لهاورد غاردنر أستاذ علم المعرفة والتربية في كلية الدراسات العليا بجامعة هارفرد وأستاذ علم النفس والعلوم العصبية في جامعتي هارفرد وبوسطن، صاحب نظرية الذكاءات المتعددة والذي اشتهر بكتابه (أطر العقل).
يوضح الكتاب أن الأطفال يقطعون شوطًا طويلًا للتمكن من عدد كبير من الكفايات قبل دخولهم المدرسة دون أي تعليم رسمي، وبذلك يتشكّل العقل غير المدرسي.
هؤلاء الأطفال أتقنوا بسرعة نظمًا متعددة وطوّروا نظريات معقدة عن العالم والعقل خاصة بهم، هم ذاتهم يعانون صعوبات عدة عندما يدخلون المدرسة.
يدور الكتاب حول هذه المفارقة، لماذا يواجه الأطفال الذين من الواضح أنهم قادرون على التعلم الذاتي منذ ولادتهم صعوبة في التعليم المدرسي؟
من هنا يبدو أن التعلّم الذي يجري في البيت أو البيئة المباشرة خلال السنوات الأولى من الحياة ينتمي إلى مستوى مختلف تمامًا عن التعلّم المدرسي!
يذهب غاردنر في كتابه إلى أبعد من ذلك، فحتى عندما تنجح المدرسة في استثارة ضروب الأداء التي أسست من أجلها، فإنها تفشل تمامًا في تحقيق أهم مهماتها.
لقد أظهروا كل علامات النجاح في المواظبة والدرجات العالية إلا أنهم فشلوا في تحقيق الفهم الحقيقي لما تعلمه الطلاب وتطبيقه في سياقات أخرى.
تخفق المدارس في إدراك أنه لدى كل تلميذ (عقل غير مدرسي) يجاهد للخروج والتعبير عن نفسه، ولقد أثبتت دراسات العلماء المعرفيين قوّة تصورات الطفل (ذو الخامسة من العمر) عن العالم وثباتها المُدهش.
والأخطاء هنا لا يمكن التعامل معها كأخطاء سطحية وعادية بل تضرب بجذورها في اللاوعي.
من هنا تبرز ثلاثة أبعاد تُشكّل تحديًا لأي مربي:
١. تقديم الأفكار التي ترغبها المدرسة للتلاميذ، وهي غالبًا ما تكون صعبة ومناقضة للحدس.
٢. التأكد من ملاءمة الأفكار الجديدة مع السابقة.
٣. التأكد من إحلال المحتويات المجالية الجديدة محل المحتويات والأنماط السابقة المعارضة لها.
عادةً ما يُظهر المعلمون رغبة في التعامل مع هذه التحديات، إلا أنهم يواجهون تحديات أخرى فمعظم المدارس ترزح تحت عبء الفصول الكبيرة واللوائح المرهقة، ومطالب المحاسبية المزعجة، مما يجعل التربية من أجل الفهم تتأخر كأولوية من أولويات المدرسة.
فلا المعلمون ولا الطلاب يرغبون ركوب مخاطرات من أجل الفهم وبذلك فهم يقنعون بتسوية الإجابات الصحيحة الأكثر أمنًا، ويعتبر الطلاب والمعلمون أن التربية الناجحة هي إذا تمكّن الطلاب من تقديم إجابات أُجيزت على أنّها صحيحة.
هذا الأداء الطقوسي الأصمّ أصبح تقليدًا في معظم المدارس.
أصبحت المدرسة تعني مؤسسة جادة منتظمة رسمية منزوعة من سياق الحياة على نحو مقصود، فهناك مقدار لا يُستهان به من الحقيقة في القول الشائع أنّ المدرسة تحتجز الطلاب أكثر مما تربيهم!
في الفصول الأخيرة من الكتاب قدّم غاردنر حلوله لإصلاح التعليم المدرسي، وكان هدفه واضحًا وهو تلاميذ يتمتعون بالفهم الأصيل لمجالات المعرفة، وما ينقص المدارس هو سياقات تكون فيها ممارسات المهارات معقولة.
ولا يتم ذلك إلا من خلال:
١. تمهين التعليم.
٢. الاستعانة بالمتاحف.
٣. التكنولوجيا.
فتمهين التعليم يجعل من التعليم سياقيًا إلى حد كبير وبالتالي إمكانية تعليم المهارات المختلفة، كما توفّر المتاحف سياقًا طبيعيًا مثيرًا للأطفال يحرك دوافعهم ويمنح تعليمهم مغزى أكبر.
أما التكنولوجيا فتوفّر فرصًا للمشاركة والمحاكاة وتسهل على الطالب الرؤية العلمية للأشياء.
من حساب الدكتور عبد الرحمان عامر
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.