نهج التقصي ومتعلم المدرسة الابتدائية
أصبحت الأدبيات والنظريات في مجال العلوم -الفيزياء وعلوم الحياة والأرض- توازي بين المتعلم
-الطفل- من جهة والراشد -العالم والباحث- من جهة أخر، حيث تطالب بإغماس المتعلم في البحث والتنقيب
وتجاوز اعتباره كمتلق سلبي ينتظر المدرس يزوده بالأبحاث والمستجدات العلمية.
يكمن دور المدرس في نهج التقصي في وضع المتعلم أمام وضعية مشكلة تدفعه إلى تقمص دور عالم
صغير يخرج التساؤل ويطرح الفرضيات ويجرب ويحلل ويلاحظ وينمذج إلى غير ذلك من العمليات، وقد
يقود هذا النهج إلى نفس المطبات التي وقع فيها نهج الوضعية الديداكتيكية عند بروسو في الرياضيات لما
حصر عمل المدرس في تقديم الوضعية المشكلة ويرجع للخلف ويترك المتعلمين ينغمسون في حل
المشكلة ، والتي يستعصي في الكثير من المرات حلها دون مساعدة ومؤازرة من المدرس.
تعامل نهج التقصي مع المتعلم بأنه عالم أو باحث قد يؤدي إلى تساؤلات : هل العالم أو الباحث باعتباره راشدا وصل إلى هذه المنزلة هكذا؟ لماذا لا نجد علماء أو باحثين صغارا؟ لماذا لا يصل العالم إلى ما وصل إليه في صغره؟ كيف سيقوم الصغير بالتقصي إذا لم يكتسب آلياته؟
1- نهج التقصي الموجه مع متعلم المدرسة الابتدائية :
هذه الفترة من التعليم الابتدائي تحتاج من المدرس أن يوجه المتعلم بتزويده لتقنيات البحث والتقصي ويتجاوز وضعه في بحر التقصي والبحث حيث يلجأ في نهاية المطاف إلى الراشد لاستنساخ عمل على الأنترنيت أو بحث سابق، فالطفل في هذه المرحلة العمرية يحتاج إلى آليات بسيطة، بمعنى أن يكون التقصي بسيطا ومناسبا لقدرات المتعلمين، فما هدف مثلا مطالبة متعلمي المستوى الأول بإنجاز بحث حول موضوع علمي معين، تأكد أستاذي أنه سيلتجئ للمكتبة أو صاحب مقهى أنترنيت لاستخلاص هذا البحث، وفكر أيها الأستاذ إلى عائلة لا حول لها ولا قوة.
2- آليات نهج التقصي بالمدرسة الابتدائية :
يحتاج المتعلم حسب مستواه ليقوم بالتقصي والبحث إلى التدرج في الآليات وسأقدم هنا الآليات التي يمكن أن يوجه المدرس بالأخذ بها ليتجاوز النسخ وطبع أبحاث جاهزة :
أ- التقصي بسؤال الراشدين : بعدما يعطي المدرس الوضعية ويستخلص مع متعلميه السؤال الإشكالي والفرضيات، يعطي لهم مدة زمنية للتقصي عن طريق سؤال الأقارب (الأب أو الأم – الأخ أو الأخت – الجد أو الجدة - الخال أو الخالة – العم أو العمة...)، وتمكن هذه الآلية بأخذ كذلك تمثلات أفراد الأسرة والعائلة.
ب- التقصي باستطلاع الرأي : ينطلق المتعلم من الفرضية التي وضعها ليستطلع رأي صحتها أم لا عن طريق طرح سؤال للآخرين خارج الفصل ويسجل بذلك المؤيدين للفرضية والمعارضين لها، ويمكن تطوير هذا الاستطلاع بإضافة السبب في مستوى أعلى.
ج- التقصي عبر استبيان : يزود المدرس المتعلمين باستبيان صغير حول الظاهرة ويطالب المتعلمين بملئه بعد تحديد مجتمع البحث (في البداية الوسط الأسري ثم العائلي...).
د- التقصي عبر زيارة ميدانية (الملاحظة) : يخرج المدرس الأطفال خارج الفصل لملاحظة مشهد معين ويطالبهم بتدوين الملاحظات(مشهد الشجرة مثلا).
هـ- التقصي عبر تجربة : يوجه المدرس المتعلمين إلى القيام بتجربة معينة -هذه التجربة تكون مناسبة للمستوى التعليمي-
و- التقصي التوثيقي : يزود المدرس المتعلمين بوثائق (نص – صور ...) ويطالبهم بإنجاز تقص أو بحث عن موضوع الوثائق مع تحديد دقيق لنوع التقصي المراد (تعرف للظاهرة – أمثلة أخرى للظاهرة – ظواهر مشابهة...).
ز- التقصي عبر الأنترنيت : يراعي المدرس هنا مستوى المتعلمين ويزودهم بالرابط الذين سيشتغلون عليه ولا يتركهم أمام الأمواج العاتية للأنترنيت.
3- التقصي داخل الفصل والتقصي خارج الفصل :
غالبا ما يربط التقصي بخارج الفصل حيث يمارس فعلا المتعلم دور العالم، لكن عند تصفحنا للكتب المدرسية وللدلائل نجد أن التقصي يكون داخل الفصل، ولا يمكن التقصي الداخلي إلا بتزويد المتعلمين بآلية من آلية التقصي المذكورة سابقا (تجربة – وثائق – صفحة على النت....)، أو وضعهم أمام اختيار الآلية التي
يريدون الاشتغال عليها انطلاقا من الآليات المقدمة من طرف المدرس، وهنا نكون أمام التربية على الاختيار أحد
ركائز النظام التربوي المغربي.
محمد فصيح، باحث ومؤطر تربوي، 13 أكتوبر 2020
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.