من التداوي بالفلسفة الى الحرب على الفلسفة !!
عبد الفتاح الحفوف
تحاول الفلسفة اليوم أن تعيد طرح سؤالها المعتاد على المشتغل بها، سواء منتجا أو مدرسا، مشكلة تتعلق بالوظيفة التي من أجلها وجدت. بمعنى على أي نحو يحاول المفكر أن يفكر ؟وفي ماذا يفكر؟ ألم يعد التفكير اليوم مشروط /مقيد بنظام ما؟ ماذا سيقع عندما تحاول القوى الظلامية المعادية للفكر الحر أن تعترض السبيل ؟ كيف نحمل على عاتقنا مشروع الفلسفة بما هي فلسفة شمولية؟ أي سؤال يجب أن نطرح؟ وأي نقد يجب أن نتبنى؟ كلها أسئلة تتكرر بشكل أو بأخر،لأننا ، -ما دمنا داخل ثقافة إسلامية عربية – لم نعتد بعد على الخروج من الفكر الخصوصي ، والحال أن هذا الأخير هو إرساء للإقصاء لفكرة أولية عن الاختلاف. فالعقل الكوني يحمل في طياته /تاريخه لحظات بنائه، وهذا ما يجعل فكرة الكوني ضرورة فلسفية.
إن هذا الصراع الفكري والحرب عليه لم يعد مقلقا اليوم، لكونه سبيل يجعل النتائج المترتبة عنه ذات تجليات قد تكون ايجابية على المشتغل بها والمتمثلة في إعلان الحرب على الجهل وكل الاديولوجيات التي أصبحت اليوم في الصدارة، كما تكون الفلسفة سبيل التداوي بين الناس.
لا سبيل إذا الى التداوي بالفلسفة دون أن نحمل مطرقة نيتشه من جهة و أن نكون سقراطيين بين الشباب على الخصوص من جهة ثانية. وأقصد أن مدرس الفلسفة هو صانع الإنسان ( او المواطن بلغة السياسة ) داخل المجتمع أو الدولة ، لكن المتحرض أو المتعصب قد يكون سبيلا سهلا في إعلان الحرب عليه .
إن هذه الإشكالات قد سبق طرحها من قبل العديد من المفكرين والمهتمين والبيداغوجيين . لكن لم أعتبرها يوما إشكالات بعيدة عن ذاتها، وإنما ما يزيد الأمر تعمقا هو عندما نربط هذه الإشكالات بالمحتوى الذي وجدت من أجله والصراع الاجتماعي القائم والمعادي للفلسفة ( الفيلسوف أو المفكر المتوحد ). إنها مشكلة وليست إشكالا عندما نحصرها بأوامر وقيم لا تتعدى نفسها. وهذا ما جعل مدرس الفلسفة خاصة يشتغل وراء قناع المؤسسة، وتبريراته لا تكون إلا خلف أسوار المؤسسة. فكيف إذا يحق لنا أن نسأل بدئ ذي بدء عن سؤال الجدوى منها في السنوات الأولى من تعلم المتعلم ؟ أو ليس الشيء في ذاته كما عبر عنه كانط لا نستطيع أن نعلن عنه ولا يستطيع أن يعلن عن ذاته ؟ ألا يشبه هذا الطرح سؤال الفلسفة عامة في مجال تداولي يمنع من الحقيقة أن تكون،(ما يقع اليوم من طرد وتعسف على المفكر / المدرس خير مثال على ذلك ) مادام وجودها تهديد للنظام السياسي.
إن الأمر يستدعي منا التفكير مرتين قبل التفكير في الحلول كرهان وغاية أسمى. يجب أن نعلم أن الفلسفة لا تنطلق من المسلمات والبديهيات حتى تراعي من أنت وما قيمتك في الحياة... فالعمل على جعل الفلسفة دواء لكل أزمة فكرية تحاول التداوي جراء ما هي عليه من داء هو عمل يبرز ذاته قبل فعل البدء. لهذا سيراهن مدرس الفلسفة خاصة على أمرين اثنين :
أولا : الإبقاء وراء القناع/ المؤسسة كوسيلة لتبرير تفكيره،وسبيل عيشه/ رزقه .
ثانيا : الفلسفة تراهن نفسها كحل لخروج المجتمع من أزمة اللاتفكير( وهذا مستبعد اليوم).
