إشكالية العلاقة بين بين المطلب الحقوقي والبيداغوجي
ذ ملاك مصطفى
إن الحقل القانوني والعلمي بفروعه البيولوجية والنفسية؛ وغيرها من العلوم المتصلة بالإنسان، تؤكد على تداخل الحقوق البدنية والفكرية والنفسية . بحيث تنظر إلى الإنسان ككينومة آدمية يجب احترام آلياتها وعناصر تواجدها وحماية بقائها. أما الشرع فهو واضح على ضوء نصوص القرآن والسنة. إذ وردت مصطلحات كثيرة مثل التكريم، الرعاية، المساواة، العدل...الخ
و لابد في اعتقادنا من تحديد بعض المصطلحات المرتبطة بالحقوق حتى نستوضح الصورة.
تعتبر الحقوق: مجموعة من الامتيازات المتأصلة في الإنسان، والتي تميزه عن باقي المخلوقات . وتضمن له حق الاحترام والتكريم والحماية . أما العناصر التي تنتفع بالحقوق داخل الكيان البشري، فهي: (الجسد/ العقل/ الاعتقاد) . وكل واحد من هذه العناصر يتفرع إلى مجموعة من المكونات تتداخل فيما بينها بشكل بنيوي .
. وتبقى هذه الحقوق ذات بعد إنساني.
من هذا المنطلق ، نطرح السؤال التالي : ماهي الجهات المسؤولة عن حقوق الإنسان؟
إنها الأسرة و المدرسة و المجتمع و مؤسسات الدولة. غير أن هذه الجهات تكون أحيانا عاملا في إجهاض تلك الحقوق. وتشكيل كتل رملية من المعيقات سواء في المناهج التربوية ، أو في المدرسة باعتبارها مساحة واسعة تتعرض فيها الحقوق الى التآكل تحت غطاءات ولبوسات معينة. علاوة على أساليب قد ترقى إلى الترهيب؛ والتخويف ومصادرة الحريات، وما يتبعها من أشكال الحجر والوصاية ولجم الألسنة؛ في أحيان كثبرة. .
المعيقات في المجال التربوي:
وتبدأ بالمناهج التي قد تؤسس فصلا آخر من فصول الإساءة إلى آدمية الكائن البشري، وترويج ثقافة الخوف والصمت ، والانطوائية، و مباركة ما هو كائن دون نقد أو احتجاج.
هذه العوامل وغيرها تعتبر ألغاما مزروعة وحدودا فاصلة بين الواقع والمأمول؛ كما أنها تؤثر سلبا على ثقافة الحق والواجب، ويمكن أن نذكر معيقات أخرى كالأسرة ، وكذلك جزء لا يستهان به من الموارد البشرية العاملة في الحقل التربوي؛ و التي تنقل عقدها ومشاكلها إلى الفضاء المدرسي
فالتربية في أبسط تعار يفها هي نقل الخبرات والتجارب من جيل إلى آخر. وهي في نهاية المطاف سعي نحو التغيير في السلوك والفكر والممارسة . ومن هذا المنطلق نعتبر الفضاء المدرسي مجالا واسعا للتربية على حقوق الإنسان. لكن هل واقع المؤسسات التعليمية يسمح بإشاعة تلك القيم الإنسانية المرتبطة بالحقوق؟
الإجابة عن هذا التساؤل ستدخلنا في نفق تتعدد مساربه ، والتواءاته. فالحياة المدرسية تتداخل فيها كثلة من الطاقات البشرية ، وترسانة من القوانين و المذكرات التنظيمية . وإذا ألقينا نظرة على طبيعة المتدخلين في الشأن المدرسي؛ سنلاحظ ذلك التناقض الكبير بين ما هو كائن، وما يجب أن يكون. ويمكن أن نشير على سبيل المثال إلى :
الاكتظاظ :
تضيع معه حقوق التلميذ إضافة إلى غياب أبسط الضروريات الترفيهية والتثقيفية والصحية
طبيعة المناهج الدراسية:
فارغة في محتواها ، مرهقة في موضوعاتها ، و داعية إلى الاستكانة و واليأس، والعبثية أحيانا. كما أنها غير مرتبطة بهموم التلميذ، وبإكراهات الواقع
# طرق التدريس:
مبنية على التلقين، والتصادم، وغياب الثقة، واللاجدوى أحيانا.
