خاصو صباط في مدينة الرباط: سيميوطيقا الصورة

الإدارة Januar 19, 2023 Januar 19, 2023
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A


 خاصو صباط في مدينة الرباط: سيميوطيقا الصورة 
 
 د. فؤاد هراجة
(باحث في الفلسفة والأخلاق)

في علم السيميائيات semiotics الذي يهتم بدلالة العلامات ومعانيها تكتسي الصورة أهمية بالغة وتأخذ مبحثا كبيرا في هذا العلم يسمى ”سيمولوجيا الصورة“، باختصار في هذا العلم تتحول الصورة وخاصة الفوتوغرافية إلى ”رمز“ و ”مؤشر“ و”دلالة“ و”أيقونة“ و”علامة“ بحيث تصبح الصورة طريقا إلى تجلي المعنى وكشف المبنى، أي تصبح الصورة ذلك الجزء الذي يعبر عن الكل. من هذا المنطلق العلمي نستدعي صورة العداء الصغير ريان لتفكيك رموزها وقراءة مؤشراتها والوقوف عند دلالاتها. لقد أضحى إسم ريان قبل صورته اسما يحيل في الثقافة المغربية على وضع متأزم حد الموت تعقبه حالة من التعاطف والتعاون من أجل حل الأزمة.  

▪️ صورة الطفل العداء الصغير ريان هي ”رمز“ و”علامة“ تدل على الأسرة المغربية التي بلغت من الفقر درجة لا تستطيع معها تأمين حذاء لطفلها (سباط في مدينة الرباط) ومن وراء هذا العجز تخيل ما شئت من الحاجيات والضروريات التي تفتقر إليها نسبة معتبرة من الأسر المغربية.
 ▪️في الصورة الطفل ريان يرتدي قميصَ المنتخب الوطني المغربي الذي بلغت إنجازاته الآفاق وتبنت نجاحاته أكاديميات، لتعبر الصورة عن زيف الادعاءات، فكم من أكاديمية نحتاج لملايين الفقراء؟

▪️في صورة الطفل ريان الحافي القدمين ومن خلالها نتساءل كيف قضى ريان ليلة السباق داخل الكوخ ”البراكة“ وما هو فراش نومه؟ وماذا كانت وجبة فطوره إن كانت؟ وكيف وصل إلى مكان السباق؟
▪️في الصورة الطفل ريان وفوق رأسه إشهار لشركة كبيرة والسؤال ما هو دور هذه الشركات التي تمتص دماء المغاربة وتستنزف جيوبهم إن لم تغطي نفقات هذه التظاهرات بتوفير النقل والبذلات الرياضية والغذاء المناسب والاحتضان بكل صوره.
▪️في صورة الطفل ريان الحافي القدمين نتساءل عن دور الجمعيات الرياضية التي لها صندوق خاص في كل مؤسسة، كيف لم يتم الانتباه لمشارك في هذا السن من قبل المنظمين.
▪️ في روح صورة الطفل ريان إصرار عداء صغير وتحديه لكل العقبات من أجل الوصول وإن كلفه ذلك التضحية بجسده، وهنا يكون ريان ”أيقونة“ لكل المغاربة صغارا وكبار الذين يتحدون الواقع في صمت لتحقيق ما يمكن تحقيقه في هذا الواقع البئيس. فرغم قلة اليد احتل المركز الثالث، فكيف لو توفرت له الظروف والإمكانيات؟
 ▪️صورة الطفل ريان تختزل لنا العديد من الأبطال الذين مروا من نفس المضمار حفاة الأقدام لكن عدسات الكاميرا لم تلتقطهم، فلما حققوا نجاحات لعبوا تحت رايات دول أخرى كفرنسا والبحرين وبلجيكا وهولندا...، هاجروا جنسيتهم باحثين عن حضن دولة تعترف بكفاءتهم.
 ▪️في صورة العداء الصغير ريان الحافي القدمين كل مؤشرات انعدام العدالة الاجتماعية، ولئن كان ريان يقطن حيا من أحياء مدينة الأنوار الرباط التي يبنى فيها أعلى برج في أفريقيا، فكيف هم أطفال المغرب العميق شرقا وجنوبا وفي الأرياف، هناك حدث ولا حرج واسألني أنا الذي درست خمس سنوات في بلدة فم الحصن بداية تسعينيات القرن الماضي بإقليم طاطا وقد زرت معظم دواويرها( فم زݣيد، أقا يغن، تيسينت، أقا، تيمولاي، إيشت، سموݣن، ايغير اوغناين تمانارت...) ووقفت على حالة الأسر والأطفال فيها، وما هي إلا صورة مكررة لكل مناطق المغرب المنسي والمهجور من طرف الإدارات المركزية.
 ▪️صورة العداء الصغير ريان تقودنا علاماتها إلى أن السياسات الاقتصادية والتنموية لا تعرف طريقها إلى الفئات الهشة بل تزيد جيوب المقاولات ومكاتب الدراسات المحظوظة انتفاخا.
▪️صورة العداء الصغير ريان تسائلنا حتى متى سنظل ساكتين على هذا المنكر الفضيع في دولة تزخر بأكبر احتياطي للفوسفاط في العالم، وتمتلك بحرين ومناجم للذهب والفضة وغيرها من الثروات الطبيعية التي بإمكان عائداتها أن تمحي كل آثار الفقر في المغرب. 
▪️ الصباط في الثقافة المغربية يحيل على المستوى المعيشي، فكلما كان صباطة أو تصبيطة رفيعة المستوى كان الحال عنوانا للعيش الرفيع، وكلما كانت من النوع المتدني دلت على المستوى الضعيف، أما إذا انعدمت كما هو الحال مع العداء الصغير ريان الذي أضحى يرمز لكل فقراء المغرب، فإننا نعيش تحت خط الفقر بدركات عديدة تقتضي اليقظة والحذر قبل فوات الأوان. لهذا فإننا عندما نردد عبارة ”خاصو صباط“ فإننا تقصد أن المواطن في حاجة ماسة إلى كل ضروريات العيش التي أصبحت متجاوزة عالميا في ظل الموجة الخامسة لحقوق الإنسان.
هذه الصورة فكما هي رمز وعلامة ومؤشر  في علم السبميائيات فهي في علم الشريعة حجة علينا جميعا رؤساء ومرؤوسين كيف نبيت شبعى مكسيين آمنين داخل البيوت من حر الشمس وقر البرد وقطرة المطر وجيران كُثُرٌ لنا محرومون من أدنى شروط العيش لا يمتلكون حتى سباط في مدينة الرباط، فأي إيمان ندَّعيه والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لايؤمن، قيل من يا رسول الله، قال: من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم به». والله إنها لمسؤولية عظيمة على كل فرد منا غدا يوم القيامة، ما الجواب الذي سنقدمه بين يدي الله يوم القيامة؟
وتأبى الرسائل الإلهية أن تأتيهم إلا عبر ”ريان“ وهو باب من أبواب الجنة لا يدخله إلا الصائمون، وكأن هذا الإسم يقول للقائمين على تدبير الشأن العام أمسكوا  وصوموا عن هضم حقوق الناس وإلا ضاعت آخرتكم.
من الغباء انتظار يقظة قلوبهم، إنه لا سبيل إلى تحقيق صباطة الرفيعة لكل مواطن إلا برفض البقاء تحت صباط الفاسدين المستبدين المستفيدين... !

شارك المقال لتنفع به غيرك

Kommentar veröffentlichen

0 Kommentare


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?hl=de