لقد وجدت الفلسفة نفسها بعد حرب دام قرون داخل أسوار المؤسسة إمانا منها أن صناعة الإنسان يبدأ من المدرسة والتعلم . إلا أنها ليست فلسفة، بل إن صح التعبير تناقضا بين ماهية الفلسفة وما تعلن عنه داخل الفصول الدراسة من تقييد وحصر للفكر وتحرر و الإبداع من النمطية، إنها بلغة أخرى "نهاية البداية" للفكر وللحرية باسم النظام . فهي تصارع تارة من أجل البقاء، وتارة أخرى خوف من الخروج عن المألوف. فالتفكير والبحث عن الحلول داخل مجال جغرافي لا يحترم خصوصيات التفكير سيجعل من هذا الأخير خروج عن طاعتها ـــ التفكير لا ينصاع لأحد إلا لذاته ــــ وهذه الصراعات ظهرت بشكل جلي ضد الفكر والفلسفة داخل المناهج والمقررات فلنجعل إذا من كل نهاية توقفنا/ فشلنا ، هي بداية لتفكير جديد( الاعتراف بالفشل...) " نهاية البداية و بداية النهاية " لماذا ؟ لأن الفلسفة في عمقها هي التفكير في الممكنات للوضع البشري في الحياة وقبل الحياة وبعد الحياة. وفي ما معناه نجد وضع الإنسان كما قال هيدغر " يولد ويعيش ويموت " تفكيرنا لا يقف على أهمية هذه عناصر الثلاث " يولد " و " يعيش " و" يموت " بقدر ما يهمنا كيفية الانتقال، الانتقال من مرحلة الى أخرى وهو الفشل/ الخلل الذي يعبر عن أزمة التعليم / أزمة الفكر / أزمة الحضارة / في بلادنا.هي أزمة لا تخرج عن ثلاث أسس:
خلل على مستوى الخصائص الذي ينهجها النظام السائد في التعليم.
خلل في ضعف الرؤية الكلية من اجل الوصول الى الكيفية/ النسق بين هذا الكلي لا الوصل بغلة التربويين الى أجزاء الكل.
السقوط في التقليد وعدم ملائمة التقليد للبيئة التربوية أو للمجال مطبق فيه.
سيستخلص القارئ أن ما وصل إليه التحضر في المغرب من تدني المستوى،التعليمي، والسياسي على حد سواء. فهو ناتج بكل بساطة عن عدم الرغبة في النهوض بهذا القطاع، ومن جهة أخرى التعليم هو انفصال بين ما نُعَلِمُ وما نُنتج، إي أن هناك تناقض بين التعليم والحياة.
إن الفلسفة إذن هي الحياة ، هي التفكير في الإنسان لذاته ومن أجل ذاته، فمنطق التعليم في بلادنا هو إفساد للإنسان ولإنسانية الإنسان. وهذا التناقض راجع بالأساس الى:
غياب سياسة كلية/ نسقيه للتعليم.
فشل في ربط العلاقة بين المناهج والحياة الاجتماعية.
تهميش منطق التفكير والفلسفة كحل للرقي وإعادة الاعتبار للإنسان بما هو إنسان.
العمل بمبدأ السلب السلبي لا باعتباره جدل/ دياليكتيك.
أعتقد أننا بوعي منا أو بدون وعي وصلنا من غير إرادتنا الى التجربة التي كان ينادي بها المفكر النمساوي ايفان إليتش - Ivan Illich1926- من خلال عمله " مجتمع بلا مدرسة. لكن بشكل مختلف تماما عما نهجه هذا المفكر، فإذا كان هو يرفض فكرة المدرسة في شكلها القديم وينادي بقيام مجتمعات بدون مدارس لعدة أسباب أهما " ان التعلم لا يجب أن يقتصر على فضاء المدرسة ، و أن المدرسة للكل وليست للخاصة، وان المال المخصص للمدرسة يهم كل الفئات لا المحظوظون منهم فقط ... وغيرها من الأسباب التي لا يسعنا ذكرها هنا. فكيف سيكون جوابنا هنا عن مجتمع يرفض المدرسة. ما هي المبررات والدوافع ...؟ سؤالنا هذا يدفعنا الى الإجابة بدون تردد على أن منطق سياستنا التعليمية يعمل بمنطق أخر لم يكتشفه حتى أرسطو والمناطقة بعده، إنه منطق " تدجين المتعلم "استجابة لقيمها التي تخدم المجتمع الرأسمالي ، وبهذا فقد حققت إدمان أدامي بعقل ألي. لقد جعلنا من الإنسان بهذا المنطق كائنا/ حيوانا مطيعا يفتقر الى ما يجعله إنسان، والفلسفة بالمقارنة مع هذا استطاعت أن تخرج وأن تجعل المشتغل بها / والواعي بها فوق التاريخ إن صح التعبير، إنه مُسَير لذاته لا مُسَاير .
بعد هذه الإطلالة القصيرة نقول أن البحث عن مخرج هو بحث عن كيفية التفكير، وهذا لا يمكن تعلمه إلا في نطاق الفلسفة. وبالتالي فالحلول التي نبحث عنها لا تكمن خارج الذات، بل هي في إعادة النظر لذواتنا. وعدم الإعلان عن نهاية توقفنا دون أن تكون لدينا بداية أخرى لتلك النهاية...
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.