# شروط العمل داخل المؤسسة:
_ عدم الإحساس بالراحة النفسية، وكثرة عوامل الكراهية والنفور. باختصار، هي عوامل تساهم في غياب الحوافز و كل أسباب تحبيب المدرسة والتمدرس.
# أنظمة الامتحانات المبنية على الموسمية والإقصاء والعشوائية. فماذا
قدم المنهاج للمتعلم والمدرس والمجتمع؟
يجب الاعتراف أولا بوجود أشياء كثيرة مهمشة داخل المنهاج الدراسي ببلادنا. كما أن الظروف المادية والنفسية التي يشتغل في إطارها المدرس لا تسمح له بأن يلتزم حرفيا بالتعليمات الرسمية وشبه الرسمية. وهنا يتأجج داخلنا الشعور بالحاجة إلى التساؤل :
- ما نوع التعلم الذي نريده للمتمدرس؟
- ما نوع التعلم الذي تلقاه المدرس؟ وما هي طبيعة تكوينه التربوي؟
- ما نوع التنشئة الاجتماعية والمهنية للمدرس والمتعلم؟
- ما هو حجم الإمكانات والوسائل المتاحة لانجاز المهام الدراسية؟
فالملاحظ أن سياساتنا التربوية لم تكن تأخذ بعين الاعتبار الشروط الحقيقية لتنفيذ المشروع الدراسي. كما أن المنهاج عندنا لا يعكس بصدق ما يعج به المجتمع، وما تتطلبه ظروف المنافسة الثقافية والحضارية في عالم أصبح فيه الابتكار العلمي وصراع الهوية احد مكونات البقاء أو الذوبان الحضاري. وانطلاقا من تجربتنا المتواضعة في الحقل التربوي نلاحظ ذلك الغياب الرهيب للخصوصيات التي ينفرد بها المجتمع المغربي. ذلك أن مشاريعنا التعليمية تسكت عن مجموعة حقائق معيشة، وتكتفي بإظهار ذلك الوجه المقنع للمجتمع. في حين يقع التغافل عن أنماط حياتية لدى شرائح واسعة. ومن جملة ما يسكت عنه المنهاج:
- أزمة الشغل
- اتساع الهوة بين المدرسة وإكراهات الواقع
- انحراف كثير من المتمدرسين
- ازدياد مظاهرالنفورمن المدرسة
- تراجع ثقة الآباء و الأمهات في التعليم العمومي
- عدم قدرة المدرسة على إشباع حاجات المتعلم
- إشكالية الفقر
- الهروبية إلى عوالم غرائبية دون مراعاة الضوابط الأخلاقية والدينية والاجتماعية
وإذا حاولنا في عجالة حصر ما قدمه المنهاج لأطراف العملية التعليمية التعلمية، فإننا نصطدم بالحقائق الآتية:
أ. بالنسبة للمتعلم
يؤكد الواقع التعليمي عندنا أن المتعلم قد فقد استقراره النفسي بسبب حالات القلق؛ والخوف من الآتي. وبالتالي يتولد عنده الضجر، العزوف ، الخوف. فيتحول سلوكه من الفضول المعرفي إلى العدوانية أحيانا والانطوائية أحيانا أخرى. وفي كلتا الحالتين يتولد عنده إحساس قاتم بعبثية التمدرس. فتكون الحصيلة انه يؤسس لنفسه معرفة خاصة به. وبالمقابل يرفض كل معرفة تأتيه من المدرس أو المادة أو الإدارة.
ب. بالنسبة للمدرس
فهو بسبب ظروفه المادية؛ وإحساسه بالحيف؛
أصبح محبطا. لأنه يعرف مسبقا عدم جدوى ما يقدمه للتلاميذ. ثم انه يحاول جهد الإمكان إتمام الوحدات الدراسية في وقت معين دون التفكير في المردودية. فتغيب بالتالي حوافز الممارسة البيداغوجية، وتنعدم روح التغيير والابداعية. كما يقع الاكتفاء بتبني موقف سلبي من المادة والتلميذ والمؤسسة. وهذه المواقف تؤثر في علاقته بجماعة القسم، وبطريقة تقديمه للمادة ، وفي خطابه وحركاته؛ و معايير تعامله مع الاشكال التقويمية.
