المفهوم التربوي وأهميته في علوم التربية

الإدارة Mai 10, 2023 Mai 10, 2023
للقراءة
كلمة
0 تعليق
-A A +A

المفهوم التربوي وأهميته في علوم التربية


محمد بنعمر



محمد بنعمر


العلوم الإنسانية والتربية


إن أكبر طفرة تحققت لعلوم التربية ،كان هو اندماجها وتداخلها  مع العلوم الإنسانية،
واستثمارها و انفتاحها على بحوثها الميدانية ،بحيث تطورت الممارسات التربوية بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وكان هذا بفضل التطور الواسع والانجاز الكبير الذي تحقق في بحوث  العلوم الإنسانية، بحيث استفادت التربية من هذه الثورة المعرفية ،ومن الطفرة العلمية التي وقعت  في  العلوم الإنسانية بعد انفصالها واستقلالها عن الفلسفة، وانخراطها في البحوث الإجرائية، وهي الطفرة التي تحققت في  أغلب فروع ومسالك العلوم الإنسانية  ، ما يعني مبدئيا وبشكل صريح وضمني مدى استحضار واهتمام العلوم الإنسانية  بالقضايا التربوية والبيداغوجية تنظيرا وتطبيقا وممارسة وتوصيفا   ... [1].

ما يعني أن النقلة التي تحققت في العلوم التربوية ،كانت بفضل اندماجها وتداخلها مع العلوم الإنسانية بشكل خاص ،واختيارها استثمار والاستعانة ببحوث هذه العلوم الميدانية  في المجالات التعليمية والتربوية.

والذي يؤكد هذا الاحتضان ،وهذا التقارب العلمي ، واللقاء المشترك بين التربية و العلوم الإنسانية،هو حضور المباحث التربوية بشكل كثير  في البحوث والدراسات التي تنتمي إلى  قطب العلوم الإنسانية  ،وهو هذا القول والتصريح  الذي جاء على لسان  الدكتور محمد جسوس*[2] الذي قال " لا توجد علوم تربوية بالمعنى العام ،و إنما توجد علوم إنسانية اشتغلت على المجالات والقضايا  التي لها صلة  مباشرة بمجال  التربية".

 

 وبفضل هذا التطور والتحول الكبير الذي حدث وتحقق   للتربية وعلومها ،تغيرت الملامح والخصائص العامة لمفهوم التربية ولهندسة بحوثها  من حيث  المهام والأدوار والوظائف .

وعليه نقول إن هذا الانتقال والتحول في حقيقة التربية ،و في مهامها وأدوارها ووظائفها في الفترة المعاصرة ،يعني للمتابع أن  المراهنة في علوم التربية  كان    على ما هو إجرائي وتطبيقي   ،وهذا الاختيار يعد من أبرز رهانات  ومهام التربية الجديدة.

ومن تجليات هذه العلاقة الترابطية  العلوم التربوية والإنسانية، أن جزءا  كبيرا من مفاهيم علوم التربية ،هي في أصلها  مفاهيم ومصطلحات رحالة ،هجرت  علومها الأصلية- Les concepts transitive- وغادرت تخصها الأول الذي احتضنها ونشأت فيه، لتغادره بالمرة  دون سابق إشعار  ،  لتستقر في تخصص جديد ينعت و يسمى بعلوم التربية.[3]


العلوم الإنسانية وسياق العصر




لقد جاءت العلوم الإنسانية ومنها علوم التربية في سياق خاص ،يتحدد في التفاعل مع أهم المشاكل الحياتية المتراكمة ،والمعقدة التي أعقبت التحول المجتمعي العميق الذي عاشه الإنسان المعاصر،وكان هذا بفضل التحول الرقمي ،وما تركه من تداعيات ومشاكل في العالم .

يعني هذا المؤشر أن رفع هذه الفوضى الاجتماعية والفكرية التي أخذت تعيشها البشرية في الآونة الأخيرة لا يتم تجاوزه ، إلا بإعادة بناء و تركيب للمعرفة الإنسانية ،و مقاربة الإنسان في أبعاده المتعددة مقاربة وضعية علمية ،من خلال احداث قطيعة مع الأفكار والآراء الفلسفية التي تشكلت حول شخصية الإنسان بجميع أبعادها.[4]

فتحديد المفاهيم في المجال التربوي تشكل عملية إجرائية ،و عمل ضروري للباحث و المشتغل بالبحوث في المجال التربوي والتعليمي، لأن من شأن عدم الضبط للمفاهيم،وعدم التحقق من دلالتها واستعمالاتها ،ومن معناها المتعارف عليه بين الباحثين في المجال التربوي والبيداغوجي أن بفضي إلى التباس هذه المفاهيم وخفاء دلالتها ، وعليه فان التحقق من المفهوم التربوي في دلالته المصطلحية الأصلية يعد عملية ضرورية، لأن من شان هذا العمل أن يخلق أكبر مساحة واسعة من الفهم المشترك ،ومن التقاسم والتفاهم الجامع بين المشتغلين و المتدخلين في الشأن التربوي والتعليمي،وهو ما جعل عددا من الباحثين في الميدان التربوي يخصصون معاجم إجرائية وخاصة، لأهم المفاهيم والمصلحات التربوية المتداولة والشائعة في علوم التربية.

