إلى السيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة
أطفالنا يطحنون طحنا في المؤسسات التعليمية ما قبل الجامعية
من طور التعليم الابتدائي مرورا بالطور الثانوي الإعدادي ووصولا إلى الطور الثانوي التأهيلي، يفترض أن التلاميذ (أطفالنا، فلذات أكبادنا) يدرسون ويتعلمون بكل أريحية، يستوعبون كل ما يدرس لهم من دون عناء، يحبون المدرسة ومدرسيهم. نعم، يفترض، لكن الواقع غير هذا تماما، فهم يعانون الأمرّين، بل يقاسون بما في الكلمة من معنى، بحيث يدرسون ما لا يستوعبون من حيث كم المواد المبرمجة ونوعيتها التي لا تتلاءم مع مؤهلاتهم اللغوية وإمكانية فهمها واستيعابها. مفاهيم تتجاوز مؤهلاتهم الاستيعابية، وتتجاوز قدراتهم الذهنية وحتى الجسدية (حمل الأثقال خلال التعليم الابتدائي)، علما أنهم معطوبين تماما لغويا، بحيث تم تضييع تعليمهم اللغة خلال التعليم الابتدائي، الذي أصبح طورا لتعلم كل شيء إلا اللغة. فبدلا من تعليمهم اللغة، كما يجب (آلة الفهم والاستيعاب لكل ما يدرس لهم من معارف وعلوم، فيما بعد)، يتم تدريسهم العلوم وغيرها من المفاهيم المعقدة بالنسبة لأعمارهم ومؤهلاتهم العقلية، واللغوية بدءا. فبدلا من المعارف والمهارات الناعمة الميسرة يتم تعليمهم المعارف والمهارات الصلبة الصماء الصعبة. ثم يصلون إلى الجامعة (من خلال الإنجاح المكثف) حيث المهارات الناعمة التي حرموا منها من قبل، والمعارف الميسرة لينهوا مسارهم التعليمي بكل سلاسة وبالراحة، نزولا عند المثل الشعبي "اخدم يا صغري على كبري". نعم، التعليم الجامعي مقبل على نظام الباشلور، الذي يفترض فيه تعليم الطلبة ما لم يتعلموه من قبل (كاللغة) في مقابل تعليمهم ما تعلموه من قبل (العلوم بكل تشعباتها وتعقيداتها).
السيد الوزير، لو أردنا أن ينجح أطفالنا، باستحقاق، خلال أطوار التعليم ما قبل الجامعي، فعليهم أن يهجروا النوم. عليهم أن يحفظوا (الحفظ فقط) أكثر من 5 ساعات في اليوم...، حتى خلال عطل آخر الأسبوع والعطل الأخرى، إن هم أرادوا ألا يصبحوا متجاوزين، من كثرة المواد والدروس. يتعلق الأمر فعلا بمطحنة... ثم نتباكى عن عزوف أبنائنا عن التعلم حتى وإن لم يغادروا المؤسسة التعليمة، ونتأسف لعدم مبالاتهم بما يعلم لهم. ثم نحملهم في الجامعة، كطلبة، مسؤولية مستوياتهم اللغوية والمعرفية المتدنية، وعدم تفاعلهم الإيجابي مع ما يدرس لهم. فالسؤال الذي لا مفر منه هو كيف وصلوا إلى الجامعة وبمعدلات نقط لا تقبل النقاش، معدلات لم نكن حتى نحلم بها، حينما كان لا يصل إلى الجامعة إلا من كان متمكنا لغويا ومعرفيا وعلميا. وحتى إن بلغ بعضهم التعليم الجامعي والعالي غير مؤهلين كما يجب، كانت تتم غربلتهم خلال السنة الأولى الجامعية.
تم إنجاحهم من قبل بمعدلات خيالية، ولما بلغوا الجامعة، إذا بنظام تعليمي جامعي مفصل على قياسهم لإنجاح غالبيتهم. ولو تشدد الأساتذة في التنقيط (أي نقطوا كما كان الأمر من قبل، النقطة المستحقة) لما اجتاز الحاجز الجامعي الأول إلا القلة القليلة، ولتم اتهام "المتشددين" باللابيداغوجيين، وكل هذه الحيثيات تطرقت لها من قبل في الكتب التي كتبتها بهذا الخصوص "التربية والعليم وثقافة مجتمع، اختلالات ومعاطب – صرخة مغربي" و "التعليم بين الكفايات والإدماج، من كرة القدم إلى نظرية داروين" و "الهدر الجامعي".
إذن، أذكر فقط، لما أعاينه، من حين لآخر، مما يعانيه أطفالنا من تعنيف معنوي رهيب وتنفير من كل ما يتعلق بالتعليم بصلة، يعلنون التعليم والمعلمين والمدرسة والمدرسين والناس أجمعين، لسان حالهم كحال الحلاق في قصة الحلاق الثرثار الذي بدأ يرسم خريطة العالم في رأس الزبون، ليشرح لجماعة من الزائرين عنده ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، بين روسيا واليابان. أوضح لهم، على الخريطة التي رسمها في رأس الزبون، أن الأسطول الياباني ضرب الروس عند جزيرة "بور ارثور" ضربة قاضية، فجمع يده وضرب الزبون بقوة على أم رأسه، فقام المسكين هاربا يولول ويهرول، يلعن السياسة والسياسيين والروس واليابانيين والناس أجمعين.
الربط في 15 يناير 2023
عبد الله لخلوفي
جامعة محمد الخامس
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.