نهاية عصر الخصوصية... انكشاف الذات في الثقافة الرقمية
محمد سيد بركة
يتناول كتاب نهاية عصر الخصوصية... انكشاف الذات في الثقافة الرقمية للكاتب الألماني أندرياس برنارد وترجمته إلى العربية الدكتورة سمر منير مدرس اللغة الألمانية بكلية الألسن جامعة عين شمس، وصدر عن دار صفصافة بالقاهرة فكرة تأثير الثقافة الرقمية على الحياة اليومية للأفراد في القرن الحادي والعشرين ومدى علاقة تقنيات الثقافة الرقمية بعلم الجريمة و الطب النفسي، فهناك شيء واحد يجمع بين الملف الشخصي الموجود في وسائل التواصل الاجتماعي وعملية تحديد المكان عن طريق الهواتف الذكية وقياس ذبذبات الجسم؛ حيث يرجع أصلها جميعًا إلى علم الجريمة والطب النفسي. كيف يتأتى أن تصبح الأجهزة والإجراءات -التي كان من شأنها حتى وقت قريب أن تسهم في عملية القبض على المجرمين والمختلّين عقليًّا- أن تعتبر اليوم من دعائم عملية تمكين الذات؟ دراسة معاصرة للغاية عن خلفيات العصر الرقمي.
يتكون الكتاب من خمسة فصول ويستعرض الفصل الأول شكل الملف الشخصي الموجود على وسائل التواصل الاجتماعي ومنها موقع فيس بوك على سبيل المثال وأصل نشأة هذا الملف الشخصي في علم الجريمة حيث كان يتم إنشاؤه في الماضي واحدا من وسائل تحديد الهوية الجنائية. بينما يتناول الفصل الثاني تقنيات تحديد المكان عن طريق أنظمة مثل نظام جي بي إس GPS وعلاقة تلك الفكرة بعلم البحث الجنائي. ويتطرق الفصل الثالث إلى إجراء قياسات للجسم عن طريق الأجهزة الإلكترونية التي يتم ارتداؤها ومنها أجهزة قياس عدد الخطوات التي يخطوها الفرد وكذلك إجراء قياسات للجسم وذبذباته عن طريق تطبيقات الهواتف الذكية ويطرح الفصل تساؤلا عن العلاقة بين الشغف باستخدام تلك التطبيقات والتقنيات وبين الوساوس القهرية التي يهتم الطب النفسي بمعالجتها.
ويناقش الفصل الرابع فكرة تحول الخوف الهائل لدى الناس في الماضي من عملية تسجيل بياناتهم إلى رغبة عارمة في تسجيلها والإقبال على القيام بذلك بالاستعانة بتقنيات الثقافة الرقمية. أما الفصل الخامس فيعد تلخيصا لهذه الأفكار وكذلك استعراض لثقافة الاستبطان في القرن الحادي والعشرين.
ويسعى الكتاب إلى تأصيل التاريخ المعرفي للثقافة الرقمية واسعة النطاق التي تكونت منذ خريف 2006 وحتى الآن، بعد ظهور «فيسبوك»، والكثير من مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«إنستغرام»، وغيرها من المواقع الإلكترونية مع بحث آليات اندماج تقنيات تلك الوسائط الرقمية في تاريخ العلوم الإنسانية.
ويشير المؤلف في كتابه إلى أن هناك شيئاً ما يلفت الأنظار في أساليب تمثيل الذات ومعرفتها في أيامنا، سواء في «الملفات الشخصية» في وسائل التواصل الاجتماعي، أو في وظائف تحديد المواقع الموجودة في الهواتف الذكية، والتي يتم استخدامها بشكلٍ متنوع، أو في قياسات الجسم وفقاً لحركة القياس الكمي للذات. ويذكر برنارد، أن ما يلفت النظر يتمثل في حقيقة أن هذه الأساليب ترجع جميعها إلى طرق تم ابتكارها في علم البحث الجنائي وعلم النفس والطب النفسي منذ نهاية القرن التاسع عشر. وأصبحت اليوم من الأشياء العادية التي تخص أي مستخدم للهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي. فالأوصاف الشخصية المتعلقة بالمظهر الخارجي للأشخاص والمرتبطة ببيانات سيرهم الذاتية والـ«جي بي إس» صارت تُستخدم بمفهوم تواصلي، كما يتم استلهامها اقتصادياً أو عاطفياً. ويعد ما يعرف بـ«الملف الشخصي» ذا أهمية بالغة في هذا الصدد؛ ذلك أنه يلعب الدور المحوري في تحديد الهوية والتواصل بين الأفراد داخل نطاق شبكات التواصل الاجتماعي، فهي المكان الذي تتجمَّع فيه البيانات الشخصية والنصوص والصور ومقاطع الفيديو ما يجعله بمثابة مركز للتفاعل فيما بينهم.
ويذكر المؤلف أنديانا بويد، وهي باحثة في شركة «مايكروسوفت»، شددت على هذا العنصر في مقالاتها ذات التأثير الكبير، التي ترى فيها أن هذه الملفات صارت بمثابة الشكل السائد لعرض الهوية الشخصية على شبكة الإنترنت، وأن من ينشئونها يتمتعون بقدرٍ كبير من الاستقلالية في عرض ذواتهم على الملأ، ولفتت إلى أنه كلما زاد الابتكار والغلو في بناء شكل الملف الشخصي، زادت قوة ردود أفعال المستخدمين الآخرين لشبكة التواصل الاجتماعي.
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.