وضعية التقويم المؤسساتي من إعداد يحي قشار
يعد التقويم المؤسساتي أداة للتحسين المستمر للمؤسسة، يساعد على تحليل منظومتها وسيرورتها. ويُمكِّن من تتبع وفحص المعطيات وتجميعها وتحليلها وتأويلها، لتعزيز نقاط القوة وعلاج نقاط الضعف، ويتم في ضوء معايير محددة، وفي ارتباط برؤية مستقبلية للمؤسسة تتماهى والرؤية الوطنية للتعليم بهدف تحسين الأداء والرفع من المردودية .
1) ومن خلال الوضعية قيد الدرس نستشف أن السيد المدير المعين حديثا بالثانوية الإعدادية استند إلى تقويم انطباعي مكّنه من تقدير مساحة المؤسسة وبُعدها عن المركز الحضري وخصائص العمل بها ومردوديتها، مما ولّد لديه إحساس بصعوبة المسؤولية الملقاة على عاتقه، وهو أمر عادٍ يعترض أي مبتدئ مقبل على تعيين في مسؤولية جديدة، وهو ما يمْكن أن أسميه بدهشة البداية التي لا مفر منها، ولكن لابد من تجاوزها في أسرع وقت ممكن.
ولأجل ذلك حاول السيد المدير المعين أن يتأقلم مع الوضع القائم ليؤسس لتقويم مؤسساتي تطويري يفضي إلى تجاوز الاختلالات التي قد تكون السبب في تدني المردودية التربوية بالمؤسسة، فعمد إلى تفقد المؤسسة؛ بناياتها وتجهيزاتها وموظفيها، وإلى عقد اجتماع تربوي عام... وأفهم من وصفه بالعام أنه لم يستهدف مجالا معينا دون آخر، ولم يقتصر على وجود الأطر الإدارية والتربوية وإنما ضمّ باقي مكونات المجتمع المدرسي (ممثلي التلاميذ، جمعية الآباء، الآباء، شركاء المؤسسة...). وقد أفضى الاجتماع إلى قناعة مفادها أن تدبير المدير السابق للمؤسسة اتسم بالانفرادية في اتخاذ القرارات ما أوجد مناخا للعمل تطبعه خروقات عديدة أبرزها انغلاق الإدارة التربوية على نفسها فكان التواصل مغيبا مع الأساتذة والشركاء...
وتفاعلا مع مخرجات الاجتماع رأى السيد المدير أن يخلق آليات يشرك بها الأطر التربوية ويضمن انخراطهم في العمل التربوي مثل إنشاء لجن تربوية مختلفة واعتماد تكييف استعمالات الزمن.
لهذا يمكن القول إن التقويم المعتمد من لدن المدير هو تقويم تقليدي وفق عمليات معزولة ومنفصلة حسب الحاجة، يقوم على إصدار الأحكام اعتمادا على قاعدة الفشل والنجاح، اعتبارا للأخطاء المرتكبة أو مظاهر التقصير الملاحظة، وهو تقويم يمكن لأي فرد أن يقوم به.
2) تشوب التقويمَ الذي اعتمده السيد المدير مزالقُ جمة مرتبطة أساسا بفلسفة التقويم التطويري ذاته من حيث كونه عمليات متكاملة تفاعلية يقوم بها المدير وضمن فريق من أجل بلوغ أهداف محققة مع مراعاة المستجدات والتكيف معها، وبخطواته التي تضمن عقلانيته وسهولة تتبع أجرأته. لذلك فإني أرى أنه قد غيّب في مرحلة التشخيص اعتمادَ المقاربة التشاركية والتوسلَ بمعطيات واقعية حقيقية ملموسة متضمنة في تقارير وإحصاءات وبيانات رسمية، وكذا تخصيصَ الوقت اللازم للتشخيص... وهذا ما أثر سلبا في رصد الاختلالات وبيان حقيقتها ومصدرها وطبيعتها، وبالتالي تحديد المسؤوليات والآليات الكفيلة بتجاوزها.
