تحليل الخطاب:خطاب الجائحة في الإعلانات
تحليل الخطاب
خطاب الجائحة في الإعلانات
مقاربة تحليلية-تطبيقية
إنجاز الطالب : عبد الرحيم حكى
تقديم.
منذ ظهور الإنسان على البسيطة، عبر عن مشاعره و خواطره بالرسم و النحت و التشكيل و النقش على الصخور و الخشب. و كانت هذه الإبداعات بداية اختراع الحروف و دخول عصر الكتابة، فالصورة، إذا، أم الكتابة، و لهذا يقال: الصورة خير من ألف كلمة. و استمرت هذه الوسيلة التواصلية إلى جانب المخطوط تطوي الحقب و الأزمان لا تفارق الإنسان، بل تتطور بتقدم أفكاره و رقي مدارج علمه، و اكتسبت طابع الكونية كما اتسمت بالإقناع المباشر و القوي و الصارم.
إذا كان النص يتوسل إلى الكلمات و الأنساق الأسلوبية لتبليغ الرسالة، فإن الصورة تعتصر كل ذلك في مضمونها و تتقوى بموادها المرجعية في هيمنة كاسحة للمكتوب، حتى لو ذيلت ببعض الجمل و العبارات المتفاوتة الطول و الحجم. و نظرا لهذا الاستخدام المكثف للصورة في الإعلانات فقد غدت تكتسي أهمية في توصيل الأفكار و التأثير في المتلقي نفسيا و ثقافيا، دون تكليف ميتا-معرفي، و هذا ما جعلها في صميم البحث و التمحيص على يد الإعلاميين، لأنها نموذج إعلامي مرئي، و على يد السيكولوجيين لأنها حمالة للقيم الثقافية و النفسية التي تمس لاشعور المشاهد، و على يد السيمولوجيين لأنها كيان قائم على تسنينات اجتماعية و انثروبولوجية عديدة تتوارثها الأجيال و تتناقلها عبر الزمان و المكان.
إن الخطاب عامة، وليد التلونات الاجتماعية و الظواهر التي تعصف بالإنسان في مسار حياته، فهو المتنفس الرحب للتعبير و تفجير الخواطر و بناء الفهم الذاتي لها، و مع كل هبة مستجدة ، تنحني رؤوس الأقلام و فرش الرسم لتطلق العنان للإبداع و التجديد. و لعل حدث جائحة كورونا قد أثار نقعا حجب كل الأنباء و بسط سطوته على منابر التواصل و الاتصال و برامج الأخبار و موائد النقاشات الأكاديمية و دونها. و لا غرو أن تتعدد حوله الكتابات و تتناثر عليه اللوحات و الرسومات، كما أن مستويات هذا الخطاب تنوعت و تباينت. و في هذا البحث أتحرى في تحليل خطاب الإعلانات، المصورة و المكتوبة و المختلطة، الوقوف على أبعادها السيمولوجية و النفسية، و مدى تأثيرها على المستقبل.
أهمية البحث:
يكتسب هذا البحث أهميته من الجدة و حداثة الموضوع، فخطاب الجائحة ما يزال في ريعانه و زخمه، و الحديث عنه دائم الجريان لا ينضب. و يسعى هذا الجهد الفكري إلى كشف الغطاء عن المستور في الإعلانات، سواء أكانت صورا أو كتابة أو هما معا، و ذلك لتنوير القارئ إلى الأسرار المضمرة و المستبطنة في هذا الصنف من الخطاب. و ما يزيد الموضوع تميزا هو تناول التحليل من الجانب السيمولوجي الذي يلامس مخيلة المتلقي و هواجسه التي يتشربها في المخيال الجماعي، كما يغرز في عقله أفكارا تستحوذ على مشاعره و خلجات فؤاده. قد تكون هناك دراسات و أبحاث مماثلة متعددة، لكنها تتباين في الأسلوب و المنهج و التحليل، و لهذا البحث بصمة خاصة به.
