كل عام وكل يوم والعربية بخير
بقلم: فتحي حسن ملكاوي
عضو مجمع اللغة العربية الأردني
وفي اليوم العالمي للغة العربية 18 كانون أول (ديسمبر) من كل عام
نقول
كل عام واللغة العربية بخير وعافية.
نحن ندعو بالخير للغة العربية. لكن علينا أن نعترف بأن اللغة العربية ليست بالخير الذي نأمله، فالخير الذي نريده للعربية لا حد له، فكلما وصلنا بالعربية إلى مستوى معين يكون واجبنا أن نرتقي بها إلى مستوى أفضل وأكرم.
نريدها لغة التدريس في كل المواد في المدارس والجامعات.
نريدها أن تزين أسماء وعناوين المحلات التجارية في شوارعنا في كل مكان.
نريدها أن تثري وتغني المحتوى الرقمي العربي على الشابكة لتنشر المضامين الفكرية والثقافية العربية فيها.
نريد أن تترجم مضامينها إلى اللغات الأخرى ليكون التواصل الثقافي في اتجاهين.
نريدها لغة التخاطب والتحادث بين أبنائنا في كل شؤونهم.
نريد لجيل الأبناء في مجتمعاتنا العربية أن يستدرك ما لم يتمكن الآباء والأجداد أن يحققوه.
أمّا المسؤول عن حماية اللغة العربية؟
• فليس لدينا أي فرد أو مؤسسة في المجتمع بريء من مسؤولية الارتقاء بمستوى حضور العربية في حياتنا وفي حياة العالم، فكل أهل اللغة مسؤولون عن حمايتها واستعمالها، وإغنائها بالألفاظ والتراكيب والمعاني والمضامين الفكرية والحضارية.
• ينحو بعضنا باللائمة على الحكومات والقرار السياسي عند الحديث عن عدم توفر العناية الكافية باللغة العربية السليمة، وغلبة العامية في الاستعمال اليومي، وحتى في التعليم، ووسائل الإعلام وسيطرة اللغة الأجنبية في التعامل التجاري والأسواق. حتى أصبحنا نعيش في حالة من الفوضى اللغوية والعجز اللغوي. ولا شك في أن القرار السياسي ضروري ومهم، لكن المسؤولية مشتركة بين جميع أبناء اللغة في مختلف مواقعهم ومسؤولياتهم، وعلى سبيل المثال:
• كل مدرس في المدرسة، وكل أستاذ في الجامعة يستطيع أن يتحدث بلغة عربية سليمة، مهما كان اختصاصه العلمي، لا يمنعه من ذلك إلا عجزه، وعدم كفاءته، والقاعدة التي كنا نرددها دائماً أن كل معلم هو معلم للغة العربية. فالأساس في اللغة هو الكلام المسموع. ثم تأتي الكتابة والقراءة.
• رؤساء الجامعات مسؤولون عن عدم تطبيق القوانين والتشريعات التي تُلزم باستعمال اللغة العربية في تدريس جميع المواد، مع بعض الاستثناءات، لكن الذي يحصل أن الاستثناء يصبح هو الأصل. ولو اتفق رؤساء الجامعات على قرار مشترك باستعمال اللغة العربية في تدريس جميع المواد، لكان ذلك أقوى من أي قرار سياسي، لكنهم لا يتفقون، وربما لا يجرؤون!
• الآباء والأمهات في الأسرة والعائلة يستطيعون أن يرضعوا أبناءهم حب اللغة العربية والمهارة في استعمالها، ولا يمنعهم من القيام بذلك أي مانع غير عدم اهتمامهم، وضعف همتهم.
والاهتمام باللغة العربية لا يعني إهمال تعليم وتعلم اللغات الأجنبية، فذلك فرض كفاية على كل مجتمع أن يتقن نفر من أبنائه اللغات الأخرى في العالم بالقدر الذي يحقق للمجتمع ما يلزم من أشكال التواصل الثقافي والحضاري. ولله در صفي الدين الحلّيّ حين يقول:
بِقَدرِ لُغاتِ المَرءِ يَكثُرُ نَفعُهُ فتِلكَ لَهُ عِندَ المُلِمّاتِ أَعوانُ
تَهافَت عَلى حِفظِ اللُغاتِ مُجاهِداً فَكُلُّ لِسانٍ في الحَقيقَةِ إِنسانُ
اليوم العالمي للغة العربية
في مثل هذا اليوم 18 كانون أول (ديسمبر) ا من عام 1972. وقد أصبحت العربية اللغة السادسة من اللغات الرسمية في منظمة الأمم المتحدة، وقد اختير هذا اليوم تحديداً لأنه اليوم الذي اعتمدت فيه العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة، وذلك عام 1973. (مع اللغات الخمس الأخرى الإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية والإسبانية.
