شهادة في حق أساتذتي ـ نورالدين الطويليع

الإدارة سبتمبر 04, 2020 سبتمبر 04, 2020
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

 شهادة في حق أساتذتي



 ـ نورالدين الطويليع


علمني أستاذ اللغة العربية معنى الأدب، وفتح عيني على اللغة، وألقمني أبجدياتها الأولى حتى استقام لي الأمر وأنا أنتقل من مستوى إلى آخر، وأبني لبنات تعلمي بجهوده، وأرتق أخطائي بتصويباته، وأدثر ضعفي بقوته، ومازلت لحد الآن أهرع إلى أستاذي وأستاذتي لأتدارك ما فاتني في الفصل الدراسي، تعددت أسماؤهم وأسماؤهن، لكن يجمعهم قاسم مشترك واحد هو هذا الفضل الأبوي الذي أشعر به كجبل يوشك أن يقع على كل عاق ناكر لجميلهم وجميلهن.

منهم من تقاعد، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا، دَيْنُهُم يطوقنا، وذكراهم الجميلة تصعد مع كل حرف نخطه، ومع كل بيت شعري نطرب له، وتهتز عواطفنا إعجابا بمعانيه التي تدغدغ مشاعرنا، وتلامس أحاسيسنا. الجياشة

أتذكر أستاذ الرياضيات الذي احترم ميولي الأدبي، وفتح مكتبة بيته لي، لآتي على كل ما كانت تزخر به من روايات كثيرة، وأنا في السلك الإعدادي، دون أن يعفيني من واجب الاهتمام بالمادة التي يدرسها.

أتذكر أستاذ اللغة الفرنسية وأستاذ اللغة الإنجليزية اللذين كانا يبذلان جهدا مضاعفا لترميم ضعفنا، ولا يتوقفان عن ابتكار الطرق التعليمية التي تسمح بتحسين مستوانا، وتجعلنا في وضع تعلمي مرح.

أتذكر أستاذ الاجتماعيات الذي فتح عيني على التاريخ والجغرافيا، وعلمني أن أقرأ خرائط العالم، وأن أعرف تاريخ البلدان، قبل أن أنصرف إلى حال سبيلي، وأستعين بمهاراته في قراءاتي الخاصة.

أتذكر أستاذ الفلسفة الذي بدأ معي من الدرجة الصفر في المعرفة الفلسفية، ونقلني خلال ثلاث سنوات إلى مستويات عليا، تعرفت خلالها على الآليات الأولى للتفكير المنطقي العقلاني، وعلى أصول التأمل الفلسفي العميق، وعرفني على الفكر المنظم، وعلى مواضيع كنت وإياها في تباعد تام، ولم يكن لي أي أمل في طرقها لو لم أتتلمذ على يديه.

أتذكر أستاذ التربية الإسلامية، وأستاذ الرياضة، وأستاذ الفيزياء، وأستاذ العلوم الطبيعية، ولا أملك إلا أن أبعث إليهم جميعا، بالإضافة إلى من ذكرت سالفا باقات الاحترام والتقدير والإجلال والامتنان، هم الذين ساعدوني وقوموني وشدوا أزري حتى بلغت أشدي، وفتحت عيني على العالم، وضخوا في شراييني قيما لا تقدر بثمن، فلهم ألف ألف تحية.

أتذكر أساتذتي في الجامعة في مرحلتين مختلفتين تنتصب بينهما مدة زمنية تقدر بعقد ونصف، هؤلاء أضافوا الكثير إلى بنيان معرفتي الأدبية، وحلقوا بي عاليا في صرح الأكاديمية والبحث العلمي الرصين، ولأن ارتباطي بهم ظل قائما في القلب والعقل والوجدان فقد عاودت الاتصال التعلمي بهم، وكم كان جميلا، ممتعا، رائعا هذا الاتصال الذي ألغى الزمن، وأعادني إلى أحضان البلاغة والحجاج والمناهج الأدبية، وجعلني أشعر بولادة جديدة فتحت أمامي آفاقا معرفية خصبة، وانتشلتني من حالة تشبه الضياع، لتذكرني، بأن من لا أستاذ له لا حظ له في حياة المعرفة العالمة.

أقولها صريحة واضحة: من يتطاول على أساتذته ليس سوى قزم لا يملك حظا من العلم، ولا قدرا من الأخلاق، ولا نصيبا من التربية، ويملك، بالمقابل، احتياطيا كبيرا من اللؤم والحقد، وفائضا من الكسل والفشل، ودليل ذلك أن من يقترفون هذا الجرم يخرجون إلى مواقع التواصل الاجتماعي بعاهات لغوية، وبإعاقات تركيبية، وبقصور في اللغة والخطاب والتصور والرؤية، ولا يتجاوز ما يخطونه نطاق الخربشات والكلام الفارغ

شارك المقال لتنفع به غيرك

إرسال تعليق

0 تعليقات


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?m=0