إشكالية البحث:
إن الإعلان أرقى منابر التبليغ لأنه يحمل على أسناد تتصف بالجمالية و الدقة و الاقتضاب. فالصورة قناة تخترق البصر بخفة لتستقر في باطن العقل، تبلغ الرسالة في همس خفيف و خطاب سهل الاستيعاب. و الكتابة المدبجة بالمحسنات البديعية و البيانية و التراكيب الاستعارية و المجازية، تستحبها النفس و تتفاعل معها، لأنها تسري في اللاشعور حيث تتوطن الهوية الخفية لكل شخص. من هذه المزايا انبثق مشكل خطاب الجائحة في الإعلانات، و استوجب طرح التساؤلات التالية:
- ما هي أنماط الصور و الكتابات التي تناولتها إعلانات الجائحة؟
- ما هي الأغراض و الأهداف من هذه الإعلانات؟
- ما هي أبعادها السيمولوجية؟
- ما هي آثارها السيكولوجية على المتلقي؟
فرضيات البحث:
ينطلق البحث من الافتراضات التالية:
- الصورة في إعلانات الجائحة تصنع التهويل أكثر من التهوين، فأثرت سلبا عل نفسية المتلقي.
- الكتابة في إعلانات الجائحة تضيق على المستقبل، فهي ترعبه أكثر مما تقنعه، فجعلته يتمرد و يسخط.
- إعلانات الجائحة نفخت الموت في أجساد حية، فأربكت العقول و حيرتها و لم تهد المتلقي إلى الحقيقة.
منهج البحث:
لا شك أن الإعلان يفرض على الباحث أصنافا خاصة من المناهج، فهو ذو أشكال أيقونية و خطية، و لتحليل هذه الخطابات لابد من رؤية جديدة تكشف حمولاتها الثقافية و الاجتماعية و النفسية، خصوصا أن الإعلان يتذبذب بين البعد الثقافي و النفسي، فيستغل الأول للتأثير في الثاني، و يسخر في ذلك زادا لغويا متنوعا، و رموزا مختلفة. وهذا يدفعنا إلى اتباع منهجي الوصف والتحليل.
خطة البحث:
1-مدخل مفهومي.
2-النظرية السيمولوجية و تحليل الخطاب.
3-النظرية السيكولوجية و تحليل الخطاب.
4-نموذج تطبيقي.
المحتويات [إظهار]
1-مدخل مفهومي:
يتضمن البحث مجموعة من الألفاظ ذات طيف دلالي واسع، يتوجب الوقوف عليها لتمحيصها واستجلاء معانيها، والاصطلاح على مفاهيمها، وذلك لتيسير الفهم على القارئ، وهذه الكلمات هي: الخطاب، الجائحة، والإعلان.
1-1.مفهوم الخطاب.
سأتناول هذه المفهوم من مقاربتين هما:
1-1-1المقاربة اللغوية:
الخطاب من مادة ( خ،ط،ب)، ” خطب الأمر أي اشتد وعظم، وخطب المرأة أي تقدم للزواج منها، وخطب في الناس أي تحدث وأخبر، والمخاطبة هي مراجعة الكلام وتوجيهه لمن يفهم”[1].
وفي المعاجم الحديثة نجد الخطاب يأتي بمعنى الحديث والقول. وتذكر بعض هذه المعاجم تعريفات من قبيل:
- ” الخطاب إيصال المعنى إلى السامع عن طريق الكلام “[2].
- v ” الخطاب كلام منطوق يتجاوز الجملة الواحدة طولا “[3].
- v ” الخطاب هو توجيه الكلام نحو الغير للإفهام، وقد يعبر عنه بما يقع به التخاطب “[4].
- v ” الخطاب اسم جنس، يطلق على كل لفظ يقصد منه إفهام الغير، وبالتالي ينفي على الخطاب كل لغة لا يراد منه الإفهام”[5].
