ستاذ يكتب استقالته لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة "شكيب بنموسى" من مهنة التدريس.

الإدارة März 12, 2022 März 12, 2022
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

ستاذ يكتب استقالته لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة "شكيب بنموسى" من مهنة التدريس.

ستاذ يكتب استقالته لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة "شكيب بنموسى" من مهنة التدريس.


نص الاستقالة 

منْ : إِبْرَاهِيم البحْراوي "أسْتاذ التّعلِيم الإِعْدَادِي "
الَى السيّد وزير التّربيّة الوطنِية والتعلِيمِ الأولي والرياضة؛
الموضوع: اسْتقَالَة
تحيّة طيّبة
بسْم الله العَلي القَدير : السَّيد الوزَير أطلبُ استقالَتي من العمل أسْتاذا في المدْرسَة العُمومِية، ولستُ أعرفُ هل سيصلُني ردّ قبولٍ أم رفض، كما لستُ أعرفُ ما مصيرُ هذه الورقة بين أيديكم، ولستُ أعرفُ هل سأستطيعُ دفعَ قيمة الالتزام المحتّم عليّ أم لا، ولستُ أعرفُ هل سأجدُ فرصةً وظيفيّةً أفضل أم سأندم كما يقول لي الناسُ من حولي؛ لستُ أعرف كلّ هذا ولا يهمّني. ما أعرفُه هو أمرٌ واحدٌ فقط: لقد كنتُ صَادِقَا على نحوٍ كاذبٍ حين كتبتُ أنّ سبب استقالتي “ظروفٌ شخصيّة” أمرّ بها، والواقع أنّني أستقيلُ لسببٍ واحدٍ فقط، ألخّصهُ في جملةٍ واحدة:
” أستقيلُ لأنّك تعلمُ أنّ المدْرَسة العُمُومية ليست مكانًا صالحًا للعمل “. وسأفصّل لك في هذه الرسالة غير الرسمّية ما أجمَلَتْه الجملة:
1- أستاذي:
لقد قرأتُ سيرتَك الذاتيّة على مواقع الإنترنت، وأزعجَني أنّني لم أقرأ ضمنَ خبراتِك أنّك عملتَ معلّمًا في أوّل عمرك أو في آخره، وهذا يعني أمرًا من اثنين: إمّا أنّكَ وزيرٌ على قومٍ لم تجرِّبْ مهنتَهم، وإمّا أنّ الآخرينَ – وربّما أنتَ معهم – يخجلونَ من أن يجعلوا “التعليم” ضمنَ خبراتك الّتي يُعتدّ بها بعد كلّ هذه المناصب! وهما أمرانِ أحلاهُما مرٌّ، وكلُّ عذرٍ فيهما ذنب!
وأنا أعتذرُ عن هذه الوقاحةِ في الحديث عن سيرتك المهنيّة الّتي نالت ثقةَ مَن هم أخبرُ منّي وأبصر، غيرَ أنّ هذا يدفعُني إلى أن أقول لك: لستَ مخطئًا حين لم تجرّب الدخولَ إلى صفٍّ فيه “40” طالبًا؛ أي 40 أسرة؛ أي 40 مشكلة؛ أي 40 ثقافة؛ أي 40 تكوينًا نفسيًّا؛ أي 40 قلبًا ينبضُ حبًّا وكرهًا وقبولًا ورفضًا، ثمّ تكون مسؤولًا عن أن “تربّيهم” و”تعلّمهم”! وفي النهاية تنظرُ إلى “المجتمع” فتراهُ يعرفُ عن مهنتك أنّها جيّدة لأنّك “بتروّح بدري” ولأنّك ” بتعطّل كثير”، لا لأنّك تنشئُ جيلًا أو تصنعُ مستقبلًا!! هذا المجتمعُ نفسُه هو الّذي سيرفضُ “معلّمًا جديدًا” راتبهُ بِضعُ دريهِمات إذا تقدّم لخطبة فتاة، وهذا المجتمعُ نفسُه هو الّذي سيُرسلُ لهذا الأسْتاذ مَن “يضربُه” في المدرسة لأنّه وبّخَ طالبًا – أو حتّى ضربَه لأسبابٍ أنت تعرفُها -. لكنّ هذا المجتمع متصالحٌ مع نفسه؛ فهو كثيرا ما يعترف بأنّه مجتمعٌ جهول؛ لكنّه – ويا للعجب! – يُلقي مسؤوليّة جهلِهِ على ذلك المعلّم نفسِه!