ومما يزيد من العناية بهذه الجهة ، أن كثيرا من المفاهيم ،والمصطلحات المتداولة في علوم التربية، قد انتقلت ورحلت من حقولها المعرفية الأصلية التي نشأت فيها ،لتستقر في هذا التخصص الجديد وهو علم التربية ،وتأخذ في هذا الانتقال مفهوما خاصا ودلالة جديدة جديدا ، ومن ثم لا ينبغي التنكر، أو التغاضي ، أو التقليل من أثر هذا العبور، و هذا الانتقال في أية مدارسة أو مقاربة للقضايا التربوية والإشكالات البيداغوجية،والديداكتيكية .



أهمية المفهوم




تحديد المفاهيم في العلوم كان من التقاليد الراسخة ،ومن الأعراف المعهودة والمالوفة في مجال البحث العلمي في التراث العربي الإسلامي ،لان تحديد المفاهيم هو في الأصل تحديد للأرضية العلمية الجامعة والمشتركة بين الباحثين في أي علم من العلوم وفي أي تخصص من التخصصات ،بحكم أن المعطى العلمي له تعلق بضبط المفاهيم وتحقيقها ،وهذا يعد من أهم المداخل ،والمقدمات الضرورية في بناء وتركيب العلوم ،أو في اكتساب المعرفة المحمولة في تلك العلوم.



ولقد حذر القدماء من آثار التباس وخفاء المفاهيم في العلوم ،،قد يحصل للمتلقي والسامع والباحث والمشتغل بالمجال التربوي والبيداغوجي،وهو الإشكال الذي عبر عن تداعياته وأثاره السلبية ، الإمام ابن حزم الأندلسي 465ه قديما في قوله "فلا شيء أضر للعلوم من تخليط الأسماء الواقعة على المعاني [5].

ما يعني بضرورة التحقق من المفاهيم التربوية المتداولة بشكل أكثر بين المتدخلين في الشأن التربوي والتعليمي.

لان الجزء الكبر من هذه المفاهيم كان حاضرا ومتداولا في العلوم الإنسانية ، لان هذه العلوم ،فهي تدرس و تشتغل على الإنسان في أحد أبعاده الأساسية المشكلة لذاته ،و لشخصيته.

واستقامة العلوم بما في ذلك علوم التربية ،يتوقف على وضوح مفاهيمها المتداولة والشائعة،وهذا ما ييسر التفاعل الايجابي مع هذا العلم.

إن الحاجة ماسة اليوم إلى مزيد من العناية،بجهة المفاهيم ،علما أنها تتطور هذه المفاهيم بشكل سريع.

فالتحقق من المفهوم التربوي بصفة عامة ،من حيث التداول والاستعمال والاستخدام من شأنه أن يخلق أكبر مساحة واسعة من الفهم المشترك، ومن التلقي الجامع بين الباحثين والمتدخلين في الشأن التربوي والتعليمي بصفة عامة.

وهذا الموشر يعني أن المفهوم التربوي ،له موقع متميز،وخاص في بناء الهندسة الابستمولوجية في علوم التربية.



[1] -مدخل  إلى  التربية  لعمر احمد الهمشري: دار صفاء للنشر والتوزيع الاردن2001.ص: 18-

[2] -باحث مغربي معاصر  و أستاذ السسيولوجيا  بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط المغرب له مؤلفات عديد في  علم الاجتماع ،وفي قضايا التربية والتعليم والديداكتيك منها :المسالة التربوية في المغرب.اشرف على عدد كبير من الرسائل الأطروحات في علم الاجتماع بكل من كلية الآداب  بالرباط وفاس بالمغرب. وللتعريف بجهود الدكتور

محمد جسوس في علم الاجتماع  ،قد نظمت شعبة علم الاجتماع ندوة وطنية في موضوع:السوسيولوجيا المغربية: الواقع والآفاق يومي 24/25 أبريل 2014 برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة القاضي عياض بمدينة مراكش المغرب، وكانت هذه الندوة  مخصصة لتكريم  للأستاذ محمد جسوس أستاذ ومتابعة أعماله  في  الاجتماع المغربي.

[3]  ماهي علوم التربية لمجموعة من الباحثين سلسة التكوين التربوي :ص: 8

[4] --الابستملوجيا الوضعية عند اغست كونت لمحمد وقيدي مجلة عالم الفكر-المجلد13العدد-1-السنة1982. ص:181

 

[5]ابن حزم (الأندلسي)، الإحكام في أصول الأحكام: 8/101


شارك المقال لتنفع به غيرك

Kommentar veröffentlichen

0 Kommentare


 

  • انشر مواضيعك و مساهماتك بلغ عن أي رابط لا يعمل لنعوضه :[email protected] -0707983967او على الفايسبوك
     موقع الأساتذة على  اخبار جوجل - على التلغرام : المجموعة - القناة -اليوتيب - بينتريست -
  • 1141781167114648139
    http://www.profpress.net/?hl=de