يلفت النظر أن اللغات الست الرسمية في الأمم المتحدة لها أيام دولية للاحتفال بها. لكن كل يوم من هذه الأيام يمثل مناسبة تاريخية مهمة في حياة اللغة، وهو تاريخ محدد مسبقاً. فيوم الاحتفال بالإنجليزية هو يوم ميلاد وليام شكسبير، ويوم الاحتفال بالروسية هو يوم ميلاد الشاعر الروسي ألكساندر بوشكن، واليوم العالمي للاحتفال باللغة الصينية هو يوم صيني لتخليدا ذكرى سانغ جيه مؤسس الأبجدية الصينية، واليوم العالمي للاحتفال باللغة الفرنسية هو اليوم الدولي للفرانكفونية. أما في حالة اللغة العربية فهذا اليوم لا علاقة له بتاريخ اللغة وتاريخ العرب ولم يكن باختيار العرب، إلا إذا اعتبرنا اليوم الذي قررت فيه الأمم المتحدة اعتماد اللغة العربية لغة رسمية هو يوم تاريخي!
مزايا العربية
صحيح إن لكل شعب لغة يعتز بها ويعدها من أبرز عناصر هويته، لكن اللغة العربية تمتاز بكثير من المزايا التي تتجاوز مزايا غيرها من اللغات،
1. فقد أصبحنا عرباً لأنَّ العربيةَ هي لغتنا الأم التي أعطتنا هويتنا واسمنا العربي.
2. ثم إنها اللغةُ التي اختار الله أن يُنزِّل بها آخر كتبه على آخر أنبيائه، فأصبحت لغةً مهمَّةً لكلِّ مؤمن بهذا الدين.
3. وهي لغةٌ متميزةٌ بكثرة مفرداتها، وطرق اشتقاق هذه المفردات، وبما أنتجه وينتجه أدباؤها وشعراؤها من فنون لغوية.
4. ولعلَّ اللغة العربية هي أقدم اللغات تاريخاً من حيث قدرة الناطقين بها اليوم على فهم ما كان ينطق بها الأجدادُ الأقدمون منذ آلاف السنين.
مفارقة عجيبة: من المفارقات العجيبة، أننا نجد تراجع اهتمام العرب بلغتهم، نجد اهتمام كثير من الشعوب الأخرى بها. في الوقت الذي يضعف فيه اهتمامنا بالعربية وهي لغتنا القومية والدينية والوطنية، نجد تزايداً مذهلاً في برامج تعليم العربية للناطقين بغيرها، في البلاد العربية والبلاد الأجنبية وفي الشابكة العالمية الانترنت، ويعزى هذا الاهتمام لأسباب مختلفة منها أسباب سياسة واقتصادية وإعلامية، لكن ثمة أسباباً دينية وثقافية كذلك. حتى إنها أصبح تجارة مجدية في كثير من الحالات.
المحتوى الرقمي على الشابكة:
يعاني هذا المحتوى من ضعف في الكم والكيف، إذ لا يزال حجم المحتوى الرقمي العربية قريباً من الواحد في 1% في حين أن الناطقين بالعربية في العالم حوالي 5.5%. أما من الناحية الكيفية فمعظم مضامين هذه المحتوى ليست ذات قيمة علمية وحضارية وثقافية يعول عليها فالمواقع التي تهتم بالأدب والعلم والفن والإبداع الثقافي والشعر والترجمة عاجزة عن اللحاق بالرياضة مثلاً. ثم إن 80% من المحتوى الرقمي العربي هو مادة مكررة.
اللغة العربية عامل توحيد بين العرب:
يبدو أن اللغة العربية هي العامل الوحيد الآن لأي نوع من الوحدة بين العرب، بعد أن أخذت كل العوامل الأخرى، تتآكل شيئاً فشيئاً، حتى التاريخ أصبحت كل دولة عربية تصنع تاريخها الخاص بها، الذي يبدأ منذ تقرر وجودها في صورة دولة مستقلة وتحددت حدود معظم هذه الدول بإرادة خارجة عن شعوبها. لكن هذا العامل التوحيدي أخذ بالضعف كذلك، إذ تتزايد أهمية اللغات الأجنبية واللهجات المحلية لتصبح في بعض البلدان منافسة للعربية.
تحديات كثيرة تواجه اللغة العربية:
أهم هذه التحديات اليوم هو السرعة التي يتضاعف بها حجم المعرفية البشرية، كانت تتضاعف كل قرن، ثم أخذت تتضاعف كل ربع قرن ، ثم في كل ست سنوات، ثم بعدد من الأشهر، والآن تفيد التقارير والإحصائيات أن حجم المعرفة في بعضها المجالات العلمية والتقانية يتضاعف كل 12 ساعة.
ومن أهم التحديات كذلك أن التشريعات لا تزال عاجزة عن حماية اللغة العربية حتى بعد إنجاز التشريعات اللازمة، التي لا تجد فرصة لتفعيلها وتطبيقها عملياً.
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.