2- أستاذي:
اليوم، في المؤسّسة الّتي أعملُ بها، ضُرِبَ أستاذان بالمعنى الحقيقيّ للضرب، هذا حصلَ فعلًا وبإمكانك القراءة عنه، فقط اكتب على جوجل: “اعتداء على أستاذَيْن”، وقبل أيّام في مدرسةٍ قريبةٍ منّي ضربَ معلّمٌ طالبًا وأدخلَه المستشفى؛ هذا حقيقيّ أيضًا، فقط اكتب على جوجل ” معلم يضرب طالبًا في مدرسة عبد الله بن مسعود”. وأنتَ أدرى منّي وأخبَرُ بهذه القصص، وأنا أحدّثك بها – وليتكَ تقرأ – لأسأل: هل نحنُ في “مدارس” أم في “ساحات حرب”؟! لماذا نقرأُ هذه الأخبار؟ لماذا يَضرِبُ المعلّم ولماذا يُضرَب؟! سأقول – معتذرًا على وقاحتي مرّةً أخرى – لماذا:
في مدارسِنا لا يوجدُ شيءٌ اسمه “طلاب” كما لا يوجد شيء اسمه “معلمون”، هناك ” أولاد ” و “موظّفون”، أو فلنكن أدقّ: هناكَ “سجن” اسمه المدرسة(هل تعرف ما قالَه ميشيل فوكو عن مدارس فرنسا الّتي تشبه السجون؟) وهناك “سجّانون” هم المعلّمون( بالمناسبة: هل جرّبتَ المناوبة؟ يعني أن “تلفلف” على الطابق كي يدخل الطلاب صفوفهم ولا يحدثوا ضجيجًا، وفي هذه الفترة يضربُ المعلمون الطلاب كما يحدث أن يُضرَبوا ) وهناك “مساجين” هم الطلّاب. باختصار: مدارسُنا نماذج معاناة مبكّرة ليس إلّا. وهذا لا يعني أنّه لا يولَدُ فيها الإبداع، بلى، لكنّه إبداعٌ من رحم المعاناة كما تقول الجملةُ الشعريّة. لكن ليست هذه المشكلة تمامًا، المشكلة أنّ أغلب المناوشات تحدث مع المعلّمين الجُدُد (بالمناسبة: أعطانا دورة المعلمين الجدد موظّفون جميلون وحالمون ) الذين لم يتلقّوا تدريبًا جيّدًا على مهنة “السجّان”. صدّقني يا سيّدي أنّ الجامعة – رغم سوئها وبؤسها هي الأخرى – كانت تعلّمنا اللغة العربيّة، اللغة العربيّة فقط؛ لم نتعلّم فيها كيفَ نعالجُ “طالبًا” وصل إلى الصف العاشر وهو لا يجيد الكتابة والقراءة، بل لا يجيدُ إلّا أن “يشتمَ” المعلم و”يشتبك” معه. المشكلة مزدوجة: طالبٌ جلس على مقاعد المدرسة 10 سنوات دون أن يتلقى تأهيلًا مناسبًا لشخصيّته يجعله أقدر على التعامل مع معلمه، ومعلّم بالكادِ أفلح أن يتعلّم عن تخصّصه شيئًا فضلًا عن أن يتلقّى تدريبًا على التعامل مع مثل هذا الطالب!
3- أستاذي:
لقد كان معدّلي في الثانوي التأهيلي (الباكالوريا) 16.80 بتقدير جيد، وتخرّجت من شعبة اللغة العربيّة في الجامعة المغربية "السلطان مولاي سليمان-بني ملال" في 3 سنوات بمعدّل جيد وبتقدير ممتاز أيضًا، وأنا الآن أُنهي موادّ الماستر بمعدّل ممتاز أيضًا. لكن هل تعرف كم كان تقييمي في المؤسسة؟ كان تقييمي فيها: ....! ( في الحقيقة هو جيّد جدًّا كما وضعه المدير، لكن قررت المديرية - في شخص مفتشها- معاقبة المدرسة الّتي لم ينجح فيها طالبٌ واحدٌ بالثانوية بأن خفّضت التقييمات درجة !! هل تدركُ كم هذا مضحك؟! هل وقّعتَ على هذا القرار حقًّا؟)
