سِرُّ الحياة
بقلم فتحي ملكاوي
هذه قصةٌ قصيرة، توجد في الأغلب، أو يوجد مثلها، في كثير من لغات الشعوب، وتتم صياغتها بطرق مختلفة، وهي من باب الحكمة البشرية التي لا تُنسب إلى مؤلِّف محدد، وأنا أَرْوِيها بطريقتي.
تقول القصة: إنَّ رجلاً كان له عدد من الأبناء الصغار، وكان يكرِّر أمامهم بين الحين والآخر عبارة: إنكم لا تعرفون سِرَّ الحياة، وسأخبركم به عندما تبلغون سن العاشرة. وعندما احتفلت العائلة بعيد الميلاد العاشر للولد الأكبر، اختلى الولد بأبيه، وقال له: يا أبي: الآن تستطيع أن تعلمني سِرَّ الحياة، فقال الوالد: بشرط ألا تخبر إخوانك الصغار، فوافق الولد.
قال الوالد: حسناً! سِرُّ الحياة "أنَّ البقرة لا تعطي حليباً!
فاستغرب الولد وقال لأبيه: "ماذا تقول؟" فقال الوالد: هو ما سمعته تماماً يا بُنيّ: البقرة لا تعطي حليباً!
قال الولد: إذن من أين يأتي حليب البقر؟
قال الأب: يا بني: البقرة لا تعطي الحليب، عليك أن تحلب البقرة حتى تأخذ منها الحليب. أتدري ماذا يعني ذلك؟!
هذا يعني: أنَّ عليك أن تستيقظ الساعة الرابعة صباحًا، وتحمل معك مقعداً ودلواً فيه ماء، وتذهب إلى الحضيرة المملوءة بالفضلات والروائح الكريهة، ثم تربط ذيل البقرة، وتجلس على الكرسي، وتباعد بين رجلي البقرة، وتضع الدلو في المكان المناسب، وتغسل يديك ببعض الماء الذي في الدلو، ثم تغسل ضرع البقرة، ثم تغسل يديك مرة أخرى، ثم تقوم بحلب حلمات الضرع بطريقة محددة، لينزل شيء قليل من الحليب في كل مرة، وتواصل هذا العمل مرة بعد أخرى، حتى لا يبقى في ضرع البقرة شيء من الحليب، أو حتى يمتلأ الدلو بالحليب، فتأخذه إلى البيت، فتكون أنت الذي جئت بالحليب، وليست البقرة. وإذا لم تقم بكل ذلك العناء فإنِّك لن تحصل على الحليب.
هذا هو سرُّ الحياة: البقرة لا تعطي الحليب. أنت تحلبها أو لا تحصل على الحليب.
إذا كنت تظنُّ أنك تحصل على ما تريد من غيرك حين تطلبه منه، كما يظن الأطفال، أو تظنُّ أنَّ هدفاً تطمح أن يتحقق لك في حياتك دون أن تقوم بما يتطلبه تحقيق ذلك الهدف من تعلّم، وتدرّب، وجهد، وعناء، فأنت لا تعرف سرَّ الحياة.
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.