1-1-2.المقاربة اللسانية:
إن مصطلح ( خطاب) من حيث معناه العام المتداول في تحليل الخطاب، يحيل على نوع من التناول للغة، وبالتالي فالخطاب نشاط لأفراد متدرجين في سياقات معينة، وهو يدخل في تمفصلات وتقابلات منها:
- خطاب/جملة: ” الخطاب وحدة لغوية تتكون من سلسلة من الجمل”[6].
- خطاب/ نص: ” الخطاب هو ارتباط النص بسياقه”[7].
ومن خلال المقاربتين، يمكننا استشفاف أن حد الخطاب: هو عملية اتصال قد يكون متوالية من الجمل المكتوبة أو المنطوقة، ينتجها مرسل واحد أو أكثر نحو مخاطب واحد أو أكثر، في إطار يشمل العادات والأعراف والتقاليد، ويهدف منه إحداث أثر عليه.
وفي صميم حديثنا عن خطاب الإعلان، يمكننا أن نعرج على بعض خصائصه، ومنها:
- خطاب حجاجي يستهدف استمالة المتلقي وإقناعه.
- عرض الأخبار وفق شروط مهنية تستوجب الدقة والمسؤولية.
- الاعتماد على مظاهر الإثارة شكلا ومضمونا.
- التوثيق في نقل الأحداث والرسائل.
- اعتماد كل فنون اللغة من مجاز واستعارة وتوكيد واستفهام بهدف التأثير.
- اعتماد الصور والرسومات بشكل أوسع على حساب الكلمات، لتسهيل فك الشفرة على المتلقي.
1-2.مفهوم الجائحة.
تعرف الجائحة لغة من: الجوح، وهو الاستئصال، نقول: جاحتهم السنة جوحا وجياحة، إذا استأصلت أموالهم. والسنة الجائحة هي الجدبة والعجفاء.
وجاء في لسان العرب:” اجتاح العدو ماله أي أتى عليه. والجوحة والجائحة هي الشدة والنازلة العظيمة التي تجتاح المال من قحط أو فتنة”[8] .
وخلاصة القول، فالجائحة هي المصيبة الهالكة في المال والبدن والنسل، تحل فتستأصل وتبيد.
وأما اصطلاحا، فيمكننا التركيز على الجانب العلمي، الذي يعرفها على أنها: ” مرض معد، قد ينشأ نتيجة لتحول أو تطور مورثات وراثية للكائنات المسببة للمرض من جراثيم وفيروسات وغيرها”[9]. والجائحة مرحلة ثالثة بعد الوباء والفاشية، وهما مرحلتان يمر بهما تطور المرض.
1-3.مفهوم الإعلان.
الإعلان مصدر أعلن، وجاء في لسان العرب: ” أعلن به وأعلنه وعلنه واعتلن، وهي من (علن)، بفتح اللام أو كسرها. وعلن الأمر أي شاع وظهر”[10].
و الإعلان هو إظهار الشيء، ومنها العلانية والمعالنة والعلان، ونقول علوان الكتاب أي عنوانه.
وأما اصطلاحا، فقد تعددت حول اللفظ تعريفات منها[11]:
- الإعلان نشاط اجتماعي واتصالي واقتصادي هادف.
- الإعلان هو الشكل الاتصالي الذي يعرض أو يروج سلعة أو خدمة أو فكرة.
- الإعلان هذا الشكل المدفوع من الرسائل غير الشخصية، والتي يتم بثها عبر مختلف وسائل الاتصال الجماهيري، من قبل المؤسسات الصناعية أو مؤسسات الأعمال أو التنظيمات الهادفة أو غير الهادفة، ويتميز بالإقناع والتأثير على الجمهور.
