هل تعير حمامة الأحرار جناحها للمغاربة؟
نورالدين الطويليع
بعدما علق
قيس بن الملوح، الملقب بالمجنون، في شراك النأي عن ليلاه، واستنفذ كل سبل الانتقال
إلى البلاد البعيدة التي تحتضنها، وتأججت نار اللوعة في قلبه المثخن بجراح الصبابة
والشوق، بعد كل هذا، وبعدما انسدت كل أبواب الأرض في وجهه، تطلع إلى السماء، فرمى
بسهم أمله هناك في اتجاه سرب حَمَامٍ، داعيا إياه في صيغة تَمَنٍّ لطيفة إلى فَكِّ
حبال شؤمه، وحمله إلى الديار التي شَطَّتْ ليظفر بالوصال الذي أوقف حياته عليه،
ولم يعد يرى للوجود فائدة بدونه.
أسِرْبَ القَطا
هَل من مُعيرٍ جَناحَهُ...... لعلّي إلى من قَد هَوِيتُ أطيرُ
في واقعنا المغربي علق ملايين
المغاربة، ممن حِيلَ بينهم وبين وصال الحياة السعيدة، في شباك الفقر والهشاشة،
وسقطوا في مطبات التقاعد والتعاقد والبطالة وغلاء المعيشة والتعرية الصحية، وهلم
شرا، في غمرة هذا الواقع الذي لَهَدَهُمْ حِمْلُهُ أطلت حمامة الأحرار من نافذة
الانتخابات، وترنمت بما دغدغ المشاعر، وبعثها من مرقدها
ألا قاتل الله
الحمامة غدوةً...... على الفرع ماذا هيجت حين غنَّت
وكان مضمون هذا البيت الشعري هو جواب من عاكستهم
الحياة السعيدة، وأصرت على التمنع بجفاء وجلافة، مصرة على رفض الوصال بصيغة القطع
النهائي، مما جعلهم يرضون بالارتماء في هامشها، مُعَزِّين أنفسهم بانتمائهم إليها
رُغْمًا عنها، وانتزاعهم بقوة حقَّ تقاسم دوران كوكبها مع أبنائها البررة
المُنْعَمِ عليهم بنعيمها المقيم، كما عزَّى المجنون الذي تَأَبَّى عليه الوصلُ
نَفْسَهُ باشتراكه وليلى في معاينة تعاقب الليل والنهار، معتبرا ذلك وصلا في حد
ذاته:
أَلَيسَ اللَيلُ
يَجمَعُني وَلَيلى..........كَفاكَ بِذاكَ فيهِ لَنا تَداني
تَرى وَضَحَ النَهارِ
كَما أَراهُ...........وَيَعلوها النَهارُ كَما عَلاني
رَضِيَ مغاربة الهامش، على شاكلة قيس
المجنون، بهذا البصيص من فتات الأمل اليابس، ولم يتطلعوا إلى السماء ليطلبوا من
الحمامة أن تحملهم إلى مراتع السعادة، لأنها كانت تحلق وسربها في الأعالي بعيدا عن
أنظارهم، لكن لَقْطَ الانتخابات جعلها تحط بين ظهرانيهم، بهديل لم يتوقف، مما دفعهم
إلى أن يردوا عليها ببيت أبي فراس الحمداني:
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.