جـ. بالنسبة للمجتمع
يعطينا ذلك المشروع الدراسي الذي وصفناه سابقا تلاميذ معاقين فكريا. لان غياب التوافق بين قيم المدرسة والقيم الخارج مدرسية يؤدي إلى تقاطع حاد بين ذلك التصور المثالي للمجتمع والفرد الذي تلفظه المدرسة. ولعل شيوع ظاهرة التسكع في أوساط الشباب تؤكد سلبية نظامنا التعليمي وعدم جدوى التنشئة المدرسية والاجتماعية. وتبقى النتيجة هي أن الفقر الفكري يتناسل مع الفقر الاجتماعي. الشيء الذي ينتج كل أشكال الانفصام الذاتي والارتماء في أحضان اللهو ؛ و َتمجيد الاغاني؛ والافلام التي تشجع على الانحراف.
خـــــــــلاصـــــــــة
لقد أصبحت الحاجة إلى تجديد المعرفة مسألة ضرورية ، لكي تتضح ملامح البيداغوجيا الهادفـة
التي تراهن على المتعلم باعتباره الرأسمال الحقيقي في بناء المجتمع. وهذا الطموح مرتبط بالإصلاح والتغيير، والتكوين، وإعادة التكوين. وأما الإصلاح ، فهو مسألة موكولة للدولة ، وبمساعدة ومباركة المجتمع ، وبإشراك نساء ورجال التعليم. وأما التغييرفهو ضرورة اجتماعية وفكرية وأخلاقية. وأما التكوين، فلا بد له من تخطيط ممنهج يساير التطور العلمي ، وحاجة السوق الثقافية العالمية .
أما بالنسبة لإعادة التكوين فلنا فيها وجهة نظر تتلخص في:
- تحديد نوع وحجم وطبيعة التكوين
- رسم أهداف التكوين
- تحديد الحاجيات والفئة المستهدفة
- وضع اختيار منهجي يضبط عملية وطريقة وأدوات التكوين
نوعية القائمين على التكوين ومستواهم المهني أو الاحترافي
فإذا كانت هذه المطالب تتجاوز اختصاصنا كمدرسين باعتبارها موكولة إلى هيئة تنظيمية ذات مسطرة إدارية وقانونية، ومالية ، فإنها تعطينا الحق كمربين في طرح بعض الاقتراحات النابعة من همومنا المهنية.
فالتكوين المستمر ليس مجرد تجمع بشري موزع إلى خبير مكون ، ناقل للمعرفة ، ومستهدف محتاج إليها ، وإنما هو ورشة عمل تتكامل فيها الخبرة النظرية بالتجربة الميدانية . وبالتالي فالتكوين الصحيح في نظرنا يقوم على:
- عقلنة التأطير بأسلوب علمي بعيد عن العشوائية والارتجال
- تحديد أهداف التكوين وفق الضرورة ، وما قد يطرأ من مفاجآت
- طرح مستجدات تربوية بعيدة عن موضوية الاستهلاك الآلي للنظريات الأجنبية ، وبدون مبررات
- الحرص على تغير عقلية المستهدف بالتكوين، بما يتلاءم وروح العصرنة ، وعالمية المثاقفة
- السعي إلى خلق المدرس الباحث المسكون بالتجريب، وليس المدرس الملقن بشكل آلي ، ومبتسر
أما ما يخص المجال المعرفي؛ أو مادة التكوين، فمن الافيد أن يكون التكوين على مرحلتين:
مرحلة التكوين التربوي: ويتجه إل عنصرين:
# الجهاز المفاهيمي: وهو ما يتعلق بالتصورات التربوية الفعالة ومستجدات علوم التربية.
# الهندسة البيداغوجية: كيفية بناء الدروس ، وطريقة التعامل مع التلميذ، وتكييف المحتوى وفق واقع القسم المغربي، وكذا أشكال الاختبارات وما يتبعها من تصحيح ودعم وتقويم
مرحلة تعميق التخصص: ونقصد بها:
_ دفع المدرسين إلى تجديد معارفهم بمادة التخصص
_ إعادة النظر في تلك الأسلحة المعرفية، أو تكييفها مع الإكراهات الراهنة.
إن الحياة المدرسية مشروع إنساني لا يقبل التأجيل أو الحسابات الضيقة. وإلا سيكون لصدمة الإجهاض أثر سلبي،في الوقت الذي أدركت فيه دول العالم أن رهان القوة يبنى على حرب جديدة هي حرب التعلم.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.