وبالجمع بين التعريفين يمكننا أن نستقي مفهوما شاملا للإعلان فهو: إشاعة وإظهار لمنتوج أو خدمة أو فكرة، عبر مجموعة من وسائل التواصل والاتصال التي يستخدمها الجمهور بهدف إقناعه والتأثير عليه. يتخذ أشكالا متنوعة كالصور والنصوص المختلفة طولا وحجما، ويسعى إلى ترويض النفس وضبط السلوك لدى المستقبل.
2-النظرية السيميائية وتحليل الخطاب:
إن الإعلان ينطلق من بناء بيئي يشمل المعتقدات الاجتماعية والثقافية للمستهلك، والتي تحبل (بكسر الباء) بالقيم والعادات المشتركة والنماذج التي يتفاعل فيها عناصر المجتمع، وبما أن علم السيميائيات « دراسة لحياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية»[12]. فهو منهج سيعمل على استجلاء تلك التسنينات المضمرة في الإعلانات وربطها بالأبعاد الفردية والاجتماعية ليسهل علينا معرفة الامتدادات المؤثرة على المتلقي وبالتالي فهمها وتأويلها. والنظرية السيميائية هي نظرة جديدة للخطاب، باعتباره انعكاسا دلاليا، تسعى إلى دراسته معرفيا وجماليا، لا وصفا إنشائيا صوريا، أي التحليل في اتجاهات متعددة من مظاهر السلوك الإنساني، كاللغة واللباس والعلاقات الاجتماعية والطقوس الدينية والأسطورية، وذلك دون انزلاق عن المسار الذي تنتج فيه العلامات، « فالسيميائيات أداة لقراءة كل مظاهر السلوك الإنساني، بدءا من البسيطة ومرورا بالطقوس الاجتماعية وانتهاء بالأنساق الايديولوجية الكبرى»[13].
إن مبدأ السيميائيات هو الانطلاق من الوجه المتحقق أو المرئي للشيء، للكشف عن الانسجام الداخلي غير المرئي. لأن ما تراه العين لا نظام له ولا هوية إلا بوجود قواعد ضمنية تدفع بالمتلقي إلى الإمساك بمنطقه، وهذه القواعد هي الأشكال الرمزية المستمدة من العرف والتواضع الاجتماعي. ومن هذا المنطلق، فالخطاب الإعلاني يعتمد الإقناع السري الذي يبذل جهدا لا مرئيا للوصول إلى لاوعينا، وهو، أي الإقناع، قائم على أساليب لا تدركها العين المجردة وتختفي في غطاء إيحائي واستعاري. فهو، إذا، يتسلل خفية للإنسان كي يسيطر على لا شعوره.
إن الخطاب الإعلاني يدعو المستقبل بالرموز والصور والكلمات البلاغية المثيرة والمؤثرة، فينفذ إلى المناطق المظلمة في وجدانه دون الاكتراث إلى الرقابة العقلية. وهذا ما تكشفه السيميائيات بكل آلياتها وروافدها الفكرية، لأنها علم العلامة والتسنينات. فهي تقطع تلك الصور والرموز والكلمات المحبكة بإحكام إلى دلالات وتدرجها في سيرورة تداولية واشتغالية، حتى ندرك ماهية حوامل الرسائل ونستوعب أهدافها السلبية والايجابية.
. ابن منظور، لسان العرب، باب ( خطب).[1]
. محمد علي الخولي، معجم علم اللغة النظري، ص 103.[2]
. محمد التوني، المعجم المفصل في علوم اللغة، ص 300.[3]
. الزمخشري، الكشاف، ج 1، ص 403.[4]
. دومينيك مانغونو، المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، ص 38.[6]
. ابن منظور، لسان العرب، مادة (جوح).[8]
. حنان عيسى ملكاوي، تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد على الأمن الصحي العربي، ص 7.[9]
. ابن منظور، لسان العرب، مادة (علن).[10]
.شدوان علي شيبه، الإعلان، المدخل، والنظرية، ص 15.[11]
. سعيد بنكراد، السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، ص 9[12]
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.