كيف قيّمتموني يا سيّدي؟! بناءً على ماذا؟! انظر: مهما كنتُ مقصِّرًا في عملي، فأنا لستُ مسؤولًا عن هذا التقصير، بل أنتم. وأنا أعترفُ أنّني كنتُ أتأخر كثيرًا لأنّني أعملُ في المساء (رغم الرواتب العالية التي تمنحوننا إيّاها ههه)، كما أعترفُ أنّني كنتُ أغيبُ كثيرًا لأنّني محتاجٌ إلى أيّامٍ تعينُني على الدّراسة والتحضير للماستر لكنّني أعترفُ قبل ذلك كلّه أنّني لم أحمل العصا أمام تلاميذي، كما لم أخلُق في قلوبهم الرعب إذا ما رأوني، وأعترفُ أنّني قليلُ “ألاستعراض” و”الكذب” أمام من هم فوقي.
4- أستاذي:
هذا ليس كلّ شيء ولا نصفه؛ ففي جعبتي الكثير الكثير ممّا أنوي أن أكتبَ عنه، ولعلّ فائدة وجودي في قطاع التعليم هي أن أمنحَ قلمي ذكرياتٍ مهمّةً منحتني اطّلاعًا كبيرًا على حال مجتمعنا من عدسةٍ صغيرةٍ اسمها: “المدرسة”. حقًّا “الحياة مدرسة”، ليس لأنّها تعلّمُنا فقط، بل لأنّ في “المدرسة” يسكنُ المجتمعُ كلّه بحسناتِهِ وسيّئاته، بعيوبه ومزاياه.
لقد حدّثتُ نفسي طويلًا بأن أثابرَ وأصبرَ لعلّني أغيّر هذا المكان أو لعلّه يمنحُني ما أريدُ، لكنّني كنتُ أفاجأُ دائمًا بأنّه مكانٌ بائس، وأنّ المشكلة ليست فيه بقدر ما هي في “النظام العامّ” وفي “الأسس”! صدّقني: كلّ ما قدّمته أعلاه أشياء سطحيّة جدًّا، لكنّها منطلقة من خللٍ جوهريٍّ في مجتمعنا وحياتنا وأمّتنا، منطلقة من أنّنا نطالبُ معلّمًا جديدًا أن يستلمَ مكانَه في مؤسسةٍ مليئةٍ بالثقوب منذ البداية. تخيّل أنّكم دفعتم أموالًا طائلةً لتعدّلوا المناهج!! هل مشكلتُنا في المناهج حقًّا؟ أم في الّذين يكتبونها ويمرّرونها ويعلّمونها ثمّ أخيرًا في الّذين يتعلّمونها؟! سأحدّثك بقصّة قصيرة:
عندما اشتريتُ سيارة، لاحظتُ أنّ هناك مشكلة ما بـ”المروحة”، وذهبتُ خائفًا إلى “ميكانيكي” وطلبتُ أن يغيّرها، قال لي: ” ما رأيك أن نغيّر السائق؟ ” وضحكَ طويلًا: المشكلة لم تكن في المروحة، كانت في ملاحظتي القاصرة بصفتي سائقًا جديدًا.
أعرفُ أنّك لست مسؤولًا أساسيًّا عن كلّ هذا وأدركُ ذلك، وأدركُ أنّه مطلوبٌ منك أن تعالج مشكلاتٍ متجذرةً في العمق كان لِزامًا على مَن هم قبلك أن يعالجوها. لكنْ ما يجبُ أن تعرفَه أنّني أستقيلُ من التعليم لأنّني غيرُ مستعدٍّ على الصعيدِ النفسيّ لتحمّل أخطاء قد ارتكبَها التاريخ! ولأنّ الوقتَ الّذي قضيتُه في مؤسستك الكريمة لم يكن طويلًا، فقد قرّرتُ أن أغيّر وجهتي؛ ليسَ هربًا، بل إدراكًا لطاقتي الفعليّة ومكاني الصحيح.
والسَّلاَم
توقيع ابْرَاهِيم البَحْراوِي

شارك المقال لتنفع به غيرك

Kommentar veröffentlichen

0 Kommentare


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?hl=de