لكي تصبح كاتبا...!
كثيرة هي المحاولات التي أقرر فيها دائما إصدار وإخراج كتاب
إلى أرض الواقع والوجود. لكن ثمة هناك حواجز تأتي من تلقاء نفسها، في أحيان كثيرة لا أفهمها، تقلب كل شيء رأسا
على عقب، دون وعي وإدراك منى عن السبب، فأجدنى في كل مرة مستلقى على فراشى أطرح
الكثير من علامات الاستفهام دون الحصول على أجوبة مقنعة، وأحيانا لا أحصل عليها
أبدا ؛ كأننى هل لا زلت في عمر لا يسمح لى بالانخراط والمشاركة مع الأدباء والرواد
والمفكرين، والتصنيف في خانة هؤلاء، طبعا هو أمر يتطلب الكثير والكثير، إذ كونك كاتبا شيء له وجود مستقل عن كونك ناشر
لمقال على منصة إلكترونية أو مجلة ورقية أو جريدة علمية؛ فإنجاب الأطفال على سبيل المثال لا يجعل منك أبا
مثاليا، مالم تكن كذلك في مسؤوليتك ورعايتك لهم ، واللهم جر.
من الامور والأشياء التي جعلتني في كل مرة أنبطح أرضا ،
مقتنعا تماما أن كل ما سأقوم بنشره للناس هو كلام قابل للانتقاد في آية لحظة ، و
يا ويحك إن أخطئت في التعبير عن كلام إن لم تكن مقتنعا منه، مستشهدا بدلائل وحجج
مقنعة ومنطقية ، ستفوت عليك لقب "
الكاتب" وستغدوا موضوعا للآخرين في
نقاشاتهم، يفطرون ويتغدون بك ، كما يقال في دارجتنا وتقافتنا المغربية. أما الأمر
الآخير والذي كان سببا مباشر في أن لا أقدم على كتابة حرفا واحدا، ولا أحرك ساكنا
في دفتر كتابتى وخواطرى؛ هو أن المجتمعات العربية بما فيهم المغرب لم تعد القراءة
من أولوياتهم واهتمامتهم اليومية، فقد أكدت دراسة إحصائية أن حوالي 85% من الأشخاص
لا يعيرون إهتماما للمطالعة والقراءة ، وهي أرقام كنا نسمع عنها منذ نعومة أظافرنا
إن لم أكن أجزم، والمعروف على المجتمع العربي انه كذلك في مختلف العصور التي مرت،
ولا يزال يواكب هذه التطالعات، خاصة بعد بروز الثورة الرقمية إلى أرض الواقع، فتجد الكل منشغل في تصفح مواقع التواصل
الاجتماعي، يتبع خبر هذا ،وينتقد هذا ،
ويعلق على هذا، ولا أحد تخفى عليه هذه الحقيقة . ولا تعتقد عزيزى القارئ أن بكلامى
هذا أحاول تشويه سمعة الوطن والإطاحة بها . ولكن من عادتى أننى لا ألوك الكلام لوك
، ولا أزيف الواقع معروفا، وأتحدث بكل صدق وموضوعية وامانة ، وأكشف على الحقيقة
كما هي، دون أن أضع مساحيق التجميل التى تجعل الأمر خفيا.
لكن رغم كل هذه العوائق والحواجز التى لا تغنى ولا تسمن من
جوع ، إنبتفث لدي فكرة الكتابة والتوثيق لمحطات من حياتي ، رغم اختلاف مراحل
نشوءها وسياق عيشها.
لا أحدا يولد كاتبا جيدا ، لكن بإمكاننا أن نصبح كذلك، إذ
نحن دربنا أنفسنا على أن نكون ملاحظين جيدين، وملتزمين بالتقاط كل الأفكار
والخواطر التى تخطر ببالنا ، وتقييديها بالكتابة في حينيها حتى لا تضيع في دهاليز
الذاكرة.
في هذا السياق تذكرت كلمات أحد أساتذة اللغة العربية الذين
درست وتتلمذت على يدهم في مرحلة من مراحل دراستى . أتذكر أنها طلبت منا سرد واقعة
وحادثة عشناها في حياتنا ولم تستطع الخروج عن كياننا إلى يومنا هذا . شرع الجميع بسرد واقعته وحكايته ، ولما حان دورى ، اكتشفت أننى لا أستطيع قراءة ما ذونته على الورقة . لم
أفهم السبب ، وبقيت على ذلك الحال جامدا في مكانى ، مثأترا بما كتبته .كان الكل ينتظر ما سا أقوله ،
لكننى فضلت أن يكون الصمت آخر طريقة للتعبير ، فإذا بالاستاذة تنفجر غضبا، قائلة:
لماذا لا تريد قراءة ياا سعيد؟ فما كان جوابى هو أنى جمعت أغراضى و غادرت الفصل
بكل هدوء وأدب ، تارك تذويناتى وكتاباتى على طاولة القسم . في اليوم الموالى،
وكباقى أيام الاسبوع، إلتحقت بحصة اللغة العربية، وكان أول خطاب استهلت به الأستاذة درسها: " ربما تصبح كاتبا مشهورا يوما ما ، يستشهدون
ويناقشون بك الآخرين في الدفاع عن آرائهم ومواقفهم". ومنذ ذلك الحين إنبتقث لدي فكرة الكتابة .ولا أعتبرك أيها
القارئ الكريم أنك تطرح علامات استفهام في ذهنك ، و تبحث عن السبب.
في السياق نفسه ، أورد الباحث والمفكر عبد الوهاب المسيري
قصة جميلة ودالة تعبر عن هذا المعنى بوضوح ، وذلك في كتابه "رحلتى الفكرية" يقول فيها : كنت لا
أنجح في الدراسة إلا في الدور الثاني ، حتى وصلت للمرحلة الثانوية فقال لى مدرس
التاريخ ، أنت عبقري يا عبد الوهاب ! فتغيرت حياتى منذ ذلك اليوم، مع أننى لا أدرى
هل إكتشفنى فعلا ام انه كان من باب التشجيع وانا صدقته ، والمهم أن النتيجة واحدة
، فقد تغيرت حياتى منذ أن سمعت تلك الكلمة."
إنه لا حل أمامنا ، إلا أن نقتحم المناطق المظلمة في حياتنا
، وأن نكون أكثر جرأة و ثقة في مواجهة صعوبتها، وتفحص وضعيتها ، قبل إعطاء الحلول، فلا يمكن للطبيب
على سبيل المثال أن يكتب لى مريضه وصفة طبية دون أن يفحصه
و يطلع على حالته ....!
0 Kommentare
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.