيمته ؟ما الذي يجعله من أسمى الكائنات في الوجود ؟ اتمنى لكم التوفيق.
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.