الدخول المدرسي الجديد والحياة المدرسية
تعزيز التفتح بوابة عبور أساسية للنهوض بالمنظومة التعليمية
ــ نورالدين الطويليع ــ أستاذ بمركز التفتح الفني للتربية والتكوين باليوسفية profpress
وضعت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة خارطة طريق، لإصلاح التعليم، تمتد من 2022 إلى 2026, وفق رؤية تستحضر ثلاثة أهداف رئيسة، تتمثل في:
ـــ تحقيق إلزامية التعليم بما يساهم في محاربة الهدر المدرسي.
ـــ ضمان جودة التعلمات بشكل يفضي إلى رفع نسبة النجاح.
ـــ تعزيز التفتح والانفتاح والمواطنة عبر توسيع الاستفادة من الأنشطة الموازية.
نعتبر الهدف الثالث قطب الرحى الذي من شأن الاهتمام به، ومنحه صفة الأولوية أن يساهم في تحقيق الأهداف الأخرى، وأن يكون رهانا ناجحا لإصلاح المنظومة التعليمية، وتزويدها بطاقة حياتية متجددة قادرة على تخليصها من أعطابها الحالية، ووضعها في مسارها الصحيح، ولعل الوعي بهذه القيمة الاستثنائية للحياة المدرسية هو ما حذا بالوزارة إلى وضعها ضمن خارطة طريقها، وهذه نقطة إيجابية، لأن الوعي بالشيء شرط أساسي لتحقيق التغيير، ومن مظاهر هذا الوعي تشخيص وضعية الحياة المدرسية في المؤسسات التعليمية، فعلى الرغم من كل الجهود المبذولة، ما يزال ثلاثة أرباع من التلاميذ خارج نطاقها، والربع فقط هم من يشاركون في أنشطتها، وهي نسبة تنطق بواقع سمته العزوف عن الحياة المدرسية، والغرق في دوامة الرغبة في النجاح، والجري وراء الأرقام والمعدلات المرتفعة، وسجن الذات في المعرفة الرسمية، فكثير من التلاميذ المتميزين، ووراءهم آباؤهم وأولياؤهم يحملون تمثلا سلبيا للأنشطة الموازية، ويرون فيها عقبة شاغلة عن التحصيل الدراسي، وعن الاستعداد للفروض والامتحانات، مما يستوجب تدخل كل الأطراف المعنية بالشأن التعليمي لتصحيح هذا الانحراف، وإظهار الوجه المشرق للحياة المدرسية، وتجلية دورها في خلق الانفراج التربوي، وتحقيق الإمتاع للتلميذ، وتخلصيه من رتابة الدروس، وتمكينه من الانفتاح على المحيط الاجتماعي والثقافي، وجعله قادرا على الاندماج وأخذ المبادرة، وعلى الإبداع والابتكار.
السمة العامة لتلميذ اليوم، في صورته النموذجية، هي الحصول على معدل جيد، والالتحاق بأحد المعاهد الجاذبة، وولوج سوق الشغل في نهاية المطاف، وهنا انتهت الحكاية، وقَبَرْنَا معها مهارات حياتية كان حَمْلُ هذا التلميذ لها ممكنا، وفي المتناول، ليكون سفير المدرسة الدائم في محيطه السوسيو ثقافي، وكنا سنربح بذلك مواطنا، لن يكتفي بتدبير حياته الشخصية بعد حصوله على منصب شغل، وإنما سيدبر من خارج المدرسة واقعا ثقافيا وفنيا، سيحتضن، لا محالة، متعلمينا ومتعلماتنا، وستجد المؤسسة التعليمية بهذا الصدد سندا ودعما، سيخفف عنها العبء، ويدفعها إلى مزيد من الريادة، ومن فرض الذات، والرابح في الأخير هو الوطن الذي سيسعد بأبنائه المثقفين والمفكرين والفنانين والكتاب والمبدعين.