ومن جهة أخرى، فلست أرى ذكرا للأولويات التي من المفترض أن تستند إليها الإدارة التربوية رفقة شركائها، ما جعل الإجراءات المتخذة (إشراك الأساتذة، تكييف استعمال الزمن) تكرس الوضع السابق، لأنها لم تنصب على تحقيق معايير الجودة ورفع مؤشراتها داخل المؤسسة التي يمكن صياغتها في مرحلة لاحقة في لوحة قيادة التقويم التطويري حسب مجالاتها وأدوات التقويم التي تستدعيها.
3) ومن أجل تقويم تطويري فعال، ينبغي على المدبر اعتماد تدبير تشاركي حقيقي يمكّن مختلف مكونات المجتمع المدرسي (مجالس المؤسسة، جمعيات المؤسسة، جمعية الآباء، التلاميذ وأولياء أمورهم، الشركاء الخارجيين...) من الأدوار المنوطة بهم في إطار احترام للنصوص القانونية المؤطرة (المرسومين 376 و854، الميثاق الوطني للتربية والتكوين...)، ورؤية تبصرية لمستقبل المؤسسة المنشود (مدرسة الجودة وتكافؤ الفرص) في انسجام مع التوجيهات الرسمية (الخطابات الملكية، توجهات الوزارة...)، وتدبير متمحور حول النتائج المتعاقد بشأنها (تحسين المردودية الداخلية، الحد من تأخرات الأساتذة وغيابهم، انخراط شركاء خارجيين لضمان الأمن في محيط المؤسسة) والعمل على تحقيقها بتراكم نتائج وسيطة (ارتفاع نسب الحاصلين على المعدل، تقلص ملحوظ في نسب التأخر والغياب، انخراط المتعلمين في أنشطة الحياة المدرسية، تفاعل السلطات الأمنية والسلطات المحلية مع دعوات المؤسسة لتطهير محيطها من الأخطار...) طيلة الموسم الدراسي.
ومن أجل عقلنة هذا التقويم التطويري بالثانوية الإعدادية المذكورة، على المدير وفريق العمل أن يلتزموا بالخطوات التالية:
"تقويم تشخيصي" مُتأنٍّ مؤسسٌ على الشفافية والنزاهة في تقديم معطيات حقيقية وكافية مستقاة من مصادر رسمية (تقارير المجالس، بيانات مسار، إحصائيات من المديرية، محاضر معاينة الممتلكات...)، ومعتمدٌ على أدوات متنوعة لتحليل البيانات والمعطيات، حتى يجتنبوا الارتجالية والانطباعية في اتخاذ القرارات والأحكام، ويقفوا بحق على الاختلالات التي تطبع تدبير المؤسسة (هدر زمن التعلم، تدني مستوى المتعلمين، غياب التواصل الإداري والتربوي...)، ويتمكنوا من تصنيفها وتحليلها، ويقتنعوا بضرورة العمل على تجاوزها عاجلا غير آجل.
"تحديد الأولويات": بعد رصد الاختلالات وتحليلها وتصنيفها، يركز أفراد فريق العمل على جوانب فيها تحظى بالأولوية في المعالجة (تدني مستوى المتعلمين، تواتر تأخرات الأساتذة وغيابهم بفعل عدم الاستقرار، البحث عن شراكات حقيقية لحماية المؤسسة ومحيطها)، فيترجمونها إلى نتائج ونتائج وسيطة ومؤشرات، ويعبئون كافة الموارد الممكنة لتحقيقها اعتمادا على إمكانات المؤسسة ومواردها الذاتية من أطر متحمسة وأرصدة في الجمعيات وبنايات متوفرة في حالة جيدة (نقط القوة)، وأيضا على موارد خارجية يتيحها محيط المؤسسة (فرص) من شراكات حقيقية واهتمام مشترك بقضايا المؤسسة...
"صياغة لوحة القيادة": يترجم أعضاء الفريق النتائج وآليات تحقيقها المتعاقد بشأنها في إطار لوحة قيادة التقويم التطويري واضحة تحدد المجال المعين والمعيار المستهدف والمؤشرات الدالة عليه، وأدوات التقويم المعتمدة، في وثيقة رسمية تندرج ضمن مكونات السبورة المرجعية للمدير وللحارس العام، وتكون رهن إشارة جميع المتدخلين والمعنيين قصد الاطلاع والأجرأة والتتبع.
إعداد يحي قشار
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.