الكرة الذكية واللعب الغبي ـ قصة قصيرة

الإدارة مايو 18, 2020 مايو 18, 2020
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

الكرة الذكية واللعب الغبي 


نورالدين الطويليع 
نزل الفريقان إلى أرضية الملعب الذي امتلأت مدرجاته عن الآخر بالجمهور، تعالت الهتافات المشجعة لهذا الفريق أو ذاك، ودخل المشجعون في حمأة صراع تبادلوا فيه شتى أنواع السب والشتم، ووصل الأمر إلى الاعتداء الجسدي على بعضهم بعضا، في وقت انطلقت فيه المباراة، ولم يعر اللاعبون ما يجري في المدرجات أي اهتمام، وصرفوا عنايتهم كلها إلى اللعب، وإلى الجري وراء الكرة، والتفكير في الجائزة المخصصة للفائز، وهي عبارة عن أجرة شهرية مدى الحياة، تقدر بملايين السنتيمات.
     منذ البداية بدت كفة الفريق الأخضر راجحة، راوغ لاعبوه، حصنوا دفاعهم، احتفظوا بالكرة، تسللوا إلى مربع العمليات بتغافل من الحكم، سجلوا مثنى وثلاث ورباع بطريقة غريبة لم يشهدها عالم الكرة من قبل، كانت الكرة، وبمجرد ما يلمسها أحدهم تنطلق مدوية صوب الشباك كما لو قذفتها فوهة مدفعية، فيما انهار الفريق الأحمر، وخارت قوى لاعبيه الذين تساقطوا تباعا بعدما أتعبهم الجري وراء كرة كلما اقتربوا منها تدحرجت بعيدا عنهم.
      انتهت المباراة بفوز ساحق للفريق الأخضر الذي احتفل أنصاره بالانتصار، ورددوا الآية القرآنية: "وما رميت إذ رميت، ولكن الله رمى"، واعتبروا ما حصل نصرا إلهيا مؤزرا، وذهب بعضهم بعيدا حينما قال إنه شاهد الملائكة في أرضية الملعب، وهي من رمت وسجلت.
انصرف الجميع، وتسلم الفائزون جوائزهم المليونية، وأعلنوا اعتزال اللعب، وتواروا عن الأنظار، وقطعوا صلتهم بجمهورهم الذي انقسم ما بين مستمر في مناصرة الفريق الذي لم يعد فريقا، وما بين معلن سخطه وتدمره وندمه على ما أضاعه من وقت في مساندة لاعبين يفتقدون إلى خصلة الوفاء لجمهورهم.

   مرت سنوات، وفي حديث تلفزيوني عابر، قال منظم الدوري إن مباراة الفريقين الأخضر والأحمر لم تكن سوى مباراة فلكلورية، واعترف باستخدام كرة ذكية، كان تسييرها من غرفة عمليات خارج الملعب، وكان المسير يوجهها صوب رجل لاعب الفريق الأخضر، وبمجرد ما كان يحاول هذا الأخير قذفها كانت آلة التحكم عن بعد تمارس فعلها في تمرير الكرة، وفي التصويب صوب الشباك، وأضاف هذا المشرف أنه، جرى وضع مخدر فعال في وجبة الغذاء للاعبي الفريق الأحمر، ولذلك انهاروا تماما. وختم كلامه قائلا: "نحن من نصنع نتائج المباريات، ومن تعتبرونهم لاعبين ليسوا سوى كومبارس يؤدون الدور الذي نريد بالطريقة التي نبتغي، ثم ننهي مشوارهم، ونرسلهم إلى دكة الاعتزال، ليتركوا المجال للخلف، وليستمر اللعب والتشويق، ويتجدد الجمهور، وتتناسل الانتظارات والتكهنات

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/