المستشارون في التوجيه التربوي والكسور المهنية المتتالية
ترتبط عملية
الكسر، إجمالا، بوجود مادة أو جسم أو شيء صلب قابل للتصدع أو الانفصال إلى جزأين
أو أكثر مثل الزجاج والخشب والحجر والعظام. وفي المجال الطبي، يرتبط مصطلح الكسر fracture بشكل وثيق بالعظام، حيث تتأرجح عملية الكسر
بين مستويات خفيفة كالتشقق البسيط (الكسور البسيطة simpleوالمغلقةclosed والخفيةoccult/hidden )، وأخرى قد تكون صعبة وشديدة، كالكسور
المزدوجة/المضاعفة double/compound والمنزاحةdisplaced والمفتتة communited
والمرضية pathologic. ويتيح لنا تحويل/نقل واستعمال
مفهوم الكسر في مجالات اجتماعية تفاعلية إنسانية ملامسة عدة أبعاد
أكثر تنوعا وسجالا ونقاشا وإثارة وحيرة: نفسية، مهنية، عاطفية، روحية، هوياتية، وجودية...
وهي، طبعا، أبعاد وجوانب تتجاوز التوظيف الطبي لمفهوم الكسر من حيث البنية والحمولة والأثر السطحي-الفيزيائي-المادي-التشخيصي-التدخلي-العلاجي-الروتيني.
المستشارون
في التوجيه ومتلازمة الكسر المهني المزدوج/المضاعف:
(Double/Compound Professional Fracture Syndrome)
يتم ولوج مركز التوجيه والتخطيط التربوي (بالرباط)
وفق شروط تفوق في غالبيتها شروط ولوج مراكز موازية ومماثلة. والغريب المبكي في
الأمر هو أن المستشار بعد تخرجه من مركز التوجيه والتخطيط التربوي، يجد نفسه فقد
كل شيء: الأقدمية في الإطار، تعويض "نحيف" لا يتعدى 170 درهم، ظروف عمل
صعبة، عدم اعتراف، حرمان من تغيير الإطار إلى مفتش أسوة بالأفواج السابقة، حرمان
من الترشح لولوج الإدارة التربوية...، على عكس خريجي المراكز الموازية (مركز
التفتيش التربوي) ومراكز التكوين (الإدارة التربوية) الذين يستفيدون من كافة
الامتيازات: تعويضات محترمة عن الإطار، تعويضات جزافية، سكن إداري، نقل المصلحة،
عدة العمل (حواسب وهواتف مهنية)، تعويضات عن التأطير، إمكانية الترشح لرئاسة
المصالح وغيرها من المناصب...
أليس ولوج مركز وطني بالرباط وتكوين لمدة
سنتين وفق معايير ومواصفات قياسية وما يتلو
ذلك من تدريبات ميدانية متنوعة وبحوث أكاديمية وامتحانات متعددة وتكوين مرهق
ومصاريف مادية وتبعات نفسية وتضحيات اجتماعية وزمنية ثم التخرج بعد ذلك بإطار "نحيف
جدا"، من الناحية الاعتبارية والمعنوية والمادية (تعويض لا يتجاوز 170 درهم،
نظرة تقنية إلى الأدوار، أعباء تأطيرية كثيرة دون تعويض، الاشتغال بوسائل عمل
شخصية كالحاسوب والهاتف والاقتطاع من الأجرة لزيارة المؤسسات ...)، أليس ذلك، كسرا
مهنيا مزدوجا/مضاعفا يجب العمل على تجبيره وعلاجه قبل أن ينتهي بمضاعفات نفسية
واجتماعية ولامعرفية ولاإنتاجية/لاإبداعية،
تذهب ضحيتها فئة المستشارين الممارسين والمتدربين على حد السواء؟
المختفون وفق
اتفاق 13 يناير، وأعراض الكسر المهني المفتت:
Communited
Professional Fracture Symptoms))
من بين ما لم يأت به اتفاق 14 يناير 2023
بشأن المبادئ المؤطرة للنظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، الحفاظ
على هيئة التوجيه والتخطيط التربوي كهيئة تاريخية مستقلة، ذات هوية مهنية خاصة،
وأدوار ومهام نوعية ضمن المنظومة التعليمية الوطنية على مر عقود من الفعل التربوي.
على النقيض من ذلك، فالاتفاق حمل بوادر وأعراض إحداث كسر مهني سمته التفتت والتشطير،
بعد إلغاء الهيئة بكاملها والاصرار على تشظيتها وتشذيرها وتقطيعها وتشتيت بقايا
عظامها على فئات وهيئات ذات خلايا وأملاح فسفور وكالسيوم مختلفة تماما عن نوعية الخلايا
وأملاح الكالسيوم والفوسفور المشكل لنخاعها العظمي الهوياتي المهني (من حيث المسار
والتكوين والمهام والشبكة العلائقية) ...