هذا التطلع ليس أضغاث أحلام، وإنما هو أمل مشروع، يحتاج فقط إلى تخطيط وتدبير ومؤسسات حاضنة، وأخص بالذكر مراكز التفتح الفني للتربية والتكوين التي أحدثت في سياق تنفيذ الرؤية الاستراتيجية 2015ــ2030 الرامية إلى إصلاح منظومتنا التعليمية، فهذه المراكز بنيات مناسبة للتنشيط الثقافي والإبداعي، وإذا توفرت لها شروط العمل ستكون قادرة على تلبية حاجيات المتعلمين في مجال التنشيط التربوي، لأنها تتوفر على أطر مختصة في مجالات فنية حيوية، قادرة على البذل والعطاء ومواكبة المتعلمين الموهوبين، وتوجيههم التوجيه الأمثل، ليكونوا في مستوى تطلعات الفاعلين التربويين، وليحملوا معهم بذرة الإبداع إلى مؤسساتهم التعليمية، ويشاركوا زملاءهم تجربتهم. ومما ييسر سبل نجاح هذه المراكز طبيعة اشتغالها الإبداعية التي تختلف عن طقوس القسم؛ فبسبب اعتبارات الضبط والرغبة في التحكم في سير العملية التعليمية التعلمية تحضر الصرامة التربوية في الفصل الدراسي والمؤسسة التعليمية، بخلاف مراكز التفتح التي تمنح المتعلمين هامشا كبيرا من الحرية، ولا يدخل في اعتبارها معيار المعدل والنجاح وعتباته، ولا تحاصرها اهتمامات متفرعة ومتشابكة، بل يحضر هاجس واحد هو هاجس التفوق الفني والإبداعي، وتحقيق ثورة تربوية في الشق المتعلق بالحياة المدرسية، وهذه مهمة سهلة للغاية، وتحتاج فقط إلى مواكبة متعددة، تبتدئ من وزارة التربية الوطنية وأكاديميتها ومديرياتها، وتمتد لتشمل وزارات أخرى مثل وزارة الثقافة، ومصالح جهوية وإقليمية، تشمل العمالات والأقاليم، ومجالس الجهة، والمجالس الإقليمية والمحلية، لأننا بصدد ورش وطني كبير، ولا يمكن لجهة واحدة أن تلبي جميع حاجاته ومتطلباته، لاسيما المتطلبات المادية المرتبطة بالتجهيزات ووسائل الاشتغال التي تساعد المشتغلين في هذه المراكز على تحقيق أهدافهم التي تصب في خانة ترسيخ القيم والمبادئ الجمالية والفنية بالتنسيق مع المؤسسات التعليمية، خصوصا ممثلي الحياة المدرسية الذين يبقى لهم دور مركزي في نقل الأجواء والطقوس الإبداعية إلى مؤسساتهم عبر شرايين الأندية التربوية، وفي التفاعل مع برامج مراكز التفتح، واقتراح رؤى إبداعية جديدة، وخلق أنشطة موازية إلى جانب زملائهم بالمؤسسة، لأن مراكز التفتح لا تلغي، ولا يمكن أن تلغي، الحياة المدرسية بالمنبع (المؤسسات التعليمية)، بل إن العمل يبدأ من هناك ويتمدد، ليجد المراكز حاضنةً له، وقد يبدأ من هذه الأخيرة، ويجد في المؤسسات التربوية الملعب الذي يوفر اللاعبين (التلاميذ الموهوبين)، والمشجعين (باقي التلاميذ)، والساهرين على نجاح المباراة (الأطر الإدارية والتربوية)، والمشرفين (المديريات الإقليمية)، والمحتضنين (مختلف الشركاء الداخليين والخارجيين).
نؤكد ختاما أن الرهان على الحياة المدرسية لإصلاح المنظومة التربوية رهان ناجح إذا توفرت الإرادات، وساهم كل واحد من جانبه في توفير مؤسسات مواتية للتفتح، وهذه أمانة ملقاة على عاتقنا جميعا، ولن تكلفنا كثيرا إذا تسلحنا بقيم المواطنة والغيرة على المنظومة التربوية، والاستعداد للانخراط في العملية لوجه تلميذ متعطش إلى الجمال والإبداع.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.