المستشارون
في التوجيه التربوي واضطرابات الكسر المهني الداخلي المغلق والكسر المهني الخفي:
(Closed
Professional Fracture/ Occult Professional Fracture Disorders)
لا شك أن الكسرين المهنيين السابقين (المزدوج/المضاعف
والمفتت) الذين تعرضا لهما المستشارون في التوجيه التربوي لهما مسببات خارجية نظرا
للنظرة التقنية المحدودة للمستشار في التوجيه التربوي وحرمانه من كافة حقوقه المتعلقة
بالتعويضات النظامية والجزافية وعدة العمل التي تتناسب وتكوينه ومهامه أسوة ببقية
الفئات والهيئات التي لها نفس المسار التكويني. علاوة على التعنت غير المبرر وغير
الموضوعي واللامنطقي للإبقاء وتثبيت الثنائية الصورية "مستشار-مفتش في التوجيه
التربوي". ويظل حذف إطار مستشار في التوجيه التربوي، واعتماد إطار مفتش في
التوجيه التربوي لجميع خريجي مركز التوجيه والتخطيط التربوي، بدون استثناء، حلا
نهائيا لمشاكل ومعضلات هذه الفئة التي طالما ناضلت وترافعت وضحت من أجل استرجاع
حقها في تغيير الإطار إلى مفتش كحق تاريخي مكتسب تم الاجهاز عليه. وهو أيضا حق
فعلي وواقعي ينبثق من طبيعة المهام والأدوار المزاولة والمسندة للمستشارين في
التوجيه التربوي: تأطير الأساتذة الرؤساء، تنفيذ وأجرأة كل مخططات الوزارة، البحث
التربوي، إنجاز دراسات ذات طابع نفسي اجتماعي، تأطير والمشاركة في الدراسات
الدولية والوطنية، تأطير المنتديات والملتقيات الإعلامية، البحث وتحيين المعلومات،
الإشراف على مواقع إليكترونية خاصة بالتوجيه ذات مصداقية وجودة عاليتين، مراقبة
جودة الامتحانات الإشهادية (الملاحظة)، تنسيق عمل مختلف المجالس، تأطير اللقاءات
مع الآباء وأولياء أمور المتعلمين، الإشراف على المصالح والأقسام بالمديريات
الإقليمية والأكاديميات الجهوية، المشاركة في لجن التتبع وكذا الإقرار...
أيضا، هناك كسور مهنية لا تقل خطورة عن
الكسرين المهنيين الخارجيين الذين تم التطرق إليهما. ويتعلق الأمر بالكسور المهنية
الداخلية المغلقة
closed والخفية hidden/occult. فالنوع الأول يتعلق بمشكلة تقدير الذات self-esteem لدى جل المستشارين في التوجيه التربوي، رغم
تكوينهم الجيد والمتين في مركز وطني فريد
وطنيا ووحيد إفريقيا، مقارنة مع درجة تقدير الذات من طرف أطر هيئات وفئات
مختلفة. بالإضافة إلى الفلسفة الانسحابية (وحتى الانهزامية) لفئة عريضة منهم تحت
أسباب ومبررات شخصية عدة، كتبعات صدمة الكسور المهنية الخارجية المتكررة، بلوغ سن اليأس
المهني، انشغالات الحياة اليومية، فقدان/تأجيل الرغبة في الانبعاث/التجدد، الظروف
المادية الصعبة نتيجة قرصنة الأقدمية (حرمان من الترقية ) وغياب تعويضان تليق
بالإطار، الأهداف/الغايات الفردية المسطرة، إمكانية الاشتغال تحت أي ظرف طارئ وتحت
سلطة أي كان (التأقلم السلبي)، التسليم التام بالقدر والقضاء المهنيين بخيره وبمحيطه
وببشره، التيه والفقدان المهنيين، الزهد والتصوف التربوي المهني، "التصدف
العلائقي"، عمق العمق، الكياسة والرزانة، اللطف والنضج، قابلية تشرب وامتصاص
المعاناة، الذكاء الاصطناعي... أما النوع الثاني المتعلق بالكسور المهنية الخفية hidden/occult والتي لها علاقة وطيدة بمسببات من نفس الجسم(الهيئة)،
فمن الصعب رؤية هذه الكسور المهنية عن طريق "التحليل/الفهم/الاتهام السيني
المجرد" لحظة إحداثها، ولكن يمكن
رؤيتها من خلال إجراء فحوصات تصويرية أكثر عمقا ونفاذا ونقدا كالفحص التصويري ب"الرنين
التشريعي التنظيمي" المتضمن في مختلف
النصوص المستجدة المتعلقة بالتوجيه التربوي.
وصفات مهنية مستعجلة لالتئام ممكن للكسور: (Urgent Professional Prescriptions)
كل
الكسور المشار إليها أعلاه يمكن معالجتها والتحامها شريطة وجود رغبة فعلية لدى
المتضررين منها في "الحضور"
presencing
بالمعنى الفلسفي الوجودي الفعلي في كل المحطات المهنية والعلائقية والنضالية
والترافعية (والصراعية المحتملة). كما يمكن مداواة جروحها وأثارها بالكتابةwriting : فالهيئة التي لا تكتب عن خيباتها ونكساتها
وتطلعاتها وخرها وبزوغها وطلوعها ومجدها وتاريخها وحاضرها وماضيها، تتآكل من
الداخل، بل، تصير طعاما سهل الالتهام من طرف الهيئات التي تتقن الافتراس. بيد أن فعل الكتابة
يستدعي أساسا فعل القراءة، بنظرة تحليلية نقدية/كشفية analytical and critical readingللذات والمحيط وعناصره البشرية ونصوصه ولا
نصوصه (الغائبة). ومن يتقن ذلك، فلا خوف عليه من الاندثار رغم قلته، لأن العبرة
بالإنتاج والتأثير والجودة وصناعة رأي عام محايد وموضوعي موازي، يعرف حقيقة ما
تعرض له المستشار في التوجيه التربوي من حيف ونفي وسلب لحق تاريخي متمثل في تغيير
الإطار إلى مفتش في التوجيه التربوي.
حمزة الشافعي
تنغير/المغرب
0 تعليقات
السلام عليكم و مرحبا بكم يمكنكم التعليق على أي موضوع ،شرط احترام قوانين النشر بعدم نشر روابط خارجية سبام أو كلمات مخلة بالآداب أو صور مخلة.غير ذلك نرحب بتفاعلكم مع مواضيعنا لإثراء الحقل التربوي و شكرا لكم.